الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي النص من الأحكام:
- أن الإيمان يَدْفع قتل المؤمن عمدا عدوانا.
وفيه أنه لا يقتل مؤمنا متعمدا إلا من لا تجري عليه أحكام أهل الإيمان من الموالاة، والنصرة، والعون، والحقوق، والصلاة عليه حال موته، وإيتائه الحقوق العامة للمؤمنين، ولا يجوز تزويجه؛ لأنه ليس بمؤمن.
«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» (1)،
(وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
(1) - حديث «إذا أتاكم من ترضون .. » حسن لغيره جاء من حديث أبي هريرة وفيه من هو ضعيف وفيه انقطاع، وله شاهد من حديث أبي حاتم المزني وفيه عبدالله بن مسلم ضعيف. وكلاهما عند الترمذي برقم 1084 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» قال وفي الباب عن أبي حاتم المزني وعائشة.
قال أبو عيسى حديث أبي هريرة قد خولف عبدالحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
قال أبو عيسى قال محمد وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبدالحميد محفوظا.
وعند الترمذي كذلك برقم 1085 عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد قالوا يا رسول الله! وإن كان فيه؟ قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وأبو حاتم المزني له صحبة ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. انتهى.
قلت: ومنهم من لم يجعل له صحبة، قال العلائي في تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (1/ 360): أبو حاتم المزني قال أبو زرعة أبو حاتم الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فأنكحوه الحديث. لا أعرف له صحبة ولا اعلم له حديثا غير هذا. قال العلائي أخرج له الترمذي هذا الحديث.
وقال فيه حسن غريب وأبو حاتم المزني له صحبة ولا نعلم له غير هذا الحديث وأخرجه أبو داود في كتاب المراسيل وكأنه لم يجعل أبا حاتم صحابيا. انتهى.
قلت: وممن جعل له صحبة ابن عبدالبر فقال في الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 18): أبو حاتم المزني له صحبة يعد في أهل المدينة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» .
وسبقه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 26) فقال: أبو حاتم المزني له صحبة قال عبدالله بن أبي الأسود حدثنا عبدالرحمن ابن مهدي عن حاتم بن اسمعيل عن عبدالله بن هرمز ومحمد وسعيد ابني عبيد عن أبي حاتم المزني وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا جاء كم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة =
وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور: 32).
والقاتل عمدا غير مرضي الدين ولا الصلاح؛ ولأنه ليس من عباد الرحمن بالنص (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)(الفرقان: 68).
فدل على أنه ليس بمؤمن فلا حقوق له.
وتعود إليه الحقوق بالتوبة للنص (إِلَاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)(الفرقان: 70).
وشرط التوبة (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)(الفرقان: 71).
أي ليس أي توبة ولا أي عمل صالح، بل تكون التوبة دائمة مستمرة لا يخرج منها ولا يعود للموبقات كما يفيده (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)، وصيغة (مَتَابًا) مع تركيب النص يدل على أن التوبة صارت مَحَلَّه وموطِنه، ويدل على كثرة فعله ذلك كما يفيده (مَتَابًا).
أما النص (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)(النساء: 93)، فهو أصل الحكم.
= في الأرض وفساد عريض» قالوا: يا رسول الله، وإن كان فسادا. فأعادها عليهم ثلاثا، قال عبدالله بن عبدالوهاب حدثنا حاتم قال عبدالله بن هرمز عن محمد وسعيد ابني عبيد أظنه عن أبي حاتم المزني -كذا قال حاتم- عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قلت: وإذا رضوا بسيئ الخلق جاز، وقد فعله أخو بلال، وفيه قصة كما في المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم 5237 عن عمرو بن ميمون: أن أخا لبلال كان ينتمي إلى العرب ويزعم أنه منهم فخطب امرأة من العرب فقالوا: إن حضر بلال زوجناك قال: فحضر بلال فقال: أنا بلال بن رباح وهذا أخي وهو امرؤ سيئ الخلق والدين فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه وإن شئتم أن تدعوا فدعوا فقالوا: من تكن أخاه نزوجه فزوجوه. صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخو بلال هذا له رواية. وقال الذهبي: صحيح.
وقال ابن طاهر المقدسي في ذخيرة الحفاظ (1/ 266): حديث «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» . رواه عمار بن مطر الرهاوي: عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، وعمار هذا ضعيف، والحديث باطل. ورواه عبدالحميد بن سليمان: عن محمد بن عجلان، عن ابن وثيمة النصري، عن أبي هريرة. وعبدالحميد هذا هو أخو فليح، ليس بشيء في الحديث.
وأما الاستثناء (إِلَاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)(الفرقان: 70) فهو فيمن عمل بشروطه، وداوم على ذلك حتى الموت، فإنه لا مفر من القول بدخوله في عباد الرحمن.
هذا بخصوص ما بينه وبين الله.
أما بحق العباد فالقصاص إلا إن عفوا.
والدية لهم إسقاطها بالرضى من كافة من يرثها (1).
والدية واجبة على كل قاتل مؤمنا خطأ أو غير مؤمن، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، مجنونا أو عاقلا، بالغا أو غير بالغ؛ للعموم المستفاد من (وَمَن قَتَلَ).
فعلى هؤلاء دية.
وإطلاق النص يفيد الجماعة والواحد؛ لأن «من» تفيد ذلك.
ففي حال الجماعة يقتلون شخصا خطأً (وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ).
وهل الدية على كل شخص كاملة، أو هي عليهم جميعا كاملة؟ احتمال يرجحه المعطوف (فَمَن لَّمْ يَجِدْ) أي الرقبة (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) ولا بد أن يكون على كل واحد.
فإن مات قبل الصيام فوليه مقامه، ولا يجوز صيام أولياء متعددين لشرط التتابع بخلاف قضاء رمضان.
ويضعف الوجه أن الدية حق العباد، والمفروض إيفاؤها بكمالها ولو من سائر العصبات بخلاف الصوم والرقبة فلا يكون إلا على من وجب عليه.
فالجماعة يقتلون خطأ عليهم دية واحدة.
وفرض تسليم الدية إلى أهل المقتول للنص (مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ).
وشرط تسليمها لهم إلى أيديهم للنص؛ فلو استلمها محكمون لم يقع حتى تصل إلا إن رضي أهل المقتول أو جرى به عرف.
والدية تقديرها منصوص في خمسة أمور: الإبل وهي الأصل، والذهب والفضة والبقر والغنم.
(1) - وبسط هذا في محله لأن غرضنا هنا الأمور المالية وفي فقه الجريمة ذلك إن شاء الله.
وفرض كل نوع على أهله يدل على أنه ينظر في التقدير حالا وزمانا بدليل تقويمها «بالحلل» (1)،
وثبت تقويمها بالدينار والدرهم في السنن الصحيحة، كما سيأتي.
(1) - أخرجه أبو داود برقم 4544 حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبدالرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين قال فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رحمه الله فقام خطيبا فقال ألا إن الإبل قد غلت. قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنى عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة. قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية. قلت: وإنما ضعفنا إسناده لحال عبدالرحمن بن عثمان اتفقوا على تضعيفه، بل قال أحمد: أنهم طرحوا حديثه. وقال ابن شاهين معلقا على ذلك: هذا كلام شديد في أبي بحر، وإذا طرح حديث الإنسان كان أشد من الضعيف والمضطرب. قلت: ولكن له رواية أنه لا بأس به، وقال أبو داود: صالح. قلت: الخلاصة، أنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وطرحوا حديثه في الاحتجاج مستقلا، هذا ما يجمع كلامهم، ولذلك قال أبو حاتم: وحديثه لا يحتج به. وله طريق أخرى حسنة ستأتي بعد قليل.
قلت: وفي الديات أحاديث صحيحة منها ما أخرجه البخاري برقم 3845 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله فمر رجل به من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل قال ليس له عقال قال فأين عقاله قال فحذفه بعصا كان فيها أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم قال ما أشهد، وربما شهدته قال هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال نعم قال فكنت إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم فإن أجابوك فسل، عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال ما فعل صاحبنا قال مرض فأحسنت القيام عليه فوليت دفنه قال قد كان أهل ذاك منك فمكث حينا ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال يا آل قريش قالوا هذه قريش قال يا آل بني هاشم قالوا هذه بنو هاشم قال أين أبو طالب قالوا هذا أبو طالب قال أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال فأتاه أبو طالب فقال له اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مئة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فقالوا نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين، ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مئة من الإبل يصيب كل رجل بعيران هذان بعيران فاقبلهما عني، ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف.
فتقدر في زماننا بعملة البلد الرائجة بالعدل؛ لعموم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)(النحل: 90).
ولا يلزم الإبل إلا على أهلها للنص «إن الإبل قد غلت» (1).
والدية تجب في الخطأ للقتيل المؤمن، وكذا للقتيل غير المؤمن وهو من أهل الموادعة والعهد والأمان (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً) (النساء: 92).
فإن كان المقتول في بلد حرب فلا دية له ولو كان مؤمنا وتلزم الكفارة (فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)(النساء: 92).
وهذه الأحكام عامة لذكر وأنثى، فتنصيف دية المرأة خلاف الأصل لعدم الفارق الصحيح في الآية.
ولم يرد نص صحيح صريح من السنة في تنصيف دية المرأة سوى الآثار الشاهد بعضها لبعض مع عمل أو فتوى الأمة.
(1) - قلت: الحديث أخرجه أبو داود بسند حسن برقم 4566 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق يقومها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هاجت رخصا نقص من قيمتها وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أو عدلها من الورق ثمانية آلاف درهم وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان دية عقله في الشاء فألفى شاة قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم فما فضل فللعصبة» . قال وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة وإن جدعت ثندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق أو مائة بقرة أو ألف شاة وفى اليد إذا قطعت نصف العقل وفى الرجل نصف العقل وفى المأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء والجائفة مثل ذلك وفي الأصابع في كل أصبع عشر من الإبل وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها فإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس للقاتل شيء وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل شيئا» . قال محمد هذا كله حدثني به سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم .. قال أبو داود محمد بن راشد من أهل دمشق هرب إلى البصرة من القتل.
والعمل بأمر ولي الأمر والقضاء به كان كنص قانوني لا كنص شرعي.
وكذا تنصيف دية الذمي أو المجوسي رجالا أو نساء لا دليل عليه يثبت الحكم.
ولما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود، ولزمهم الديات لهم وعليهم، لم يرد نص يفصل مع شهرة القضية (1)؛ فدل على البقاء على أصل النص في عدم التفريق حتى يرد دليل صحيح ناقل.
والإجماع على العمل إنما هو كنص قانون لا كنص شرعي؛ لأنه كان بأمر من ولي الأمر عمر رضي الله عنه وتعميمه في الأقطار، ويلزم الأمة العمل بأمر الإمام بالنص.
وكان عمر لا يعمم حكما حتى يشاور؛ فالفتوى غير حكم الإمام بالفتوى أو حكم قاض بها؛ إذ ترفع الخلاف العملي في المحاكم والأحكام، فهو إجماع تنفيذ بأمر حاكم عام لا إجماع بالرأي والنظر (2).
ودية الجنين إن خرج ميتا بنحو ضرب بطن حامل، أو شربها دواء مسقطا، فنصف عشر الدية للنص (3).
وهي على الأم التي شربت ما يسقط؛ فإن كان طبيبا بإذنه اشتركا في الدية ولو أذن الوالد أو ولي أمر الحمل؛ فكذلك وليس لهم منها شيء؛ لأن القاتل لا يرث المقتول (4).
ولا صيام عليهم كفارة إلا إن نزل الجنين حيا ثم مات إثر ذلك، لأن هذا هو المتيقن بالنصوص، وأما غيره فلا شيء فيه ولولا النص في ثبوت غرة وهي نصف عشر دية في الجنين لما وجب فيه شيء، فيبقى الأصل في عدم الكفارة بالصيام هنا.
والدية حينئذ تامة عليهم، ولا حظ لهم فيها لمانع القتل.
(1) - تقدم قبل قليل في القسامة.
(2)
- وهذا تفريق هام لم أر من ينبه له وهو يعالج كثيرا من القضايا.
(3)
- أخرجه البخاري برقم 5758 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة فقال ولي المرأة التي غرمت كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان.
(4)
- تقدم الحديث في هذا وتخريجه.
وأما ديات الأعضاء فواجبة بالنص «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وفي الأنف إذا أوعب جدعة الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرِّجلِ الواحدةِ نصف الدية» رواه النسائي (1).
وأما الجراح ففي حديث عمر بن حزم «وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل إصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرجلَ يُقْتَل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار» (2).
وأما غير هذه من الجراح فالمرد الاجتهاد (3).
وفرض على الدولة النص في كل مسألة من الجراح مما يقطع النزاع، وتعميم ذلك على المحاكم؛ لأنه من دفع المفاسد العظيمة والفتنة والخصومة؛ لكثرة الابتلاء بهذه الحوادث.
(1) - قلت: تقدم حديث عمرو بن شعيب في الديات، وهو حسن، وهو شاهد لكتاب أبي بكر ابن حزم المشهور في الديات، وفيه هذا النص، وقد أخرجه النسائي برقم 4853 عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن هذه نسختها من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد وكان في كتابه أن من أعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول وأن في النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار خالفه محمد بن بكار بن بلال. قلت: صحح النسائي وغيره أنه مرسل، ولكن يشهد له حديث عمرو بن شعيب المتقدم، ثم إن الكتاب مقبول، فإن الزهري قال وجدت كتاب أبي بكر بن حزم ومعلوم أن الكتب الصحيحة تقبل، وهذا الكتاب من أشهر الكتب، وقد نبه ابن عبدالبر عن أن شهرة الكتاب تغني عن إسناده. قلت: فإذا انضم إليه حديث عمرو بن شعيب الحسن فلا شك في ثبوته، على ما هو معلوم عند أهل الحديث.
(2)
- تقدم تخريجه.
(3)
- وهو ما يسمى حكومة، واختلفت أنظار الفقهاء ذلك اختلافا كثيرا ويلزمنا الآن التقدير من أهله بالعدل ويقدر بالنقود أو ما يتراضى عليه من المال.