الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الثمرة المادية المعنوية هي للمستفيد (1) من المنفعة ومشتريها.
وقولنا «متقومة بثمن معلوم» هذا الثمن معاوضةٌ تدفع لبائع المنفعة مقابل تلك الثمرة.
وقولنا «معلوم في السوق» خرج به الحقوق التي سبق الكلام عنها في قسم مستقل للمال كالحقوق الفكرية؛ لأنها متقومة لكن بثمن غير معلوم في السوق، فلا يرجع فيه إلى سعر المثل عند الحاجة؛ لأنها مبنية على التعويض لا على المعاوضة.
فالفرق بين القسمين الحقوق والمنافع:
أن الحقوق المالية تُقَوَّم بثمن التوافق (2)، ولا قيمة لها مثلية في السوق.
وأما المنافع فلها ثمن، وهو المتوافق عليه، ولها قيمة مثلية في السوق يرجع إليها.
أولا: المنافع التي جرى عليها التعامل تجارة.
فأما ما جرى عليها التعامل تجارة بيعا وشراء فيدخل فيها عقود جرى التعامل بها قديما وحديثا: فالأولى الإجارة وبعض الوكالة بالمعنى القديم.
والثانية: عقود التوكيلات، وعقود الخدمات البنكية، وعقد التخليص الجمركي، وعقد التحويلات، وعقد خطوط الاتصالات، وعقد الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وعقود الاعتماد المستندي، وعقد الضمان، وعقد التأمين، وعقد التسويق، وعقد الوساطة التجارية، وعقد الدعاية والإعلان، وعقد الخدمات الاستشارية، وعقود المسابقات، وعقود المراهنة، إلا أن هذين الأخيرين ألصق بالحقوق المالية لعدم تقومهما بسعر المثل.
والأصل في جميع هذه العقود الصحة والحل ما لم تشتمل على محرم مقطوع بحرمته أو قريب منه.
-
الاستدلال على عقود المنافع
والعقود على المنافع من الحاجات البشرية المقرة في الشرائع والأديان أصلها منتشر في النصوص (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)(الكهف: 77).
(1) - قولنا «للمستفيد .. الخ» إنما فرقنا بين المستفيد والمشتري لأن من المنافع ما لا يشترى بل يستفاد بنوع آخر من طرق التملك، كالوقف مثلا.
(2)
- قولنا «التوافق» أي بين بائع ومشتر بأن يتفقا على الثمن.
فجعل موسى عليه السلام مقابل العمل الأجر وأقره الله في مصدر شريعتنا ولم ينكر عليه، بل علل له قضية التبرع (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) (الكهف: 82).
وللنص على جواز بيع المنافع المختلفة في عقد واحد من رعي وإصلاح زرع وخدمة، وحراسة مقابل منفعة أخرى متقومة عرفا وشرعا (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القصص: 27).
ولقوله صلى الله عليه وسلم «قد زوجتكها بما معك من القرآن» (1). فجعل منفعة التعليم مقابل منفعة النكاح.
ولقوله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)(الطلاق: 6)، فقابل منافع الرضاعة بالأجرة؛ لأن بيع الحليب غير مقصود بانفراد، بل هو ومجموع المنافع معه.
(فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(النساء: 25) فسمى مقابل منفعة النكاح أجرة.
وفي النص «من قتل قتيلا فله سلبه» (2)، وهذا وإن كان من الحقوق المالية لعدم وجود ثمن المثل، فهو وما سبق في الحقوق أصل في المنافع فجعل عمل المقاتل متقوما مع كثرة الجهالات فيه، وعلق الحكم -وهو إعطاؤه السلب- على تحقق المقصود، وهو قتل محارب من العدو، وفي النص «للفارس سهمان وللراجل سهم» (3).
فحدد نسبة ثابتة مقابل منفعة دينية وهي الجهاد مع اختلاف المجهود الحربي بين معركة وأخرى وجهالة غنائمها.
(1) - أخرجه البخاري برقم 2310 عن سهل بن سعد قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني قد وهبت لك من نفسي فقال رجل زوجنيها قال قد زوجناكها بما معك من القرآن. وهو في مسلم برقم 3553.
(2)
- تقدم الحديث وتخريجه.
(3)
- تقدم الحديث وتخريجه.
والأدلة على المعاوضة على المنافع كثيرة بنوعيها، أعني ما له ثمن في العرف مستقر وهي هذه، وما ليس له ثمن مستقر في العرف، وهي: الحقوق المالية التي سبقت، كأخذ الأجرة على الحق الفكري والرقيا، وهي منفعة غير متقومة وليس لها سعر مثل في العرف «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» (1).
ولأن الشريعة جاءت لرعاية المصالح ودفع المفاسد، وهذه منها؛ ولأن العادات محكمة إن لم تخالف شرعا، وهذه لم تخالف. ولعموم (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) (النساء: 29).
فأحل كل عمل تجاري قائم على التراضي، وهو عقود المنافع والخدمات التي صارت اليوم من أظهر التجارب. ولقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275). فأحل كل بيع وأطلق في المبيع، وحرم الربا.
فمن حددها ببيوع معينة، أو تجارات معينة احتاج إلى قاطع للإخراج من هذه القواطع الأصول.
ولم يأت من محرمات المعاملات التجارية تحريمُ بيع المنافع، أو حصرُ الحل على صورةِ العقد في زمن التشريع.
وقد ذكرنا مهمات الأصول والقواعد في مبدأ فقه المال.
ونذكر إن شاء الله في الأنظمة المالية كل دليل غير ثابت سبب الاستدلال به اختلافا في الأنظار.
ونقرر قاعدة في العقود المالية، ونحصر مع قديمها حديثَها.
ونذكر أصولها بلا تحير أو تكلف في ليِّها لتوافق عقدا قديما. إذ القديم مقر شرعا بالأصول العامة، والعلل والقواعد، والمقاصد المالية. والجديد مقر شرعا بالأصول والعلل والقواعد والأصول المالية. لا لمجرد أنه وافق القديم.
ونحرر قواطعَ ما ثبت من الأمور التي تؤثر في صحة العقود وعدمها؛ لتكون ملاذا للناظر
(1) - تقدم الحديث وتخريجه.