الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث والرابع من الأعيان المالية: الأموال الإنتاجية والاستهلاكية
أما القسم الثالث من الأعيان المالية فهو الأعيان الإنتاجية، وتشمل كل ما سبق في الأرض والعقار وتوابعها، والزراعات، والثروات؛ لأنها منتجة ومثمرة، وكذا كل الآلات التكنولوجية المنتجة من مصانع ومعامل.
وفرض عين على الدولة امتلاك التكنولوجيا المنتجة والتصنيعية، لأنه من القوة المطلوبة شرعا (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60)، وقد تقدم في فقه التكنولوجيا.
وهو من تمام أسباب التمكين في الأرض، وهو مقصود شرعي، وفرض إيجاد وسائله؛ لأن ما لا يتم المقصود الشرعي إلا به فهو واجب (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) (النور: 55).
وفرض إيجاد السياسات اللازمة لذلك، وهي تسع سياسات للنهضة الشاملة ذكرتها في فقه الدولة.
أما الأعيان المالية الاستهلاكية وهي القسم الرابع فمن ذلك ما هو من الضرورات كالطعام والشراب والملبس والسكن، ومنه ما هو من الحاجيات وهو ما يقوم به الضروري من الوسائل وما لا بد منه لإخراج الحياة عن مرتبة الضيق إلى السعة، ومنه الترفيهيات وهي ما يقصد بها التوسعة الترفيهية على الخلق.
ويشمل النوعان وسائل النقل والاتصالات، والزينة، واللهو، واللعب، ووسائل الراحة.
وقد سبق الحديث عنها في أبوابها من الكتاب باستثناء:
المأكول والمشروب:
وحاصل أحكامهما أن الأصل فيهما الإباحة (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(لقمان: 20).
ويشترط أن يكون من الطيبات والحلال، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة: 172).
فيباح كل طيب حلال، ولا حد له لسعته، وخلافه محدود. فالطيب خلافه الخبيث (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) (الأعراف: 157).
والخبائث كل ما ترتب عن تناوله الضرر على النفس من متلفات ومهلكات كالمآكل السامة.
وقد يثبت الاستخباث بإجماع الناس أو جمهورهم على عدم استساغته طعاما، وقد يكون عاما أو خاصا بشعب أو بلد.
أما اشتراط الحلال؛ فلاجتناب ما حرم بالنص أو كَسْبٍ بطرق محرمة.
فما حرم بالنص فهو كالدم والميتة والخنزير، وما ذبح للأصنام، أو أهل به لغير الله من الشياطين والمخلوقات.
أو لم يمت بالتذكية ذبحا، بل بثقل كالموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع (1). ومن المشروب لا يحرم بالنص إلا ما أسكر وهو الخمر، وأشد منه المخدرات ومثله الحشيشة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة: 3). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة: 90).
وأما ما كسب بطرق محرمة كالسرقة، والغش، والقمار، والخداع، والغصب والنهب، أو بالدعارة، أو السحر، أو بيع المخدرات والخمور، أو الأجرة على قتل أو ظلم أو رشوة، فيحرم الكسب وأكله من هذه الطرق.
(1) - قولنا «لم يمت بالتذكية ذبحا .. الخ» الموقوذة هي المرمية بحجر، والمتردية هي التي وقعت من شاهق فماتت، والنطيحة ما نطحتها بهيمة فقتلتها ومثلها ما صدمت بنحو سيارة.
وحرم بالنص أكل كل ذي مخلب من الطير أو ناب من السباع (1) والجلالة حتى تطهر (2)، والفواسق الخمس لظهور ضررها واستخباث الطبائع لها (3).
والصيد مباح بآلة محددة تنهر الدم كالسهم والرمح والأسلحة النارية، أو الطيور، والكلاب المعلمة، ويذكر اسم الله عند مباشرة الصيد (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (المائدة: 4).
وكل ما في البحر من الأحياء البحرية ولو ميِّتَة مباح أكلها ما كانت، إلا إن ثبت ضرر شيء منه؛ لعموم الحل؛ ولعدم ذكرها في منصوصات التحريم، ولورود التصريح «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (4)، سواء كانت على صورة ما في البر أو لا، ولعموم (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) (المائدة: 101) في كل ما لم ينص على تحريمه.
وما عاش في البر والبحر فهو مباح إلا ما كان من الخبائث.
لأنا إن غلبنا كونه بحريا أبحناه، وإن غلبنا كونه بريا فالأصل إباحته لعدم وروده فيما نص على تحريمه، ولم يبق سوى ضابط الاستخباث.
والأصل في كل مشروب الإباحة إلا ما أسكر أو خدَّر.
(1) - أخرجه البخاري برقم 5530 عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع.
(2)
- أخرجه أبو داود برقم 3787 عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها. قلت: حديث حسن.
(3)
- أخرجه مسلم برقم 2918 عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أربع كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم الحدأة والغراب والفارة والكلب العقور» . قال فقلت للقاسم أفرأيت الحية قال تقتل بصغر لها.
(4)
- أخرجه أبو داود برقم 83 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . قلت: حسن صحيح.
وفي مشروبات الطاقة يجري أصل الإباحة حتى يثبت غلبة التحريم أو يقينه، ولا يكون إلا إن حصل بها الإسكار، أو كان فعلها كالمخدرات، أو ثبت خلطها بالخمر لأن ما أسكر كثيره فقليله حرام.
وجميع طعام وشراب العالم بمختلف الشعوب الأصل فيها الإباحة إلا ما نص على تحريمه وهو: الميتة والخنزير والدم والخمر، وما ذبح لمعبود غير الله وعلم ذلك.
وما جهل ذكر اسم الله عليه من المذبوحات سَمَّى وأكل للحديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها «إنا نؤتى بلحمان وطعام لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا الله عليه وكلوا» (1).
(1) - أخرجه البخاري برقم 2057 عن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا الله عليه وكلوه.