الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومزاولة الوساطة التجارية بأي صيغة استثمارية لم ينقلها عن أصل الجواز دليل صحيح صريح.
-
السوق التجاري:
والسوق التجارية أقسام هي:
السوق العرفي: وهو التجمع المكاني لعملية البيع والشراء السلعي.
والسوق العام: وهو ما يشمل كافة الأنشطة التجارية في مكان معين.
والسوق الوطني: وهو ما يشمل كافة الأنشطة التجارية في بلد معين، وقد يطلق على النشاط التجاري في السلع المصنعة محليا.
والسوق الدولي: وهو ما يشمل كافة الأنشطة التجارية على المستوى الدولي.
وللسوق أحكام خاصة راجعة إلى الحفاظ على مصالح الخلق، وقوة الشراء والطلب والحركة التجارية، وما يترتب عليها من مصالح عظيمة، فواجب عموما على الدولة الرقابة والتفتيش على السوق؛ لأن هذا خادم للمصالح العامة ودافع لمفاسد الإضرار بالناس وحركة التجارة.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يمر بالسوق (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)(الفرقان: 20).
وقد يفتش على السلع كما حصل مع صاحب الطعام؛ إذْ أدخل يده فيه فوجد أسفله مبلولا، فقال صلى الله عليه وسلم «من غش فليس منا» (1).
ونهى عن البيع على أطراف السوق حتى يحوزه التجار إلى رحالهم (2)، لأن ذلك يؤدي إلى وجود سوق ثانوي يؤثر على حركة السوق الأصلي، هذا ما أراه تعليلا للحديث ومن جعل علته أن الحيازة لأجل القبض فقد أبعد؛ لأنهم قد قبضوا في مكان البيع ولم يبق سوى النقل إلى المكان المخصص من السوق وهي الحيازة المقصودة في الحديث. والله أعلم.
وفي هذا دفع لما يسمى «السوق السوداء» لتأثيره على الحركة التجارية واليد العاملة ووفرة
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- تقدم تخريجه.
السلع؛ كونه يعتمد على الفردية، والبعد عن العرض في السوق، وهذه مفاسد معتبرة، فدفعها الشرع.
وحرم تلقي الجلب (1) لما فيه من الخروج عن السوق فيضر به من حيث ورود السلع ووفرتها ومن حيث السعر، واحتكار السلعة بدلا عن عرضها العام في السوق المؤدي إلى زيادة العرض والطلب.
ويؤدي ذلك إلى بطالة اليد العاملة تدريجيا؛ لعلة قلة ورود البضائع والنشاط التجاري إلى السوق العام، وقلة العرض والطلب ويؤثر ذلك على المعيشة والوضع الاقتصادي العام.
ونُهي أن يبيع حاضر لباد (2)، دفعا للاحتكار، وتخزين السلع، ورفع الأسعار.
وكل ما يخدم مصلحة السوق وحركة التجارة وتشغيل اليد العاملة أمر مصلحي عام، والمصالح جاءت الشريعة لرعايتها.
وعلم التسويق والإدارة التجارية وكل ما تعلق بها من الوسائل الخادمة لهذه المصالح، فهي مطلوبة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
- خدمات سوق المال في البنوك
عقود الخدمات والاستثمار الجارية في البنوك الأصل فيه الإباحة؛ لعموم (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: 29).
وهذه العمليات تجارة، فشملها أصل الإباحة، ولا يحرم شيء من عمليات البنوك إلا ما كان فيه أحد الموانع الخمسة.
وهي عقود الربا وعقود السلع المحرمة، وعقود الميسر ومنه القمار والتغرير وعقود جرى فيه اختلال التراضي، وعقد اشتمل على الضرر العام على السوق أو الديانة أو المكارم الإنسانية.
فالبنوك الربوية يحرم التعامل بوجه معها؛ لأنها قائمة على أساس قطعي البطلان شرعا ومعلوم الحرمة بالضرورة الشرعية.
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- تقدم تخريجه.
وكل سلعة محرمة من خمر أو خنزير أو ميتة أو دعارة أو أصنام معبودة أو دم يحرم التعامل فيها بعقد بيع أو شراء أو استيراد أو تصدير أو عقد صناعي أو سلم أو مضاربة أو إيجار أو شركة أو إنشاء أو إعمار أو نقل أو صيانة أو مقاولة أو اعتماد مستندي أو توكيل أو خصم أوراقه كالكمبيالات أو تحويل أمواله المعلومة أنها لذلك، أو في الصفقة أو خطاب ضمان أو تمويل أو تشغيل.
وتحرم هذه العمليات إن اطلع البنك على حقيقة الصفقة، فإن لم يطلع أو لم يكن مخولا كتحويل مال أو خصم شيك فالأصل السلامة.
وتحرم هذه العقود إن اشتملت على التغرير والجهالة الفاحشة، أو الضرر العام كشراء سلاح في فتنة وتمويل ذلك بما يزيدها.
ويجوز عمل سائر العقود والصيغ والخدمات غير ذلك فمنها:
1 -
فتح حساب جار للعميل وأخذ عمولة للبنك على ذلك أو الاكتفاء بالمضاربة لصالح البنك بالمال مع ضمان رده عند السحب، أو يجمع بين العمولة والمضاربة.
والأصل في الوديعة حفظها، والبنك قائم بذلك.
وهذا الأصل هو الفرض الشرعي (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)(النساء: 58)، والوديعة أمانة فيجب أداؤها إلى أهلها، ووجوب الأداء أبلغ من مجرد الحفظ لاشتماله عليه؛ لأنه إن لم يحفظها فلم يؤدها بل ضيعها وخانها، وكل استعمال ينقض أصل الحفظ والأداء فهو خيانة محرمة.
وقولنا «ينقض أصل الحفظ والأداء» يشمل إعارة الوديعة، أو استعمالها بما يضر.
وكل استعمال للوديعة يُعَدُّ تعريضاً لها لعدم الحفظ، إلا في ما لا يتعين، وهي النقود الورقية.
ولا يجري هنا الخلاف القديم أنها تتعين؛ لأنه جار في النقود من الذهب والفضة؛ لأنها تتعين بالنظر إلى معدنها، ووزنها بخلاف العملة الورقية الآن فلا نظر لذلك.
فإذا استعمل البنك ودائع العملة الورقية في تغطية معاملاته المالية فلا حرج؛ لأن استعماله لم يعد على أصل الحفظ والأداء بالإخلال ولا الإبطال.
فإن شرط عليه العميل عدم استعمالها ألزمه البنك باستئجار خزينة خاصة، فإن أبى امتنع البنك عن الإيداع، وهذا كله احتياط، وإلا فالشرط لاغ لتعذر عدم استعمالها مع خلطها بأموال المودعين عموما.
والشرط المتعذر لاغ؛ لأنه ضرر فاحش على العقد، فيدفع.
وأما الودائع الاستثمارية فهي بحسب عقد الاتفاق، وتجري عليها عقود المضاربة الشرعية.
وقلنا «عقود» بالجمع؛ لأن صيغها متعددة.
ويجب ذكر ما لكلٍّ من الأرباح بالنسبة الشائعة، وينص على ذلك في العقد إلا إن جرى عرف البنك على عدم النص، وعلم القدر بالعرف التعاملي الجاري صح.
وإنزال الراتب على البنك خدمةٌ يَخْصُم البنك عوضها منه، وهو أجير، أو وكيل بأجرة.
وخطاب الضمان الذي يصدره البنك لجهة تطلبه جائز، ويجرى فيه حكم الضمان، وللطرف المضمون له الرجوع على البنك أو العميل بحسب الاتفاق أو العرف الجاري.
وللبنك أخذ رهون أو ضمانات على العميل طالب خطاب الضمان.
ويجوز أخذ معاوضة على العملية بحسب الاتفاق؛ لأنها مقابل العمل، وهو القيام بتوفير غطاء ضامن، ولا دليل على الحرمة أو المنع حتى في صورة ضمان الأفراد المعروفة في الفقه.
والاعتماد المستندي عملية تجارية يشملها (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: 29)، وسبق ماهيتها.
والأجرة فيها مقابل العمل من مراسلة ومطابقة وتوثيق وإصدار لا مقابل القرض إن حصل في بعض الصور.
وخصم الكمبيالة لا يُخَرَّج بأنه قرض والبنك أخذ عليه فائدة، بل أخذ الأجرة مقابل مجموعة من الأعمال الإدارية، والوكالة في قبض دين الكمبيالة من الآخر في حينها. وليست من شراء الدين، أو بيع الدين بالدين على ضعف الحديث بل أجرة على وكالة قبض دين في وقته، وقبول إعطائه حالا بضمان.
فالمبلغ المعطى للعميل من البنك هو دين إلى أجل بضمانِ شخص آخر هو مصدر الكمبيالة.
والإحالة على سداده في شهر كذا من حساب الكمبيالة عملية إحالة تتضمن نفقة ومصاريف هي ما يدفعها العميل لا أنها ربا على الدين.
وقد جاز «ضع وتعجل» (1).
وهذا مثله من وجه أن البنك وكيل لِمُصْدر الكمبيالة، فيده كيده؛ لجريان العرف التجاري على أن البنك وكيل التجار في القبض والإقباض ويأخذ أجره على ذلك، فأحاله مُصْدِر الكمبيالة على وكيله، وهو البنك، ففاوضه البنك على شرط: ضع من الدين وتعجله الآن. ودفعه من ماله لا من حساب مصدر الكمبيالة بضمان إلى الأجل؛ فإن أمكن رجوع البنك على الأصل في حين أجل السداد وإلا استوفى دينه من ضمان العميل وكان الأجر مقابل هذه العمليات الكثيرة والشديدة الدقة، أو مقابل التعجيل بوضع شيء من الدين، وهو ملك لمصدر الكمبيالة، ويجعلها له أجرة على وكالته في الدفع.
وعلى كل حالٍ فلسنا مضطرين إلى هذه التخاريج على وضوحها إلا تنزلا، وإلا فالأصل الإباحة في العقود التجارية ما لم تشتمل على محرم، ولا اشتمال للعقد على بعض ذلك إلا بتكلف مع إمكان تخريجه على ما يبيحه.
وما أجاز أولى مما منع؛ لأنه الأصل.
وخصم الشيكات مع عمولة عليها جائز، ولا أعلم فيه خلافا، وتظهيرها لآخر لا حرج فيه؛ لجريان العرف التجاري بذلك (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (الأعراف: 199) بشرط معرفة حقيقية للتظهير ومصدره.
وأما السندات فهي وثيقة على دين في ذمة آخر؛ فإن كانت شروطها كالكمبيالات فهي في حكمها.
ومن باع سندا أو كمبيالة قابلة للبيع لآخر، وأمكن تظهيرها، أو توثيق ذلك وأعطاه ما فيها مع خصم أجرة المتابعة فلا أرى في ذلك مانعا، وحديث بيع الدين بالدين لا يصح حجة لشدة
(1) - وقد استدللنا على جوازه بحديث أخرجه البخاري تقدم تخريجه.
ضعفه، وعلى فرض صحته فهو على من باع دينا في ذمته لصاحب الدين إلى أجل مع زيادة ثمن، فهذه حيلة للربا.
أما لو أعطاه ما فيها كاملا أو زائدا فلا كلام في صحته، وهو محسن حينئذ قصد الإرفاق والبر، وهو أمر من مطلوبات الشرع.
ومثله بيع تذاكر طيران أو نقل بحري أو بري لم يحن موعد سفره لآخر بسعر أقل أو مساو أو أكثر عاجلا ومن ادعى المنع لزمه الدليل.
وخدمات الفيزاكارت إن كانت مع خلو الرصيد فالأجرة المأخوذة هي مقابل الضمان والتوكيل لا مقابل دين الدفع للآخر، أو كانت برصيد متاح فالأجرة مقابل توكيل بالدفع، فهي أجرة على الوكالة.
- حكم التطهير والفرق بين العقد المحرم لأنه على محرم قطعي والعقد المباح على مباح مع من أكثر ماله حرام
والمساهمة في شركات أو جهات تتعامل بالربا محرم، وحيلة التطهير لا ترفع الحرمة، وهي التصدق بمثل نسبة الربا؛ لأن التطهير مفروض شرعا لتائب عن الربا لا مستمر فيه؛ فلو طهر مع عدم توبةٍ وسحب رأس ماله، فالتطهير عناد وإصرار على المعصية، وهو اسم يدل على النجاسة، والعائد المستمر في النجاسة مرتكب لمحرم موجب لعذاب القبر ولو تطهر مع إصراره على تنجيس نفسه وعناده بهذه المعصية (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 135)، (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 279).
وأدلة القول بالتطهير لا تخرج عن التكلف، أو الاستدلال بغير محل النزاع، أو بقواعد مقولة في معاملة من أكثر ماله حرام.
وإبطالها أن معاملة من أكثر ماله حرام محل الخلاف فيها بأن يكون العقد معه على مباح قطعا، فيبقى هنا النظر إلى أصل ماله من أين اكتسبه، فإن كان بحرام أو شبهة أو غيرها فقد تحرم معاملته، وقد تجوز خلاف بين العلماء.
أما المعاملة بعقد محرم قطعا فهي محرمة قطعا، ولو مع من رأس ماله كله مباح، فافهم هذا الفارق.
والمساهمة مع شركات الربا هو معاملة بعقد حرام قطعا وهو عقد الربا بغض النظر عن ما كان عليه أصل ماله قبل العقد: هل من حلال أم من حرام؟
فالنظر الفقهي هو في نوع عقد المعاملة مع من رأس ماله فيه حرام أو حلال كله.
فإن كان بعقد حرام كالربا والدعارة مع من رأس ماله حلال أو فيه حرام فهذا عقد قطعي التحريم بالنظر إليه لا بالنظر إلى ما كان عليه مال الآخر.
فإن النظر في مال الآخر أصله إنما هو من باب الورع لا من هذا الباب.
وقد أباح الله معاملة اليهود والنصارى والمشركين ولا شك في وجود شبهة في أموالهم، ولم تبن الأحكام الشرعية إلا على النظر في نوع عقدنا معهم، هل هو حلال أم حرام؟ لا بالنظر إلى ما في أموالهم من الحرام والشبهة.
وبهذا يعلم الخطأ الفقهي الفادح في فهم القواعد وتنزيلها لمن قال بالتطهير.
ولو جاز هذا العقد ثم تطهيره لجاز على تجارة مشتركة فيها عقود حلال وحرام كالدعارة ثم تطهير ما يتعلق بها، وتجارة الخنزير ثم خصم ما يتعلق بها، والاشتراك مع شركة لها فروع: منها الحلال ومنها حرام كصناعة الخمر والإباحية والمجون ثم يطهر المشترك ما أتى من الخمر وغيره من قواطع المحرمات، وهذا لم يقل به عالم أو يجيزه.
ودعوى عدم تركها للفسقة هو كدعوى التكليف بالحرام لمنع استيلاء المجرمين على الحرام، وما فاعل الحرام إلا عاص ولو نوى الخير.
والمقاصد الحسنة لا تبرر وتجيز الأعمال المحرمة بدليل حديث السفينة (1).
وإلا لجاز الاشتراك في شركة حبوب وأدوية وخمر ودعارة ثم تطهيرها وكفالة اليتامى بها، وهذا إن لم يكن عقدا حراما قطعيا -لأنه على محرم قطعي ومباح قطعي- فلا ندري ما المحرم.
وعقد المرابحة للآمر بالشراء ملزم، لا لأنه وعد يترتب على خلفه ضرر بل لأنه وعد لزم بصيغة عقد، فدخل في عموم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1).
(1) - تقدم تخريجه.
وللعميل أن يطلب من البنك شراء سلعة للبنك على أن يبيعها له بآجل مع زيادة في السعر مرابحة، ويقوم العميل باختيار السلعة، ومناظرتها كوكيل عن البنك، ثم أخذ الأوراق من البنك وإبرام البيعة كوكيل في القبض عن البنك، ويبيعها لوكيله.
هذا على التنزل في التخريج، وإلا فهو عقد تجاري مباح غير مشتمل على مانع شرعي.
ودعوى عدم القبض من البنك وبيعه قبل القبض مردودة بضعف حديث اشتراط القبض، ولا يثبت القبض في نص صحيح إلا في الربويات الست، فلا يلزم الناس بالتكليف مع براءة الذمة منه إلا بصحيح صريح لا معارض له معتبر. وقد تقدم بيان مسألة القبض وتحقيقها.
ولو سلم ذلك لجاز تخريجا على أن البنك وكل العميل.
أما الرؤية فالمواصفات كافية لدقتها، ورؤية العميل كافية؛ لأن مقصودها له، والعمل بالمقاصد هو منهج الشرع على أن العميل وكيل البنك في القبض والرؤية سداً للباب.
وهذا مع التكلف في النظر والخروج عن التيسير (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(ص: 86)، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185).
وإلا فالأصل ما قدمنا من الإباحة إلا بمانع ظاهر لا متكلف.
وعقود التمويل الاستثمارية في البنوك مضاربة، جوازها ظاهر وقد سبق.
ومنه التمويل التشغيلي باستيراد البنك مواد للعميل ثم تأجيرها منه مدة يتم فيها تقسيط كامل رأس المال والربح، ثم تعاد للبنك، أو يبيعها للعميل بعقد مستأنف أو بنفس العقد إن كان شرطه الانتهاء بالتمليك، وهذا جائز، ولا مانع شرعي معتبر فيه.
أما سوق الأوراق المالية «البورصة» ففي معاملاتها كثير من الاختلاف الفقهي المعاصر والأصل عندي في جميع معاملاتها الجواز إلا ما منع منه أحد الموانع الخمسة المتقدمة.
وبيع ما لم يقبض، وكذا بيع ما ليس عندك على تقدير صحة الأحاديث؛ فالعلة المقصودة منهما حفظ الأموال للناس وحقوقهم.
فإذا كانت المعاملة مضمونة الدفع والتسليم في البورصة فسواء كانت مقبوضة أو ليس عنده، فهي جائزة على الأصل الكلي في الإباحة.
والسمسرة جائزة، ويضبطها الموانع المتقدمة.
والواجب شرعا إنشاء سوق مالية إسلامية موحدة؛ لأنه من أعظم القوة في هذا العصر، وطلبها -أي القوة- من أعظم المصالح الخادمة للإسلام والمسلمين.
وما جاء الشرع إلا لجلب المصالح ودفع المفاسد.
وقد تقدمت أحكام السندات والكمبيالات والأسهم (1).
(1) - قولنا «أما سوق الأوراق المالية» فمن ضمن قرارات المجمع الفقهي الإسلامي للرابطة -مكة- (1/ 30)
قرار رقم (30)(1/ 7) حول سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. وبعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد نظر في موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة)، وما يعقد فيها من عقود: بيعًا وشراء على العملات الورقية وأسهم الشركات، وسندات القروض التجارية والحكومية، والبضائع، وما كان من هذه العقود على معجَّل، وما كان منها على مؤجَّل. كما اطلع مجلس المجمع على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها، وعلى الجوانب السلبية الضارة فيها.
فأما الجوانب الإيجابية المفيدة فهي:
أولاً: أنها تقيم سوقًا دائمة، تسهل تلاقي البائعين والمشترين، وتعقد فيها العقود العاجلة والآجلة، على الأسهم والسندات والبضائع.
ثانيًا: أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية، والتجارية، والحكومية، عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.
ثالثًا: أنها تسهل بيع الأسهم، وسندات القروض للغير، والانتفاع بقيمتها، لأن الشركات المصدرة لها، لا تصفي قيمتها لأصحابها.
رابعًا: أنها تسهل معرفة ميزان أسعار الأسهم، وسندات القروض والبضائع، وتموُّجاتها في ميدان التعامل، عن طريق حركة العرض والطلب.
(ب) وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي:
أولاً: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق، ليست في معظمها بيعًا حقيقيًّا، ولا شراء حقيقيًّا، لأنها لا يجري فيها التقابض بين طرفي العقد فيما يشترط له التقابض في العوضين أو في أحدهما شرعًا.
ثانيًا: أن البائع فيها، غالبًا يبيع ما لا يملك، من عملات، أو أسهم، أو سندات قروض، أو بضائع، على أمل شرائه من السوق، وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد، كما هو الشرط في السلم.
ثالثًا: أن المشتري فيها غالبًا، يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضًا لآخر قبل قبضه، وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه، إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشترى الأخير الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول، الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، بينما يقتصر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= دور المشترين والبائعين غير الأول والأخير، على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تمامًا.
رابعًا: ما يقوم به المتمولون، من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق، للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون، على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه، وإيقاعهم في الحرج.
خامسًا: أن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة، لأن الأسعار فيها لا تعتمد كليًّا على العرض والطلب الفعليين من قبل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة بعضها مفتعل من المهيمنين على السوق، أو من المحتكرين للسلع، أو الأوراق المالية فيها، كإشاعة كاذبة أو نحوها، وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعًا، لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيرًا سيئًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر: يعمد كبار الممولين إلى طرح مجموعة من الأوراق المالية من أسهم أو سندات قروض، فيهبط سعرها لكثرة العرض، فيسارع صغار حملة هذه الأوراق إلى بيعها بسعر أقل، خشية هبوط سعرها أكثر من ذلك وزيادة خسارتهم، فيهبط سعرها مجددًا بزيادة عرضهم، فيعود الكبار إلى شراء هذه الأوراق بسعر أقل، بغية رفع سعرها بكثرة الطلب، وينتهي الأمر بتحقيق مكاسب للكبار، وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبة، وهم صغار حملة الأوراق المالية، نتيجة خداعهم بطرح غير حقيقي لأوراق مماثلة، ويجري مثل ذلك أيضًا في سوق البضائع. ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلاً كبيرًا بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك أنها سببت في فترات معينة، من تاريخ العالم الاقتصادي، ضياع ثروات ضخمة، في وقت قصير، بينما سببت غنى للآخرين دون جهد، حتى إنهم في الأزمات الكبيرة التي اجتاحت العالم، طالب الكثيرون بإلغائها، إذ تذهب بسببها ثروات، وتنهار أوضاع اقتصادية في هاوية، وبوقت سريع، كما يحصل في الزلازل والانخسافات الأرضية.
ولذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض، والبضائع والعملات الورقية، ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يقرر ما يلي:
أولاً: أن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة، يتلاقى فيها العرض والطلب، والمتعاملون بيعًا وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء، ولا يعرفون حقيقة الأسعار، ولا يعرفون المحتاج إلى البيع، ومن هو محتاج إلى الشراء. ولكن هذه المصلحة الواضحة، يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة)، أنواع من الصفقات المحظورة شرعًا، والمقامرة، والاستغلال، وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها، بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجرى فيها، كل واحدة منها على حدة.
ثانيًا: أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع، التي يجري فيها القبض فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعًا، هي عقود جائزة، ما لم تكن عقودًا على محرم شرعًا، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع، فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه.
ثالثًا: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات، حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعًا، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرَّم شرعًا، كشركات البنوك الربوية، وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعًا وشراء. =
العقود الرياضية والسياحية والمزاين:
والعقود الرياضية استثماريةٌ جرى عليها التعامل، فجازت على الأصل العام.
= رابعًا: أن العقود العاجلة والآجلة، على سندات القروض بفائدة، بمختلف أنواعها غير جائزة شرعًا، لأنها معاملات تجري بالربا المحرم.
خامسًا: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعًا؛ لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك اعتمادًا على أنه سيشتريه فيما بعد، ويسلمه في الموعد. وهذا منهي عنه شرعًا لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» . وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تُبتاع، حتى يَحُوزَها التُّجارُ إلى رِحالِهم.
سادسًا: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:
(ج) في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يؤجل دفع الثمن إلى موعد التصفية، بينما الثمن في بيع السلم يجب أن يدفع في مجلس العقد.
(د) في السوق المالية (البورصة) تباع السلعة المتعاقد عليها- وهي في ذمة البائع الأول- وقبل أن يحوزها المشتري الأول عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.
وبناء على ما تقدم، يرى المجمع الفقهي الإسلامي: أنه يجب على المسؤولين في البلاد الإسلامية، ألَاّ يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرة، تتعامل كيف تشاء من عقود وصفقات، سواء أكانت جائزة أو محرمة، وألَاّ يتركوا للمتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا ما يشاؤون، بل يوجبون فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات التي تعقد فيها، ويمنعون العقود غير الجائزة شرعًا، ليحولوا دون التلاعب الذي يجر إلى الكوارث المالية، ويخرب الاقتصاد العام، ويلحق النكبات بالكثيرين، لأن الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في كل شيء، قال الله تعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأنعام: 153).
والله سبحانه هو ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. نائب الرئيس: عبدالله عمر نصيف.
الأعضاء: عبدالله العبد الرحمن البسام، صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان، محمد بن عبدالله بن سبيل، محمد محمود الصواف، حسنين مخلوف (غائب)، مصطفى الزرقا، صالح بن عثيمين، محمد سالم عدود (غائب)، محمد رشيد قباني، محمد الشاذلي النيفر، أبو بكر محمود جومي، عبدالقدوس الهاشمي الندوي، محمد رشيدي، اللواء محمود شيت خطاب (لم يحضر)، أبو الحسن علي الحسني الندوي (لم يحضر)، مبروك العوادي (لم يحضر).
مقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي: محمد أحمد قمر.
وشراء اللاعب لموسم معين بأجر معين إجارة؛ لأنه عمل بزمن.
ولا يشترط الفوز؛ لأنه غير منضبط، فإن شرط فالعقد باطل؛ لأنه شمله مانع التغرير والجهالة كاشتراط الشفاء على الطبيب.
ويجوز مع الإجارة المعينة التراضي على تحفيز مشروط في العقد عند الفوز، وهي جعالة.
وما يدفع لفوز أحد الفريقين عقد جعالة مباح.
والعقد على البث الحصري للفعاليات عبر أي وسيلة إعلامية جائز؛ لأنه تجارة معتبرة في العرف التجاري العالمي الآن، فشملها الحل (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) (النساء: 29).
والعقود الفنية المسرحية والدرامية كذلك إلا إن اشتملت على محرم.
وكذا العقود السياحية وإدارة الفنادق على أصل الجواز إلا في محرم كتقديم الخمر والسياحة الجنسية.
وشراء الإبل في أسواق مزاين عقد تجاري مقصود الربح جرى عليه التعامل، فشمله (إِلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) (النساء: 29)، وكذا (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275)، ويرجع التحريم إلى شيء آخر هو الإسراف والتبذير أو الفخر والخيلاء، وكذا يقال في شراء الطيور.
ويجري مثله في عقود المزاد أو البيع على أرقام مميزة للتلفونات والسيارات.
فإن كانت للتجارة جازت بهذا النظر، أما بالنظر إلى من يشتريها فإن كان له مقصد صحيح من تجارة جاز، أو بلا معنى سوى الفخر والخيلاء صارت من الكبائر، فإن لم يكن ذلك فهي سرف وتبذير منهي عنه (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 26 - 27).