الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: شروط وجوب وإجزاء
المبحث الأول: الحرية
المطلب الأول: الحرية شرط وجوب
الحرية شرط في وجوب الحج فلا يجب على العبد، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4). وحكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (5)، والنووي (6)، والشربيني (7)، والشنقيطي (8)(9)
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام)) (10).
وجه الدلالة:
أن الحج لو كان واجبا على العبد في حال كونه مملوكا لأجزأه ذلك عن حجة الإسلام، وقد دل الحديث أنه لا يجزئه، وأنه إذا أعتق بعد ذلك لزمته حجة الإسلام (11).
ثانياً: أن الحج عبادة تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، والعبد مستغرق في خدمة سيده، ومنافعه مستحقة له، فلو وجب الحج عليه لضاعت حقوق سيده المتعلقة به، فلم يجب عليه كالجهاد (12).
ثالثاً: أن الاستطاعة شرط في الحج، وهي لا تتحقق إلا بملك الزاد والراحلة، والعبد لا يتملك شيئا (13).
المطلب الثاني: الحرية شرط إجزاء
الحرية شرط في الإجزاء عن حج الفريضة، فإذا حج العبد لم يجزئه عن حج الفريضة، ولزمه إذا أعتق، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (14)، والمالكية (15)، والشافعية (16)، والحنابلة (17).
أولاً: من السنة:
(1)((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 477).
(2)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 179)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 86).
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 43)((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462، 463).
(4)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
(5)
قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(6)
قال النووي: (أجمعت الامة على أن العبد لا يلزمه الحج). ((المجموع)) للنووي (7/ 43).
(7)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).
(8)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 304).
(9)
خالف في ذلك بعض أهل الظاهر، فقالوا بوجوب الحج على العبد كالحر، وقد ناقش ابن حزم صحة الإجماعات المحكية في المسألة. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 43رقم 812)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 86).
(10)
رواه بنحوه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 823)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 140)(2731)، والبيهقي (5/ 179) (10134).قال ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (7/ 44):(رواته ثقات). وقفه أحدهما على ابن عباس وأسنده آخر، وقال البيهقي:(مرفوع، وروي موقوفاً وهو الصواب)، وجوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 57)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 208):(رجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (986) ..
(11)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 305).
(12)
((المجموع)) للنووي (7/ 43)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(13)
((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 28).
(14)
((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 477).
(15)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 413)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 443).
(16)
((المجموع)) للنووي (7/ 56)((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462، 463).
(17)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((من حج، ثم عتق فعليه حجة أخرى، ومن حج وهو صغير ثم بلغ فعليه حجة أخرى)) (1).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (2)، وابن عبدالبر (3).
ثالثاً: أن الرقيق فعل ذلك قبل وجوبه عليه، فلم يجزئه إذا صار من أهله، كالصغير (4).
المبحث الثاني: البلوغ
المطلب الأول: حكم حج الصبي
البلوغ ليس شرطاً لصحة الحج، فيصح من الصبي، فإن كان مميزا (5) أحرم بنفسه، وإن لم يكن مميزا أحرم عنه وليُّه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، وبعض الحنفية (9)، وجماهير العلماء من السلف والخلف (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر))، وفي رواية:((فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها)) رواه مسلم (11).
وجه الدلالة:
أن الصبي الذي يحمل بعضده، ويخرج من المحفة لا تمييز له (12).
2 -
عن السائب ابن زيد رضي الله عنه قال: ((حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين)) رواه البخاري (13).
ثانياً: الإجماع:
(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 823)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 140)(2731)، والبيهقي (5/ 179) (10134). قال ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (7/ 44):(رواته ثقات). وقفه أحدهما على ابن عباس وأسنده آخر، وجوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 57)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (986).
(2)
قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بخلافه خلافا أن الصبي إذا حج ثم بلغ والعبد إذا حج ثم عتق أن عليهما بعد ذلك حجة الاسلام إن استطاعا). ((المجموع)) للنووي (7/ 62).
(3)
قال برهان الدين ابن ملفح: (هذا قول عامة العلماء إلا شذوذًا بل حكاه ابن عبدالبر إجماعا). ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 27)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
(4)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).
(5)
الصبى المميز: (هو الذى يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ونحو ذلك ولا يضبط بسن مخصوص بل يختلف باختلاف الافهام، وقيل: هو الذي عقل الصلاة والصيام). ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 435)، ((المجموع)) للنووي (7/ 29).
(6)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 411)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 297).
(7)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 206)، ((المجموع)) للنووي (7/ 22). واشترط الشافعية إذن وليه.
(8)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 241)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 213). واشترط الحنابلة إذن وليه.
(9)
((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 5).
(10)
قال ابن عبدالبر في الحج بالصبيان الصغار: (وقد اختلف العلماء في ذلك فأجازوه مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز من أصحابهما وغيرهم، وأجازه الثوري وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين، وأجازه الأوزاعي والليث بن سعد فيمن سلك سبيلهما من أهل الشام ومصر. وكل من ذكرناه يستحب الحج بالصبيان ويأمر به ويستحسنه وعلى ذلك جمهور العلماء من كل قرن، وقالت طائفة لا يحج بالصبيان وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 103)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 40،42).
(11)
رواه مسلم (1336).
(12)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 207).
(13)
رواه البخاري (1858).
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (1)، والقاضي عياض (2).
ثالثاً: أنه يصح من الولي عقد النكاح عنه والبيع والشراء بماله، فيصح إحرامه عنه إذا كان غير مميز (3).
المطلب الثاني: البلوغ شرطُ وجوبٍ وشرط إجزاءٍ
البلوغ شرط وجوبٍ وشرط إجزاء، فلا يجب الحج على الصبي، فإن حج لم يجزئه عن حجة الإسلام، وتجب عليه حجة أخرى إذا بلغ (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (5).
وجه الدلالة:
أن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم)) دليل واضح على أن حج الصبي تطوع، ولم يؤد به فرضا؛ لأنه محال أن يؤدي فرضا من لم يجب عليه الفرض (6).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على عدم وجوب الحج إلا بالبلوغ: ابن المنذر (7)، وابن جُزي (8)، والشربيني (9)، ونقل الإجماع على عدم إجزاء الحج إلا بالبلوغ: الترمذي (10) وابن المنذر (11)، وابن عبدالبر (12)، والقاضي عياض (13).
ثالثاً: أن من لم يبلغ ليس مكلفاً فلا يتعلق به التكليف (14).
المطلب الثالث: ما يفعله الصبيُّ بنفسه وما يفعله عنه وليه
ما يفعله الصبيُّ من أعمال الحج على قسمين:
القسم الأول: ما يقدر عليه الصبي بنفسه، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى، فإنه يلزمه فعله، ولا تجوز فيه النيابة، ومعنى لزوم فعله أنه لا يصح أن يفعل عنه؛ لعدم الحاجة إليه لا بمعنى أنه يأثم بتركه؛ لأنه غير مكلف.
القسم الثاني: ما لا يقدر عليه؛ فإنه يفعله عنه وليه (15).
الأدلة:
أولاً: الآثار عن الصحابة:
عن أبي بكر رضي الله عنه: ((أنه طاف بابن الزبير في خرقة)) (16).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم رمى ومن لم يستطع رمي عنه)).
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (17).
(1) يقول ابن عبدالبر في حديث المرأة التي حجت بصبي: (في هذا الحديث من الفقه الحج بالصبيان، وأجازه جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر وخالفهم في ذلك أهل البدع فلم يرو الحج بهم وقولهم مهجور عند العلماء لأن النبي عليه الصلاة والسلام حج بأغيلمة بني عبدالمطلب). وقال أيضاً: (حج السلف بصبيانهم)((الاستذكار)) (4/ 398)، ((المجموع)) للنووي (7/ 42).
(2)
قال القاضي عياض: (أجمعوا على أنه يحج به إلا طائفة من أهل البدع منعوا ذلك، وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة). ((المجموع)) للنووي (7/ 42).
(3)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 380).
(4)
((المجموع)) للنووي (7/ 21).
(5)
رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/ 100)(24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225)(2296)، وابن حبان (1/ 355)(142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84)(11786). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)، وقال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1673).
(6)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 108).
(7)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على سقوط فرض الحج عن الصبي). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60)، ((المجموع)) للنووي (7/ 40).
(8)
قال ابن جزي: (أما شروط وجوبه فهي البلوغ والعقل اتفاقاً). ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 86).
(9)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).
(10)
قال الترمذي: (وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام). ((سنن الترمذي)) (3/ 265).
(11)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حج ثم افاق أو الصبى ثم بلغ أنه لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60)، ((المجموع)) للنووي (7/ 40).
(12)
قال ابن عبدالبر في ذلك: (على هذا جماعه الفقهاء بالأمصار وأئمة الأثر). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 107):
(13)
قال القاضي عياض: (أجمعوا على أن الصبي إذا حج ثم بلغ لا يجزئه عن حجة الاسلام إلا فرقة شذت لا يلتفت إليها). ((المجموع)) للنووي (7/ 42).
(14)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(15)
قال ابن قدامة: (إن كل ما أمكنه فعله بنفسه، لزمه فعله، ولا ينوب غيره عنه فيه، كالوقوف والمبيت بمزدلفة، ونحوهما، وما عجز عنه عمله الولي عنه). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242). وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 466)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 435)، ((المجموع)) للنووي (7/ 21)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 381).
(16)
رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (5/ 70)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 825).
(17)
قال ابن المنذر: (أما الصبي الذي لا يقدر على الرمي فكل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عنه). ((الإشراف)) (3/ 328)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242).