الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: أحكام الأنساك الثلاثة
المطلب الأول: أنواع الأنساك الثلاثة
النوع الأول: الإفراد: وهو أن يحرم بالحج مفرداً.
النوع الثاني: القران: وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً في نسك واحد.
النوع الثالث: التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه (1).
المطلب الثاني: جواز الأنساك الثلاثة
يجوز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة: الإفراد، أو القران، أوالتمتع، وكلها شريعة صحيحة، وسنة ثابتة (2).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة، فليهل)) (3) قالت عائشة رضي الله عنها: ((فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة)) (4)، وفي رواية:((منا من أهل بالحج مفرداً، ومنا من قرن، ومنا من تمتع)) (5)
وجه الدلالة:
أنها ذكرت إحرام الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه الأنساك الثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد (6).
ثانياً: الإجماع:
(1) سيأتي الكلام عنها مفصلا، وينظر:((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
(2)
((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 346).
(3)
رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211).
(4)
رواه مسلم (1211).
(5)
رواه مسلم (1211).
(6)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232).
نقل الإجماع على جواز الأنساك الثلاثة: الماوردي (1)، وابن عبدالبر (2)، والبغوي (3)، وابن هبيرة (4)، وابنُ قدامة (5)، والقرطبي (6)، والنوويُّ (7)، وابن باز (8)، وأثبت آخرون الخلاف في المسألة (9).
(1) قال الماوردي: (لا اختلاف بين الفقهاء في جواز الإفراد، والتمتع، والقران، وإنما اختلفوا في الأفضل)((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 44).
(2)
قال ابن عبدالبر: (في حديث ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة من الفقه: أن التمتع جائز، وأن الإفراد جائز، وأن القران جائز، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم)((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 205).
(3)
قال البغوي: (اتفقت الأمة في الحج والعمرة على جواز الإفراد، والتمتع، والقران)((شرح السنة)) للبغوي (7/ 74).
(4)
قال ابن هبيرة: (أجمعوا على أنه يصح الحج بكل نسك من أنساك ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران، لكل مكلف على الإطلاق)((اختلاف الأئمة العلماء)) (1/ 270)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 210).
(5)
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء)((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232).
(6)
قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء في أن التمتع جائز على ما يأتي تفصيله، وأن الإفراد جائز، وأن القرآن جائز، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي كلا ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه، بل أجازه لهم ورضيه منهم، صلى الله عليه وسلم. وإنما اختلف العلماء فيما كان به رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما في حجته وفي الأفضل من ذلك، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك)((تفسير القرطبي)) (2/ 387).
(7)
قال النووي: (مذهبنا جواز الثلاثة، وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع، وعنه جوابان: أحدهما: أنهما نهيا عنه تنزيهاً، وحملا للناس على ما هو الأفضل عندهما، وهو الإفراد، لا أنهما يعتقدان بطلان التمتع، هذا مع علمهما بقول الله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*. والثاني: أنهما كانا ينهيان عن التمتع الذى فعلته الصحابة في حجة الوداع، وهو فسخ الحج إلى العمرة؛ لأن ذلك كان خاصًّا لهم، وهذا التأويل ضعيف، وإن كان مشهوراً، وسياق الأحاديث الصحيحة يقتضي خلافه)((المجموع)) للنووي (7/ 151).
(8)
قال ابن باز: (قد أجمع العلماء على صحة الإحرام بأي واحد من الأنساك الثلاثة، فمن أحرم بأي واحد منها صح إحرامه، والقول بأن الإفراد والقران قد نسخاً قول باطل)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 129، 130).
(9)
يقول د. عبدالسلام السحيمي: (هذا الذي ذكره جماعة من أهل العلم، وهو الإجماع على جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، ليس محل إجماع ولا اتفاق على الصحيح)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(ثبت عن ابن عباس وطائفة من السلف أن التمتع واجب، وأن كل من طاف بالبيت وسعى ولم يكن معه هدي، فإنه يحل من إحرامه، سواء قصد التحلل أم لم يقصده، وليس عند هؤلاء لأحد أن يحج إلا متمتعاً. وهذا مذهب ابن حزم وغيره من أهل الظاهر). إذا فيكون في المسألة قولان: الأول: جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، وهو قول أكثر أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو قول الأئمة الأربعة. والقول الثاني: أن من لم يسق الهدي فليس بمخير بين الأنساك الثلاثة، بل يتعين عليه أن يحج متمتعاً، وهو قول ابن عباس وأصحابه وأهل الظاهر، ومال إليه ابن القيم .. ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 210 - 212)، وانظر:((الفروع)) للمرداوي (5/ 330).
المطلب الثالث: نسك النبي صلى الله عليه وسلم:
النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم هو القران، وهذا مذهب أبي حنيفة (1)، وأحمد في المنصوص عنه (2)، وهو قول أئمة الحديث، كإسحاق بن راهويه، وابن المنذر (3)، واختاره ابن حزم (4)، والنووي (5)، وابن تيمية (6)، وابن القيم (7)، وابن حجر (8)، والكمال ابن الهمام (9)، والشوكاني (10)، والشنقيطي (11)
(1)((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 41)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 519).
(2)
قال أحمد: (لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، والتمتع أحب إلي؛ لأنه آخر الأمرين). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 34).
(3)
((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 429).
(4)
قال ابن حزم: (صح في سائر الأخبار من رواية البراء، وعائشة، وحفصة أمي المؤمنين، وأنس، وغيرهم أنه عليه السلام كان قارناً)((المحلى)) لابن حزم (7/ 165)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 429).
(5)
قال النووي: (الصواب الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفرداً، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارناً)((المجموع)) للنووي (7/ 159)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 428).
(6)
قال ابن تيمية: (أما حج النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان قارنا، قرن بين الحج والعمرة وساق الهدي، ولم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا حين قدم، لكنه طاف طواف الإفاضة مع هذين الطوافين). وهذا الذي ذكرناه هو الصواب المحقق عند أهل المعرفة بالأحاديث الذين جمعوا طرقها، وعرفوا مقصدها، وقد جمع أبو محمد بن حزم في حجة الوداع كتابا جيداً في هذا الباب. ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 80)
(7)
قال ابن القيم: (وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا، لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة في ذلك). وقال أيضاً: (من تأمل ألفاظ الصحابة، وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض، واعتبر بعضها ببعض، وفهم لغة الصحابة، أسفر له صبح الصواب، وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف)((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 107، 121، 129).
(8)
قال ابن حجر: (الذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً). وقال أيضاً: (روى القران عنه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه
…
وأيضاً فإن من روي عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف). وقال أيضا: (فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابياً بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع، وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك والمصير إلى أنه كان قارناً). وقال أيضاً: (الذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهل بهما في أول الحال، ولا ينفي أن يكون أهل بالحج مفرداً ثم أدخل عليه العمرة فيجتمع القولان)((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 427 - 430).
(9)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 522).
(10)
قال الشوكاني: (اعلم ن حجة صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الأحاديث في بيان نوعه فقد تواتر أنه حج قرانا وبلغت الاحاديث في ذلك زيادة على عشرين حديثا من طريق سبعة شعر صحابيا)((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 346).
(11)
قال الشنقيطي: (لا شك عند من جمع بين العلم والإنصاف، أن أحاديث القران أرجح من جهات متعددة، منها كثرة من رواها من الصحابة ..... ومنها: أن من روي عنهم الإفراد، روي عنهم القران أيضاً، ويكفي في أرجحية أحاديث القران أن الذين قالوا بأفضلية الإفراد معترفون بأن من رووا القران صادقون في ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا باتفاق الطائفتين، إلا أن بعضهم يقولون: إنه لم يكن قارناً في أول الأمر، وإنما صار قارناً في آخره، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن أحاديث القران أرجح من خمسة عشر وجهاً، فلينظره من أراد الوقوف عليها)((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 372).
وابن باز (1) وابن عثيمين (2).
الأدلة:
الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)) (3)
وجه الدلالة:
أنه أمر أن يهل بعمرة في حج، وهذا إهلال القران، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً (4).
الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى وساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)) (5)
وجه الدلالة:
أن المراد بالتمتع هنا القران، فالصحابة كانوا يطلقون التمتع ويريدون به القران، ويدل له هنا أن ابن عمر رضي الله عنهما بيَّن إثر هذا الكلام صفة عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه عليه السلام بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فذكر صفة القران.
الدليل الثالث: فعل ابن عمر رضي الله عنهما وأنه قَرَن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافا واحدا، ثم قال:((هكذا فَعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم)(6)
الدليل الرابع: عن حفصة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: إني قلدت هديي ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أحل من الحج)) (7).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّها على كونه معتمراً، وأخبرها أنه ساق الهدي، وأنه لن يحل من عمرته حتى يحل من الحج يوم النحر، وهذه صفة القران.
الدليل الخامس: عن أنس رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: ((يلبي بالحج والعمرة جميعاً)) قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر، فقال:((لبى بالحج وحده))، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما تعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لبيك عمرة وحجاً)) (8).
المطلب الرابع: أفضل الأنساك
(1)((فتاوى نور على الدرب)) (17/ 359).
(2)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 76).
(3)
رواه البخاري (1534).
(4)
((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 392).
(5)
رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
(6)
رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230).
(7)
رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229).
(8)
رواه البخاري (4353، 4354)، ومسلم (1232) واللفظ له ..
التمتع أفضل الأنساك الثلاثة لمن لم يسق الهدي، وهو مذهب الحنابلة (1)، وأحد قولي الشافعي (2)، وبه قال طائفة من السلف (3)، واختاره ابن حزم (4)، وابن قدامة (5)، والشوكاني (6)، وابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى دون سائر الأنساك (9).
ثانياً: من السنة:
1 -
عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله. ففعلوا)) (10).
(1) قال سلمة بن شبيب لأحمد: (يا أبا عبدالله، قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة -أي متعة الحج- فقال: يا سلمة، كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، والآن فقد تبين لي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعها لقولك؟)((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 260).
(2)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 44)، ((المجموع)) للنووي (7/ 150).
(3)
منهم: ابن عباس وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وسالم، والقاسم، وعكرمه، يشار هاهنا أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يقتصر على اختياره، بل ذهب إلى وجوبه وتَعيُّنه لمن لم يسق الهدي، وتبعه على ذلك: ابن القيم، والألباني. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 101)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 259).
(4)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 99، 103 رقم 833).
(5)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 262).
(6)
قال الشوكاني: (وفي الجملة لم يوجد شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث - حديث ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) - قال: فالتمسك به متعين، ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات، فإنها في مقابله ضائعة) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 311). وقال في ((السيل الجرار)) (ص: 346): (فمن جعل وجه التفضيل لأحد أنواع الحج هو أنه صلى الله عليه وسلم حج بنوع كذا، وأن الله سبحانه لا يختار لرسوله إلا ما كان فاضلاً على غيره فقد كان حجه صلى الله عليه وسلم قراناً، فيكون القرآن أفضل أنواع الحج، ولكنه قد ثبت من حديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلها عمرة))، فدل على أن التمتع أفضل من القران).
(7)
قال ابن باز: (التمتع أفضل في أصح أقوال العلماء في حق من لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فالقران له أفضل؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130).
(8)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 77)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 264).
(9)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 261).
(10)
رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216).
2 -
عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين حلوا)) (1).
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سئل عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي)) (2).
وجه الدلالة من هذه النصوص من وجهين:
الوجه الأول: أنه قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر أصحابه في حجة الوداع لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينقلهم من الفاضل إلى المفضول، بل إنما يأمرهم بما هو أفضل لهم.
الوجه الثاني: أنه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلولا أن التمتع هو الأفضل لما تأسف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تمنى أنه لم يسق الهدي حتى يحل مع الناس متمتعاً (3).
4 -
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال:((أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال: رجل برأيه ما شاء)) (4).
5 -
عن أبي نضرة، قال:((كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبدالله، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فـ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: 196]، كما أمركم الله)) (5).
ثالثاً: أن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج، مع كمالها وكمال أفعالها على وجه اليسر والسهولة، مع زيادة لنسك هو الدم، فكان ذلك هو الأولى (6).
رابعاً: أنه أسهل على المكلف غالباً لما فيه من التحلل بين العمرة والحج (7).
المطلب الخامس: تعيين أحد الأنساك
يستحب أن يُعيِّن ما يحرم به من الأنساك عند أول إهلاله، نص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية (8)، والشافعية في الأصح (9)، والحنابلة (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (11).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يُعيِّن نسكه.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أصحابه بالاحرام بنسك معين فقال: ((من شاء منكم أن يهل بالحج أو عمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل)) (12).
ثانياً: أن التعيين هو الأصل في العبادات (13).
(1) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
(2)
رواه البخاري (1572).
(3)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 259).
(4)
رواه البخاري (4518)، ومسلم (1226).
(5)
رواه مسلم (1217).
(6)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 286)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 262).
(7)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 77).
(8)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 221)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 63).
(9)
نص عليه الشافعي. ((المجموع)) للنووي (7/ 227)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477).
(10)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 230، 232)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 328). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 230).
(11)
رواه البخاري (1534).
(12)
رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211).
(13)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 221).
ثالثاً: أن بتعيين النسك يعرف المحرم ما يدخل عليه، وهو أقرب إلى الإخلاص (1).
المطلب السادس: الإحرام المبهم
إذا أحرم ولم يعيِّن نسكه فإنه ينعقد إحرامه، ويصرفه إلى ما شاء من أنواع النسك قبل شروعه في أفعال النسك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسعايته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت)) (6).
2 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟، فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟، قال قلت: لبيك، بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل)) (7).
ثانياً: أنه صح الإهلال مبهما لتأكد الإحرام، وكونه لا يخرج منه بمحظوراته (8).
ثالثاً: أن هذا مثل ابتداء الإحرم بالنية مطلقاً، ثم تعيينه باللفظ بأي أنواع النسك شاء (9).
المطلب السابع: من لبى بغير ما نوى
من لبى بغير ما نوى، كأن ينوي القران، ويجري على لسانه الإفراد، ونحو ذلك فإنه يكون مُحْرِماً بما نوى، لا بما جرى على لسانه (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (11).
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (12).
ثالثاً: أن الواجب النية، وعليها الاعتماد، واللفظ لا عبرة به، فلم يؤثر، كما لا يؤثر اختلاف النية فيما يعتبر له اللفظ دون النية (13).
المطلب الثامن: نسيان ما أحرم به
مَنْ أحرم بشيء معين، ثم نسي ما أحرم به فإنه يلزمه حج وعمرة، ويعمل عمل القارن، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (14)، والمالكية (15)، والشافعية (16).
الأدلة:
(1)((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(2)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 346) ا.
(3)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 63)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 26).
(4)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(5)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 267)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(6)
رواه البخاري (4352).
(7)
رواه مسلم (1221).
(8)
((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(9)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 267)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(10)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 61)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478):((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 55).
(11)
رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ:(إنما الأعمال بالنية).
(12)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه [إذا] أراد أن يهلّ بحج فأهل بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبى بحج: أن اللازم ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه)((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51)، وينظر ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265).
(13)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 265)، وينظر:((الذخيرة)) للقرافي (3/ 220).
(14)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 223).
(15)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 65)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 27).
(16)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 267).
أولاً: أنه تلبس بالإحرام يقيناً فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه (1).
ثانياً: أنه أحوط لاشتماله على النسكين، فيتحقق بالإتيان بالنسكين الخروج عما شرع فيه، فتبرأ ذمته (2).
المطلب التاسع: الإحرام بما أحرم به فلان:
من نوى الإحرام بما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله، فإن كان لا يعلم ما أحرم به فإنه يقع مطلقاً ويصرفه إلى ما يشاء، نص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
1) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسعايته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت)) (6).
2) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟، فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟، قال قلت: لبيك، بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل)) (7).
(1)((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478).
(2)
((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 27)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478).
(3)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 68).
(4)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265).
(5)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 268)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533).
(6)
رواه البخاري (4352).
(7)
رواه مسلم (1221).