الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أنواع الأموال فهي: نقد، وسهم، وحق، وعين، ومنفعة.
فأما النقد الذهب والفضة والعملة الورقية.
وأما السهم فنعني به الأسهم بأنواعها في الشركات والأسواق المالية والبنوك وغيرها من المعاملات المعاصرة.
وأما الحق فهو: كل حق تعلق بأي نوع من الأموال كالعلامات التجارية والحقوق الفكرية، وحق براءة الاختراع.
وأما العين إما مأكولة، أو مشروبة، أو ملبوسة، أو مقروءة، أو مسموعة، أو للسكن والأثاث، أو وسيلية كوسائل النقل والاتصالات وجميع ما أنتجته الثورة التكنولوجية الحديثة، أو عقارات تجارية أو زراعية، أو ثروات ظاهرة أو باطنة، كالبحرية والنفطية.
وأما المنفعة فرأسها الإجارات وما يتعلق بها من الأحكام، ويدخل في هذا النوع أحكام العواري والوقف، وعقود الخدمات، ومسائل وعقود معاصرة كثيرة ستأتي.
وقبل أن نتكلم عن هذه الأنواع الخمسة بتفصيل، يحسن هنا التنبيه إلى شيء مما أضر بفقه
المعاملات والأموال:
1 -
التوسع في علة الربا فوق المنصوص أو ما هو قريب منه، والذي يقطع به ويتفق عليه الجميع أن الشرع لم ينص لا في قرآن ولا في سنة على علة الربا، وإنما حرمه بنصوص قطعية، وهو نوعان عند نزول التحريم:
النوع الأول: ربا الديون، وهو أن يقرضه بفائدة مشروطة على القرض، فهذا محرم قطعا. ومنه نوع يحصل في وقت وجوب السداد للدين، فإن جاء وقت السداد ولم يستطع أجَّله زيادة على ما مضى بشرط زيادة ربوية على الدين، وهذا محرم قطعا، وهو من المقصود في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) (آل عمران: 130).
النوع الثاني: ربا الفضل والنسيئة، وهو في أصناف ستة منصوص عليها في أحاديث بلغت حد التواتر، وهي الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.
هذا ما ثبت، وما سواه تخريج للمناط والعلة بالاجتهاد الشخصي، وقد تفرقت وتشعبت الآراء هاهنا، وهي راجعة إلى أربعة عشر قولا مسطورة في مطولات الفقه، وأما تشاعيبها
فلا تكاد تحصى كثرة حتى أصبح هذا الباب من أصعب وأعقد أبواب الفقه، وفيه من الأقوال العسرة والمعسرة والضيقة والمضيقة والمحيرة ما يُقْطَع أنه خلاف أصل التشريع القائم على التيسير ورفع الحرج والمشقات والقائم على أصل العفو والإباحة في هذه الأبواب، وصدق الله (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82).
وقد تلقف هذا الخلاف والاختلاف والتعسير كثير من بحاثة وفقهاء العصر وجعلوه أصلا لفقه العصر المالي.
2 -
قاعدة التخريج على ما مضى.
وهذه انبثقت عن جعل كل ما مضى من الآراء الفقهية المالية أصلا، فما تخرج عليها من المعاملات المعاصرة أجيزت أو منعت، وهذه مثل سابقتها في الخطأ، إذ لم يتعبدنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتوقف على صور العقود القديمة التي نص عليها الفقهاء، وتحريم استجداد غيرها بحيث لا تصح أي صورة لعقد جديد إلا إن كانت على وفق تلك، وقد بينت في مواضع من هذا الكتاب في الماليات بطلان هذا النوع من المسلك وما أدى إليه من الارتباك في الفتوى، وسترى ذلك في التأمين وفي العقود المستجدة في ثنايا هذا البحث.
3 -
التوسع في تحريم المعاملة بالغرر والجهالة.
وهذا النوع لا يخرج عن قسمين: الغرر والجهالة التي هي من نوع المقامرة، وهي الميسر والقمار المحرم قطعيا، ومنه ما كان يعرف ببيع الملامسة والمنابذة والحصاة.
والقسم الثاني: الغرر الشديد أو الجهالة الفاحشة، وضابطها كل غرر أو جهالة ترتب عليها ضرر لا يتسامح بمثله.
أما غير هذين القسمين فلا مدخل للقطع ببطلان المعاملة بوجوده، وإلا لأبطلنا أمهات من العقود كالمضاربة والمساقاة والمزارعة والسلم وغير ذلك.
4 -
الاعتماد على أحاديث ساقطة وشديدة الضعف في أمهات المسائل في الماليات، ومنها:
أ) حديث «الكالئ بالكالي والدين بالدين» ، وهو شديد الضعف ساقط كما ستراه في محله.
ب) حديث «أي قرض جر نفعا فهو ربا» وهو باطل وساقط بإجماع المحدثين، وقد خرجته وبسطت ذلك في الفقه الوظيفي.
ج) حديث «فلا يصرفه إلى غيره» وهو شديد الضعف.
فهذه الأحاديث جعلها علماء وطلبة علم في عصرنا أصلا، وكم حرموا ومنعوا وعسروا من معاملات وعقود معاصرة مستدلين بها، وهي باطلة.
5 -
بالاستقراء والتتبع الشديدين لا يصح إبطال أي معاملة إلا بأحد موانع خمسة، وهي: الربا، وعدم الرضى، والميسر ومنه القمار، والغرر الشديد، ومانع تحريم العين التي يراد بيعها، ومانع الضرر العام أو الخاص، فهذه خمسة موانع وإن جعلنا الغرر قسما مستقلا صارت ستة.
ووجدت أن جميع النصوص في البيوع والمعاملات لا تخرج عن هذه أبدا، وقد عرفت ذلك عن تحرٍ وبحثٍ وتتبعٍ واستقراءٍ.
6 -
جعل أحاديث مختلف في صحتها بين كبار أئمة الفن أصلا لمنع مهمات مما تعم بها البلوى في المعاملات المعاصرة، وستراها في هذا البحث.
وعند التسليم أو الترجيح للصحة فلا تجعل أصلا، بل تبقى المسائل على الأصول الشرعية القطعية، ولا تخرج عنها بمثل هذه الأحاديث التي يحتمل ضعفها وحسنها احتمالا قويا في الجانبين.
7 -
ما هو ضعيف الاستدلال في المنع ومنها تحريم التأمين لأجل التحيُّر في تخريجه على مسألة ذكرها الأئمة الأربعة ونحوهم، والحق أنها على الإباحة؛ لعدم وجود مانع من الموانع الخمسة الشرعية على وجه التحقيق أو الغلبة المعتبرة شرعا في الفتوى لا مجرد الوجود بدون هذين الوصفين، وقد حققنا ذلك في محله، ومما لا دليل عليه اشتراط تقديم رأس مال السَّلَم ولم أجد دليلا من كتاب أو سنة عليه، بل كان مالك يفتي بجواز تأخيره لثلاثة أيام، ومع هذا فقد جعل البعض هذا الشرط أصلا في كثير من المعاملات والعقود المعاصرة، والحق أنه لا أصل له من كتاب ولا سنة، فنبقى على أصل الحل والإباحة المتيقنة حتى تزحزح بيقين.
ومما لا دليل عليه اشتراط القبض في غير الطعام، فإن القبض في الطعام مذكور في الصحيحين، أما غيره فلا يصح فيه دليل، ولذلك اختلف فيه العلماء القدامى من الأئمة الأربعة وغيرهم على سبعة مذاهب، والاستدلال بحديث «إذا بعت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه» استدلال لا يصح؛ لأن هذه اللفظة شاذة ومعلة، واللفظة الصحيحة -عند التسليم بصحة حديث حكيم بن حزام- هي «لا تبع ما ليس عندك» ، وإنما صححنا هذه اللفظة فقط لوجود شاهد لها من حديث عمرو بن شعيب ومع هذا فالخلاف في ضعفها معتبر فهي مضطربة معلة كما قرر ذلك كبار علماء الفن.
ولذلك اضطربت أقوال العلماء في اشتراط القبض على أقوال كثيرة، والصحيح منها ما دل عليه حديث الصحيحين، وهو الاشتراط في الطعام، لا في كل شيء، ولذلك أعرض البخاري ومسلم عن إخراج حديث القبض مع شدة حاجتهما للاستدلال به، وما ذلك إلا لاعتبار قوة إعلاله عندهما، وقد تتبعت طرقه وشواهده فوجدت أرجحية ما ذهب إليه البخاري ومسلم في ذلك.
8 -
ومما أضر بفقه المعاملات الفهم غير الصحيح للنصوص، كنص «لا تبع ما ليس عندك» على فرض صحته، وأنا وإن كنت قد رجحت الصحة لهذه اللفظة، ولكن يبقى في النفس شيء، على أن معناه هو (لا تبع ما لا تملك)، أما ما هو في ملكك وليس عندك في مجلس العقد فيصح لك بيعه، وقد اطلعت بعد هذا التقرير على أقوال لكبار العلماء وافقت في هذا ما ذهبوا إليه، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله ابن حزم وغيرهما كثير.
ولا يصح الاستدلال به على بيع ما تملكه ولم تقبضه؛ لأن لغة العرب تأباه، وهذه الشريعة عربية، ولا يصح كذلك من باب المقاصد الشرعية التي أمرت بحفظ المال وجعلته أصلا من أصولها؛ لأن المقصود هو حفظ أموال وحقوق الخلق، فبيع ما لم تقبضه جائزوقد دخل في ملكك وهو مضمون في الغالب لا مرية في مضمونيته ومضمونية تسليمه للمشتري، وعلى هذا جرت كثير من تجارات العصر، ومنعها من منع لهذه العلة مستدلا بالزيادة الشاذة في حديث حكيم، أو مستنبطا ذلك من لفظة «لا تبع ما ليس عندك» .
وهو استدلال غير صحيح يدل على بطلانه أن الشرع أجاز بيع السَّلَمِ وهو بيع موصوف في الذمة معدوم إلى أجل، وما أجازه إلا لحاجة الخلق الشديدة إليه، وضبطه بضوابط تضمن حفظ أموال المتبايعين. ومسائل العصر كذلك تضبط بضوابط في تسليمها ودفع ثمنها، وما وجد من اللوائح والأنظمة الشديدة في البنوك والأسواق المالية في التسلم والتسليم يجعلنا نقول بجواز البيع قبل القبض إلا في الطعام للنص الصحيح الصريح فيه، بخلاف غيره، وهو مذهب مالك عليه رحمة الله تعالى.
9 -
مما أُخطئ في تكييفه شرعا الإيفاء بالوعد، وَخَرَّجوا عليه الوعد للآمر بالشراء، وخرجوا هذه المسألة على بعض أقوال العلماء في هل يجب الوفاء بالوعد أو لا؟ وليس الأمر كذلك، فقد غفل من غفل عن أن الوعد ضُمِّنَ في عقد، والعقود واجبة الوفاء بالنص (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1).
فالوفاء هنا ليس لأنه وعد، بل لأنه عقد بالوعد.
فهذه نبذة مختصرة عما ضر من الأنظار والتأويلات بفقه المعاملات والاقتصاد الإسلامي الذي يعد النموذج الراشد للعالم.