الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: حكمة الرمي
أولاً: إقامة ذكر الله عز وجل:
حكمة الرمي في الجملة هي طاعة الله، فيما أمر به، وذكره بامتثال أمره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (1).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ [البقرة: 203].
وجه الدلالة:
أنه يدخل في الذكر المأمور به: رمي الجمار بدليل قوله بعده: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]، فإن ذلك يدل على أن الرمي شرع لإقامة ذكر الله (2).
ثانياً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) (3).
ثانياً: الاقتداء بإبراهيم في عداوة الشيطان، ورميه، وعدم الانقياد إليه (4):
دليل ذلك:
(1) قال النووي: (أصل العبادة الطاعة، وكل عبادة فلها معنى قطعاً; لأن الشرع لا يأمر بالعبث، ثم معنى العبادة قد يفهمه المكلف، وقد لا يفهمه، فالحكمة في الصلاة: التواضع، والخضوع، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى، والحكمة في الصوم كسر النفس وقمع الشهوات، والحكمة في الزكاة: مواساة المحتاج، وفي الحج: إقبال العبد أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيت فضله الله كإقبال العبدالى مولاه ذليلاً، ومن العبادات التي لا يفهم معناها: السعي والرمي، فكلف العبد بهما ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا للعقل، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، وكمال الانقياد، فهذه إشارة مختصرة تعرف بها الحكمة في جميع العبادات)((المجموع)) للنووي (8/ 243). وقال الشنقيطي: (ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله: من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى غير صحيح فيما يظهر لي والله تعالى أعلم، بل حكمة الرمي، والسعي معقولة، وقد دل بعض النصوص على أنها معقولة)((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 489 - 481). وقال ابن عثيمين: (الحكمة من رمي الجمرات: إقامة ذكر الله عز وجل، ولهذا يشرع أن يكبر عند رمي كل حصاة من أجل أدق يعظم الله تعالى بلسانه كما هو معظم له بقلبه، لأن رمي الجمرات على هذا المكان أظهر ما فيه من المعنى المعقول هو التعبد لله، وهذا كمال الانقياد، إذ إن الإنسان لا يعرف معنى معقولاً واضحاً في رمي هذه الحصى في هذا المكان سوى أنه يتعبد لله عز وجل بأمر، وِإن كان لا يعقل معناه على وجه التمام تعبداً لله تعالى وتذللاً له، وهذا هو كمال الخضوع لله عز وجل. ولهذا كان في رمي الجمار تعظيم لله باللسان وبالقلب)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 499، 500). وقال أيضاً: (الحكمة من رمي الجمرات هو كمال التعبد لله تعالى، والتعظيم لأمره. ولهذا يحصل ذكر الله بالقلب واللسان)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 501).
(2)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).
(3)
رواه أبو داود (1888)، الترمذي (902)، وأحمد (6/ 64)(24396)، وابن خزيمة (4/ 222)(2738)، والحاكم (1/ 630). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الحاكم:((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 56):(إسناده كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً)، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)) (902)
(4)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).
عن ابن عباس مرفوعاً قال: ((لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون)) (1)(2).
(1) رواه الحاكم (1/ 638)، والبيهقي (5/ 153) (9975). قال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1156)
(2)
قال الغزالي: (أما رمي الجمار فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه)((إحياء علوم الدين)) (1/ 270). وقال الشنقيطي: فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في قوله تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً، وقوله تعالى: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو، ومعلوم أن الرجم بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).