الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما كونها مع نساء ثقات أو رفقة آمنة من النساء مع محارمهن، فهو انفراد من بعض الأئمة في مسألة الحج، ولا يحقق ما يحققه المحرم من الحفظ والرعاية خاصة عند طروء ضعفٍ على المرأة وهو كثير في السفر.
ويرد عليه أن رجلا ذهبت امرأته للحج مع الصحابة ونسائهم فقال لرسول الله: يا رسول الله إن امرأتي ذهبت للحج وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. فقال: «الحق بأهلك» (1).
فلو كان اعتبار الرفقة المأمونة معتمدا شرعا لكان ذلك في رفقة فيها صحابة رسول الله ونساؤهم، ولرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدل على عدم اعتباره.
أما خروج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته للحج؛ فهو لأنهن أمهاتهم بالنص (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(الأحزاب: 6)، وهذه خاصية ليست لغيرهن.
فَعُمِل بمدلول هذا النص في تلك الحجة، ولم يؤثِّر هذا المدلول في غير ذلك السفر أو الدخول عليهن في بيوتهن من أجنبي بالإجماع، ويعمل بفتوى الرفقة مع النساء المأمونات فيما يعمل به اضطرارا لا كأصل، والضرورات تقدر بقدرها؛ فإن لم تجد والسفر ضرورة جاز منفردة قياسا على فرار المرأة من المشركين مهاجرة منفردة بشرط غلبة السلامة.
الدخول على المرأة الأجنبية:
أما الدخول على النساء الأجنبيات في غير مكان عام ظاهر فالأصل حرمته للنص «إياكم والدخول على النساء» (2). وهذا عام يشمل أي دخول ويدخل فيه الخلوة دخولا أولياً.
ويجوز للضرورة بشرط عدد من الرجال العدول «لا يدخلن أحد على مغيبة إلا ومعه الرجل والرجلان» (3).
(1) - أخرجه البخاري برقم 3006 عن ابن عباس، رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم» . فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة. قال «اذهب فحج مع امرأتك» .
(2)
- أخرجه البخاري برقم 5232 عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو. قال «الحمو الموت» . وهو في صحيح مسلم برقم 5803.
(3)
- تقدم تخريجه.
وقلنا «للضرورة» ؛ لأنه من غير ضرورة يبطل أصل حفظ المرأة وصيانة سمعتها وعرضها وما عاد على الأصول بالإبطال فهو باطل.
ولا يشك عاقل أن المرأة التي فتحت أبواب بيتها لكل من شاء من الرجال الدخول عليها لِتَرَفُّهٍ، وتبادل الحديث، والأقاويل أنها امرأة لا سلامة لسمعتها بين المجتمع، وتكثر حولها الشائعات والقيل والقال.
ولذلك لم يحل الله لها إلا القول بالمعروف بدون خضوع (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)(الأحزاب: 32).
والدخول عليها ولو بعدد من الرجال من غير حاجة وضرورة خروج عن المعروف؛ لأنه أشد من الخضوع بالقول، وخروج عن المعروف إلى عدم المعروف؛ لأنه إن لم يكن لحاجة بالمعروف؛ كان لمجرد الترفُّه للأجانب مع الأجنبيات، وهذا محرم أشد من تحريم الخضوع وأولى.
فدل على أن الدخول لحاجة؛ ولأن «العادة محكمة» إحدى القواعد الخمس الكبرى، والعادة بين البشر أن كثرة دخول الرجال الأجانب على المرأة في غياب زوجها شبهة، وهذا يعلمه مسلم وكافر، وقد ضبطت الشريعة قولها وفعلها بالمعروف (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) (الأحزاب: 32)، فهذا في الأقوال، والأفعال أبلغ (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 234).
وهذه في الأفعال؛ فضُبِطَتْ بالعُرْف.
وهذا كثير في النصوص كقوله تعالى (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ)(الطلاق: 6)، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة: 228)، وهذا يدل على اعتبار العادة والعرف في ذلك اعتبارا بينا مُحَكَّما.
وأما حديث فاطمة بنت قيس أنها اعتدت عند أم شريك وكانت امرأة غنية، وكان الصحابة يأكلون في بيتها «إنها امرأة يغشاها أصحابي فتحولي من عندها حتى لا ينكشف منك ما تكرهين» (1) فهو دليل على ما قلنا.
(1) - تقدم تخريجه.