الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه اليتيم
اليتيم هو: من مات أبوه قبل البلوغ.
وفرضٌ حفظ دينه، ونفسه، وماله، وعرضه، وعقله.
والولاية عليه ولاية نظر لا ضرر.
ويحرم قهره بأي نوع من القهر القولي أو الفعلي، ولو بإشارة كهمزٍ، أو لمز، أو سخرية، أو بتنقص؛ لعموم مُتَعَلَّق (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى: 9).
أي لا تقهره في أي أمر؛ لأن حذف المعمول يدل على العموم.
ودعُّه باليد من الكبائر للنص (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)(الماعون: 1 - 2).
ويقدم إطعامه في الاختيار، أو الاضطرار على غيره من المساكين، ولو متربة لتقديم اليتيم في الذكر في قوله تعالى (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد: 14 - 16).
وشرط ذلك كونه فقيرا فاجتمع عليه اليتم والفقر، ولذا قدم.
ووصفه بذي مقربة، أي من ذوي القربى يدل على آكدية الوجوب في اليتيم والفقير من ذوي القربى.
قاعدة التعامل مع اليتيم في دينه ونفسه وماله وعقله وعرضه وحاجياته وتحسيناته:
وفرضٌ في التعامل معه العمل بقاعدة (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)(البقرة: 220)، (وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) (النساء: 127)، (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) (النساء: 6)، (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) (البقرة: 220)، (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا) (النساء: 6)، (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) (النساء: 2)، (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) (النساء: 2)، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى: 9)، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10).
فهذه الآيات نصوص تفيد في قواعد التعامل مع اليتامى، والجامع لهذه الآيات هي الآية الأولى (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) (البقرة: 220).
وهذه الآية نص عام في التعامل مع اليتامى بالإصلاح في دينهم، وأموالهم، وأنفسهم، وأعراضهم، وعلمهم.
فأما دينه: فيعلم ما أمر الله به من الفرائض والآداب والأخلاق ويؤمر بالصلاة لسبع، ويؤدب بما ينفعه في أموره الدينية.
وينظر له في دينه ما ينظر إلى الولد النسبي، وإنما قلنا كالولد النسبي في النظر؛ لأن الدين النصيحة (1).
ولأنه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (2).
ولأن الأمر في قوله تعالى (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)(البقرة: 220)، راجع إلى كل إصلاح عرفي مع أمثاله في السن، فالكافل يعامله كأمثاله من أبنائه في كل ما يصلحه من تعليم وتربية ودربة على الالتزام بالواجبات والسنن، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ويحذره من الشرك والمعتقدات الفاسدة، ويأمره بالبر وإيتاء ذي القربى حَقَّه، ويأمره بالتواضع، وترك البطر، والكبر، والفخر في قول أو فعل: كالفخر بالمال، أو النسب، أو الحطام، ويأمره باجتناب الاختيال مشيا، والتصعير للناس، ويأمره بالقصد في المشي وغض الصوت، وترك الكسل والتسويف (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان: 17 - 19).
ويُعَلَّم بالقدوة قيام الليل والذكر والآداب كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل مع ابن عباس وابن مسعود (3)، ويعلم فرضا التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم؛ لأنها من أعظم مصالحه الشرعية التي تدخل في الأمر (إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ).
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- تقدم تخريجه.
(3)
- أخرجه البخاري برقم 138 عن ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا وقام يصلي فتوضأت نحوا مما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ قلنا لعمرو إن ناسا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه.
وأما حفظ أموال اليتامى: فإصلاحها بسائر ما يصلحها واجب؛ لأنه مقتضى الأمر.
فيحرم بيعه إلا بغبطة ظاهرة لليتيم.
ومنه جواز استثمار أموال اليتيم في كل استثمار مباح يغلب فيه الربح، وقد يجب إن لم يتم إصلاح ماله إلا بذلك.
وهل يأخذ له أجرة في ذلك؟
إن كان الاستثمار في شركات وبنوك استثمارية فإن صافي الربح لليتيم لا يأخذ منه الولي شيئا.
وينفق منه على اليتيم نفقة قصد وتوسط بالمعروف، فإن أسرف في النفقة على اليتيم من مال اليتيم فمحرم؛ إذ يحرم أن يسرف الشخص في نفقة نفسه من ماله، فالأولى الحرمة في الإسراف في مال الغير ولو عليه كصرف على اليتيم بإسراف من مال اليتيم.
ولأن الإسراف محرم؛ لعموم (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(الأنعام: 141)، ولأنه غش وضرر على اليتيم فلا يجوز «من غش فليس منا» .
ولأنه خلاف الإصلاح (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)(البقرة: 220).
أما إن كان مال اليتيم في يد ولي اليتيم لا في بنك، أو شركة استثمارية:
فإنه يجب عليه استثماره لليتيم في كل تعامل مباح يغلب فيه ربح ويندر فيه خسارة.
والوجوب إن كان الاستثمار لا يتم حفظ مال اليتيم إلا به.
ويدفع من المال أجور الموظفين العاملين في مال اليتيم.
وكذا إن لزمه إيجار عقار أو ناقلة، وأجور تراخيص، وما يلزم به من الدولة كجمارك أو ضرائب وزكوات ونحوها.
وصافي الربح يرجع كله لليتيم وهل للولي شيء من ذلك؟
الحق لا مانع إن كان فقيرا وإلا امتنع للنص (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)(النساء: 6).
وهو هنا أكل بالمعروف؛ لأن العرف جار على أن المضارب يأخذ له من الربح، وولي اليتيم
هنا ضارب في مال اليتيم، فلا مانع من أخذه من الربح ما تعارف عليه الناس في ذلك بدلالة الآية.
ويحرم رهن مال اليتيم، أو إقراضه، أو التبرع منه والتصدق ولو للجهاد.
ولا يلزمه شيء من الحقوق إلا الزكاة على الراجح؛ لأن الأصل فرض الزكاة على كل مال.
ومن قال إن الزكاة تكليف، والتكاليف لا تكون إلا على بالغ واليتيم غير بالغ فلا وجوب عليه، فالجواب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتلف مال اليتامى لما طرأ عليه الحرمة لما حرم الخمر فسألوه عن خمر كان ليتامى هل يخلل؟
فقال: لا، أريقوه (1).
فأتلف مال يتيم يمكن أن ينتفع به بالتخليل فيصير مالاً.
فنظر إلى المال لا إلى مالكه اليتيم غير المكلف.
فتعلقت الأحكام بالمال لا بالتكليف.
وكذا يحرم في مال اليتيم الربا، وهو تكليف.
وإن تزوج اليتيم مراهقا قبل البلوغ لحاجة وجب في ماله النفقة، وألزمه بها الحاكم وهو غير مكلف.
وكذا يجب في ماله غرامات المتلفات والديات والأروش التي ارتكبها.
فوجدنا الأنواع من التكاليف لازمة عليه في ماله وهي:
- التزام اجتناب المنهيات كالربا.
- إتلاف ماله إن كان حراما قطعيا كالخمر.
- التزام دفع الواجبات كالنفقة على الزوجة.
- التزام التعويض عن إتلاف في مال أو أرش.
فعلة منع إيجاب الزكاة بعدم تكليفه باطلة بهذا.
فبقينا على أن الأصل التزام الفرائص واجتناب المحرمات في الأموال، كان لمكلف أو غير مكلف لصغر كيتيم، أو لزوال عقل كمجنون، ولعموم الأدلة بلا تفصيل ولا بيان منه صلى الله عليه وسلم.
(1) - تقدم تخريجه.
ولأنه منع الحسن أو الحسين من أكل تمرة من الصدقة قائلا: «أخ أخ لصغرهما وعدم عقلهما الخطاب، إنا لا تحل لنا الصدقة» (1).
فتبين أن إلزام الولد بالديانة الاستطاعية واجب على الولي فعليَّةً أو تركيَّةً.
وأما الواجبات الفِعْلِيَّة فما تعلق باستطاعة فعل:
فيضرب على الصلاة لعشر (2)، ويصوّم باستطاعته كما جاء في السنن (3)، ويؤدب مقارب بلوغ في ترك صوم.
وأما الحج فلا يؤمر به، وإن جاز؛ لتعلقه بالمشقة البالغة المتعلقه بالمال مع أنه غير واجب عليه.
والنظر في مال الطفل للولي إنما هو نظر مصلحة وغبطة وليس من النظر له إنفاقه في أمر لا يجب كحج وجهاد.
وأما التَرْكيَّات فهي المحرمات، فيجب تجنيب اليتيم وماله كل محرم.
وتدفع من ماله الواجبات كشراء لباس يستره للصلاة، وضمان المتلفات والأروش وسائر الأجور.
فالحاصل أن مال اليتيم المحرم فيه:
أكله بدارا وإسرافا، أو ضمه إلى مال الولي أو تبدل الخبيث بالطيب، أو أكله ظلما وعدوانا (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (النساء: 6).
(وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)(النساء: 2).
والواجب فيه إصلاحه بالخير، وهو النظر المصلحي الغالب فيه، والزكاة داخلة في قاعدة (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) لما فيها من البركات المنصوص عليها.
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- تقدم تخريجه.
(3)
- تقدم تخريجه.