الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جائز، أما إن كان متعاقدا مع شركة منتجة براتب أو بنسبة على أن ما اخترعه يعتبر ملكا لها فلا يحق له بيعه لأنه أجير أو مستصنع.
بدليل ما سبق، ولأن من أخبرك عن شيء مباح تنتفع به بشرط العوض إن كان كما قال جاز له ذلك جعالة، وهذه معلومة جرى فيها عقد معاوضة محضة، ومن بشر ببشارة وشارط على المعاوضة جاز له ذلك، فإن لم يشارط فأعطي جاز؛ لحديث الثلاثة الذين خلفوا وإعطاء من بشرهم بالتوبة كساء (1)، وكان قد جرى العرف على هذا وأقره الشرع.
والمعروف عرفا كالمشروط شرطا، وقد جرى العرف على حق البشارة مكارمةً، وأقرها الشرع وأمر بالمكافأة عموما «من أحسن إليكم فكافئوه» (2).
بذل المال على المعلومة والمراهنة على ذلك:
وبذل المال لمعلومة نافعة عامة على سبيل الإلزام جائز ورد في مراهنة أبي بكر مع مشرك بمئة من الإبل مقابل مئة إن غلبت الروم في بضع سنين، ففاز بها أبو بكر، وكان فيها مصلحة عامة للإسلام والمسلمين (3).
(1) - قولنا «وإعطاء من بشرهم بالتوبة كساء» دليله من حديث الثلاثة الذين خلفوا وهو حديث طويل في صحيح البخاري برقم 4418 ومحل الشاهد منه «فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ» . وهو في مسلم برقم 7192.
(2)
- تقدم تخريجه.
(3)
- أخرجه الترمذي بسند حسن برقم 3194 عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ)(الروم: 1 - 4) فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب وفي ذلك قول الله تعالى (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(الروم: 4 - 5)، فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) قال =
ومن قال إنها منعت بعد تحريم القمار فقد أخطأ؛ لأن القمار هو بذل العوض على عوض مجهول يغلب فيه الضرر، والغرر، والغبن الفاحش على المقامر بخلاف قضية أبي بكر في المراهنة، فهو بذل عوض معلوم مقابل عوض معنوي مصلحي معتبر عام محقق، فقد بذل مئة من الإبل وهو متيقن أن الروم ستغلب الفرس في بضع سنين، للنص القطعي في القرآن، بخلاف المقامرة؛ لأنها قائمة على الجهالة وأكل المال الباطل وعدم النفع.
فما كان مثل قضية أبي بكر جاز.
فإذا تراهن اثنان على صحة أبحاث علمية من عدمها، كالمراهنة على بطلان نظرية داروين في قردية الإنسان ونشرت المراهنة واشتهرت جاز؛ لشهادة القرآن على بطلانها.
وكمناظرة عامة متلفزة على بطلان أو صحة أمر من الأمور التي يتعلق بها مصلحة، كدفع اتهام بفساد نسب إلى جهة بعينها فلا مانع منه عند تيقن صحة المآل؛ لكون المراهنة حينئذ سببا لكشف الحقائق، ودفع المفاسد.
= ناس من قريش لأبي بكر فذلك بيننا وبينكم زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارسا في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرهان- فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه قال فسموا بينهم ست سنين قال فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال في بضع سنين قال وأسلم عند ذلك ناس كثير.
قال هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن بن أبي الزناد.
قلت: وفي جواز الرهان أحاديث صحيحة غير هذه، منها حديث أنس عند أحمد بسند حسن برقم 13714 عن أبي لبيد قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج والحكم بن أيوب أمير على البصرة قال فأتينا الرهان فلما جاءت الخيل قلنا لو ملنا إلى أنس بن مالك فسألناه أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه وهو في قصره في الزاوية فسألناه فقلنا يا أبا حمزة أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن قال نعم والله لقد راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له يقال له سبحة فسبق الناس فانتشى لذلك وأعجبه. وأخرجه الضياء في المختارة برقم 2580. وأما ما ورد في النص السابق (وذلك قبل تحريم الرهان) فهو مدرج من كلام أحد الرواة، ولعله كان يرى الحرمة، فتأول الحديث بذلك. وقد أورد العلامة الألباني عدة أحاديث وآثار في إرواء الغليل في هذا الباب تدل على ما رجحناه.