الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: شروط الطواف
المطلب الأول: النية
يشترط نية أصل الطواف، وهذا مذهب جمهور الفقهاء (1): الحنفية (2)، والمالكية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات)) (5).
2.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل لكم فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)) (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الطواف صلاة، والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقا (7).
ثانياً: الطواف عبادة مقصودة؛ ولهذا يتنفل به، فلا بد من اشتراط النية فيه (8).
مسألة: هل يشترط تعيين نية الطواف إذا كان في نسك من حج أو عمرة؟
(1) خالف في هذه المسألة الشافعية إذا كان الطواف في نسك الحج أو العمرة، فالأصح عندهم صحة الطواف في النسك بلا نية بشرط ألا يصرف الطواف إلى غيره كطلب غريم. ((المجموع)) للنووي (8/ 16)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 211).
(2)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 523).
(3)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 119).
(4)
((الفروع)) لابن مفلح (6/ 37)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 573).
(5)
رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907)
(6)
رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66)(1847)، وابن حبان (9/ 143)(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34)(10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196):(إسناده صحيح)، ورجح وقفه الترمذي، والنسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954)
(7)
حديث تسمية الطواف صلاة ولفظه: ((الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام)) رواه الطبراني (11/ 40)(10976)، والبيهقي (5/ 85)(9075)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. قال البيهقي:(صحيح)، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (5347)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3956).
(8)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 65).
لا يشترط تعيين نوع الطواف إذا كان في نسك من حج أو عمرة، فلو طاف ناسيا أو ساهياً عن نوع الطواف أجزأه عن الطواف المشروع في وقته، ما دام أنه قد نوى النسك الذي هو فيه: العمرة أو الحج، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1) ، والمالكية (2)، والشافعية في الأصح (3) ، واختاره الشنقيطي (4) ،وابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع بعدما دخلوا معه وطافوا وسعوا أن يفسخوا حجهم ويجعلوه عمرة، وكان منهم القارن والمفرد، وإنما كان طوافهم عند قدومهم طواف القدوم، وليس بفرض، وقد أمرهم أن يجعلوه طواف عمرة، وهو فرض (6).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلن لأصحابه، أو يأمرهم بإعلام الطائفين بأن هذا طواف للقدوم، وذلك طواف للإفاضة، بل كان يؤدي المناسك ويقول:((لتأخذوا مناسككم)) (7)، ولا شك أن كثيرا ممن حج معه صلى الله عليه وسلم لم يكن مستحضرا أن الطواف بعد الوقوف بعرفة، هو طواف الزيارة، وهو الطواف الركن، وإنما كانوا يتابعون النبي صلى الله عليه وسلم في مناسكه (8).
ثانياً: أنَّ نية النسك تشمل أعمال المناسك كلها بما فيها الطواف بأنواعه، فلا يحتاج إلى نية، كما أن الصلاة تشمل جميع أفعالها، ولا يحتاج إلى النية في ركوع ولا غيره (9).
ثالثاً: أن أركان الحج والعمرة لا تحتاج إلى تعيين النية، كالوقوف بعرفة، والإحرام، والسعي، والطواف ركن في النسك بالإجماع، فلا يفتقر إلى تعيين النية (10).
(1)((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 128)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 523).
(2)
استثنى المالكية طواف القدوم، فيجب فيه عدم نية النفلية، وذلك لأنه واجب عندهم. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 124)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 36).
(3)
((المجموع)) للنووي (8/ 16).
(4)
قال الشنقيطي: (أظهر أقوال العلماء، وأصحها إن شاء الله أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه; لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم)((أضواء البيان)) (4/ 414).
(5)
قال ابن عثيمين: (قال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي النية الأولى، وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة، فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك)((الشرح الممتع)) (7/ 251). وقال أيضاً: (الطواف، والسعي، والرمي، وما أشبهها كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها)((الشرح الممتع)) (7/ 338).
(6)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (.
(7)
رواه مسلم (1297)
(8)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (.
(9)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 219 (.
(10)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 124)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 219).
رابعاً: أن نية الطواف في وقته يقع بها عن المشروع في ذلك الوقت دون الحاجة إلى تعيين النية، فإن خصوص ذلك الوقت إنما يستحق خصوص ذلك الطواف بسبب أنه في إحرام عبادة اقتضت وقوعه في ذلك الوقت فلا يشرع غيره (1).
خامساً: أن القول باشتراط تعيين النية فيه حرج كبير؛ إذ إن أكثر الحجاج على جهل كبير بمناسك الحج ومعرفة الواجب فيه (2).
المطلب الثاني: ستر العورة
ستر العورة شرطٌ لا يصح الطواف بدونه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وحكي الإجماع على وجوبه (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31].
وجه الدلالة
أن سبب نزول الآية أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، وكانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فنزلت هذه الآية، وقد ثبت هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعلى ذلك جماهير علماء التفسير، وصورة سبب النزول قطعية الدخول عند أكثر الأصوليين (7).
ثانياً: من السنة:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط، يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)) أخرجه البخاري ومسلم (8).
وجه الدلالة:
أن الحديث يدل على أن علة المنع من الطواف كونه عريانا، وهو دليل على اشتراط ستر العورة للطواف (9).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطواف بالبيت صلاة)) (10)
وجه الدلالة
أن قوله: ((الطواف صلاة)) يدل على أنه يشترط في الطواف ما يشترط في الصلاة، إلا ما أخرجه دليل خاص كالمشي فيه، والانحراف عن القبلة، والكلام، ونحو ذلك، ولماكان من شروط الصلاة المجمع عليها عند أهل العلم ستر العورة كان شرطاً أيضاً لصحة الطواف (11).
المطلب الثالث: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في الطواف
الفرع الأول: طواف الحائض لغير عذر
يحرم طواف الحائض لغير عذر.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
(1)((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 217 (.
(2)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (.
(3)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 95)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31)
(4)
((المجموع)) للنووي (8/ 16)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485).
(5)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 402)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16).
(6)
أجمع أهل العلم على وجوب ستر العورة في الطواف، وإنما وقع الخلاف بينهم في كونه شرطا، فالجمهور على اشتراطه خلافاً للحنفية. قال ابن تيمية:(فما ثبت بالنص من إيجاب الطهارة والستارة في الطواف متفقٌ عليه)((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (8/ 14).
(7)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 401).
(8)
رواه البخاري (4657)، ومسلم (1347)، واللفظ له.
(9)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 401).
(10)
رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66)(1847)، وابن حبان (9/ 143)(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34)(10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196):(إسناده صحيح)، ورجح وقفه الترمذي، والنسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي. انظر:((التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954).
(11)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 400).
1 -
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة:((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري))، وفي رواية:((حتى تغتسلي)) (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة رضي الله عنها أن تطوف بالبيت وهي حائض، والنهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته (2).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها: ((أن صفية حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال: فلتنفر معكم)) (3).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث يدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على اشتراط الطهارة (4).
ثانياً: الإجماع:
أجمع العلماء على تحريم طواف الحائض، نقله النووي (5)، وأقره الصنعاني (6)، وعامتهم على عدم صحته (7).
الفرع الثاني: طواف الحائض عند الضرورة
إذا اضطرت المرأة الحائض إلى طواف الإفاضة، كأن تكون مع رفقة لا ينتظرونها، كان ذلك جائزا، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، فتجعل ما يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد، وهذا اختيار ابن تيمية (8)، وابن عثيمين (9).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
ثانياً: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (10).
وجه الدلالة:
أن الحائض إذا اضطرت إلى الطواف لا تستطيع إلا هذا.
ثالثاً: أن الصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلي عن شرائطها من الطهارة أو ستر العورة أو استقبال القبلة فإنه يصلي على حسب حاله، فالطواف أولى بذلك؛ فإن أصول الشريعة مبنية على أن ما عجز عنه العبد من شروط العبادات يسقط عنه، وكما لو عجز الطائف أن يطوف بنفسه راكبا وراجلا فإنه يحمل ويطاف به (11).
الفرع الثالث: اشتراط الطهارة من الحدث في الطواف
أجمع أهل العلم على مشروعية الطهارة في الطواف (12)، ثم اختلفوا في لزومها على ثلاثة أقوال:
(1) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(2)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(3)
رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211).
(4)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(5)
قال النووي: (الطواف لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف، فقال مالك والشافعي وأحمد: هي شرط، وقال أبو حنيفة: ليست بشرط وبه قال داود، فمن شرط الطهارة قال العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة ومن لم يشترطها قال العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 147).
(6)
((سبل السلام)) للصنعاني (1/ 105)،
(7)
((المحلى)) لابن حزم (5/ 189)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 147)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 57)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/ 166)، ((أحكام القرآن)) (1/ 204)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 80، 434).
(8)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 243).
(9)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/ 332، 7/ 262).
(10)
رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
(11)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 243، 245).
(12)
((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 342).
القول الأول: أنَّ الطهارة من الحدث شرط في صحة الطواف، وهذا قول جمهور الفقهاء (1) من المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، وهو اختيار ابن باز (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ وطاف بالبيت)) (6).
وجه الدلالة:
أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نصٍّ من كتاب الله، فهو على اللزوم والتحتم، فدل ذلك على اشتراط الطهارة للطواف؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بينه بفعله وقال: خذوا عني مناسككم، ولم يرد دليل يخالف ذلك؛ فثبت أن الطهارة للطواف شرط (7).
2 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت وهي محرمة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) وفي رواية ((حتى تغتسلي)) (8).
وجه الدلالة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لعائشة رضي الله عنها أن تفعل وهي حائض كل ما يفعله الحاج غير الطواف، فإنه جعله مقيدا باغتسالها وطهارتها من الحيض، فدل على اشتراط الطهارة للطواف، وفي معنى الحائض: الجنب والمحدث (9).
3 -
عن عائشة رضي الله عنها: ((أن صفية حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال: فلتنفر معكم)) (10).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث يدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على اشتراط الطهارة (11).
ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((الطواف بالبيت صلاة
…
)) (12).
وجه الدلالة:
أنه شبه الطواف بالصلاة، فدل ذلك على أن للطواف جميع أحكام الصلاة إلا ما دل الدليل على استثنائه كالمشي والكلام وغيره، ومن ذلك الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) (13).
(1) قال النووي: (حكاه الماوردي عن جمهور العلماء، وحكاه ابن المنذر في طهارة الحدث عن عامة العلماء)((المجموع)) للنووي (8/ 17).
(2)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 94) ، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 313) ، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31).
(3)
((المجموع)) للنووي (8/ 14) ، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 278).
(4)
((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 403).
(5)
قال الشيخ ابن باز: (يشترط لصحة الطواف أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 60).
(6)
رواه البخاري (1641)، ومسلم (1235).
(7)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 207).
(8)
رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(9)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(10)
رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211).
(11)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(12)
رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66)(1847)، وابن حبان (9/ 143)(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34)(10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196):(إسناده صحيح)، ورجح وقفه الترمذي، والنسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954).
(13)
رواه مسلم (224)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
القول الثاني: أن الطهارة واجبة في الطواف، فيعيد متى ما كان في مكة، فإن عاد إلى بلده جبره بدم، وهذا مذهب الحنفية (1)، ورواية عن أحمد (2).
الدليل:
قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أن الأمر بالطواف مطلق لم يقيده الشارع بشرط الطهارة، وهذا نص قطعي يجب العمل به، وما ورد في السنة فإنه يدل على الوجوب فقط لا على الشرطية (3).
القول الثالث: أن الطهارة سنة في الطواف، وهذا قول عند الحنفية (4)، ورواية عن أحمد (5)، واختاره ابن حزم (6)، وابن تيمية (7)، وابن القيم (8)، وابن عثيمين (9).
وذلك للآتي:
أولاً: أنه لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الطائفين بالوضوء، ولا باجتناب النجاسة، لا في عمره ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبينه للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع (10).
ثانياً: قياسا على أركان الحج وواجباته فإنه لا يشترط لهما الطهارة، فكذلك الطواف لا يشترط له الطهارة (11).
المطلب الرابع: ابتداء الطواف من الحجر الأسود
(1)((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 50)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 95)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 469).
(2)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398) ، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164).
(3)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35).
(4)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35).
(5)
((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398) ، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 214)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164).
(6)
قال ابن حزم: (الطواف بالبيت على غير طهارة جائز، وللنفساء، ولا يحرم إلا على الحائض فقط؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين - إذ حاضت - من الطواف بالبيت)((المحلى)) لابن حزم (5/ 189).
(7)
قال ابن تيمية: (ثم تدبرت وتبين لي أن طهارة الحدث لا تشترط في الطواف ولا تجب فيه بلا ريب ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى فإن الأدلة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيه وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 199)، ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97).
(8)
((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97).
(9)
قال ابن عثيمين: (الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحيانا يضطر الإنسان، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهورا بينا، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح مناف لقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ *البقرة: 185*)((الشرح الممتع)) (7/ 101)، (7/ 262).
(10)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 176)، ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97).
(11)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 211).
ابتداء الطواف من الحجر الأسود شرط لصحة الطواف، فلا يعتد بالشوط الذي بدأه بعد الحجر الأسود، وهو مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) ، ورواية عند الحنفية (3)، وقول عند المالكية (4).
الأدلة:
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة، إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف: يخب ثلاثة أطواف من السبع)) أخرجه البخاري ومسلم (5).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا)) أخرجه مسلم (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ابتداء الطواف من الحجر الأسود، ومواظبته دليل على فرضية الابتداء به؛ لأنها بيان لإجمال القرآن في قوله تعالى:((وليطوفوا بالبيت العتيق))، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((لتأخذوا مناسككم)) (7).
المطلب الخامس: أن يجعل البيت عن يساره
يشترط أن يجعل البيت عن يساره، وهو قول الجمهور (8) من المالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
دليل ذلك:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا)) أخرجه مسلم (12)، وقد قال:((لتأخذوا مناسككم)) (13).
المطلب السادس: دخول الحِجْر (14) ضمن الطواف
الطواف من وراء الحطيم فرض، من تركه لم يعتد بطوافه، حتى لو مشى على جداره لم يجزئه، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (15) ، والشافعية (16) ، والحنابلة (17).
الأدلة:
(1)((المجموع)) للنووي (8/ 32)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485 - 486).
(2)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485) ، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16).
(3)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130) ، ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 81)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 332)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 225).
(4)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 240)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 90).
(5)
رواه البخاري (1603)، ومسلم (1261).
(6)
رواه مسلم (1262).
(7)
رواه مسلم (1297).
(8)
قال النووي: (الترتيب عندنا شرط لصحة الطواف بأن يجعل البيت عن يساره ويطوف على يمينه تلقاء وجهه فإن عكسه لم يصح وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وداود وجمهور العلماء)((المجموع)) للنووي (8/ 60).
(9)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 97)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31).
(10)
((المجموع)) للنووي (8/ 60)، ((مغني المحتاج)) للخطيب للشربيني (1/ 485).
(11)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 383).
(12)
رواه مسلم (1218).
(13)
رواه مسلم (1297).
(14)
الحِجْر: هو الموضع المحاط بجدار مقوس تحت ميزاب الكعبة، في الجهة الشمالية من الكعبة، ويسمى الحطيم أيضا، والحجر هو جزء من البيت، تركته قريش لضيق النفقة، وأحاطته بالجدار، وقيل: الذي منها ستةأذرع أو سبعة أذرع.
(15)
((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31) ، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 240).
(16)
((المجموع)) للنووي (8/ 14) ، ((مغني المحتاج)) للشربيني الخطيب (1/ 486).
(17)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 189)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485).
1 -
عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:((ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت، فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم وعنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال بكفر -؛ لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله؛ ولجعلت بابها بالأرض؛ ولأدخلت فيها من الحِجر)) أخرجه مسلم (2).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن الحِجْر جزء من الكعبة؛ فيجب أن يكون الطواف من ورائه، فإن لم يطف من ورائه لم يتحقق الطواف حول الكعبة.
3 -
مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الطواف من وراء الحجر، وفعله بيان للقرآن الكريم، فيلتحق به؛ فيكون فرضا.
المطلب السابع: أن يقع الطواف في المكان الخاص وهو داخل المسجد الحرام
يشترط أن يكون مكان الطواف حول الكعبة المشرفة داخل المسجد الحرام، قريبا من البيت أو بعيدا عنه، وهذا شرط متفق عليه بين المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6)، وحكى النووي الإجماع على عدم صحة الطواف خارج المسجد الحرام (7)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أن الله عز وجل، أمر بالطواف بالبيت، فمن طاف خارج البيت لم يكن طائفا به.
ثانياً: من السنة:
فعله صلى الله عليه وسلم، فقد طاف عليه الصلاة والسلام داخل المسجد الحرام، وقال:((لتأخذوا مناسككم)) (8).
ثالثاً: أنه إذا طاف خارج المسجد لم يكن طائفا بالبيت، وإنما طاف حول المسجد (9).
المطلب الثامن: الطواف بالبيت سبعاً
يشترط أن يطوف بالبيت سبعاً ولا يجزئ أقل منها، وهو قول الجمهور من المالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)، وبه قال عطاء وإسحاق (13)، واختاره ابن المنذر (14)، والكمال ابن الهمام من الحنفية (15).
الأدلة:
(1) رواه البخاري (1583)، ومسلم (1333).
(2)
رواه مسلم (1333).
(3)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 353).
(4)
((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 315) ، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 241) ، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 141).
(5)
((المجموع)) للنووي (8/ 14) ، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 283).
(6)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485).
(7)
قال النووي: (أجمعوا على أنه لو طاف خارج المسجد لم يصح)((المجموع)) للنووي (8/ 39).
(8)
رواه مسلم (1297).
(9)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 223).
(10)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 90)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 30).
(11)
((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 82)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 486).
(12)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 386).
(13)
((المجموع)) للنووي (8/ 22).
(14)
((المجموع)) للنووي (8/ 22).
(15)
قال الكمال ابن الهمام: (الذي ندين به أن لا يجزي أقل من السبع، ولا يُجبَر بعضه بشيء)((فتح القدير)) (3/ 56)، حاشية ابن عابدين (2/ 552).
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعا)) (1)، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((لتأخذوا مناسككم)) (2).
2 -
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا)) (3).
فرع: الشك في عدد الأشواط
لو شكَّ في أثناء الطواف في عدد الأشواط التي طافها فإنه يبني على اليقين، وهو الأقل، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (4)، والشافعية (5) والحنابلة (6)، واستثنى المالكية من ذلك المستنكح (7)، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك (8)، واختاره ابن باز (9)، وابن عثيمين (10).
دليل ذلك من السنة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان)) رواه مسلم.
وجه الدلالة:
أنه أمر باطراح الشك والبناء على اليقين، وهو الأقل، وفي حكم الصلاة: الطواف (11).
المطلب التاسع: الموالاة بين الأشواط
تجب الموالاة بين الأشواط، وهذا مذهب المالكية (12)، والحنابلة (13)، واختاره ابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين أشواط طوافه، وقد قال:((لتأخذوا مناسككم)) (15).
ثانياً: أن الطواف كالصلاة؛ فيُشترط له الموالاة كسائر الصلوات، أو أنه عبادةٌ متعلقة بالبيت؛ فاشتُرِطت لها الموالاة كالصلاة (16).
فرع: ماذا يفعل إذا أقيمت صلاة الفريضة في أثناء الطواف؟
(1) رواه البخاري (1645).
(2)
رواه مسلم (1297).
(3)
رواه مسلم (1218).
(4)
((حاشية الدسوقي)) (2/ 30)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 666).
(5)
((المجموع)) للنووي (8/ 21).
(6)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398).
(7)
المراد بالمستنكح (بفتح الكاف أو كسرها) في مصطلح المالكية: هو من يأتيه الشك في كل يوم ولو مرة، فإنه يطرح الشك، ويلهى عنه، ولهم قول آخر أنه يبني على أول خاطره. ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/ 368)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 33)
(8)
قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من شك في طوافه بنى على اليقين)((الإشراف)) (3/ 280)، ((الإجماع)) (ص: 55).
(9)
قال ابن باز: (إن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، فإذا شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة؟ جعلها ثلاثة)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 60).
(10)
قال ابن عثيمين: (إن كان الشك في أثناء الطواف، مثل أن يشك هل الشوط الذي هو فيه الثالث أو الرابع مثلاً، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بالراجح عنده، وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 401).
(11)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (23/ 93).
(12)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105)، ((كفاية الطالب)) لأبي الحسن المالكي (1/ 666).
(13)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 399)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 483).
(14)
قال ابن عثيمين بعد أن ذكر الخلاف في المسألة: (لكن الذي ينبغي أن نعلم أن العبادة الواحدة تجب الموالاة بين أجزائها؛ لتكون عبادةً واحدة إلا ما دل الدليل على جواز التفريق)((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 277).
(15)
رواه مسلم (1297).
(16)
انظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198).
إذا أقيمت صلاة الفريضة، فإنه يقطع الطواف بنية الرجوع إليه بعد الصلاة، فإذا قُضيت الصلاة يبدأ من حيث وقف، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، وبه قال أكثر أهل العلم (4)، واختاره ابن حزم (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
دليل قطع الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (7).
وجه الدلالة:
أن الطواف صلاة، فيدخل في عموم الخبر، بوجوب المبادرة إلى الصلاة، وقطع طوافه (8).
دليل البناء على ما سبق:
أن ما سبق بني على أساسٍ صحيحٍ وبمقتضى إذنٍ شرعي؛ فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليلٍ شرعي (9).
المطلب العاشر: المشي للقادر عليه
إذا كان قادرا على المشي، فيجب عليه أن يطوف ماشياً، وهذا مذهب الحنفية (10)، والحنابلة (11)، واختاره ابن عثيمين (12)، وأوجبه المالكية في الطواف الواجب فقط (13).
الأدلة:
1 -
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتابٍ مسطور)) أخرجه البخاري ومسلم (14).
وجه الدلالة:
أن الترخيص لها بالطواف راكبة بسبب العذر، يدل أن العزيمة بخلاف ذلك، وأن الأصل أن يطوف ماشياً.
(1)((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130).
(2)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105).
(3)
((المجموع)) للنووي (8/ 47).
(4)
قال ابن المنذر: (أجمعوا فيمن طاف بعض سبعة ثم قطع عليه بالصلاة المكتوبة، أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن البصري فقال: يستأنف)((الإجماع)) (1/ 55). وقال البغوي: (قال عطاء فيمن يطوف فتقام الصلاة، أو يدفع عن مكانه إذا سلم: يرجع إلى حيث قطع عليه فيبني. ويذكر نحوه عن ابن عمر وعبدالرحمن ابن أبي بكر)((شرح السنة)) للبغوي (7/ 127). وقال ابن قدامة: (هو قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر، وسالم، وعطاء، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي)((المغني)) لابن قدامة (3/ 197).
(5)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 202).
(6)
قال ابن عثيمين: (القول الراجح في مثل أنه إذا أقيمت صلاة الفريضة فإنه يقطعه بنية الرجوع إليه بعد الصلاة
…
ولنفرض أنه قطعه حين حاذى الحجر، فإذا قضيت الصلاة هل يبدأ الطواف من المكان الذي قطعه فيه، أو يبدأ الطواف من جديد؟ اختلف العلماء في هذا، فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يبدأ الشوط من جديد، والقول الراجح أنه لا يشترط وأنه يبدأ من حيث وقف) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 277).
(7)
رواه مسلم (710).
(8)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((كشاف القناع)) (2/ 483).
(9)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 296 - 297).
(10)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130).
(11)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 199)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 395).
(12)
قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية، فيه خلاف بين العلماء منهم من يقول: لا يجزي إلا لعذر، ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 101).
(13)
((حاشية الدسوقي)) (2/ 40).
(14)
رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
2 -
عن جابر رضي الله عنه قال: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ما طاف راكباً إلا لعذر، وهو أن يراه الناس ليتأسوا به (2).
فرع: إذا كان عاجزاً عن المشي، وطاف محمولاً، فلا فداء ولا إثم عليه.
الأدلة:
أولاً من السنة:
1 -
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتاب مسطور)) أخرجه البخاري ومسلم (3).
وجه الدلالة:
أنه رخص لها الطواف راكبة للعذر.
2 -
عن جابر رضي الله عنه قال: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم (4).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً للعذر، وهو أن يراه الناس ليتأسوا به (5).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (6)، وابن تيمية (7).
(1) رواه مسلم (1273).
(2)
قال ابن عبدالبر: (وكلهم - أي أهل العلم- يكره الطواف راكباً للصحيح الذي لا عذر له، وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً في حجته إن صح ذلك عنه، كان لعذرٍ والله أعلم)((التمهيد)) (13/ 100). وقال أيضاً: (
…
ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر أني لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحدٍ أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلةٍ راكبا، ولو كان طوافه راكباً لغير عذرٍ لكان ذلك مستحبًّا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم) ((التمهيد)) (2/ 95).
(3)
رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
(4)
رواه مسلم (1273).
(5)
قال ابن عبدالبر: (وكلهم - أي أهل العلم- يكره الطواف راكباً للصحيح الذي لا عذر له، وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً في حجته إن صح ذلك عنه، كان لعذرٍ والله أعلم)((التمهيد)) (13/ 100). وقال أيضاً: (
…
ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر أني لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحدٍ أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلةٍ راكبا، ولو كان طوافه راكباً لغير عذرٍ لكان ذلك مستحبًّا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم) ((التمهيد)) (2/ 95).
(6)
قال ابن عبدالبر: (هذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، كلهم يقول إن من كان له عذرٌ أو اشتكى مرضاً، أنه جائزٌ له الركوب في طوافه بالبيت، وفي سعيه بين الصفا والمروة)((التمهيد)) (13/ 99).
(7)
قال ابن تيمية: (يجوز الطواف راكباً ومحمولاً للعذر، بالنص واتفاق العلماء)((مجموع الفتاوى)) (26/ 188).