الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه حقوق الإنسان
يمكننا تعريف حقوق الإنسان بأنها:
كل أمر شُرِعَ دفعا لكل ضرر فاحش على الإنسان كإنسان، ومعاملتُه بكل ما يحفظ له مقصد التكريم الإلهي، بما يعتبر حفظا لضرورياته وحاجياته، وتحسينياته الإنسانية.
سواء في أموره العادية أو الاستثنائية.
وكل عقوبة لا تنزل به إلا بحق وعدل دفعا للضرر الكلي، وحفظا -كذلك- لضروريات وحاجيات المجموع.
فحقوق الإنسان هي أمور تختص بأصل التكريم للإنسان وحفظ ضرورياته وحاجياته المتفق عليها في سائر الشرائع غالبا وما اختص به الدين الخاتم، ومدارها على حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض والجماعة العامة والفطرة.
ودين الإسلام هو دين الإنسانية جميعا، ولذا قام على رعاية حقوق الإنسان أعظم رعاية برحمة وحكمة ووسطية وعدل وإحسان.
والأصل تكريم الإنسان لقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)(الإسراء: 70).
وتتساوى الإنسانية في أصل الخليقة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات: 13).
فلا عنصر ولا شعب ولا عرق ولا لون ولا نسب خير من آخر، فالكل مرجعه لآدم، وآدم من تراب «كلكم لآدم وآدم من تراب» (1).
فلا عنصرية في الإسلام، ولا فضل لعرق على آخر في أصل الخليقة، ولا تفاضل إلا بالكسب، وهو كسب يدور حول الإصلاح في الأرض وترك الفساد وحفظ المقاصد الجامعة،
(1) - أخرجه أبو داود برقم (5118) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عزوجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن» . قلت: سنده صحيح وأخرجه أحمد برقم (8537) والترمذي برقم (3920). وله شاهد في كشف الأستار من حديث أبي سعيد الخدري بسند حسن صحيح برقم (1926)، وشاهد آخر برقم (3354). وفيه حسن العرني ضعيف.
ومن كسب التقوى حاز مرتبة الفضل عند الله.
ويجب تكريم الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف، وترك التأفف منها ولو كافرين، ويطاعان إلا في معصية الله (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (العنكبوت: 8).
ومن خالفنا في الدين ولم يحارب أو يظاهر فالإحسان إليه مطلوب كإنسان، لقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).
والبر: هو الإحسان.
والقسط: هو العدل.
ويحرم في الحروب قتل المدنيين غير المقاتلين عموما، ونص على خصوص حرمة قتل النساء والأطفال والعباد ونحوهم من الفئات المدنية.
وكل محايد ومسالم يحرم قتله كذلك (أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)(النساء: 90).
ويحرم المثلة بالجثث «نهى عن المثلة» (1).
ودفنهم مشروع كما فعل صلى الله عليه وسلم في قليب بدر.
وفرض حق الجار، والصاحب، وذي القربى بالنص (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) (النساء: 36).
فالجار ذو القربى والجار من غير ذي القربى له حقوق بعلة الجوار ولو كان على غير دين الإسلام.
وللمسلم أن يأكل في بيت مخالف في الدين إن دعاه، وعكسه؛ لفعله صلى الله عليه وسلم (2).
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- تقدم تخريج حديث فيه، وهو حديث الشاة المسمومة.
وله أن يبيع ويشتري منه (1).
ويرهن عنده للدين (2).
ويزورهم في المرض لفعله صلى الله عليه وسلم مع اليهودي كما ثبت في الصحيح (3).
ويدعوه إلى الدين الحق.
ويصل القريب ولو كافرا إلا حربياً في الحرب.
ويحرم مع كل إنسان في بيع وشراء كل ما حرم في التعامل به مع مسلم؛ لعموم النصوص. ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارض.
فيحرم الغرر، والغش، والكذب، وبيع ما ليس عندك، والقمار، والميسر، والربا؛ لعموم الأدلة.
وتحرم السرقة، والاختلاس، والنهب، والغصب لمال المسلم وغير المسلم.
وجميع المعاملات من بيع وشراء وشركات ومضاربات وسلم الأصل جوازها مع مسلم أو كافر، وهكذا كل المعاملات التجارية والاستثمارية.
والتملك مكفول لكل إنسان بطرقه المشروعة؛ لأنه من ضرورات الاستخلاف في الأرض.
وضمان ما أتلف من الأموال مكفول كذلك.
ونهى الشرع عن القتل والنهب والسلب والإفساد في الأرض والسرقات والاحتيال والخداع.
وفرض العقوبات العادلة للأمور الكبرى خاصة، كالتي تصادر حقوق الإنسان في الحياة، فالقاتل يقتل، والجاني على عضو يقاص به، العين بالعين والأنف بالأنف.
ودعا إلى العفو الإنساني (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى: 40).
وأمر بالستر وعدم الفضيحة على أحد.
(1) - تقدم تخريج الحديث في ذلك.
(2)
- تقدم تخريجه.
(3)
- تقدم تخريجه.
وأمر بحل الخلافات اجتماعيا بالصلح حتى لا تصل إلى القضاء فتحصل الفضيحة؛ ففي الحديث «تعافوا الحدود فيما بينكم» ، وفي الآية (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات: 10).
ويحمي الأعراض من كل اعتداء جنسي، أو بدني، أو سب، أو قذف، أو لعن.
ويرفع الضرر الخاص والعام.
ويدافع عن المظلومين، ويحاصر ويمنع القمع والظلم والاستبداد.
ويحمي المستضعفين.
ويحرم السجن بلا حق؛ لأنه من الظلم.
ويساوى بين الخصوم.
ويحرم التعذيب للإنسان تحت أي مبرر، سواء كان أسيرا أو سجينا أو طليقا متهما أو غير متهم.
فالتعذيب للإنسان محرم، بحرق، أو صعق، أو ضرب وصفع، أو منع من طعام أو شراب، أو بتجريد من الثياب، أو تعذيب بالإغراق، أو إدخال الوحوش عليه أو الهوام كالأفاعي والعقارب ونحوها، أو مساومته بعرضه وتهديده بنسائه وأطفاله وماله، أو التبريد والتسخين، أو التعذيب بمنع من النوم، أو بمنع زيارة الأهل له، أو جعله في وضعية تعذيبية كتعليق أو مد أو مط، أو جرح بمحدد، أو تقطيع شيء منه، أو إتلاف عضو منه، أو ثقبه بثاقب مسمار أو حديدةٍ أو مثقاب أو غيره، أو تعذيبه بالضوضاء الشديدة الصوتية أو شدة إضاءة.
وتحريم هذه الأمور؛ لأنها بغي وعدوان (وَلَا تَعْتَدُوا)(البقرة: 190)، ولأنها من الفحشاء والمنكر، وهو محرم قطعي (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) (النحل: 90)، ولأنها مفاسد وأضرار فاحشة، وهذا واجب الدفع وباطل أي تشريع به.
ويحرم السجن الانفرادي؛ لأنه تعذيب نفسي مضاد للفطرة.
وكل مضاد للفطرة محرم، لقوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (الروم: 30).
فما وافق الفطرة فهو الدين القيم.
ويحمي -الإسلام- حق المرأة في كافة حقوقها الإنسانية، والمالية، والنفسية، والسياسية، والاجتماعية، والعلمية (1).
ولها حق اختيار الزوج، فلا تجبر كرها على من لا تريد، ويحمي حق الترابط الأسري والمجتمعي، فيُعقَد للمرأة بإذن أهلها، وحضور شهادة العدول، وإشهار العقد حتى لا تضيع الحقوق وتتفكك الأسر.
وأمر فرضا بحفظ حقوق اليتيم، والشرائح الضعيفة من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ (2).
ونهى عن استغلال اليتيمات، فلا يُتَزَوج بهن إلا إن أدي لها سائر الحقوق، ولو كان كافلا من قبل (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: 220)، (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا) (النساء: 3).
وقوله تعالى (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)(النساء: 127).
وأمر بإدخال اليتيم في ضمن الأسرة لا بإقصائه وقهره (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)(البقرة: 220).
وحرم التحايل على ماله بأي وسيلة من الوسائل (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)(النساء: 6)، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10).
(1) - وقد بسطنا هذا لأهميته في فقه المرأة وفقه الطفل والولد من كتابنا هذا.
(2)
- وفيه نصوص كثيرة جدا في القرآن والسنة.