الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
مضاربة البنك بالودائع غير الاستثمارية والاستثمارية والتصرف فيها
وإذا دفع البنك إلى عميل تمويلا بحسب طلبه؛ فإن أعطاه على جهة القرض الحسن تمويلا لمشروع صغير جاز.
ويرد له القرض في أجله، ولا بد من أخذ ضمان عليه حفاظا على أموال المودعين.
ويؤخذ القرض الحسن من الودائع غير الاستثمارية؛ لأن التصرف في الودائع الاستثمارية لا يكون إلا بالاستثمار؛ لأن هذا هو مقصود العقد مع البنك، فوجب الوفاء (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1)، ولا يلزم إعلام صاحب الوديعة؛ لأنه قد علم بالعرف الرسمي في البنوك.
وتصرف المودَع في الوديعة بالضمان؛ لأن حفظ الأمانات واجب، ويلزم إن سحبها صاحبها أداؤها (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: 58)، وهذا عام؛ فلزم ردها عند الطلب، والبنك ضامن لها.
وهذه الودائع يجوز للبنك استثمارها، ولا يدفع لصاحبها من الربح شيئا؛ لأنه أذن له إذنا عرفيا رسميا بحسب التعامل البنكي العام حال الإيداع أن يصنع بها ما يشاء، ويضمن له ردها كما هي إذا طلبها.
والعلم بالتصرف منهم مع الإقرار والرضا بالتعامل معه كالنص على الإذن.
ولأن حفظ المال إحسان، ولا مقابل له إلا إحسان التعامل، ومنه الإذن في تحريكها واستثمارها (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ) (الرحمن: 60).
فإن صرح بعدم الإذن للبنك بالمضاربة في الوديعة فلا بد أن يستأجر لها خزينة بنكية مستقلة، أو يترك الإيداع العام البتة؛ لأن وديعته تختلط بسائر الأموال عند وضعها، ويتعذر عدم ذلك، ويؤدي الشرط إلى الخلل في أعمال البنوك فيضر بهم، والمودع لا يضر بمن أودع عنده بأن يشرط شرطا ضارا أو غيره مما يضر؛ لأنه إحسان (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ) (الرحمن: 60).
وإن دفع البنك تمويلا للعميل في عملية تجارية فيكون البنك ممولا والعميل قائما بالعمل، وهذه هي المضاربة؛ فتجوز.
والبنك حينئذ مضارب مستقل مع العميل بعقد مستقل، وهو -أي البنك- مع المودعين المستثمرين عامل مضارب بعقد مستقل.
فالعقود مستقل بعضها عن بعض؛ لورود النصوص المبيحة للعمل التجاري على العموم والإطلاق بلا تفصيل، ومن ادعى المنع لزمه الدليل المقيد أو المخصص.
وعليه فلا مانع من ذلك شرعا، ولأن يد البنك المضارب مطلقة في التصرف، ولأن المستثمرين المودعين علموا بهذا التصرف عند العقد وحصل الرضى فجازت، ولا يمكن تخريجها على الخلاف في المسألة القديمة في مضاربة العامل لمضارب آخر، لأن البنوك لا تضارب بنفسها فقط، بل بنفسها ومع غيرها بدفعه إلى جهات استثمارية.
ومعلومية هذا التعامل يخرجه عن الخلاف في المسألة عند تخريجها على ما مضى.
بل العمل التجاري لا تقوم مصالحه في هذا العقد إلا بإطلاق نظر المضارب، وهو البنك أو الشركة في التصرف المصلحي.
ولا حاجة إلى القول بأنها عقد جديد بمسمى المضاربة المشتركة بجعل البنك وسيطا بين الطرفين لعدم الحامل الداعي لذلك إلا تكلف لا معنى له، فإن اصطلح على ذلك فلا يضر؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح.
ولأن جعلها مضاربة ثلاثية مشتركة لا يؤثر على أحد العقدين؛ إذ لا علاقة لكل بالآخر.
مسئولية البنك في النظر المصلحي ودراسة الجدوى:
والبنك مسئول في مضارباته التجارية أن ينظر بالنظر المصلحي في أموال المستثمرين لديه، فلا بد أن يجعل له نسبة من الربح كافية مع الجهات التي يضارب بالأموال فيها؛ لأنها -أي المضاربة- حقيقة بينه وبين المودعين، فوجب النظر المصلحي لهم؛ وهذا من النظر المصلحي للمودعين المستثمرين.
والنظر المصلحي واجب عليه فلا يجوز للبنك أن يتصرف في تقليل نسبته من الربح بما يضر بالعملاء، بل الأموال المدفوعة إليه شَرْطُها تحصيل غايةِ المصلحة الاستثمارية، وهو شرط معتبر، فيعمل به كجزء من الإيفاء بالعقد؛ لأن دونه مع الاستطاعة لما فوقه ضرر لا نظر.