الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
داخل في ماهية الشيء، والشرط في أمر خارج عنه لازم له.
وقولنا «واجبات» : هي ما يأثم تاركها.
وقولنا «وموانع» : هي أمور يلزم من وجودها عدم الشيء، وستأتي.
والإعداد له فرضٌ كفائي دائم، وهو فرض عين على الدولة فيما لا يقوم إلا بها.
وفرضٌ على غيرها فرادى أو جماعات فيما لا يقوم إلا بهم من أنواع الجهاد، فالعالم فرضه العيني نشر العلم وقول الحق، وهو مقدم على غير ذلك من أنواع الجهاد كالقتال إلا إذا تعين عليه وتضيق كمداهمة عدو، فهو -حينئذ- مقدم على العلم، وإنما قدم على العلم لإمكان القيام به موسعا في غير وقتٍ بخلاف نحو قتال عدو داهم البلد فهو مضيق لا يمكن تأخيره، وهكذا إذا تعارضت الفرائض.
والجهاد فرض على أنواع:
الأول: الإعداد التام للوصول إلى النهضة الشاملة، وهذا فرض دائم عيني على الدولة وكفائي بالنظرة الكلية (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
الثاني: التعبئة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ)(الأنفال: 65)، وهو فرض عند استدعاء سببه.
الثالث: القتال، وهو فرض مطلق معلل مسبب كما سبق.
الرابع: جهاد النفس وتطهيرها وتزكيتها، وهو ربع الرسالة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2).
الخامس: الإصلاح الشامل وإنهاء الفساد، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1 - أما الإعداد فهو في كل معنى للقوة يحصل منه ردع للعدو استقلالا أو استكمالا
.
وأدناه الآن مكافأة قوة العدو تسليحا، وتدريبا، وإعدادا، وتصنيعا لا عددا بالنص (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ) (الأنفال: 65).
وإنما قلنا أدناه؛ لأن الغرض في الإعداد معلق بالاستطاعة، وهذه العلة متحققة في دول العرب والمسلمين، وأدناها المماثلة وهي مستطاعة.
ووحدتهم من القوة فهي فرض بالوسيلة هنا، وفرض بالنص في مواضع.
ودول الجزيرة العربية السبع (السعودية والإمارات والبحرين وعمان وقطر والكويت واليمن) أشد في فرضية الوحدة، ويليها العراق والشام ومصر (1).
ويدخل في القوةِ القوةُ الاقتصادية؛ لأنه لا إمكان لإعداد معتبر في ميزان القوى المعاصر إلا بذلك.
وكل وسائل ذلك من قوة المؤسسة العلمية التي تخرج المتخصصين في مختلف علوم النهضة، شرعيةً وتكنولوجيةً وفكريةً.
وكل هذه الأمور مستطاعة للعرب والمسلمين اليوم؛ فهم آثمون لتقصيرهم وحكامهم أشد إثما؛ والواجب دفع مفاسد استطالة عدوهم عليهم وعلى دينهم، احتلالا ونهبا واستضعافا وفتكا وأسرا وسجنا وابتزازا لقراراتهم السياسية والسيادية، وصدهم عن سبيل الله كثيرا، واستهزائهم بالله وآياته ورسوله، وقتلهم لأهله، وإخراجهم من ديارهم بغير حق، واعتدائهم ابتداء بالقتال والبغي (وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (التوبة: 13)، ونكثهم للعهد والميثاق الدولي والإنساني (نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) (التوبة: 13).
فتلخصت القوة الإعدادية الفرضية في النص بخمسة أمور لا بد منها، وهي القوة العسكرية، والاقتصادية، والتعليمية، ووحدة الصف، فهذه الآن هي القوة، وفرض تحصيلها، وكل ما لا تتم إلا به من الوسائل فهو واجب. وقبل ذلك كله تحقيق الإيمان والعمل الصالح فهو ضرورة يتعذر تمكين الأمة إلا به (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
ولكل عصر قوةٌ بدليل أمر عمر للمقاتلين ألا يقصوا أظافرهم في الغزو؛ لأنها تحل عقدة
(1) - انظر العلاقات الدولية من كتابنا هذا في فقه الدولة.