الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: لبس المخيط
تمهيد: تعريف المخيط
المخيط: هو المفصَّل على قدر البدن أو العضو، بحيث يحيط به، ويستمسك عليه بنفسه، سواء كان بخياطة أو غيرها، مثل: القميص، والسراويل، ونحو ذلك (1).
المطلب الأول: حكم لبس المخيط للذَّكَر
لبس المخيط للذكر من محظورات الإحرام.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو مُتَضَمِّخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك)) (2).
وجه الدلالة:
أنه لما عَلِمَ أنه محرم أمره بأن ينزع عنه الجبة، فدل على أن لبس الجبة ونحوها من المخيط المحظور على المحرم.
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (3).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خمسة أنواع من اللباس تشمل جميع ما يحرم، وقد أوتي جوامع الكَلِم، وذلك أن اللباس إما أن يصنَع للبدن فقط فهو القميص، وما في معناه، أو للرأس فقط وهو العمامة وما في معناه، أو لهما وهو البُرْنُس وما في معناه، أو للفخذين والساق وهو السراويل وما في معناه، أو للرِّجلين وهو الخف ونحوه (4).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (5)، وابن حزم (6)، وابن عبدالبر (7)، وابن رشد (8).
المسألة الأولى: من أحرم بالمخيط أو لبسه بعد إحرامه لعدم حمله التصريح
(1)((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 489)، ((المجموع)) للنووي (7/ 255)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 67).
(2)
رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180)
(3)
رواه البخاري (5803)، ومسلم (1177)
(4)
ينظر ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 127، 130، 131).
(5)
قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القمص، والعمائم، والسراويلات، والخفاف، والبرانس، وأجمعوا على أن للمرأة المحرمة: لبس القميص، والدّروع، والسراويل، والخمر، والخفاف)((الإجماع)) (ص: 53)، ((المجموع)) للنووي (7/ 254).
(6)
قال ابن حزم: (أجمعوا أَن الرجل المحرم يجتنب لباس العمائم والقلانس والجباب والقمص والمخيط والسراويل التي لا تسمى ثيابًا إن وجد إزارا)((مراتب الإجماع)) (ص: 42).
(7)
قال ابن عبدالبر: (لا يجوز لباس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم)((الاستذكار)) (4/ 14)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 272).
(8)
قال ابن رشد: (اتفق العلماء على أنه لا يلبس المحرم قميصا ولا شيئا مما ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال أعني تحريم لبس المخيط وأنه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر) انظر: ((بداية المجتهد)) (1/ 326، 327).
من أحرم بالمخيط أو لبسه بعد إحرامه ليدخل به مكة لعدم حمله التصريح فحجه صحيح لكنه يأثم بارتدائه المخيط، وتجب عليه الفدية، وبه قال ابن عثيمين (1)(2).
المسألة الثانية: لبس المرأة المخيط لغير الوجه والكفين
يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس المخيط لغير الوجه والكفين.
الدليل::
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (3) وابن عبدالبر (4) وابن رشد (5).
المسألة الثالثة: لبس الخفاف للمحرم الذكر
لبس الخف (6) حرام على الرجل المحرِم، سواء كان الخف صحيحا أو مخرَّقاً، إلا لمن لم يجد النعلين.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عمر: ((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفلَ من الكعبين)) (7).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بعَرَفَاتٍ: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)) (8).
3 -
عن جابر رضي الله عنهما قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) (9).
ثانياً: الإجماع:
(1) قال ابن عثيمين: (
…
فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات الله عز وجل، كيف تحرم وتعصي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نهاك عنه من لبس القميص؟! وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرط والجنود فليس خداعا لله عز وجل إِنَّ الله لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ *آل عمران: 5* ثم ما الذي أوجب لك هذا الشيء؟ أليس حجك سنة وعمرتك سنة؟ وطاعة ولي الأمر واجبة إلا في معصية؟!
…
) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 448). وقال: (وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية - يحرم ويبقي ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يلبس المحرم القميص) وهذا لبس،
…
فلا تتقرب يا أخي إلى الله بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 450).
(2)
فائدة: قال النووي في من يتعمد ارتكاب محظور من محظورات الإحرام: (وربما ارتكب بعض العامة شيئاً من هذه المحرمات وقال أنا أفتدي متوهما أنه بالتزام الفدية يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم عليه الفعل، وإذا خالف أثم ووجبت الفدية، وليست الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم، وجهالة هذا الفاعل كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني، ومن فعل شيئاً مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه عن أن يكون مبروراً)(الإيضاح في مناسك الحج)) (ص: 211).
(3)
قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن للمرأة المحرمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف)((الإشراف)) (3/ 220).
(4)
قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أن المراد بهذا، الذكور دون النساء، وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف)((الاستذكار)) (4/ 14)، وينظر ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 272).
(5)
قال ابن رشد: (اتفق العلماء على أنه لا يلبس المحرم قميصا ولا شيئا مما ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال أعني تحريم لبس المخيط وأنه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر). انظر: ((بداية المجتهد)) (1/ 326، 327).
(6)
الخف: ما يُلبس على الرِّجل من جلد، أو نحوه.
(7)
رواه البخاري (134)، ومسلم (1177).
(8)
رواه البخاري (1841).
(9)
رواه مسلم (1179).
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (1)، والنووي (2).
المسألة الرابعة: هل يجب قطع الخفين لمن لم يجد نعلين؟
من لم يجد نعلين فلبس خفين، لا يجب عليه قطعهما، وهو مذهب الحنابلة (3)، وبه قال طائفة من السلف (4)، واختاره ابن تيمية (5)، وابن القيم (6)، وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل)) (9).
2 -
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)) (10).
وجه الدلالة من الحديثين:
أنه أطلق لبس الخفين، ولم يقيِّده بقطعهما.
المطلب الثاني: لبس المحرم للخاتم
يجوز للمحرم لبس الخاتم بلا خلاف بين أهل العلم (11).
المطلب الثالث: لبس المحرم للساعة أو النظارة أو سماعة الأذن أو تركيبة الأسنان
يجوز للمحرم لبس الساعة، أو النظارة، أو سماعة الأذن، أو تركيبة الأسنان (12)؛ وذلك لأنها كلها ليست في معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبسه من أنواع الألبسة (13).
المطلب الرابع: لبس الهِمْيان (وعاء النفقة).
(1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والعمامة والسراويل والخفاف والبرانس)((الإجماع)) (ص: 107).
(2)
قال النووي: (
…
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيءٍ من هذه المذكورات) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 73).
(3)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 329)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
(4)
قال ابن قدامة: (ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح)((المغني)) (3/ 281).
(5)
قال ابن تيمية: (
…
فله أن يلبس الخف ولا يقطعه وكذلك إذا لم يجد إزارا فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 110).
(6)
((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القيم (5/ 278 - 279).
(7)
قال ابن باز: (وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع
…
) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 53).
(8)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 130 - 131).
(9)
رواه البخاري (1841).
(10)
رواه مسلم (1179).
(11)
((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
(12)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
(13)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
يجوز للمحرم لبس الهِمْيان (1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6)، وبه قال أكثر العلماء (7).
الأدلة:
أولاً: أنه ورد عن طائفة من الصحابة، كعائشة، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، حتى حُكي في ذلك إجماعهم (8).
ثانياً: أن الهميان ليس في معنى ما جاء النهي عنه من الألبسة للمحرم في النصوص، فيبقى على أصل الإباحة.
ثالثاً: أن شد الهميان في الوسط هو ضرورة حفظ النفقة، ومما تدعو الحاجة إليه؛ فجاز كعقد الإزار (9).
مسألة: عقد الرداء
يجوز عقد الرداء عند الحاجة، وهو قول طائفةٍ من الشافعية (10)، واختاره الجويني والغزالي (11) وابن حزم (12) وابن تيمية (13)، وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: ((لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (15).
وجه الدلالة:
(1) قال ابن حجر: (أي تكة اللباس، ويطلق على ما يوضع فيه النفقة في الوسط)((مقدمة ((أحكام القرآن)) (ص: 202).
(2)
((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 139).
(3)
((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 470).
(4)
((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255).
(5)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 427)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 427).
(6)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22)
(7)
قال ابن عبدالبر: (أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم، وعن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق مثل ذلك). وقال أيضاً: (قد قال إسحاق بن راهويه: ليس للمحرم أن يعقد يعني المنطقة ولكن له أن يدخل السيور بعضها في بعض. وقول إسحاق لا يعد خلافا على الجميع، وليس له أيضا حظ من النظر، ولا له أصل؛ لأن النهي عن لباس المخيط، وليس هذا منه، فارتفع أن يكون له حكمه)((التمهيد)) (15/ 118)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22). وقال النووي:(إنه قول العلماء كافة إلا ابن عمر ومولاه)((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255).
(8)
عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في المِنْطقة [كل ما يشد به الوسط]: (أحرز عليك نفقتك) ذكره ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (11/ 42)، وذكر ابن قدامة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(أوثقوا عليكم نفقاتكم) وعن مجاهد: (سئل ابن عمر عن المحرم يشد الهميان عليه؟ فقال: لا بأس به إذا كانت فيه نفقته يستوثق من نفقته)((المغني)) (3/ 140)، وقال إبراهيم النخعي:(كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم، ولا يرخصون في عقد غيره)((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 277). وقال ابن علية: (قد أجمعوا على أن للمحرم أن يعقد الهميان والمئزر على مئزره وبالمنطقة كذلك)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22).
(9)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 306)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 277).
(10)
((المجموع)) للنووي (7/ 255،256).
(11)
((المجموع)) للنووي (7/ 255،256).
(12)
قال ابن حزم: (وللمحرم أن يشد المنطقة على إزاره إن شاء أو على جلده ويحتزم بما شاء، ويحمل خرجه على رأسه، ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء)((المحلى)) (7/ 258).
(13)
قال ابن تيمية: (يجوز عقد الرداء في الإحرام ولا فدية عليه فيه)((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466).
(14)
قال ابن عثيمين: (لو أن الرجل عقد الرداء على صدره فليس حراما)((الشرح الممتع)) (7/ 132). وقال أيضاً: (ويجوز لبس السبتة، وساعة اليد، ونظارة العين، وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393).
(15)
رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
أن إجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس، دليلٌ على أن كل ما عدا هذه المذكورات مما يلبسه المحرم (1).
ثانياً: أنه لم يرد في ذلك منعٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو في معنى المنصوص على منعه.
ثالثاً: أنَّ الرداء وإن عُقِد، لا يخرج عن كونه رداء (2).
مسألة: عقد الإزار للمحرم
يجوز عقد الإزار للمحرم إذا لم يثبت ويستمسك إلا بذلك، وهو مذهب الشافعية (3) والحنابلة (4)، واختاره ابن حزم (5)، وابن تيمية (6)، وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: ((لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (9).
وجه الدلالة:
أن إجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس، دليلٌ على أن كل ما عدا هذه المذكورات مما يلبسه المحرم (10).
ثانياً: أنه لم يرد في ذلك منعٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو في معنى المنصوص على منعه.
ثالثاً: من آثار الصحابة:
قال طاوس: رأيت ابن عمر يطوف بالبيت، وعليه عمامة قد شدَّها على وسطه، فأدخلها هكذا.
رابعاً: أنَّ فيه مصلحة له، وهو أن يثبت عليه (11).
خامساً: أنه يُحتاج إليه لستر العورة فيباح، كاللباس للمرأة (12).
فرع: حكم تشبيك الرداء بمشبك
يجوز للمحرم تشبيك ردائه بمشبك ونحوه؛ لأنه لا يعد لبساً (13)
المطلب الخامس: ستر المحرمة وجهها
الفرع الأول: ستر المحرمة وجهها بالنقاب
أولا: تعريف النقاب
النقاب هو: لباس الوجه؛ وهو أن تستر المرأة وجهها، وتفتح لعينيها بقدر ما تنظر منه (14).
ثانيا حكم النقاب للمحرمة:
(1)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393). وقال ابن تيمية: (النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيما يحرم على المحرم، وما ينهى عنه، لفظا عاما يتناول عقد الرداء، بل سئل صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم من الثياب فقال: لا يلبس القميص، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا الخفاف، إلا من لم يجد نعلين)((الفتاوى الكبرى)) (1/ 333).
(2)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 249،255).
(4)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 331).
(5)
قال ابن حزم: (ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء)((المحلى)) (7/ 258).
(6)
قال ابن تيمية: (وله أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار)((مجموع الفتاوى)) (26/ 111).
(7)
قال ابن باز: (ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه؛ لعدم الدليل المقتضي للمنع)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 54).
(8)
قال ابن عثيمين: (((الشرح الممتع)) (7/ 130،131).
(9)
رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).
(10)
((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/ 333)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393).
(11)
((المجموع)) للنووي (7/ 249،255)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/ 201).
(12)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 284).
(13)
قال ابن عثيمين: (لو شبَّك رداءه بمشبك فإنه لا يعد لبسا، بل هو رداء مشبك، لكن بعض الناس توسعوا في هذه المسألة، وصار الرجل يشبك رداءه من رقبته إلى عانته، فيبقى كأنه قميص ليس له أكمام، وهذا لا ينبغي)((الشرح الممتع)) (7/ 130،131).
(14)
((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: نقب)، ((الشرح الممتع)) (7/ 134).
النقاب من محظورات الإحرام على المرأة، وهو مذهب الجمهور من المالكية (1) والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال طائفة من السلف (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (5).
ثانياً: أنه قولٌ ثابتٌ عن طائفةٍ من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم (6).
الفرع الثاني: ستر المحرمة وجهها بغير النقاب
اختلف أهل العلم في تغطية المحرمة وجهها بغير النقاب على قولين:
القول الأول: لا يجوز تغطية المحرمة وجهها إلا لحاجة، كمرور الأجانب، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10)، وهو قول طائفة من السلف (11)، واختاره ابن دقيق العيد (12)، والشنقيطي (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ولا تتنقب المحرمة)) (14).
2.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع)) (15).
وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها (16).
ثانيا: الإجماع:
(1)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 15)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141).
(2)
((المجموع)) للنووي (3/ 167).
(3)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 134).
(4)
قال ابن المنذر: (قال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين، وقال الأسود، وعلقمة: لا تنتقب المرأة، وقال الحكم، وحماد: لا تلبس البرقع، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وكان مالك يكره القفازين، والنقاب، وقال الثوري: لا تتبرقع، ولا تلتثم)((الإشراف)) (3/ 220). قال ابن عبدالبر: (وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار)(4/ 15).
(5)
رواه البخاري (1838)، ومسلم (1177)
(6)
قال ابن المنذر: (كراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ولا نعلم أحدا خالف فيه)((الإشراف)) (3/ 220)، وينظر ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323).
(7)
((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 152)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/ 214).
(8)
((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 825).
(9)
((المجموع)) للنووي (7/ 250،261).
(10)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 527).
(11)
قال ابن قدامة: (روي ذلك عن عثمان، وعائشة، وبه قال عطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن)((المغني)) (3/ 154).
(12)
((إحكام الأحكام)) (ص: 301).
(13)
((أضواء البيان)) (5/ 52).
(14)
رواه البخاري (1838)
(15)
رواه البخاري (1855)، ومسلم (1334).
(16)
قال ابن عبدالبر: (فيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها، وهذا ما لم يختلف فيه الفقهاء)((التمهيد)) (9/ 124)، وينظر:((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 164).
نقل الإجماع على أنه يحرم على المرأة أن تغطي وجهها إلا لحاجة، ابن عبدالبر (1)، وابن قدامة (2)، وابن رشد (3).
ثالثاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه)) (4).
رابعاً: القياس: فالوجه من المرأة يجب كشفه، كالرأس من الرَّجُل (5).
(1) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها، وأن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجل إليها)((الاستذكار)) (4/ 164)، ((التمهيد)) (9/ 124، 15/ 104).
(2)
قال ابن قدامة: (المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافا، إلا ما روي عن أسماء، أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافا)((المغني)) لابن قدامة (3/ 301)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323).
(3)
قال ابن رشد: (أجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها
…
وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال إليها) ((بداية المجتهد)) (1/ 327).
(4)
رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 294)(260)، والبيهقي (5/ 47) (9314). قال الكمال ابن الهمام في ((فتح القدير)) (2/ 527):(لا شك في ثبوته موقوفاً)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 323):(إسناده صحيح)، وروى ابن حزم عن محمد بن المنكدر قال:(رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها وهي محرمة، فقال لها: اكشفي وجهك؛ فإنما حرمة المرأة في وجهها)((المحلى)) (7/ 91).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 250).
القول الثاني: يجوز للمحرمة تغطية وجهها، وهو قولٌ في مذهب الحنابلة (1)، واختاره ابن حزم (2)، وابن تيمية (3)، وابن القيم (4)، والصنعاني (5)، والشوكاني (6)،وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم
1 -
عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) (9).
قال ابن القيم: نساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة (10).
(1)((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 120).
(2)
قال ابن حزم: (لا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها)((المحلى)) (7/ 91 رقم 828).
(3)
قال ابن تيمية: (وجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى، وقيل: إنه كيديه فلا تغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره، وهذا هو الصحيح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن القفازين والنقاب، وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها؛ وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم فلها أن تغطي وجهها ويديها لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار)((مجموع الفتاوى)) (22/ 120) وينظر: (26/ 112).
(4)
قال ابن القيم: (النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين))، يعني في الإحرام فسوَّى بين يديها ووجهها في النهي عما صنع على قدر العضو ولم يمنعها من تغطية وجهها ولا أمرها بكشفه البتة ونساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة وقد كن يسدلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن) ((إعلام الموقعين)) (1/ 222).
(5)
قال الصنعاني: (المرأة المحرمة تستر وجهها بغير ما ذكر، كالخمار والثوب، ومن قال: إن وجهها كرأس الرجل المحرم لا يغطى بشيء فلا دليل معه)((سبل السلام)) (2/ 191)، وينظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 233).
(6)
قال الشوكاني: (ليس في المنع من تغطية وجه المرأة ما يتمسك به، والأصل الجواز حتى يرد الدليل الدال على المنع)((السيل الجرار)) (ص: 316).
(7)
قال ابن باز: (معنى ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)) أي لا تلبس ما فصل وقطع وخيط لأجل الوجه كالنقاب ولأجل اليدين كالقفازين، لا أن المراد أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهمه البعض فإنه يجب سترهما لكن بغير النقاب والقفازين، هذا ما فسره به الفقهاء والعلماء ومنهم العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 232).
(8)
قال ابن عثيمين: (لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما حرم عليها النقاب فقط؛ لأنه لباس الوجه وفرق بين النقاب وبين تغطية الوجه فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها، لقلنا: هذا لا بأس به، ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب، فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم)((الشرح الممتع)) (7/ 134) وينظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 185).
(9)
رواه البيهقي (5/ 47)(9316)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212)، وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 719) عن عائشة رضي الله عنها قالت:() تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين ولا تنقب)).
(10)
((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/ 265).
2 -
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام)) (1).
3 -
عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق)) (2).
ثانياً: أنه لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرَّم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما هذا قول بعض السلف (3).
ثالثاً: القياس:
فكما يجوز تغطية الكف من غير لبس القفازين، فيجوز كذلك تغطية الوجه من غير لبس النقاب، وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وهما كبدن الرجل، يجوز تغطيته، ولا يجوز لبس شيء مفصلٍ عليه.
رابعاً: أن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة (4).
خامساً: أن النهي إنما جاء عن النقاب فقط، والنقاب أخص من تغطية الوجه، والنهي عن الأخص لا يقتضي النهي عن الأعم؛ وإنما جاء النهي عن النقاب لأنه لبس مفصلٌ على العضو، صنع لستر الوجه، كالقفاز المصنوع لستر اليد، والقميص المصنوع لستر البدن، وقد اتفق الأئمة على أن للمحرم أن يستر يديه ورجليه مع أنه نهي عن لبس القميص والخف (5).
الفرع الثالث: هل يشترط في تغطية المحرمة وجهها ألا يمس الوجه؟
(1) رواه ابن خزيمة (4/ 203)(2690)، والحاكم (1/ 624). صححه على شرط الشيخين الحاكم في ((المستدرك)) (1/ 624)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212)
(2)
رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 474)(1176)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212): إسناده صحيح.
(3)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 112)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 185).
(4)
((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324).
(5)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 113).
لا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك، فيجوز أن تستر وجهها للحاجة كالستر عن أعين الناس، بثوب تسدله من فوق رأسها، وهذا مذهب المالكية (1)، والحنابلة (2)، واختاره ابن قدامة (3)، وابن تيمية (4).
الأدلة:
أولاً: من أقوال الصحابة
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) (5).
2 -
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام)) (6).
3 -
عن فاطمة بنت المنذر قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .. )) (7).
وجه الدلالة:
أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة رضي الله عنهن كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة (8).
ثانياً: أن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبيَّن، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه (9).
المطلب السادس: لبس القفازين للمحرمة
تمهيد: تعريف القفازين
(1)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 14)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 388)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 345).
(2)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 529)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 356)((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447).
(3)
قال ابن قدامة: (ذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيا عن وجهها، بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها، ثم زال أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها، كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي، ثم عاد بسرعة، لا تبطل الصلاة، وإن لم ترفعه مع القدرة؛ افتدت؛ لأنها استدامت الستر، ولم أر هذا الشرط عن أحمد، ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل، كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها). ((المغني)) (3/ 154، 301، 302)، وينظر ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 529).
(4)
قال ابن تيمية: (لو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضا، ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه، وأزواجه صلى الله عليه وسلم كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة ولم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إحرام المرأة في وجهها)) وإنما هذا قول بعض السلف لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها أن تنتقب أو تلبس القفازين) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 112).
(5)
رواه البيهقي (5/ 47)(9316)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212). وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 719) عن عائشة رضي الله عنها قالت:() تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين ولا تنقب)).
(6)
رواه ابن خزيمة (4/ 203)(2690)، والحاكم (1/ 624)، وقال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212):(صحيح على شرط الشيخين).
(7)
رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 474)(1176). قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212): إسناده صحيح.
(8)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 112).
(9)
((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324).
القفَّازان: شيء يعمل لليدين يغطي الأصابع مع الكف (1).
الفرع الأول: حكم لبس القفازين للمحرمة
يحرم على المحرمة لبس القفَّازين، وهو مذهب الجمهور من المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه قال طائفة من السلف (5).
الدليل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (6).
الفرع الثاني: حكم لبس القفازين للرجل
يحرم على الرجل لبس القفازين
الدليل:
نقل الإجماع على ذلك النووي (7)، وابن قدامة (8)، والشنقيطي (9).
المطلب السابع: الفدية في لبس المخيط
يجب في لبس المحرم المخيط، فدية الأذى: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (10)، والمالكية (11)، والشافعية (12)، والحنابلة (13).
الدليل: على ذلك:
القياس على الفدية في حلق الرأس، بجامع أنه استمتاع محض، وترفه باستعمال محظور.
المطلب الثامن: متى تجب الفدية بلبس المخيط؟
تجب الفدية بمجرد اللبس ولو لم يستمر زمنا، وهو مذهب الشافعية (14)، والحنابلة (15)؛ وذلك لأنه استمتاع يحصل بمجرد الفعل، كالوطء في الفرج (16).
(1)((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: قفز).
(2)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 16)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 304).
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 269).
(4)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 357).
(5)
قال ابن المنذر: (قال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين
…
وكان مالك يكره القفازين، والنقاب) ((الإشراف)) (3/ 220).
(6)
رواه البخاري (1838)، ومسلم (1177)
(7)
قال النووي: (يحرم على الرجل لبس القفازين بلا خلاف)((المجموع)) للنووي (7/ 257)، ((روضة الطالبين)) (3/ 127).
(8)
قال ابن قدامة: (ألحق بها أهل العلم ما في معناها مثل الجبة والدراعة والثياب وأشباه ذلك فليس للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره ولا ستر عضو من أعضائه بما عمل على قدره كالقميص للبدن والسراويل لبعض البدن والقفازين لليدين والخفين للرجلين ونحو ذلك، وليس في هذا كله اختلاف)((المغني)) (3/ 137، 138).
(9)
قال الشنقيطي: (أما لبس الرجل القفازين فلم يخالف في منعه أحد)((منسك الشنقيطي)) (2/ 297).
(10)
((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/ 547).
(11)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 304)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93).
(12)
((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 125).
(13)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
(14)
((المجموع)) للنووي (7/ 259)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 519).
(15)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).
(16)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).