الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا تفاوتت الواجبات تفاوتت الحقوق.
وخلاف هذا خروج عن العقل والعدل والنقل والعادة البشرية والسنن الكونية والإلهية والفطرة.
فهل يعطى الخامل كالعامل، والمخترع البارع كالبليد الجاهل، والمصلح في الأرض كالمفسد فيها؟ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9).
والأمن والاستقرار للإنسان في العالم هو الأصل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَآفَّةً)(البقرة: 208) وهذا أمر دال على الوجوب في الالتزام بالسلم للكافة، فمن اعتدى بعد هذا رد عدوانه بمثله، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194).
ويحرم العدوان ابتداء (وَلَا تَعْتَدُوا)(البقرة: 190). (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(النحل: 90).
والدفاع عن النفس مشروع (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)(الشورى: 39).
والإعداد للعدو المحارب فرض كحق للأمة ولإيجاد توازن الأمن والاستقرار العالمي والإنساني (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)(الأنفال: 60).
وإنقاذ المستضعفين المضطهدين من المدنيين المسالمين واجب شرعي ولو بالقتال (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)(النساء: 75).
فهذا أمر بالقتال لإنهاء الاستضعاف والعلو والهيمنة على المدنيين المسالمين العزل المستضعفين ظلما وعدوانا.
ويجب مساندتهم ونصرتهم بكافة الوسائل التي تدفع الطغيان والعدوان عليهم.
وكل من أخرج من أرضه وولده شرع له القتال (وَمَا لَنَا أَلَاّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا)(البقرة: 246).
ويكون بالمثل (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)(البقرة: 191).
ومن بدأ بالقتال عدوانا شرع ردعه ولو بالقتال (وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)(التوبة: 13).
فعلل الشرع مشروعية القتال ببدء العدو ذلك (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)(البقرة: 191).
وحق اللجوء السياسي: مكفول لكل إنسان في الأصل، يقول تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْلَمُونَ) (التوبة: 6).
فهذا نص على وجوب منح الاستجارة لمن طلبها ولو مشركا، ويدخل فيه حق اللجوء السياسي.
وغايتها (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)(التوبة: 6)، وهذا غاية الأمان والرعاية للاجئ والمستجير.
ولا يسلم لبلده إن كان مستجيرا منها، بل لمأمنه أينما كان.
ويعرف مأمنه بإخباره عن نفسه؛ لأن المكان الآمن للشخص يرجع فيه إلى معرفته الشخصية عادة.
وقد يكون مأمنه في الدولة عموما، أو في مكان ما فيها، أو مكان وبلد من العالم؛ فيوفر ذلك للمستجير ولو كافرا.
ويجوز للمسلم اللجوء السياسي إلى دولة غير مسلمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في جوار المطعم وكان المطعم كافرا (1).
والحق الصحي للإنسان: وحفظ النفس، وإحياؤها، وإغاثتها مطلوب شرعا، قال تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32).
(1) - القصة صحيحة ذكرها أهل السير وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 324) وفيها (حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي وقد ذكر بن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه أن المطعم أمر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك).
وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم «زار يهوديا في مرضه» (1).
فدل على أن زيارة المريض حق إنساني أقره الشرع، ولا يخضع لعرف أو يقيد بطائفة.
والنص دال على أن إحياء النفس البشرية والحفاظ عليها مقصد عظيم؛ لأنه عَادَلَ إحياء نفس واحدة بإحياء البشرية جميعا، وهذا غاية الإصلاح، وإتلافَهَا بإتلاف البشرية، وهذا غاية الإفساد.
وحفظها وإحياؤها من المقاصد الكبرى الشرعية التي يجب الحفاظ عليها قطعا ضروريا بالشرع والسنن، وهي حفظ الدين والعقل والمال والعرض والنسل والجماعة والفطرة.
وكل الوسائل الصحية والطبية الخادمة لحفظ النفس واجبة وجوبا كليا؛ لأنها وسائل المقاصد ولا يتم المقصد إلا بها.
فيدخل في هذا صناعة الأدوية، واللقاحات، وحملات التوعية، والمعاينة، والتطعيم، وإنشاء الجامعات ومراكز البحث، وإغاثة المناطق الوبائية، ومنع وسائل المرض ونشر ثقافة الصحة، وإقامة جمعيات ومؤسسات ومنظمات محلية ودولية تعتني بذلك؛ لأنها وسائل لحفظ ضروري وخدمته، فتجب وجوبا كليا بالنظر الكلي المقاصدي.
وتجب وجوبا جزئيا فيما لا يتم حفظ النفس إلا به، استقلالا أو استكمالا، كاللقاحات للأطفال، وإغاثة المناطق الموبوءة والنازحين، وإسعاف المرضى وجرحى الحروب، وإنقاذ الغرقى، وإغاثة أهل الحوادث والكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وجفاف وفيضانات ومجاعات.
وكذا إنقاذ ما تخلفه الحوادث في وسائل المواصلات والنقل الجوي والبحري والبري بأنواعه، وإغاثة النازحين من الحروب والصراعات والكوارث، وما إلى ذلك.
فهذه مطلوبة شرعا كونها من وسائل حفظ النفس. وهو حق إنساني مشترك عام، ومن الإحسان العام (وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195).
ومن إحياء النفس المقصود بالنصوص (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)(المائدة: 32).
(1) - تقدم تخريجه.