الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأعطى الله كل من سأله الحياة الحسنة بشرط الكسب مع القول (أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(البقرة: 202).
واقتران الحياة الحسنة بالقول والكسب فوري؛ لذلك ختمت الآية بدلالة الإشارة على سرعة حصول ذلك من الله (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
بخلاف مجرد الأقوال والإرادات بلا كسب وعمل بالأسباب، فلا يعم (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) (الإسراء: 18).
فقيد الإجابة بقوله (لِمَن نُّرِيدُ)؛ لأنه ارتبط بالإرادة لا بالأقوال والأفعال والكسب.
وأما اقتران الحياة الحسنة بالكسب فلأن الإيتاء بمشيئة الله لكل من فعل الكسب وبذل السبب كقانون لا يتخلف وسنة ماضية (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)(هود: 15).
فذكر الإرادة وقرن الإيفاء لها بحسب الكسب والعمل؛ فأعمالهم في ذلك تظهر نتائجها بلا بخس، فدل على ارتباط إيتاء زينة الحياة الدنيا، إنما هو بالعمل لأجل ذلك، وبقدر العمل لا بمجرد الإرادة والأقوال (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا).
ومن جمع بين طلب الدنيا والآخرة والعمل لهما آتاه الله ذلك (وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(البقرة: 201 - 202).
نظام توزيع الثروة ونسقاته في الإسلام:
النسق الأول: الفيء وهو: كل دخل للدولة بلا قتال ولا فرض، ولا معاوضة من المواطن، فشمل سائر الخيرات التي أفاء الله بها على الدولة من الثروات.
فقولنا «بلا قتال» لاقتضاء النص ذلك (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الحشر: 6).
وقولنا «ولا فرض» خرج بها الزكاة المفروضة التي تأخذها الدولة من المسلمين ورسوم المواطنة «الجزية» من غير المسلمين.
وكذا كل دخل فرضته الدولة لطارئ نحو الضرائب.
وقولنا «ولا معاوضة من المواطن» خرج بها رسوم الخدمات التي تأخذها الدولة عن المواطنين مقابل الخدمات.
وغير هذا من دخول الدولة يعتبر فيئاً؛ لأن الله علل إجراء الحكم عليه بعدم الإيجاف بالخيل ولا الركاب، أي القتال.
وإنما زدنا في التعريف قولنا «ولا فرض» لاعتبار نصوص أخرى، وهي الزكاة، فإن مصرف الزكاة آخر (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 60).
ويشتركان في أربعة مصارف: في سبيل الله، والفقراء، والمساكين، وابن السبيل.
وتختص الزكاة بزيادة مصرف العاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين.
ويختص الفيء بمصرف رسول الله وذوي القربى.
وينوب عن رسول الله خدمةُ سنته، وأما ذو القربى فهم من تحرم عليهم الزكاة من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخمس الغنائم مصرفها مصرف الفيء، وهي ما كانت عن قتال (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال: 41).
فكل خيرات وثروات الدولة من غير الزكاة بلا إيجاف قتال هي من الفيء ولها حكمه، ولا يقال إن لفظ (مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) قيد؛ لأنه وصف طردي لا قيدي.
والنفط والغاز والذهب والثروات الخمس عشرة للدولة التي ذكرناها آنفا هي فيء ولها حكم الفيء.
وهي الثروة الجغرافية، والجوية، والبحرية، والمائية، والنابتة، والحيوانية، والمعدنية، والذهب، والفضة، والنفط، والغاز، وثروة الأحياء البحرية، والصخرية، والبرية، والزراعية.
ومصارف هذه الثروات الدولية هي كما في النص.
أ- (فَلِلَّهِ) أي في سبيل الله لخدمة كتابه وإقامة دينه، وكل طريق يرضيه، وكل جلب للمصالح العامة، ودفع المفاسد؛ لاستحالة كونه لله بغير هذا المعنى بدليل (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37).
ب- (وَلِلرَّسُولِ) له في حياته، ولخدمة سنته، وكل ما أمر به بعد وفاته. وكل ما يجلب المصالح العامة للأمة، ويدفع المفاسد عنها، فهو داخل في هذا؛ لأنه من سنته، وأمره التي توفي وهو عليها.
ت- (وَلِذِي الْقُرْبَى) وهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن تحرم عليهم الزكاة.
ث- (وَالْيَتَامَى) كل من مات أبوه قبل البلوغ.
ج- (وَالْمَسَاكِينِ) كل محتاج في الأمة، ومنهم الفقراء، والمسكنة والفقر وصفان ظاهران يعلمهما أهل العرف وضبطهما راجع إليهم، وقد بين الله بعض أوصاف ذلك فمنها:
1) عدم استطاعة الضرب في الأرض (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)(البقرة: 273).
2) كل نازح عن أرضه وماله نتيجة لحرب أو تهجير أو احتلال من قبل الكفار أو كارثة طبيعية، وإنما ألحقنا هذه الأمور لوجود المعنى فيها الذي نبه عليه النص (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر: 8).
3) المتربة الذي لا يجد إلا التراب ليفترشه (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)(البلد: 16).
4) كل من كانت له وظيفة أو آلة إنتاجية يعمل عليها لكنها لا توفر له الكفاية (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)(الكهف: 79).
ح- (وَابْنِ السَّبِيلِ) كل مار ببلادٍ، وسواء كان مسلما، أو كافرا، ولو كان غنيا في بلده.
وبهذا الإجراء الإلهي المفروض فرضا على الدولة في توزيع الثروة والدخل يترتب عدم
وجود طبقة تحتكر تداول المال بينها وطبقة فقيرة هم الغالب (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ)(الحشر: 7).
ثم خصص من هذا الدخل جزاءً لكل فقراء المهاجرين (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(الحشر: 8)، ثم كامل الأنصار (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: 9)، ثم كل من جاء بعدهم من الأمة يدعو لهم ويستغفر لهم، ولا يحمل حقدا عليهم (وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر: 10).
فأما من جاء بعدهم يحمل حقدا عليهم أو يسبهم أو يلعنهم فلا حظ له من ثروات الدولة وخيراتها، وقد استنبط مالك أنه ليس لهم من الفيء، ونحن نزيد عليها في تكييف الفيء بأنه كل ثروات الدولة وخيراتها من غير قتال.
النسق الثاني: هو خصم مفروض معلوم من المال الشخصي لشرائح المجتمع الثمان.
وفَرْضٌ على كل من كان عنده مال يبلغ النصاب أن يخرج منه جزءا معلوما في وقت معلوم للشرائح الثمان (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة: 60).
وتأخذها الدولة وتوزعها على مصارفها (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(التوبة: 103).
فإن لم تؤخذ حكوميا ففرض على الشخص أن يخرجها ويوزعها على مصارفها وإلا أثم.
ويُقَاتل من امتنع من أدائها إلا بقتال (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(التوبة: 5).
والزكاة تعم كل مال مكسوب وكل نابت من الأرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ
مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَاّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة: 267).
وهي من أموال التجارات كل عام اثنان ونصف بالمئة (2.5%) أي: ربع العشر، بشرط بلوغ النصاب، وهو ما عادل قيمة ثمانين جراما من الذهب فما فوق، ولا تجب في أدنى من ذلك.
أما في الأموال غير التجارية: فإن كانت مما تنبت الأرض؛ فيخرج منها العشر إن كانت تسقى بالمطر، وإن كانت بالمجهود الشخصي فربع العشر من المحصول للنص (1).
ولا نصاب فيها إلا فيما له أوسق فليس فيما دون خمسة أوسق صدقة بالنص (2).
وفي كل النقد من الذهب كلما حال عليه الحول وهو عام وبلغ 80 جراما ففيه ربع العشر 2.5%، ومن الفضة كذلك (3).
وكذا في معدن الذهب والفضة أو حليهما، للعموم.
والنقود الورقية الآن كالذهب.
وأما الأنعام فهي واردة في النص الثابت في صحيح البخاري «عن ثمامة بن عبدالله بن أنس أن أنسا حدثه أن أبا بكر، رضي الله عنه، كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل فإذا بلغت واحدة
(1) - أخرجه البخاري برقم 1483 عن سالم بن عبدالله، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر» .
(2)
- أخرجه البخاري برقم 1484 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة، ولا في أقل من خمس أواق من الورق صدقة. وهو في مسلم برقم 2310.
(3)
- قولنا «كذلك» يعني ربع العشر، وأما نصابها بالجرامات فهو (595) جرام.
وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت، يعني -ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة ففيها حقتان طروقتا الجمل فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة شاة فإذا زادت على عشرين ومئة إلى مئتين شاتان فإذا زادت على مئتين إلى ثلاثمئة ففيها ثلاث فإذا زادت على ثلاثمئة ففي كل مئة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها وفي الرقة ربع العشر فإن لم تكن إلا تسعين ومئة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها» (1).
ولا يستثنى من الزكاة شيء من الأموال المكسوبة والنابتة والحيوان إلا ما كان للاستعمال الشخصي الذي لا يخرج عن تغطية الضرورة والحاجيات للمالك كالمسكن والمأكل والمشرب والأثاث ووسيلة النقل ونحو هذه «ليس في فرس المسلم صدقة» (2).
وكذا السلاح الشخصي بدليل «أما خالد فاحتبس أدراعه في سبيل الله» (3)، أي فلا زكاة عليه.
ولم يشرع الإنفاق فرضا ولا طوعا إلا ما فضل عن هذه الحاجيات والضروريات (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)(البقرة: 219).
وعند الكوارث أو المجاعات أو حاجة الغير وجب إنفاق الفاضل عن الضرورات والحاجيات، وحرم الادخار «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث لأجل الدافة التي
(1) - صحيح البخاري مع فتح الباري، باب زكاة الغنم (2/ 146).
(2)
- أخرجه البخاري برقم 1463 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة. وهو في مسلم برقم 2320.
(3)
- أخرجه البخاري برقم 1468 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبدالمطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله وأما العباس بن عبدالمطلب فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها. وهو في مسلم برقم 2324.
دفَّت» (1). والدافة هم مجموعة من النازحين من أهل البادية إلى الحضر وكان فيهم حاجة وفاقة. والمعنى العام هو حصول طارئ من مجاعة ونحوها تصيب قوما، فهذا النص خاص أريد به العام (2).
ويدل عليه أصول النصوص من محكمات القرآن والسنة، فمنه (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد: 11)، وهذا محكم فدل على وجوب الإطعام حال المسغبة والمتربة وما في معناهما من طوارئ الكوارث، ودليل الوجوب ظاهر السياق في جعل المنع في هذه الطوارئ من صفات الكافرين ويؤيده قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون: 1 - 3)، فجعل من صفات المكذب بالدين تركه الحث والحض على الإطعام وهي خصلة محرمة سواء كانت في مسلم أو كافر ولكن جعلها في الذين كفروا المكذبين بيوم الدين يفيد شدة التحريم، ولأن المجاعة ضرر يلحق بالضروريات الكبرى ومنها النفس والعرض والمال، ودفع الضرر واجب ولحديث «من كان له فضل فليعد به على من لا فضل له فلا يزال يعدد حتى ظننا أنه ليس لأحد حق في فضل يدخره» (3).
(1) - أخرجه مسلم برقم 5215 عن عبدالله بن واقد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. قال عبدالله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق سمعت عائشة تقول دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقى» . فلما كان بعد ذلك قالوا يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون منها الودك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما ذاك» . قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال «إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا» .
(2)
- وليس منسوخا كما قال جماعة، واحتمل الشافعي في الرسالة بقاء العلة لا النسخ، واحتمل لمن قال بالنسخ، وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية بعدم النسخ، ويرجحه ما أفاده كلام النووي من أن التعليل في الروايات ترجح القول بعدم النسخ.
قلت: لا نسخ إلا بدليل ظاهر أو إجماع لأن الأصل بقاء الأحكام فتوهم هنا من توهم أن زوال العلة المانعة من الادخار هو نسخ، وإنما سقت كلام هؤلاء دفعا للاعتراض.
(3)
- أخرجه مسلم برقم 4614 عن أبي سعيد الخدري قال بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له قال فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» . قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. وفي رواية لمسلم برقم 4004 «من كان له فضل أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا تبيعوها» .
ولا زكاة في الدين على صاحبه وهو الباذل للدين «الدائن» أو المقرض، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) (البقرة: 267).
وهذا ليس مما كسب الشخص، بل مما أخرج من كسبه ورزقه.
وكل أمر بالإنفاق من الأموال فلا يخرج عن هذا النص؛ لأنه إما مال داخل بالكسب، أو مما أخرج الله لنا من الأرض.
ومن قال بزكاة الديون قال إنه مال، فشمله عموم (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) (التوبة: 103). فجوابه: أي خذ من جميع أموالهم المكسوبة والخارجة من الأرض، لأن هذا قطعي تفصيلي، وذلك قطعي عام؛ فيحمل على هذا، وكذا يقال في (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (البقرة: 3) أي من النوعين.
والرزق والكسب ما دخل لا ما خرج.
فأمر بالإخراج مما دخل لا بالإخراج مما خرج.
فإذا عاد الدين إلى مالكه شمله (أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)(البقرة: 267)؛ لأنه رجع إلى كسبه المدخل، فيدخله في ماله ويزكيه معه.
أما زكاة الدين على المستدين فهو مال مكتسب طيب فإن بلغ نصابا وحال عليه حول عنده زكّاهُ.
وإن أنفقه فجعله تجارة فكذلك بشرط النصاب والحول.
وإن أنفقه على نفسه في حاجياته كمسكن أو مركب أو أثاث أو لبس أو زينة فليس فيه زكاة؛ لعموم (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)(البقرة: 219)، أي الفاضل عن الضرورات والحاجيات.
وأما زكاة المستغلات وهي العمارات والعقارات والسيارات والآلات المنتجة فقاعدتها كذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ)(البقرة: 267).
وهذا كسب داخل فشمله النص، وشرطه النصاب والحول.
ويكون في الربح إن بلغ نصابا وحولا.
فمن بنى مدينة سكنية لإيجارها استثمارا؛ فهذه تجب الزكاة في إيجاراتها؛ لأنها من الكسب.
وتدفع بحسب أخذ الإيجار، فإن كان كل شهر وهي نصاب أخرج كل شهر؛ لأنه كسب وإن كان ربع السنة أو آخرها فكذلك. وما زُكِّي بالشهر أو ربع العام فلا يعاد تزكيته مرة أخرى مع الشهر الآخر بل يكون مالاً مكنوزاً يشترط له الحول والنصاب لإخراج الزكاة عنه.
وهذا بخلاف مكاسب التبادل التجاري؛ لأنها لا تنضبط بالشهر عادةً بل أقل عادات التجارة هو ربع كل عام، وغالبها كل رأس عام فتحمل على الغالب؛ ولأنها لو حسبت كل ربع سنة أو كل شهر تضرر المالك؛ لأن أصولها وأرباحها تحسب كل مرة بخلاف إيجار المستغلات فلا يحسب إلا الربح الشهري.
وما سبق في الشهر الماضي فهو مال مكنوز وزكاته كل عام.
ويجوز حساب التجارات كل ربع عام بشرط عدم تكرار زكاة ما زكى في الربع الأول من الأصول والأرباح حتى يحول عليها الحول، ولكن لما كان هذا لا ينضبط لكثرة تقليب التجارات أصولا وأرباحا فلا يميز ما زكى مما لم يزك فنبقى على ما ينضبط معينا، وهو الحول التام.
وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ زكاة الحيوانات الأنعام والثمار كل عام لأنها لا تنتج إلا كذلك، ولو أنتجت الغنم كل ستة أشهر والأبقار تسعة؛ لكن طلب زكاتها مرتين يؤدي إلى حساب أصولها وفروعها مرتين فيضر المالك، وقد لا تبلغ الأولاد نصابات في النصف الثاني إن أفردناها، فيتضرر الفقراء فيبقى الحساب بالعام هو المنضبط للمالك وللفقير، وكذا هي قاعدة كل أموال الزكاة إلا المستغلات؛ فلسهولة تمييز إيجاراتها الحادثة عن السابقة؛ ولأن السابقة أصبحت مكنوزة إن حفظت فلا زكاة حتى تحول عاماً.
أما لو أضيفت إلى تجارة فهي تجارة لها حكمها؛ ولو بنى بها مستغلات أخذ من ريعها.
وكذا المزروعات يؤخذ منها كل عام؛ لأنها موسمية إلا ما أمكن في السنة مرتين أو مرات مما تخرج الأرض فيزكي يوم حصاده (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(الأنعام: 141).
فلم يعلقها بالحول بل بيوم الحصاد، وسواء كان مرة في العام أو مرات.
وإنما قلنا بأنه لا يجب في المستغلات إلا في إيجاراتها وريعها لا في أصولها فلأن أصولها غير مقصودة في التجارة بل أرباحها كالأرض الزراعية؛ فإن الله لم يفرض في أصولها زكاة ولو بلغت ما بلغت؛ بل في ريعها الزراعي وهذا مثله، ولا فرق مؤثرٌ في فرق الحكم.
وأما زكاة الأسهم فتزكى بقيمتها يوم وجوب الزكاة لا يوم الشراء.
وهذه -أي الأسهم- أصبحت عروض تجارة؛ لأن التجارة هي المقصود منها، ولو كنزها فلها حكم الكنز كذلك؛ لأن الكنز يزكى كل حول بالنصاب فكان كالتجارة.
ولا تزكى كالمستغلات لعدم تمييز ريعها عنها؛ لأن نموها إنما هو زيادة سعرها ولا يستفاد منه إلا في حال بيع الأصل؛ فهو نماء متصل كسِمَن الأنعام.
وإن زكيت أرباح المستغلات كما مر فلا زكاة في أسهمها.
وإن كانت أسهما للثروة الحيوانية فإنها تزكى زكاة التجارة؛ لأن الحيوان أصبح عروض تجارة.
ولا يمكن جعل زكاة الأسهم زكاة الحيوان؛ لأنها تُخْرج من جنس الأنعام، وهذا في الأسهم متعذر، فتبين أنها تجارات.
وإن زكيت الأنعام من جنسها فلا زكاة في أسهمها؛ لعدم اجتماع زكاتين في عين واحدة.
وكذا لو كانت أسهما لشركات الحبوب والثمار ففيها زكاة التجارة؛ لأن التجارة أعظم مقصودها.
وكل شركة أو جهة لها أسهم؛ فإن زكت الأسهم سقط عن أصول الأسهم، وإن زكت الأصول سقط عن الأسهم.
وأما التفصيل فنقول إن الأسهم إن كانت مستوعبة لكل الأصول 100% فإن قِيَمَ الأسهم هي المعتبرة.
فإن كانت غير مستوعبة للأصول بل تمثل بعضها كـ 20%، فتزكى هذه النسبة من الأسهم وتزكى نسبة 80% من الأصول.
وأسهم المستغلات إن عبرت عن الأصول والريع فهي عروض تجارة، ولم تَعُدْ مستغلات.
وإن كانت معبرة عن الأصول فكذلك وأضيفت الأرباح لتزكى جميعا.
وإن كانت الأسهم تمثل الأرباح فقط فزكاتها على الريع فحسب؛ لأنها مستغلات.
وتضم التجارات بعضها إلى بعض لمالك واحد أو مشتركين في الزكاة؛ لأن إطلاق النصوص يدل على الإيجاب بدون تفصيل.
وتضم النقود بعضها إلى بعض؛ لأنه لا معنى للفصل سوى الخروج من الإيجاب العام لإسقاط التكليف، ولا يسقط إلا بقاطع.
وكذا تضم الذهب والفضة معا لإتمام النصاب إن كانا عروض تجارة أو نقوداً لا إن كانا حليا أو معدنا؛ لأن الذهب والفضة إن كانا نقوداً أو عروضاً فهما في معنى واحد ولا فرق بينهما بخلاف كونهما حليا أو معدنا.
والأنعام الثلاثة أجناس لا تضم بعضها إلى بعض إلا في عروض التجارة؛ لأن علتها صارت واحدة بذلك وهي كونها عروض تجارة.
والحبوب والثمار كذلك لا يضم شيء إلى آخر لأجل إكمال النصاب إلا في عروض التجارة.
النسق الثالث: الوصية والفرائض.
1 -
الوصية:
أما الوصية فيجب على المسلم وصية في ماله إن كان له خير للنص (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(البقرة: 180 - 182).
وفي الحديث «لا يبت أحدكم إلا ووصيته مكتوبة تحت رأسه» (1).
(1) - أخرجه البخاري برقم 2738 عن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده. وهو في صحيح مسلم برقم 4291.
ومقدارها راجع إلى تقدير الموصي، وشَرْطٌ ألا يزيد على الثلث؛ لأن الشرع منع ما فوقه بالنص «النصف. قال: لا. قال: فالثلث. قال: الثلث والثلث كثير» (1).
وتخرج الوصية قبل الفرائض بالنص (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ)(النساء: 12).
والوصية هي: فرض شرعي مالي يبينه المالك في ماله يؤخذ بعد موته.
فقولنا «فرض» لأن النص قضى بذلك بقوله سبحانه (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(البقرة: 180).
وقولنا «يؤخذ بعد موته» هو بيان لزمن انتقال ملك المال الموصى به إلى جهة الإيصاء.
«ولا وصية لوارث» (2) إلا الوالدين جمعا بين الآية والحديث.
ويحمل «الأقربين» في الآية على غير الورثة منهم.
ويكون الإيصاء للوالدين بما هو إحسان لهما زيادة على الفرض.
ولا وصية إلا على من ترك مالا كثيرا لا أي مال؛ لأن لفظ النص يدل عليه (إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ).
والخير في لسان العرب لا يطلق على قليل المال.
وهي بالعرف غير خارجة عنه (بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا)؛ فلا تجب الوصية في المال الحقير التافه؛ لأنه في العرف غير معتبر، ولا تجوز أكثر من الثلث للنص الشرعي.
وإذا لم يوص جاز إخراج قدر الوصية من ماله تبرعا، وقد يكون وجوبا لأنه فرض في الذمة كتبه الله تعالى.
ويحرم تغيير الوصية وتبديلها للنص على ذلك (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(البقرة: 181).
وإذا تسبب عن الوصية إثم أو جنف عن الحق فيجوز الانتقال إلى الصلح ولا إثم حينئذ في تغيير الوصية؛ لأنه دفع لمفسدة أكبر وإصلاح بالتراضي فجاز بالنص (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ
(1) - تقدم الحديث وتخريجه.
(2)
- تقدم الحديث وتخريجه.
جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 182).
2 -
الفرائض (المواريث):
الفروض المقدرة في كتاب الله ستة: الثُمُن، وضعفه، وضعف ضعفه، والسدس، وضعفه، وضعف ضعفه.
فأما الثمن فهو ميراث الزوجة بعد زوجها إن كان له ولد، ولها الربع إن لم يكن له ولد، وله النصف بعدها إن لم يكن لها ولد، فإن كان لها ولد فله الربع (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (النساء: 12).
والنصف فرض البنت بشرط الانفراد عن معصب، وهو أخوها الذكر.
وفرض بنت الابن بشرط الانفراد عن معصب ذكر في منزلتها، وهو أخوها أو ابن عمها أو أنزل منها أو ابن أخيها.
وفرض الأخت الشقيقة النصف بشرط الانفراد عن معصب ذكر، وهو أخوها.
وفرض الأخت لأب النصف بشرط الانفراد عن معصب ذكرٍ، وهو أخوها.
والدليل على أن للبنت النصف (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)، وهذا الدليل شامل للبنت الصلبية وبنت الابن وإن نزل.
والدليل على ميراث الأخت (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) وهذا شامل للأخت الشقيقة ولأب.
وأما ميراث الثلثين:
فهو لنفس هذه الأصناف الأربعة من النساء بشرط كونهن اثنتين فما فوق، وانفرادهن عن المعصبين الذكور المذكورين (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)، (فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)، فذكر الله ما فوق الاثنتين والاثنتين.
والأب يأخذ الثلثين والأم الثلث بشرط عدم الولد للميت بالنص (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ).
وأما ميراث الثلث:
فهو للأم بالنص في حال موت ابنها عنها ولم يكن له ولد، أو جمع من الإخوة اثنين فما فوق، فالشرط الأول مأخوذ عن النص (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ).
والشرط الثاني مأخوذ من النص كذلك (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ).
والثلث كذلك فرض للإخوة من الأم بالسوية ذكورا وإناثا إن كانوا فوق الواحد (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ)(النساء: 12).
وأما السدس فهو فرض للأب والأم في حالة وجود فرع وارث للميت وهو الولد.
(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) وهو كذلك للجد والجدة من قبل الأم والأب.
وميراث الجدة والجد مأخوذ من دلالة النص، وعليه الإجماع؛ فدلالة النص إطلاق الأبوين في الآية السابقة.
وهو يشمل كل والد وهم الأب المباشر فما فوق، والأم المباشرة فما فوقها من أمهاتها.
وأما الإجماع فنقل قضاء الصحابة بالسدس للجد والجدة (1).
(1) - أخرجه مالك في الموطأ بسند صحيح برقم 1076 عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى اسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر الصديق ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها. وهو في مسند أحمد بسند رجاله رجال الشيخين. وأخرجه الحاكم برقم 7978 وقال صحيح على شرط الشيخين. وقال الذهبي على شرط البخاري ومسلم. قلت: وهو كما قالا، وله شاهد عند الحاكم برقم 7984 من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: إن من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدتين من الميراث السدس بينهما بالسوية. وله شاهد عند الحاكم برقم 7980 من حديث معقل بن يسار قال: قال عمر: من عنده في الجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: عندي. قال: ما عندك؟ قلت: أعطاه السدس. قال: مع من؟ قلت: لا أدري. قال: لا دريت. وقال: هذا حديث =