الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: النيابة عن الميت
المبحث الأول: من مات وعليه حج واجب:
من مات وعليه حجٌّ واجبٌ، بقي الحج في ذمته، ووَجَبَ الإحجاج عنه من رأس ماله (1)، سواء أوصى به أم لا، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3)، والظاهرية (4)، وقال به طائفة من السلف (5) واختاره الشنقيطي (6)، وابن باز (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى في المواريث: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11].
وجه الدلالة:
أنه عمَّ في الآية الديون كلها، ومن مات وبقي حج في ذمته؛ فإنه دين عليه، يجب قضاؤه عنه من ماله قبل قسمة التركة (8).
ثانياً: من السنة:
1.
عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال:((بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت قال: فقال: وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها)) أخرجه مسلم (9).
2.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) (10)(11).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث وإن كان في نذر الحج، إلا أنه يدل على فريضة الحج من باب أولى؛ لأن وجوب حج الفريضة أعظم من وجوب الحج بالنذر، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شبهها بدين الآدمي، والدين لا يسقط بالموت، فوجب أن يتساويا في الحكم (12).
ثالثاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
(1) يجب من رأس المال؛ لأنه دين واجب، والدين الواجب يخرج من رأس المال، فوجب مساواته له. ((المجموع)) للنووي (7/ 109)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 39).
(2)
((المجموع)) للنووي (7/ 98)((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 14).
(3)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 183)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 519).
(4)
قال ابن حزم: (من مات وهو مستطيع بأحد الوجوه التي قدمنا حج عنه من رأس ماله واعتمر ولا بد مقدماً على ديون الناس إن لم يوجد من يحج عنه تطوعاً سواء أوصى بذلك أو لم يوص بذلك). وقال أيضاً: (وهو قول من ذكرنا، وأحد قولي الشافعي، وقول جميع أصحابنا)((المحلى)) (7/ 62 - 65 رقم 818).
(5)
وبه قال ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما والحسن وطاووس، والأوزاعي، والثوري، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وأبو ثور، وإسحاق، وأضافه ابن حزم إلى جمهور السلف. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 62، 64)، ((المجموع)) للنووي (7/ 112، 116).
(6)
قال الشنقيطي: (الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعا على مشروعية الحج عن المعضوب والميت، والأظهر عندنا وجوب الحج فوراً، وعليه فلو فرط، وهو قادر على الحج حتى مات مفرطاً مع القدرة، أنه يحج عنه من رأس ماله، إن ترك مالاً؛ لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته، فكانت ديناً عليه، وقضاء دين الله صرح النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المذكورة بأحقيته حيث قال: فدين الله أحق أن يقضى). ((أضواء البيان)) (4/ 327).
(7)
قال ابن باز: (من مات ولم يحج وهو يستطيع الحج وجب الحج عنه من التركة، أوصى بذلك أو لم يوص)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 122).
(8)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 62).
(9)
رواه مسلم (1149)
(10)
رواه مسلم (1852)
(11)
قال ابن حزم: (فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها)((المحلى)) (7/ 63).
(12)
((الحاوي الكبير)) (4/ 17)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 324).
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة أتته فقالت: إن أمي ماتت وعليها حجة، أفأحج عنها؟ فقال ابن عباس: هل كان على أمك دين؟ قالت: نعم؛ قال: فما صنعت؟ قالت قضيته عنها. قال ابن عباس: فالله خير غرمائك، حجي عن أمك)) (1)(2).
رابعاً: أنه حقٌّ تدخله النيابة، لزمه في حال الحياة، فلم يسقط بالموت، كدين الآدمي (3).
المبحث الثاني: التبرع بالحج عن الميت:
يجوز التبرع بالحج عن الميت، سواء من الوارث أو من الأجنبي، وسواء أذن له الوارث أم لا (4)، وهو مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6). واختيار ابن باز (7) وبه أفتت اللجنة الدائمة (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقض الله فهو أحق بالقضاء)) (9).
وجه الدلالة:
تشبيهه صلى الله عليه وسلم له بالدين، ثم إنه لم يستفصله أوارثه أو لا، فدل على صحة الحج عن الميت، وقد تقرر في الأصول: أن عدم الاستفصال من النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينزل منزلة العموم القولي (10).
ثانياً: القياس على جواز أن يتبرع بقضاء دينه بغير إذن الوارث، ويبرأ الميت به (11).
ثالثاً: القياس على صحة الصدقة عنه (12).
الفرع الأول:
من مات، ولم يكن له تركة لم يلزم أحدا أن يحج عنه، لكن يستحب لوارثه أن يحج عنه (13).
الفرع الثاني:
العمرة كالحج في القضاء (14).
(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 843).
(2)
انظر: ((المحلى)) لابن حزم (7/ 63).
(3)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 17)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 323).
(4)
لأنه بموته خرج خرج عن أن يكون من أهل الاذن. ((المجموع)) للنووي (7/ 110).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 110)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469).
(6)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 183)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 519).
(7)
قال ابن باز عندما سئل عن رجل مات ولم يوص أحدا بالحج عنه، فهل تسقط عنه الفريضة إذا حج عنه ابنه؟ فأجاب: إذا حج عنه ابنه المسلم الذي قد حج عن نفسه سقطت عنه الفريضة بذلك، وهكذا لو حج عنه غير ابنه من المسلمين الذين قد حجوا عن أنفسهم ((مجموع فتاوى ابن باز)) - (16/ 404)
(8)
ونص فتوى اللجنة الدائمة: (يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك)((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 51).
(9)
رواه البخاري (6699)
(10)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 323).
(11)
((المجموع)) للنووي (7/ 110).
(12)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 397).
(13)
((المجموع)) للنووي (7/ 110)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 42).
(14)
قال الشنقيطي: (قاس العلماء العمرة على الحج في ذلك، وهو قياس ظاهر، والعلم عند الله تعالى)((أضواء البيان)) (4/ 329)، وانظر:((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 406).