الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: رمي الجمار أيام التشريق
تمهيد
يرمي الحاجُ في أيام التشريق: الجمرة الصغرى، ثم الجمرى الوسطى، ثم الجمرى الكبرى، كل جمرة بسبع حصيات، وذلك في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس)) (1).
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالى أيام التشريق، يرمى الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمى الثالثة ولا يقف عندها)) (2).
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن عبدالبر (3)، وابن رشد (4).
المبحث الأول: وقت الرمي في أيام التشريق
المطلب الأول أول وقت الرمي في أيام التشريق:
(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1746)، ومسلم (1299).
(2)
رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90)(24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180)(3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر.
(3)
قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على أن أيام التشريق كلها أيام رمي وهي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر)((التمهيد)) (17/ 254).
(4)
قال ابن رشد: (أجمعوا على أنه يعيد الرمي إذا لم تقع الحصاة في العقبة وأنه يرمي في كل يوم من أيام التشريق ثلاث جمار بواحد وعشرين حصاة كل جمرة منها بسبع)((بداية المجتهد)) (1/ 353).
لا يصح الرمي في أيام التشريق قبل زوال الشمس (1)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وهو ظاهر المروي عن أبي حنفية في غير يوم النفر (5)، واختاره الكمال ابن الهمام (6)، والشنقيطي (7)،
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من رمي الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس أن ذلك يجزئه)((الإجماع)) (ص: 58). وقال ابن حزم: (اتفقوا أن ثلاثة أيام بعد يوم النحر هي أيام رمي الجمار، وأن من رماها فيها بعد الزوال أجزأه)((مراتب الإجماع)) (ص: 46). وقال ابن عبدالبر: (وأما الجمار التي ترمى في أيام منى بعد يوم النحر فأجمع علماء المسلمين أن وقت الرمي في غير يوم النحر بعد زوال الشمس) وقال أيضاً: (أجمعوا أن وقت رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة التي هي أيام منى بعد يوم النحر وقت الرمي فيما بعد زوال الشمس إلى غروب الشمس)((التمهيد)) (17/ 254). وينظر (7/ 272)، ((الاستذكار)) (4/ 353).
(2)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 376)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 545).
(3)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 194)، ((المجموع)) للنووي (8/ 235).
(4)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 399)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 589).
(5)
الرواية الظاهرة عن أبي حنيفة أنه لا يجوز عنده الرمي قبل الزوال إلا من تعجل يوم النفر، فيكره له ذلك، وخالفه صاحباه، فلا يجوز الرمي عندهما إلا بعد الزوال في جميع الأيام. ((بدائع الصنائع)) (2/ 137)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 35).
(6)
قال الكمال ابن الهمام: (لا شك أن المعتمد في تعيين الوقت للرمي في الأول من أول النهار وفيما بعده من بعد الزوال ليس إلا فعله عليه الصلاة والسلام وكذلك مع أنه غير معقول، فلا يدخل وقته قبل الوقت الذي فعله فيه عليه الصلاة والسلام، وإنما رمى عليه الصلاة والسلام في الرابع بعد الزوال فلا يرمي قبله، وبهذا الوجه يندفع المذكور لأبي حنيفة لو قرر بطريق القياس على اليوم الأول لا إذا قرر بطريق الدلالة، والله سبحانه وتعالى أعلم)((فتح القدير)) (2/ 499).
(7)
قال الشنقيطي: (بهذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم أن قول عطاء، وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه، كل ذلك خلاف التحقيق؛ لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه المعتضد بقوله: ((لتأخذوا عني مناسككم))، ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد، وأبو يوسف، ولم يرد في كتاب الله، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له البتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 464) ..
وابن باز (1)، وابن عثيمين (2)(3).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال)) (4).
وجه الدلالة:
أن في الرمي قبل الزوال مخالفة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، والذي اعتضد بقوله:((لتأخذوا مناسككم)) (5)، كما أن فعله صلى الله عليه وسلم في المناسك وقع بياناً لمجمل الكتاب فيكون واجباً، فلا يخرج عن ذلك إلا بدليل (6).
2 -
عن عائشة قالت: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالى أيام التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمى الثالثة ولا يقف عندها)) (7).
وجه الدلالة:
أن هذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرتقب الزوال ارتقاباً تامًّا، فبادر من حين زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر (8).
3 -
عن وبرة، قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما، متى أرمي الجمار؟ قال:((إذا رمى إمامك، فارمه))، فأعدت عليه المسألة، قال:((كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا)) (9).
وجه الدلالة:
أنه أعلم السائل بما كانوا يفعلونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يتحينون ذلك مما يدل على تحتمه ولزومه (10).
(1) قال ابن باز: (لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة قبل الزوال ليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر عند أكثر أهل العلم، وهو الحق الذي لا شك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة المذكورة، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم))، فالواجب على المسلمين اتباعه في ذلك كما يلزم اتباعه في كل ما شرع الله وفي ترك كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا *الحشر: 7*، وقوله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ *الممتحنة: 6*، والآيات في هذا المعنى كثيرة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 300، 372). وقال أيضاً: (لا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن لم يتعجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة المذكورة، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، ولأن العبادات توقيفية، لا يجوز فيها إلا ما أقره الشرع المطهر .. ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143، 144).
(2)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 147).
(3)
روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه وبه قال والأوزاعي والثوري وأبو ثور. ((التمهيد)) (7/ 272)، ((الاستذكار)) (4/ 353)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 476).
(4)
رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1746)، ومسلم (1299).
(5)
رواه مسلم (1297)
(6)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 464).
(7)
رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90)(24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180)(3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)):(صحيح إلا قوله: "حين صلى الظهر" فهو منكر).
(8)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 147).
(9)
رواه البخاري (1746)
(10)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 463).
ثانياً: عن عبدالله بن عمر كان يقول: ((لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس)) (1)(2).
ثالثاً: أنه لو كان الرمي جائزاً قبل زوال الشمس لفعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، لما فيه مِنْ فعل العبادة في أول وقتها، ولما فيه من التيسير على العباد؛ فإن الرمي في الصباح أيسر على الأمة؛ لأنه بعد الزوال يشتد الحر، ويشق على الناس، فلا يمكن أن يختار النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأشد ويدع الأخف، فإنه ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً (3).
رابعاً: أن هذا بابٌ لا يعرف بالقياس، بل بالتوقيت من الشارع، فلا يجوز العدول عنه (4).
رابعاً: أنه كما لا يجزئ فعلُ الرمي في غير المكان الذي رمى فيه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يجزئ كذلك في غير الوقت الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم (5).
المطلب الثاني تأخير الرمي:
يصح تأخير رمي كل يوم إلى اليوم الثاني إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكذا تأخير الرمي كله إلى اليوم الثالث عشر، ويرميه مرتبا: رمي اليوم الأول، ثم رمي اليوم الثاني، وهكذا، وهذا مذهب الشافعية (6)، والحنابلة (7)، واختاره الشنقيطي (8)، وابن باز (9).
الأدلة:
أولاً من السنة:
عن عاصم بن عدي العجلاني رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل، أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً)) وفي لفظ: ((رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغداة، ومن بعد الغداة ليومين، ثم يرمون يوم النفر)) (10).
وجه الدلالة:
أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها في وقت دليل على أن ذلك الوقت من أجزاء وقت تلك العبادة الموقتة; لأنه ليس من المعقول أن تكون هذه العبادة موقتة بوقت معين ينتهي بالإجماع في وقت معروف، ويأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها في زمن ليس من أجزاء وقتها المعين لها (11).
(1) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 598)
(2)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 353).
(3)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 147)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 353).
(4)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (/138)، ((حاشية الشلبي)) (2/ 35).
(5)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 499)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 545).
(6)
((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 108)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 315).
(7)
((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 590)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 510).
(8)
قال الشنقيطي: (التحقيق في هذه المسألة أن أيام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي، فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر منها أجزأه، ولا شيء عليه، كما هو مذهب أحمد، ومشهور مذهب الشافعي، ومن وافقهما). وقال أيضاً: (التحقيق أن أيام الرمي كلها كاليوم الواحد، وأن من رمى عن يوم في الذي بعده، لا شيء عليه لإذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء في ذلك، ولكن لا يجوز تأخير يوم إلى يوم آخر إلا لعذر، فهو وقت له، ولكنه كالوقت الضروري)((أضواء البيان)) (4/ 468،470).
(9)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 145).
(10)
رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، وابن ماجه (2481)، وأحمد (5/ 450)(23826)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 598)، والدارمي (2/ 86)(1897)، والحاكم (1/ 652)، والبيهقي (5/ 150) (9955). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 651)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود))
(11)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 469).
ثانياً: أن أيام التشريق كلها وقت للرمي فإذا أخره عن أول وقته إلى آخره أجزأه، كتأخير وقوف بعرفة إلى آخر وقته (1).
ثالثاً: أنه لو كانت بقية الأيام غير صالحة للرمي لم يفترق الحال فيها بين المعذور وغيره كما في الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة (2).
رابعاً: القياس على الصلاة فإن فعلها في آخر وقتها الضروري هو أداء، أما القضاء في اصطلاح الفقهاء والأصوليين: فإنه لا يطلق إلا على ما فات وقته بالكلية (3).
المطلب الثالث: نهاية وقت الرمي:
ينتهي وقت الرمي أداء وقضاء بغروب شمس آخر يوم من أيام التشريق.
دليل ذلك:
الإجماع:
نقله ابن عبدالبر (4)، وابن رشد (5)، والنووي (6)، والقرطبي (7)، وابن تيمية (8)، وحكاه أبو العباس السروجي عن الأئمة (9).
المبحث الثاني: النفر الأول إذا رمى الجمار ثاني أيام التشريق
إذا رمى الحاجُ الجمارَ ثاني أيام التشريق (10)، فيجوز له أن ينفر إن أحب التعجل في الانصراف من منى، هذا هو النفر الأول، وبذلك يسقط عنه المبيت ورمي اليوم الأخير.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة: 203].
ثانياً: من السنة:
(1)((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 590).
(2)
((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 315).
(3)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 469).
(4)
قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على أن من فاته رمي ما أمر برميه من الجمار في أيام التشريق حتى غابت الشمس من آخرها، وذلك اليوم الرابع من يوم النحر وهو الثالث من أيام التشريق، فقد فاته وقت الرمي، ولا سبيل له إلى الرمي أبداً، ولكن يجبره بالدم أو بالطعام على حسب ما للعلماء في ذلك من الأقاويل)((التمهيد)) (17/ 255).
(5)
قال ابن رشد: (أجمعوا على أن من لم يرم الجمار أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه لا يرميها بعد)((بداية المجتهد)) (1/ 353).
(6)
((المجموع)) للنووي (8/ 239).
(7)
قال القرطبي: (لا سبيل عند الجميع إلى رمى ما فاته من الجمار في أيام التشريق حتى غابت الشمس من آخرها، وذلك اليوم الرابع من يوم النحر، وهو الثالث من أيام التشريق)((تفسير القرطبي)) (3/ 7).
(8)
قال ابن تيمية: (أما رمي الجمار فلا يجوز بعد أيام التشريق، لا نزاع نعلمه، بل على من تركها دم، ولا يجزئ رميُها بعد ذلك)((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 293).
(9)
قال أبو العباس السروجي في ((الغاية)): (ويفوت الرمي بخروج أيام التشريق عند الأئمة وعن عطاء: يرميها ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع عشر فإن طلع الفجر، ولم يرق أراق دماً، كقول الجماعة، وفي الإسبيجابي: لا يرمي ليلة الرابع عشر لانقضاء وقته بغروب الشمس)((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 35).
(10)
وهو يوافق ثالث أيام منى؛ فإن المراد باليومين اللذين أباح الله جل وعلا للمتعجل الانصراف من منى بعد انقضائهما هما ثاني وثالث العيد؛ لأن يوم العيد يوم الحج الأكبر، وأيام التشريق هي ثلاثة أيام تلي يوم العيد،، وبه يظهر خطأ بعض الناس في تعجلهم يوم الحادي عشر. ((مجلة البحوث الإسلامية)) (13/ 88)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 386).
عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أيام منى ثلاثة: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)) (1).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (2)، والماوردي (3).
المبحث الثالث: النفر الثاني إذا رمى الجمار ثالث أيام التشريق:
التأخير إلى ثالث أيام التشريق أفضل، فإذا رمى الحاج الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق بعد الزوال انصرف من منى إلى مكة، ويسمى النفر الثاني، وهو آخر أيام التشريق، وبه تنتهي مناسك منى.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة: 203].
ثانياً: من السنة:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها، قالت:((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة، إذا زالت الشمس)) (4).
2 -
عن عبدالرحمن بن يعمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات قال: ((أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)) (5).
3 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ((صلى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت، فطاف به)) (6).
4 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى حتى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مر بذي طوى، وبات بها حتى يصبح. وكان يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)) (7).
وجه الدلالة من الحديثين:
(1) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (2459)، وأحمد (4/ 309)(18795)، وابن خزيمة (4/ 257)(2822)، وابن حبان (9/ 203)(3892)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي:((حسن صحيح))، وقال الحاكم:(صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638):(لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 209)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/ 350).
(2)
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن من أراد الخروج من منى شاخصاً عن الحرم، غير مقيم بمكة، أن ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق.)((المغني)) (3/ 401).
(3)
قال الماوردي: (فإن نفر في اليوم الأول كان جائزاً وسقط عنه المبيت بمنى في ليلته، وسقط عنه رمي الجمار من غده، وأصل ذلك الكتاب والسنة، وإجماع الأمة)((الحاوي الكبير)) (4/ 199).
(4)
رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90)(24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180)(3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)):(صحيح إلا قوله: "حين صلى الظهر" فهو منكر).
(5)
رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (2459)، وأحمد (4/ 309)(18795)، وابن خزيمة (4/ 257)(2822)، وابن حبان (9/ 203)(3892)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الحاكم:(صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638):(لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 209)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/ 350).
(6)
رواه البخاري (1764)
(7)
رواه البخاري (1573)، ومسلم (1259)
أن ذلك إنما كان في ليلة الحصبة بعد النفر من منى.
ثالثاً: الإجماع: نقله الماوردي (1)، وابن حزم (2)، وابن عبدالبر (3)، والنووي (4).
رابعاً: أن المقام مقام كمال؛ أما التعجيل فهو رخصة، وفيه ترفه بترك بعض الأعمال (5).
(1) قال الماوردي: (أصل ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة). ((الحاوي الكبير)) (4/ 199).
(2)
قال ابن حزم: (الأيام المعدودات والمعلومات واحدة، وهي يوم النحر، وثلاثة أيام بعده لقول الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ *البقرة: 1203*، والتعجيل المذكور والتأخير المذكور إنما هو بلا خلاف من أحد في أيام رمي الجمار)((المحلى)) (7/ 275 رقم 914).
(3)
قال ابن عبدالبر: (لا خلاف أن أيام منى ثلاثة أيام، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الاستذكار)) (4/ 339).
(4)
قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب يجوز النفر في اليوم الثاني من التشريق، ويجوز في الثالث، وهذا مجمع عليه لقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ *البقرة: 203*)((المجموع)) للنووي (8/ 249).
(5)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 199).