الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللقضاء النظر بحسب النص القرآني المتنوع العقوبة في إنزال العقوبة المناسبة بالحادثة.
حق العمل المعيشي لكل إنسان في أي مكان على الأرض مكفول مباح:
وهو من الحقوق الضرورية التي لا بد منها في الأصل لكل إنسان.
وقد فرضها الله قسمة بين الناس بحسب كسبهم وأرزاقهم المكتوبة، وأسبابهم المشروعة (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الزخرف: 32).
والعمل المعيشي هو من مقاصد الحِكَم لوضع الأرض وما فيها على الإباحة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: 29)، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك: 15).
وقال صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» (1).
وتأثيمه دليل على وجوب وسيلة تدفع ضياع من يعول الشخص ووسيلته -عادة- العمل المعيشي.
ومن لم يجد عملا للمعيشة له ولمن يعول وجب على الناس دفع حاجته، إما بتوفير عمل، أو بكفالة واجبة؛ لأن دفع الضرر واجب على النفس والغير، ووجوبه لا يثبت شرعا إلا على قادر على دفع الضرر.
وإذا عجز الشخص عن دفع الضرر المعيشي عن نفسه وعياله وجب دفع الضرر عنه على قادر في المجتمع.
والدولة مسئولة عن ذلك على وجه عام للشعب؛ لأنها من أعظم المصالح العامة، وتحقيق المصالح العامة واجب عليها وكذا وسائلها.
فوجب عليها التنمية الاقتصادية التي تُوجِدُ سوق عمل للناس، فإن لم تفعل ظهرت البطالة وعم الفقر ونتجت المفاسد الكبرى فينهار التعليم، ويظهر الفساد المالي والإداري، وتضعف الدولة علميا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا.
(1) - تقدم تخريجه.
هذا من الجانب السياسي، أما من الجانب الإنساني فعلى الدولة أن توفر العمل المعيشي، أو تطعم الناس، أو تعتزل، وهذا مما قرره عمر كما في البخاري (1).
وعلى الدول عامة أن تتعاون في إيجاد سوق العمل المعيشي؛ لأن هذا من الحق الإنساني المشترك العام؛ لأن الله وضع الأرض للإنسان ككل، يشترك فيها الجميع في حق المعيشة بالفرض الإلهي السنني (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الزخرف: 32)، ويقول (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ) (الرحمن: 10 - 11).
فهذه للناس جميعا (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: 29).
فهي موضوعة على الاشتراك الإنساني العام في ضروريات وحاجيات المعيشة.
وقد كان الخلفاء يسهلون للتجار دخول بلاد الإسلام من كافة الديانات والجنسيات، حفاظا على مردوده المصلحي العام في السوق، ومن أهم ذلك تشغيل العاطلين؛ مما يوفر المعيشة للشعب. وكلما زادت فرص العمل المعيشي زادت المصالح العامة للإنسان، والوطن، والدولة، والعالم أجمع.
ولا يجوز للدولة أن تمنع الناس من دخول بلادها بحثا عن العمل المعيشي؛ لأنه منع من حق مشروع مباح إلهي (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(الملك: 15). ويجوز لها اتخاذ إجراءات تنظم ذلك من غير تعنت بشروط ونظام يخدم المصالح الإنسانية والمصالح العامة.
ويجب على دول العالم التعاون في إرساء هذه الحقوق لعموم قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ)(المائدة: 2).
والتعاون على الإثم والعدوان محرم على الناس جميعا، ومقابله مشروع، وهو التعاون على المصالح ودفع المضار.
ولقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الممتحنة: 8)، ومن البر والقسط التعاون على تسهيل ما يقيم البر والقسط من وسائل العمل المعيشي.
(1) - حديث هني تقدم تخريجه.
ولعموم (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(البقرة: 83)، وهذا يدل على التعامل بالحسنى بين الخلق في الأصل إلا ما استثني من باغ ومعتد.
وقد اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في أمور عامة تخدم المصالح العامة للمدينة، وكانت الأسواق بين المسلمين والكفار من المشركين وأهل الكتاب جارية كسوق بني قينقاع وعكاظ وغيرهما.
والحركة التجارية بين الشعوب أمر من النعم الربانية العامة على البشرية التي بينها الله امتنانا في قوله (لإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)(قريش: 1 - 4)، وهذا ساقه في سياق الامتنان.
فيجب على الإنسان أن يحفظ النعم شاكرا لله، وحفظُها من شكرها.
ومِنْ كفر النعمة: منعها أو عرقلتها وكفر النعمة محرم، وهو من البغي في الأرض.
وأمر الله بالتبادل المصلحي والمنافعي الضروري المشترك، وحرم منعه، وأصل هذا تشريع حكم الماعون.
قال المؤلف غفر الله له: وتعريف الماعون الآن هو: تبادل كل ما يحتاجه الإنسان من الإنسان ولا يضر أحدهما.
فمن منعه فهو مرتكب لجرم ولو كان كافراً (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)(الماعون: 1 - 3).
فإذا كانت هذه الآيات فسرت في زمن سالف بحسب واقع المكلفين حال النزول بمنع الحبل، والقدر والفأس (1)؛ فمنع ما المجتمع الإنساني بحاجة إنسانية له محرم من باب أولى، كمنع الدواء، والتعليم، والعمل المعيشي الضروري.
والمحرم في الماعون منعه مع أنه بلا عوض.
(1) - في ذلك حديث حسن أخرجه أبو داود برقم 1416 والبزار برقم 1719، واللفظ له عن عبدالله قال: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلو، والفأس، والقدر.
فكيف بمنع ما هو من ضرورات وحاجات المجتمع الإنساني، خاصة وهو بمعاوضة لا تبرع.
وحق الأجر العادل مرعي شرعاً: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(النحل: 90).
وهذا نص عام يدخل فيه ضبط سياسة الأجور؛ فيجب فرض أجر عادل، ويحرم الغبن الفاحش؛ لأنها معاوضة، والغبن الفاحش فيه ضرر فاحش وظلم، وهو محرم يوجب بطلان الأجرة هذه، وفرض أجرة عادلة مماثلة لمثله سواء كان كافرا أو مسلما؛ لمعاملة الشرع يهود خيبر بشطر ما يخرج منها، وهو ما كان يتعامل به المجتمع من المسلمين وغيرهم آنذاك (1).
وحق التنقل لكل إنسان في عموم الأرض مكفول: سياحةً وبحثا ونظرا وتعلما ومعيشة، وأي مصلحة معتبرة لا ضرر منها على الآخر (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: 20).
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)(محمد: 10).
فالسير في الأرض حق إنساني مشترك عام لا يحق لأي دولة أو جهة منعه عن شخص إلا بمبرر معتبر كالضرر؛ لأن الضرر يزال، ولا ضرر ولا ضرار، وهي ضرورة تقدر بقدرها.
ولا يجوز الخضوع لأي إملاءات من دول مهيمنة تفرض عرقلة السير المباح في الأرض والتنقل على جنس معين أو اتباع دين معين بغيا وعدوانا وتعنتا.
لأن هذا حق إنساني من خالق الإنسان والأرض، ولا ينزع هذه الهبة إلا هو، ولكن الضرورات الضارة تقدر بقدرها العادل (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 173).
فشرط في الاضطرار عدم البغي والعدوان، وأكثر العرقلة على أهل الإسلام في حركتهم الإنسانية الدولية على الكوكب هو من البغي والعدوان والعدائية الدينية (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (البقرة: 109).
فإذا حصل ذلك العدوان فقد شرع الله رد العدوان بالمثل (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ)(البقرة: 191).
(1) - قولنا «آنذاك» ، أي معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر، والحديث في صحيح مسلم برقم 4048 عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها.