الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: القران في الحج
المطلب الأول: تعريف القران
أن يحرم بالعمرة والحج معاً في نسك واحد، فيقول: لبيك اللهم عمرة في حجة (1).
المطلب الثاني: إطلاق التمتع على القران
يطلق التمتع على القران في عرف السلف، قرر ذلك ابن عبدالبر (2)، والنووي (3)، وابن تيمية (4)، وابن حجر (5)، والكمال ابن الهمام (6)، والشنقيطي (7)، وغيرهم (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
(1)((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
(2)
قال ابن عبدالبر: (إنما جعل القران من باب التمتع لأن القارن متمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة وإلى الحج أخرى وتمتع بجمعهما لم يحرم لكل واحدة من ميقاته وضم إلى الحج فدخل تحت قول الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، وهذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354).
(3)
قال النووي: (كذلك يتأول قول من قال: كان متمتعاً أي تمتع بفعل العمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج؛ لأن لفظ التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 137).
(4)
قال ابن تيمية: (الذين قالوا تمتع -أي الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل قلوبهم على غير القران، فإن القران كان عندهم داخلاً في مسمى التمتع بالعمرة إلى الحج، ولهذا وجب عند الأئمة على القارن الهدي؛ لقوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، وذلك أن مقصود حقيقة التمتع أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من عامه، فيترفه بسقوط أحد السفرين، قد أحل من عمرته، ثم أحرم بالحج، أو أحرم بالحج مع العمرة، أو أدخل الحج على العمرة، فأتى بالعمرة والحج جميعا في أشهر الحج من غير سفر بينهما، فيترفه بسقوط أحد السفرين، فهذا كله داخل في مسمى التمتع)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 81)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 209).
(5)
قال ابن حجر: (حديث بن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وصف فعل القران حيث قال: ((بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج))، وهذا من صور القران، وغايته أنه سماه تمتعاً لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعاً) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495).
(6)
قال الكمال ابن الهمام: (التمتع بلغة القرآن أعم من القران كما ذكره غير واحد، وإذا كان أعم منه احتمل أن يراد به الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح الحادث، وهو مدعانا، وأن يراد به الفرد المخصوص باسم التمتع في ذلك الاصطلاح، فعلينا أن ننظر أولاً في أنه أعم في عرف الصحابة أو لا، وثانياً في ترجيح أي الفردين بالدليل، والأول يبين في ضمن الترجيح وثم دلالات أخر على الترجيح مجردة عن بيان عمومه عرفاً)((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 520، 521).
(7)
قال الشنقيطي: (اعلم أن الأحاديث الواردة بأنه كان مفرداً، والواردة بأنه كان قارناً، والواردة بأنه كان متمتعاً لا يمكن الجمع البتة بينها، إلا الواردة منها بالتمتع والواردة بالقران، فالجمع بينهما واضح; لأن الصحابة كانوا يطلقون اسم التمتع على القران، كما هو معروف عنهم، ولا يمكن النزاع فيه، مع أن أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع قد يطلق عليه أنه تمتع ; لأن أمره بالشيء كفعله إياه)((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 371).
(8)
((تفسير القرطبي)) (2/ 388)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 169)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 423)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).
قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن القارن متمتع بجمع النسكين في نسك واحد، ومتمتع بسقوط أحد السفرين عنه، فلم يحرم لكل نسك من ميقاته، فيدخل بذلك في عموم الآية في مسمى التمتع (1).
ثانياً: أن إطلاق الصحابة رضي الله عنهم التمتع على نسك النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان نسكه القران (2):
1.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (3).
2.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج)) (4).
3.
عن سعيد بن المسيب قال: ((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (5).
ثالثاَ: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إنما جعل القران لأهل الآفاق وتلا: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]، فمن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع أو قرن لم يكن عليه دم قران ولا تمتع ومن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وقرن أو تمتع فعليه دم)).
وجه الدلالة:
أنه أدرج القران في مسمى التمتع في الآية، وذلك بلزوم الدم إن كان من أهل الآفاق، وعدم لزومه إن كان من حاضري المسجد الحرام (6).
رابعاً: أن كلا النسكين فيه تمتع لغة ; لأن التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، وكل من القارن والمتمتع، انتفع بإسقاط أحد السفرين وانتفع القارن باندراج أعمال العمرة في الحج (7).
المطلب الثالث: صور القران:
للقران ثلاث صور:
الصورة الأولى: صورة القران الأصلية:
أن يحرم بالعمرة والحج معا، فيجمع بينهما في إحرامه، فيقول: لبيك عمرة وحجا، أو لبيك حجا وعمرة (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1.
أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام وقال: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو قال: عمرة وحجة)) (9).
2.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بحج وعمرة)) (10).
ثانياً: هذه الصورة هي نسك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين الفقهاء في صحتها، وإنما اختلفوا في المفاضلة بينها وبين غيرها من أنواع النسك، وقد نقل الإجماع على جوازها ابن عبدالبر (11)، والمباركفوري (12).
الصورة الثانية: إدخال الحج على العمرة:
(1)((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 81).
(2)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 521).
(3)
رواه مسلم (1226).
(4)
رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
(5)
رواه البخاري (1569)، ومسلم (1223).
(6)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 355)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 127).
(7)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 127).
(8)
الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: (لبيك عمرة وحجاً)؛ لأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ولأنها سابقة على الحج. ((المجموع)) للنووي (7/ 171).
(9)
رواه البخاري (1534).
(10)
رواه البخاري (4408)، ومسلم (1211)
(11)
قال ابن عبدالبر في معرض تقريره وصف القران بالتمتع: (هذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه)((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354).
(12)
قال المباركفوري: (الإهلال بالحج والعمرة معًا، وهذا متفق على جوازه)((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459)، وينظر:((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239)، وينظر:((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 74).
أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخِل عليها الحج قبل الشروع في الطواف، وهذا جائز مطلقاً، وقد يضطر إلى ذلك بسبب عدم قدرته على إتمام نسك العمرة قبل دخول الحج، أو من أتاها الحيض قبل أن تطوف.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة قالت: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟. قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نفست؟. قلت: نعم. قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جوَّز لعائشة رضي الله عنها إدخال الحج على العمرة.
ثانياً: عن نافع: ((أن ابن عمر رضي الله عنهما أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك. فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة. ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجاً مع عمرتي. وأهدى هدياً اشتراه بقديد ولم يزد على ذلك، فلم ينحر، ولم يحل من شيء حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)(2).
رابعاً: الإجماع:
(1) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(2)
رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230)
نقل الإجماع على جواز إدخال الحج على العمرة: ابن المنذر (1)، وابن عبدالبر (2)، وابن قدامة (3)، وابن أخيه ابن أبي عمر (4)، والقرطبي (5)، والرملي (6)، ووصف ابن عبدالبر والنووي القول بعدم الصحة أنه شذوذ (7).
مسألة:
يشترط في إدخال الحج على العمرة أن يكون قبل الطواف، وهو مذهب الشافعية (8)، والحنابلة (9)، وهو قول أشهب من المالكية (10)، وبه قال أبو ثور (11)، واختاره ابن عبدالبر (12).
دليل ذلك:
(1) قال ابن المنذر: (أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم، أن لمن أهل بعمرة أن يدخل عليها الحج، ما لم يفتتح الطواف بالبيت)((المغني)) لابن قدامة (3/ 422).
(2)
قال ابن عبدالبر: (في هذا الباب أيضاً من الفقه
…
إدخال الحج على العمرة، وهو شيء لا خلاف فيه بين العلماء ما لم يطف المعتمر بالبيت أو يأخذ في الطواف) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 229). وقال أيضاً:(العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك، ويكون قارنا بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معا)((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216).
(3)
قال ابن قدامة: (إدخال الحج على العمرة جائز بالإجماع من غير خشية الفوات، فمع خشية الفوات أولى)((المغني)) لابن قدامة (3/ 421).
(4)
قال شمس الدين ابن قدامة: (إذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف الفوات جاز وكان قارنا بغير خلاف، وقد فعل ذلك ابن عمر ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239).
(5)
قال القرطبي: (أجمع أهل العلم على أن لمن أهل بعمرة في أشهر الحج أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت، ويكون قارناً بذلك، يلزمه ما يلزم القارن الذي أنشأ الحج والعمرة معاً)((تفسير القرطبي)) (2/ 398).
(6)
قال الرملي: (وإن أحرم بعمرة صحيحة في أشهر الحج ثم أحرم بحج قبل الشروع في الطواف كان قارناً إجماعاً)((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323).
(7)
قال ابن عبدالبر: (قول أبي ثور لا يدخل إحراما على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة ينفي دخول الحج على العمرة وهذا شذوذ وفعل ابن عمر في إدخاله الحج على العمرة ومعه على ذلك جمهور العلماء خير من قول أبي ثور الذي لا أصل له إلا القياس الفاسد في هذا الموضع والله المستعان)((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 219). وقال النووي: (اتفق جمهور العلماء علي جواز إدخال الحج علي العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه، وقال: لا يدخل إحرام علي إحرام، كما لا يدخل صلاة على صلاة)((المجموع)) للنووي (7/ 162)، وينظر:((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7).
(8)
((المجموع)) للنووي (7/ 172)، ((نهاية المحتاج)) (3/ 323).
(9)
((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 59)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 310).
(10)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 384)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 217).
(11)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289).
(12)
قال ابن عبدالبر: (العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك ويكون قارناً بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معاً، وقالت طائفة من أصحاب مالك: إن له أن يدخل الحج على العمرة وإن كان قد طاف ما لم يركع ركعتي الطواف، وقال بعضهم: ذلك له بعد الطواف ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة، وهذا كله شذوذ عند أهل العلم، وقال أشهب: من طاف لعمرته ولو شوطاً واحداً لم يكن له إدخال الحج عليها وهذا هو الصواب إن شاء الله)((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216، 217).
أنه إذا طاف فيكون حينئذ قد اشتغل بمعظم أعمال العمرة، وشرع في سبب التحلل، ففات بذلك إدخال الحج على العمرة (1).
الصورة الثالثة: إدخال العمرة على الحج
اختلف أهل العلم في حكم إدخال العمرة على الحج، وذلك بأن يحرم بالحج مفرداً، ثم يدخل عليها العمرة ليكون قارناً، وذلك على قولين:
القول الأول: لا يصح إدخال العمرة على الحج، فإن فعل لم يلزمه، ويتمادى على حجه مفرداً، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (2)، والشافعية في الأصح (3)، والحنابلة (4)، وبه قال طائفة من السلف (5)، وابن المنذر (6)، واختاره المباركفوري (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة)).
وجه الدلالة:
أن أمرهم بفسخ الحج إلى عمرة إنما كان بغرض إعلامهم بجواز العمرة في أشهر الحج لإبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم الجواز، فلو كان يجوز إدخال العمرة على الحج لأمرهم بذلك، ولما احتاج أن يأمرهم بفسخ الحج (8).
ثانياً: أن أفعال العمرة من الطواف والسعي والحلق استحقت بالإحرام بالحج، فلم يبق في إدخال الإحرام بها فائدة بخلاف العكس من إدخال الحج على العمرة، فإنه يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت (9).
رابعاً: أن التداخل على خلاف الأصل، ولا يصار إليه إلا بدليل، لاسيما أن فيه إدخال الأصغر على الأكبر، وهو لا يصح (10).
خامساً: أن العمرة أضعف من الحج، فلم يجز أن تزاحم ما هو أقوى منها بالدخول عليها، وجاز للحج مزاحمتها لأنه أقوى منها (11).
(1)((المجموع)) للنووي (7/ 172)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 100).
(2)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289).
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 173)، ((نهاية المحتاج)) (3/ 323).
(4)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 310).
(5)
روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال مالك وأبو ثور، وإسحاق. ((الإشراف)) (3/ 300)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423).
(6)
((الإشراف)) لابن عبدالبر (3/ 300)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423).
(7)
((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459).
(8)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (23/ 365).
(9)
((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459).
(10)
((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240).
(11)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38).
القول الثاني: يجوز إدخال العمرة على الحج، ويكون قارناً، وهذا مذهب الحنفية (1)، وهو قول الشافعي القديم (2)، واللخمي من المالكية (3)، وبه قال عطاء، والأوزاعي (4)، وقواه ابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها: ((أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، ثم جاءه جبريل عليه السلام، وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة)) (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يُدخل العمرة على الحج، وهذا يدل على جواز إدخال العمرة على الحج (7).
ثانياً: عن سراقة بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) (8).
ثالثاً: أنه يستفيد بذلك أن يأتي بنسكين بدل نسك واحد (9).
رابعاً: قياساً على إدخال الحج على العمرة؛ لأنه أحد النسكين.
المطلب الرابع: أعمال القارن
الفرع الأول: أعمال القارن
(1) يصح عند الحنفية إدخال العمرة على الحج، ويكون قارنا بذلك، لكنه أخطأ السنة، فالسنة هي الإحرام بهما معا، أو إدخال الحج على العمرة. ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 120)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 120).
(2)
قال الشافعي ببغداد: (إذا بدأ فأهل بالحج فقد قال بعض أصحابنا: لا يدخل العمرة عليه، والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء)((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 324)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38)، وينظر:((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230).
(3)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289).
(4)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 218)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 274).
(5)
قال ابن عثيمين: (هذا القول دليله قوي)((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 87).
(6)
رواه البخاري (1534).
(7)
((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 460).
(8)
رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
(9)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 87).
عمل القارن والمفرد واحد، فالقارن يكفيه إحرام واحد، وطواف واحد، وسعي واحد، ولا يحل إلا يوم النحر، ويقتصر على أفعال الحج، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال أكثر السلف (4)، واختاره ابن عبدالبر (5)، وابن حجر (6)، والشنقيطي (7)،والمباركفوري (8) وابن عثيمين (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا)) (10).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)) (11).
وجه الدلالة:
أن الحديث نص صريح على اكتفاء القارن بطواف واحد لحجه وعمرته (12).
3 -
عن عائشة رضي الله عنها: أنها أهلت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((يسعك طوافك لحجك وعمرتك)) (13).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث الصحيح صريح في أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد (14).
(1)((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 385)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 273).
(2)
((المجموع)) للنووي (7/ 171). ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323).
(3)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 344)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 60).
(4)
منهم: ابن عمر رضي الله عنهما، وجابر بن عبدالله، وعائشة، وعطاء، وطاووس، والحسن، ومجاهد، والماجشون، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر وداود. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 391)، ((المجموع)) للنووي (8/ 61)، ((حاشية ابن القيم)) (5/ 347).
(5)
قال ابن عبدالبر: (في قول عائشة في حديث مالك وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا دليل على أن الحاج يجزيه في حجه إن كان مفردا أو قارنا طواف واحد ويقضي بذلك فرضه). وقال أيضاً: (أجمعوا أن القارن يحل بحلق واحد، فكذلك الطواف أيضا قياسا)((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 234، 15/ 229).
(6)
قال ابن حجر: (حديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت: وأما الذين جمعوا إلخ فهؤلاء أهل القران وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان). وقال أيضاً: (الحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد). ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 494، 495).
(7)
قال الشنقيطي: (أما الجمهور المفرقون بين القارن والمتمتع القائلون بأن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف زيارة واحد، وهو طواف الإفاضة، وسعي واحد، فاحتجوا بأحاديث صحيحة ليس مع مخالفيهم ما يقاومها). وقال: (الأحاديث الدالة على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد كفعل المفرد كثيرة، وفيما ذكرنا هنا من الأحاديث الصحيحة كفاية لمن يريد الحق)((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378، 375).
(8)
قال المباركفوري: (قد ثبت بما ذكرنا من الأحاديث والآثار الفرق بين القران والتمتع، وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لعمرته وحجته كفعل المفرد)((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 68).
(9)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 195).
(10)
رواه البخاري (1645).
(11)
رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).
(12)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378).
(13)
رواه مسلم (1211).
(14)
((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 375).
4 -
عن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((دخلت العمرة في الحج، مرتين)) (1).
وجه الدلالة:
أن تصريحه صلى الله عليه وسلم بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حالة القران (2).
ثانياً: الآثار:
1 -
عن سلمة بن كهيل قال: ((حلف طاوس: ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافاً واحداً)) (3).
2 -
عن نافع: ((أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف إن يصدوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذًا أصنع كما صنع رسول الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي وأهدى هديًا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)(4)
وجه الدلالة:
أن في هذه الرواية التصريح من ابن عمر باكتفاء القارن بطواف واحد، وهو الذي طافه يوم النحر للإفاضة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل (5).
3 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد))، وفي لفظ:((من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما)) (6).
الفرع الثاني: وجوب الهدي على القارن:
يجب الهدي على القارن، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10)، وبه قال أكثر الفقهاء (11).
الأدلة:
أولاً: أن القارن داخل في مسمى التمتع في عرف الصحابة رضي الله عنهم، ويدل على ذلك ما يلي:
- عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (12).
وجه الدلالة:
أنه وصف نسكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالتمتع مع كونه صلى الله عليه وسلم كان قارناً.
- عن سعيد بن المسيب، قال:((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (13).
ثالثا: أن الهدي إذا كان واجباً على المتمتع؛ لأنه تمتع بسقوط سفره الثاني من بلده، فلأن يجب على القارن أولى؛ لأنه جمع بين النسكين في إحرام واحد، وقد اندرجت جميع أفعال العمرة في أفعال الحج (14) ..
رابعاً: أن إيجاب الهدي على القارن هو إجماع من يعتد به من أهل العلم، نقله الشنقيطي (15)، ووصف ابن حجر قول ابن حزم بعدم الوجوب بالشذوذ (16).
(1) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).
(2)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 67).
(3)
قال ابن حجر: (هذا إسناد صحيح)((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495).
(4)
رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230).
(5)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 376)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 65).
(6)
قال ابن مفلح في ((الفروع)): (إسناده جيد) ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
(7)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165)((بدائع الصنائع)) (2/ 174).
(8)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 384)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 84).
(9)
((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(10)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 311).
(11)
منهم: ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190).
(12)
رواه مسلم (1226).
(13)
رواه البخاري (1569)، ومسلم (1223).
(14)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 93)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246).
(15)
قال الشنقيطي: (أجمع من يعتد به من أهل العلم أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي، والصوم عند العجز عن الهدي، وهذا مذهب عامة العلماء، منهم الأئمة الأربعة، إلا من شذ شذوذاً لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له وجه من النظر، إلا من شذ شذوذاً لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له وجه من النظر)((أضواء البيان)) للشنقيطي (باختصار 5/ 128).
(16)
((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7).