الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حكم الاستطاعة
المطلب الأول: اشتراط الاستطاعة في وجوب الحج
الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 -
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97](1).
وجه الدلالة:
أن الله تعالى خص المستطيع بالإيجاب عليه، فيختص بالوجوب، وغير المستطيع لا يجب عليه (2).
2 -
قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا [البقرة: 286].
ثانياً: الإجماع:
أجمع العلماء على أن الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج، نقله ابن حزم (3)، وابن قدامة (4)، والقرطبي (5)، والنووي (6).
ثالثاً: انتفاء تكليف ما لا يطاق شرعاً وعقلاً (7).
المطلب الثاني: هل الاستطاعة شرط إجزاءٍ في الحج؟
الاستطاعة ليست شرط إجزاء في الحج، فإذا تجشم غير المستطيع المشقة، فحج بغير زاد وراحلة، فإن حجه يقع صحيحاً مجزئاً عن حج الفريضة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
ويدل لذلك ما يلي:
1 -
أن خلقاً من الصحابة رضي الله عنهم حجوا ولا شيء لهم، ولم يؤمر أحدٌ منهم بالإعادة (12).
2 -
أن الاستطاعة إنما شُرِطت للوصول إلى الحج، فإذا وَصَلَ وفَعَلَ أجزأه (13).
3 -
أن سقوط الوجوب عن غير المستطيع إنما كان لدفع الحرج، فإذا تحمله وقع عن حجة الإسلام، كما لو تكلف القيام في الصلاة والصيام مَنْ يسقط عنه، وكما لو تكلف المريض حضور الجمعة، أو الغني خطر الطريق وحج، فإنه يجزئ عنهم جميعاً (14).
المطلب الثالث: إذن الوالدين في حج الفريضة
(1)((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(2)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 214) قال ابن مفلح: (ولأن الخطاب إنما هو للمستطيع لأن (من) بدل من (الناس) فتقديره ولله على المستطيع). ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33).
(3)
قال ابن حزم رحمه الله: (اتفقوا أن الحر المسلم، العاقل، البالغ، الصحيح الجسم، واليدين، والبصر، والرجلين، الذي يجد زاداً وراحلة وشيئاً يتخلف لأهله مدة مضيه وليس في طريقه بحر ولا خوف ولا منعه أبواه أو أحدهما فإن الحج عليه فرض). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 41).
(4)
قال ابن قدامة: (أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة). وقال أيضاً: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافاً). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(5)
قال القرطبي: (الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعاً)، ((تفسير القرطبي)) (4/ 150).
(6)
قال النووي: (الاستطاعة شرط لوجوب الحج بإجماع المسلمين). ((المجموع)) للنووي (7/ 63).
(7)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(8)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 335)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459).
(9)
((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 447، 448)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 5).
(10)
((المجموع)) للنووي (7/ 20).
(11)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 214).
(12)
((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33).
(13)
((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33).
(14)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 214)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (8/ 391).
ليس للوالدين منع الولد المكلف من الحج الواجب، ولا تحليله من إحرامه، وليس للولد طاعتهما في تركه، وإن كان يستحب له استئذانهما، نص على هذا فقهاء الحنفية (1) ، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو أحد القولين للمالكية (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 15].
ثانياً: من السنة:
1 -
عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)) رواه البخاري، ومسلم (5)
2 -
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) رواه البخاري، ومسلم (6).
وجه الدلالة:
أن فيه تقديم الصلاة على ميقاتها على بر الوالدين، فدل على أن فرائض الأعيان التي هي من حقوق الله عز وجل تقدم على فروض الأعيان التي هي من حقوق العباد، فيقدم حج الفريضة على بر الوالدين (7).
ثالثاً: القياس على الصلاة المكتوبة بجامع الفرضية في كل منهما، فكما أن الوالدين لا يستطيعان أن يمنعا الولد من الصلاة المكتوبة فكذلك حج الفريضة.
رابعاً: أن طاعة الوالدين إنما تلزم في غير المعصية (8).
المطلب الرابع: إذن الوالدين في حج النافلة
للأبوين منع ولديهما من الحج التطوع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12). وذلك للآتي:
أولاً: أنه يلزم طاعة الوالدين في غير معصية، ولو كانا فاسقين لعموم الأوامر ببرهما والإحسان إليهما (13).
ثانياً: أن للوالدين منعه من الجهاد، وهو من فروض الكفايات، فالتطوع أولى (14).
المطلب الخامس: إذن صاحب العمل
(1)((حاشية ابن عابدين)) (2/ 456)، ((الفتاوى الهندية)) 1/ 220 واشترطوا عدم حاجة أحد الوالدين إلى خدمة الولد.
(2)
((المجموع)) للنووي (8/ 349)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 537).
(3)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(4)
نص المالكية أن للأبوين منع الولد من تعجيل الفرض. ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94).
(5)
رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840).
(6)
رواه البخاري (2782)، ومسلم (85).
(7)
((فتح الباري)) لابن رجب (3/ 46، 47).
(8)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(9)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 332)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 456).
(10)
((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 357)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94).
(11)
((المجموع)) للنووي (8/ 348)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 537).
(12)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 284).
(13)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386).
(14)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 459).
من أراد حج الفريضة وكان بينه وبين غيره عقد يُلزمه بالعمل في أيام الحج أو بعضها، فإنه يستأذن منه، فإن أذن له وإلا وجب عليه الوفاء بالعقد، وهذه فتوى ابن باز (1) ، وابن عثيمين (2)، واللجنة الدائمة (3).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 -
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].
2 -
قوله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34].
ثانياً: من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم))
وجه الدلالة:
أن العقد الذي جرى بين الموظف وموظِّفِه عهد يجب الوفاء بشروطه حسبما يقتضي العقد (4).
(1) قال ابن باز جواباً على سؤال: (إذا كنت عاملاً ولم يأذنوا لك فلا تحرم أما إذا سمحوا لك بالإحرام فلا بأس أما إذا كنت عاملاً عند أحد تشتغل عنده فليس لك الحج بغير إذنهم؛ لأنك مربوط بعملهم مستأجر، فعليك أن تكمل ما بينك وبينهم، فالمسلمون على شروطهم
…
أما كونك تحج وهم ما أذنوا لك فهذا يعتبر معصية، وإن كنت حججت صح الحج، لكنك عصيت ربك في هذا؛ لأنك ضيعت بعض حقهم) ((فتاوى ابن باز)) (17/ 122 - 123).
(2)
قال ابن عثيمين جواباً على سؤال: (لا يجوز الحج إلا بإذن مرجعك، فإن الإنسان الموظف ملتزم بأداء وظيفته حسبما يوجه إليه
…
فالعقد الذي جرى بين الموظف وموظفه عهد يجب الوفاء به حسبما يقتضي العقد. أما أن يتغيب الموظف ويؤدي الفريضة وهو مطالب بالعمل ليس عنده إجازة، فإن هذا محرم) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (21/ 60)، وانظر:(21/ 61).
(3)
قالت اللجنة الدائمة في جوابها على أحد السائلين: (إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز لك أن تسافر عن المكان الذي وكل إليك العمل فيه لحج أو عمرة أو غيرهما إلا بإذن مرجعك، وأنت والحال ما ذكرت معذور في تأخير ذلك حتى تجد الفرصة)((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 117).
(4)
((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (21/ 60)، ((فتاوى ابن باز)) (17/ 122 - 123).