الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه الفرق بين الشابة والمسنة، ودليله أنه صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة الشابة أن تجلس في بيت يغشاه الرجال لئلا يرى أحد منهم ما تكره.
فدل على أن المرأة التي كان يأكل عندها الصحابة امرأة من القواعد ويجوز لهن بالنص وضع ثيابهن (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَاّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(النور: 60)؛ لأنه نص في حديث فاطمة أنها لا تستطيع أن تضع ثيابها عندها.
ولا يلزم أنها كانت تخدمهم؛ لأنها امرأة غنية بالنص ولها غلمان يقومون بذلك عادة.
وأما حديث «كانت خادمتهم وهي العروس» (1) فهو دليل على أنه يجوز للمرأة ولو عروسا أن تصلح الطعام للضيوف، وليس المعنى أنها خرجت إليهم مباشرة بل خدمتهم في تجهيز مائدتهم وطعامهم وشرابهم، ثم ناولته من يعطيهم من محارمها كما جرت عليه العادات؛ فصح إطلاق أنها خادمتهم وهي العروس.
عبادة المرأة:
والأصل أنه لا فرق بين رجل وامرأة في العبادات كلها من طهارات وصلاة وصوم وحج وزكاة.
وخفف الله عنها الصلاة والصوم في زمن الحيض والنفاس، فأما الصلاة فلا تؤديها ولا تقضيها، وأما الصوم فلا تصوم أداءً ولكن يجب عليها القضاء.
وهذا من قطعيات الشرع «الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة» (2).
والحيض دم أسود تعرفه النساء وغالبه سبعة أيام، ومن لم تميز الدم لا بلون ولا بريح تمكث سبعة أيام كعادة نسائها لورود الحديث فيه (3).
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- أخرجه البخاري برقم 321، ومسلم برقم 789 واللفظ له عن معاذة قالت سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكنى أسأل. قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
(3)
- أخرجه مسلم برقم 785 عن عائشة أنها قالت إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقالت عائشة رأيت مركنها ملآن دما فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي» . وفي حديث حمنة بنت جحش في سنن أبي داود برقم 287 ولفظه «إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلى ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك» . قلت: وقد بسطت القول في الكلام على طرق الحديث وعلله وفقهه في كتابي «النفس اليماني في شرح سنن أبي داود السجستاني» أعاننا الله على إتمامه.
وأما الدم بعد الحيض وزمنه فهو استحاضة، وتصلي وتصوم، ويأتيها زوجها، وهو دم أحمر ناتج عن نزيف عرق في الرحم وليس بحيض.
وأما النفاس فهو دم يخرج عقب الولادة أو معها، والمرجع في معرفته النساء، وغالبه أربعون يوما «كانت النفساء تمكث زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما» (1).
وإذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس تطهرت بالاغتسال على كامل بدنها؛ لورود النصوص الكثيرة في ذلك، وهذا من مقطوعات الشرع.
فإن لم تجد الماء تيممت للصلاة، والصيام، ولزوجها جماعها.
(1) - أخرجه أبو داود برقم 311 حدثنا أحمد بن يونس أخبرنا زهير حدثنا علي بن عبدالأعلى عن أبي سهل عن مسة عن أم سلمة قالت كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة وكنا نطلى على وجوهنا الورس يعنى من الكلف. قلت: مسة هي الأزدية، قال الخطابي حديث مسة هذا أثنى عليه محمد بن إسماعيل البخاري. قلت: وجهالتها في هذه الطبقة لا تضر كما تقدم مرارا. وثناء البخاري على الحديث يدل على ذلك. وقد روى عنها جماعة وصحح الحاكم حديثها وأثنى عليه البخاري، فهو حديث حسن. وقد حسنه النووي في خلاصته كما قال ابن الملقن. وأورد له مغلطاي طريقا جيدا وجعلها مقوية للحديث في شرحه على ابن ماجة (1/ 913). ثم نقل إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على العمل بهذا الحديث وأن النفساء تمكث أربعين يوما لا تصلي إلا أن ترى الطهر. وقال الذهبي في تنقيح التحقيق بعد إيراده الحديث عن مسة عن أم سلمة: سنده جيد، وأبو سهل وثق (1/ 92). وقال النووي في خلاصة الأحكام برقم 640، ط/ الرسالة: حديث حسن. وله شاهد عند ابن ماجة برقم 649 عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك. قلت: قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 83): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. انتهى. قلت: إلا أنه اختلف في سلام بن سليم فجعله ابن عدي سلام بن سليم آخر، وليس هو الثقة. قلت: وحديث الباب صححه ابن القيم في زاد المعاد في باب الطب (4/ 402) ط/ الرسالة. وصححه الحاكم والذهبي في المستدرك برقم 622.
وقد أكثر الفروعيون هنا من الأقسام والتناويع بما يحير العقول، ويشتت الأذهان ويشق في التكليف، ويخرج المسائل عن سماحة ويسر وسهولة الشريعة المنصوص عليها قطعيا (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185).
وحاصل أحكام الكتاب والسنة في الحيض والنفاس ما ذكرته، وما رامه أصحاب الفروع من عجائب التقاسيم هو تعسير على الخلق.
وتسهيل السهل تعسير له، ومن أصول الشريعة (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (ص: 86).
وأما حج المرأة: فالمرأة إذا حجت البيت الحرام صنعت كما يصنع الرجل في المناسك إلا أنها لا تلبس الإحرام الذي للرجل، بل تحرم في ملابسها ولا تلبس القفازين، ولا ما مسه ورس أو زعفران ولا تنتقب، وهذا تخفيف عليها، وإذا حاضت أو نفست صنعت كل مناسك الحج إلا الطواف بالبيت والصفا والمروة للنص في الحائض «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» (1).
فإذا طهرت طافت.
وإذا كان الحج يقتضي سفرا فلا بد لها من محرم لما سبق.
فإن لم تجد محرما سقط عنها الوجوب، إلا أن تجد رفقة مأمونة من نساء ثقات مع محارمهن الثقات كما أفتى به مالك والشافعي في مسألة الحج.
وللمرأة أن تتناول دواء يمنع حيضها زمن الصوم والحج، لأن الحكم الشرعي يتعلق بوجود سببه، وهو هنا نزول الدم، ولم يوجد فبقيت على أحكام الطهارة، ولا ينظر الشرع إلى ما وراء ذلك من سبب قطع الدم، ولعدم المانع الشرعي عن ذلك.
(1) - أخرجه البخاري برقم 305 عن عائشة، قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت لوددت والله أني لم أحج العام قال لعلك نفست قلت نعم قال فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. وهو في صحيح مسلم برقم 2976 قال «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي» . قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر.