الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مشروعية السعي وأصله وحكمته
المبحث الأول: مشروعية السعي
السعي بين الصفا والمروة مشروع في الحج والعمرة
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158].
ثانياً: من السنة:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون، يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنة)) (1).
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة)) (2).
المبحث الثاني: أصل السعي
أصل مشروعية السعي هو سعي هاجر عليها السلام، عندما تركها إبراهيم مع ابنهما إسماعيل عليهما السلام بمكة، ونفد ما معها من طعام وشراب، وبدأت تشعر هي وابنها بالعطش؛ فسعت بين الصفا والمروة سبع مرات طلباً للماء، يقول ابن عباس: وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط (3) - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ((فذلك سعي الناس بينهما)) (4) رواه البخاري (5).
المبحث الثالث: حكمة السعي (6)
(1) رواه مسلم (1277).
(2)
رواه مسلم (1233).
(3)
يتلبط: أي يتقلب في الأرض ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/ 177).
(4)
قال ابن بطال: (فبيَّن فى هذا الحديث أن سبب كونها سبعة أطواف، وسبب السعي فيها؛ فعل أم إسماعيل عليهم السلام ذلك)((شرح صحيح البخاري)) (4/ 327). وقال ابن كثير: (أصل ذلك مأخوذٌ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها، لما نفد ماؤها وزادها، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك ليس عندهما أحدٌ من الناس، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله، عز وجل، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة، متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله، عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم)((تفسير ابن كثير)) (1/ 472). وقال أبو الحسن المباركفوري: (فجعل ذلك نسكاً إظهاراً لشرفهما وتفخيماً لأمرهما). ((مرعاة المفاتيح)) (9/ 92).
(5)
صحيح البخاري (3364).
(6)
قال النووي: (من العبادات التي لا يُفهم معناها: السعي والرمي، فكلف العبد بهما ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا للعقل، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، وكمال الانقياد، فهذه إشارةٌ مختصرةٌ تعرف بها الحكمة في جميع العبادات، والله أعلم). ((المجموع)) (8/ 243). وتعقبه الشنقيطي قائلاً: (ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى، غير صحيحٍ فيما يظهر لي والله تعالى أعلم، بل حكمة الرمي، والسعي معقولة، وقد دلَّت بعض النصوص على أنها معقولة). ((أضواء البيان)) (4/ 480).
1 -
شُرِعَ السعي؛ تخليداً لذكرى إبراهيم وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهم السلام؛ وتشريفًا لهم (1).
2 -
استشعار العبد بأن حاجته وفقره إلى خالقه ورازقه كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكر أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه (2).
(1) قال ابن دقيق العيد: (في ذلك من الحكمة: تذكُّر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفي طي تذكرها مصالح دينية إذ يتبين في أثناء كثيرٍ منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة إليه، وبذل الأنفس في ذلك، وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيراً من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها إنها تعبد، ليست كما قيل، ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها: حصل لنا من ذلك تعظيمٌ الأولين وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله فكان هذا التذكر باعثاً لنا على مثل ذلك ومقرراً في أنفسنا تعظيم الأولين وذلك معنىً معقول. مثاله: السعي بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: قصة هاجر مع ابنها وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية، مع ما أظهره الله تعالى لهما من الكرامة والآية في إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة، أي في التذكر لتلك الحال، وكذلك رمي الجمار إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده، حصل من ذلك مصالح عظيمة النفع في الدين)((إحكام الأحكام)) (ص: 316).
(2)
قال ابن كثير: (فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل؛ ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام ((تفسير ابن كثير)) 1/ 472. وقال الشنقيطي: (قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((فذلك سعي الناس بينهما))، فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة; لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور، وهي في أشد حاجةٍ، وأعظم فاقةٍ إلى ربها؛ لأن ثمرة كبدها، وهو ولدها إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلدٍ لا ماء فيه، ولا أنيس، وهي أيضاً في جوعٍ، وعطشٍ في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل، فإذا لم تر شيئاً جرت إلى الثاني، فصعدت عليه لترى أحدا، فأمر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق، والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه وهذه حكمةٌ بالغةٌ ظاهرةٌ دلَّ عليها حديثٌ صحيح). ((أضواء البيان)) (4/ 481).