الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: من آداب التضحية وسننها
المبحث الأول: حكم حلق الشعر وتقليم الأظفار لمن أراد أن يضحي
اختلف الفقهاء في حكم حلق الشعر وتقليم الأظفار لمن أراد أن يضحي على قولين:
القول الأول: الجواز، وهذا مذهب الحنفية (1)، وقول للمالكية (2)، وبه قال الليث بن سعد (3)، واختاره ابن عبدالبر (4)، وحكاه عن سائر فقهاء المدينة والكوفة (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عائشة قالت: ((أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما أحله الله حتى نحر الهدي)) (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم عليه شيء يبعثه بهديه، والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل ما نهى عنه (7).
ثانياً: أن إرادة التضحية إذا كانت لا تمنع من الجماع، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام، كانت أحرى أن لا تمنع مما دون ذلك (8).
ثالثاً: أنه لا يصح قياسه على المحرم، فإنه لا يحرم عليه الوطء واللباس والطيب، فلا يكره له حلق الشعر، وتقليم الأظفار (9).
(1) شرح معاني الآثار (4/ 182)، وينظر:((المغني)) لابن قدامة (9/ 437).
(2)
عن عمران بن أنس: (أنه سأل مالكا عن حديث أم سلمة هذا، فقال: ليس من حديثي، قال: فقلت لجلسائه: قد رواه عنه شعبة وحدث به عنه وهو يقول ليس من حديثي، فقالوا لي: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال فيه: ليس من حديثي). ((التمهيد)) (17/ 237).
(3)
قال الليث بن سعد وقد ذكر له حديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أهل عليه منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي))، فقال الليث:(قد روي هذا والناس على غير هذا). ((التمهيد)) (17/ 235).
(4)
((التمهيد)) (17/ 235).
(5)
((التمهيد)) (17/ 235).
(6)
رواه البخاري (1700)، ومسلم (1321).
(7)
((المجموع)) للنووي (8/ 392)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437).
(8)
عن سعيد بن المسيب قال: ((من أراد أن يضحي فدخلت أيام العشر، فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره))، فذكرته لعكرمة فقال:((ألا يعتزل النساء، والطيب)) سنن النسائي (/)، وينظر:((شرح معاني الآثار)) (4/ 182)، وينظر:((سبل السلام)) (4/ 96).
(9)
((شرح معاني الآثار)) (4/ 182)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437).
القول الثاني: يحرم لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعره ويقلم أظفاره حتى يضحي، وهو مذهب الحنابلة (1)، ووجهٌ للشافعية (2)، وهو قول طائفة من السلف (3)، واختاره ابن حزم (4)، وابن القيم (5)، وابن باز (6)، وابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان عنده ذبح يريد أن يذبحه فرأى هلال ذي الحجة فلا يمس من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي)) (8).
وجه الدلالة:
أن مقتضى النهي التحريم، وهو خاص يجب تقديمه على عموم غيره (9).
القول الثالث: يكره لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعره ويقلم أظفاره حتى يضحي، وهذامذهب المالكية (10)، والشافعية (11) وهو قولٌ للحنابلة (12).
دليل الكراهة:
الجمع بين نصوص الباب، بحمل نصوص النهي على الكراهة، ونصوص الإباحة على عدم التحريم (13).
مطلب: حكم الفدية لمن أراد أن يضحي فأخذ من شعره أو قلم أظفاره
لا فدية على من حلق شعره أو قلم أظفاره لمن أراد أن يضحي بالإجماع، نقله ابن قدامة (14)، والمرداوي (15).
المبحث الثاني: استقبال القبلة عند الذبح
(1)((المغني)) لابن قدامة (9/ 436)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 79)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 23)،
(2)
((المجموع)) للنووي (8/ 391 - 392).
(3)
قال البغوي: (وإليه ذهب سعيد بن المسيب، وبه قال ربيعة، وأحمد، وإسحاق)((شرح السنة)) (4/ 348).
(4)
قال ابن حزم: (من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي، لا بحلق، ولا بقص، ولا بنورة، ولا بغير ذلك، ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك). ((المحلى)) (7/ 355 رقم 973).
(5)
قال ابن القيم في معرض رده على من استدل بحديث عائشة وقال بعدم التحريم: (وأسعد الناس بهذاالحديث - يعني حديث أم سلمة - من قال بظاهره لصحته وعدم ما يعارضه)((عون المعبود – مع حاشية ابن القيم)) (7/ 491).
(6)
قال ابن باز: (لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي)((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 39).
(7)
قال ابن عثيمين: (الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي لا سيما فيما يظهر فيه التعبد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكد النهي بقوله: «فلا يأخذن»، والنون هذه للتوكيد)((الشرح الممتع)) (7/ 486).
(8)
رواه مسلم (1977).
(9)
((المغني)) لابن قدامة (9/ 437).
(10)
((الذخيرة)) للقرافي (4/ 141)، ((التاج والإكليل)) (4/ 380).
(11)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/ 74). ((المجموع)) للنووي (8/ 391).
(12)
((المغني)) لابن قدامة (9/ 436)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 79).
(13)
((مواهب الجليل)) (4/ 372).
(14)
قال ابن قدامة: (فإن فعل استغفر الله تعالى. ولا فدية فيه إجماعا، سواء فعله عمدا أو نسيانا). ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437).
(15)
قال المرداوي: (لو خالف وفعل فليس عليه إلا التوبة ولا فدية عليه إجماعا). ((الإنصاف)) (4/ 80).
يستحب أن يكون الذابح مستقبل القبلة، وهذاباتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4)(5)، وحُكِي فيه الإجماع (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته)) (7).
وجه الدلالة:
أنه أفرد ذكر استقبال القبلة بعد قوله: ((من صلى صلاتنا)) مع كونه داخلا فيها، لأنه من شرائطها، وذلك للتنبيه على تعظيم شأن القبلة وعظم فضل استقبالها، وهو غير مقتصر على حالة الصلاة، بل أعم من ذلك، ويدخل في ذلك الذبيحة (8).
ثانياً: عن نافع: ((أن ابن عمر كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحه لغير القبلة)) (9).
وجه الدلالة:
أنه قول صحابي ولا مخالف له منهم (10).
ثالثاً: أنه لابد للذبح من جهة فكانت جهة القبلة أولى؛ لأنها أفضل الجهات، وهو مستحب في القربات التي يراد بها الله عز وجل تبركا بذلك (11).
رابعاً: أن أهل الجاهلية ربما كانوا يستقبلون بذبائحهم الأصنام فأمرنا باستقبال القبلة لتعظيم جهة القبلة (12).
المبحث الثالث: إحداد الشفرة قبل إضجاع الشاة
يستحب إحداد الشفرة قبل إضجاع الشاة، وهذاباتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (13) والمالكية (14) والشافعية (15)، والحنابلة (16).
دليل ذلك من السنة:
عن شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) (17).
نحر البعير وذبح الشاة والبقر
يسن أن تنحر الإبل وتذبح الشاةويخير بين الذبح والنحر في البقر.
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2]
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً [البقرة: 67].
ثانياً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة)) (18).
(1)((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 194)((الهداية شرح البداية)) (4/ 66).
(2)
((المدونة الكبرى)) (1/ 543، 544)، ((التاج والإكليل)) (3/ 220).
(3)
((المجموع)) للنووي (9/ 83)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 204).
(4)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 210).
(5)
(روي ذلك عن ابن عمر وابن سيرين وعطاء والثوري)((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60).
(6)
نقله صاحب كفاية الطالب الرباني عن ابن المنذر. ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 574).
(7)
رواه البخاري (391).
(8)
((الاستذكار)) (4/ 246)، ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (4/ 124، 125).
(9)
مصنف عبدالرزاق (4/ 489).
(10)
وصح ذلك من التابعين: عن ابن سيرين وجابر بن زيد. ينظر: ((الاستذكار)) (4/ 246)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60).
(11)
((الاستذكار)) (4/ 246)، ((مواهب الجليل)) (4/ 331)، ((المجموع)) للنووي (9/ 83، 86).
(12)
((المبسوط)) للسرخسي (12/ 4).
(13)
((الهداية شرح البداية)) (4/ 66)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 194)
(14)
((التاج والإكليل)) (3/ 220)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 107).
(15)
((المجموع)) للنووي (9/ 80)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 204).
(16)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 210).
(17)
رواه مسلم (1955).
(18)
رواه مسلم (1318).
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((فنحر عليه السلام ثلاثا وستين، فأعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه)) (1).
وجه الدلالة:
أنه ثبت في هذه النصوص وغيره أن هدي النبي صلى الله عليه كان نحر الإبل، وذبح الغنم.
ثالثاً: الإجماع:
حكى الإجماععلى النحر في الإبل، والذبح في الغنم: ابن حزم (2)، وابن رشد (3)، والقرطبي (4)،وابن قدامة (5)، والنووي (6)،وحكى الإجماع على التخيير في البقر: ابن رشد (7)، والقرطبي (8).
المبحث الرابع: التكبير عند الذبح
يستحب عند الذبح أن يكبر بعد التسمية.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج: 36].
وقال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [الحج: 37].
ثانياً: من السنة:
عن أنس رضي الله عنه، قال:((ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) (9).
ثالثاً: الإجماع:
أجمع أهل العلم على استحباب التكبير بعد التسمية، حكاه ابن قدامة (10)، والقاري (11)، وحكى عمل الناس عليه: الترمذي (12)، وجماعة من المالكية (13).
رابعاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
(1) جزء من حديث رواه مسلم (1218).
(2)
قال ابن حزم: (واتفقوا أنه إن ذبحت الغنم كما قدمنا حل أكلها، واتفقوا أنه إن نحرت الإبل كما ذكرنا في اللبة أنها تؤكل)((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 147).
(3)
قال ابن رشد: (واتفقوا على أن الذكاة في بهيمة الأنعام نحر وذبح وأن من سنة الغنم والطير الذبح وأن من سنة الإبل النحر)((بداية المجتهد)) (1/ 444).
(4)
قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل)((الجامع لأحكام القرآن)) (1/ 445).
(5)
قال ابن قدامة: (لا خلاف بين أهل العلم، في أن المستحب نحر الإبل، وذبح ما سواها)((المغني)) لابن قدامة (9/ 397).
(6)
قال النووي: (وأجمعوا أن السنة في الإبل النحر وفي الغنم الذبح)((شرح النووي على مسلم)) (13/ 124).
(7)
قال ابن رشد: (واتفقوا على أن الذكاة في بهيمة الأنعام نحر وذبح
…
وأن البقرة يجوز فيها الذبح والنحر) ((بداية المجتهد)) (1/ 444).
(8)
قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل، والتخير في البقر)((الجامع لأحكام القرآن)) (1/ 445).
(9)
رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966).
(10)
قال ابن قدامة: (يقول عند الذبح: بسم الله، والله أكبر
…
ولا نعلم في استحباب هذا خلافا، ولا في أن التسمية مجزئة). ((المغني)) لابن قدامة (9/ 456).
(11)
وقال القاري: (اعلم أن التسمية شرط عندنا، والتكبير مستحب عند الكل). ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (3/ 1078).
(12)
قال الترمذي: (العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن يقول الرجل إذا ذبح: بسم الله والله أكبر). ((سنن الترمذي)) (4/ 100).
(13)
قال خليل: ((ما مضى عليه الناس أحسن وهو بسم الله والله أكبر)). ((مواهب الجليل)) (4/ 328). وقال أبو الحسن علي المنوفي: (الجمع بين التسمية والتكبير هو الذي مضى عليه عمل الناس). ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 574).
عن حنش بن المعتمر، قال:((صلى علي رضي الله عنه العيد في الجبانة ثم استقبل القبلة بكبشين ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، بسم الله، والله أكبر، ثم ذبحهما وقال: اللهم منك ولك اللهم تقبل)).
عن نافع: ((أن عبدالله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر)).
عن عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما أنه قال:((يقول الله تبارك وتعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج: 36] قال: «قياما على ثلاث قوائم معقولة بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك)) (1).
المبحث الخامس: أن يذبح بنفسه إذا استطاع
يستحب أن يذبح بنفسه إذا استطاع.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن أنس رضي الله عنه، قال:((ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) (2).
ثانياً: الإجماع:
حكى الإجماع على ذلك النووي (3).
ثالثاً: أنها قربة، وفعل القربة أولى من استنابته فيها (4).
المبحث السادس: الأكل والإطعام والإدخار من الأضحية
يجوز للمضحي أن يأكل من أضحيته ويطعم ويدخر، وهذاباتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8).
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27].
ثانياً: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد: كلوا، وتزودوا، وادخروا)) (9).
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته)) (10).
المبحث السابع: الاستنابة في ذبح الأضحية
(1) رواه الحاكم (4/ 260)، والبيهقي (5/ 237)(10515)، قال ابن حجر في ((الدراية)) (2/ 206): رجاله ثقات.
(2)
رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966).
(3)
((شرح النووي على مسلم)) (13/ 116).
(4)
قال ابن عبدالبر: (من الفقه أن يتولى الرجل نحر هديه بيده وذلك عند أهل العلم مستحب مستحسن لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيده ولأنها قربة إلى الله عز وجل فمباشرتها أولى وجائز أن ينحر الهدى [غير] صاحبها ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحر بعض هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين العلماء في إجازته)((التمهيد)) (2/ 107)((الاستذكار)) (4/ 308).
(5)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 203)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 79).
(6)
((الذخيرة)) للقرافي (8/ 203)، الفواكه الدواني (1/ 53)،
(7)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/ 75)، ((المجموع)) للنووي (8/ 419).
(8)
((المغني)) لابن قدامة (9/ 448)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 22).
(9)
رواه النسائي (7/ 170)، وابن ماجه (2575)، وأحمد (5/ 76)(20748). وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (7/ 170)، وصحح إسناده على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في ((تحقيق المسند)) (5/ 76).
(10)
رواه أحمد (2/ 391)(9067). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 28): رجاله رجال الصحيح، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 29): رجاله ثقات، وأورده الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3563).
يجوز للمضحي أن يستنيب في ذبح أضحيته إذا كان النائب مسلما، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1). والمالكية (2)، والشافعية (3). والحنابلة (4)، وحُكِيَ فيه الإجماع (5).
دليل ذلك من السنة:
عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بدنة ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر منها)) (6).
المبحث الثامن: أيهما أفضل ذبح الأضحية أو التصدق بثمنها؟
ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها، نص على هذا فقهاء الحنفية (7)، والمالكية (8)، والحنابلة (9)، واختاره ابن باز (10)، وابن عثيمين (11).
الأدلة:
أولاً: أن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (12).
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء بعده، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها (13).
ثالثاً: أن الأضاحبي واجبة عند طائفة من الفقهاء، أما التصدق بثمنها فهو تطوع محض (14).
رابعاً: أن الأضاحي تفوت بفوات وقتها خلاف الصدقة بثمنها فإنه لا يفوت، نظير الطواف للآفاقي فإنه أفضل له من الصلاة لأن الطواف في حقه يفوت بخلاف المكي (15).
خامساً: أن فيها جمعاً بين التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم والتصدق، ولا شك أن الجمع بين القريتين أفضل (16).
المبحث التاسع: إعطاء الجزار من الأضحية ثمناً لذبحه
لا يجوز إعطاء الذابح من الأضحية ثمنا لذبحه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (17)، والمالكية (18)، والشافعية (19)، والحنابلة (20).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
(1)((بدائع الصنائع)) (5/ 79)، ((البحر الرائق)) (8/ 203).
(2)
إلا أن المالكية يرون الكراهة. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 121)، ((مواهب الجليل)) (4/ 373).
(3)
((المجموع)) للنووي (8/ 405).
(4)
((المغني)) لابن قدامة (9/ 455)، (كشاف القناع) للبهوتي (3/ 8).
(5)
قال ابن عبدالبر: (جائز أن ينحر الهدى [غير] صاحبها ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحر بعض هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين العلماء في إجازته)((التمهيد)) (2/ 107)، ((الاستذكار)) (4/ 308).
(6)
جزء من حديث رواه مسلم (1218).
(7)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 200).
(8)
((حاشية الدسوقي)) (2/ 121)، ((التاج والإكليل)) (3/ 244).
(9)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 77)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 582).
(10)
قال ابن باز: (ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 41).
(11)
قال ابن عثيمين: (ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها حتى إنك لو ملأت جلدها بالدراهم وتصدقت بهذه الدراهم لكان ذبحها أفضل من ذلك، وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل اللحم، ولكن الحكمة التقرب إلى الله تعالى بذبحها، قال تعالى: لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ *الحج: 37*، فظن بعض الناس أنه المقصود من ذلك الآكل، والانتفاع باللحم، وهذا فهم قاصر، فالأهم أن تتعبد لله عز وجل بذبحها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 194، 195).
(12)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 582).
(13)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 582).
(14)
((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 5).
(15)
((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 5).
(16)
((العناية شرح الهداية)) (9/ 513).
(17)
((البحر الرائق)) (8/ 203)، ((بدائع الصنائع)) (5/ 79).
(18)
((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 124).
(19)
((الحاوي الكبير)) (15/ 120).
(20)
((المغني)) لابن قدامة (9/ 450).
عن علي رضي الله عنه قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها، قال: نحن نعطيه من عندنا)) (1).
ثانياً: أن ما يدفعه إلى الجزار أجرة عوض عن عمله وجزارته، ولا تجوز المعاوضة بشيء منها (2).
المبحث العاشر: الأضحية عن الميت استقلالاً
لا تشرع الأضحية عن الميت استقلالاً، وهو مذهب الشافعية (3)، واختاره ابن عثيمين (4)، وكرهها المالكية (5).
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى [النجم: 39].
ثانياً: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أحد من السلف أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا (6).
ثالثاً: أنها عبادة، والأصل أن لا تفعل عن الغير إلا ما خرج بدليل لا سيما مع عدم الإذن (7).
رابعاً: أن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة (8).
(1) رواه مسلم (1317).
(2)
((المغني)) لابن قدامة (9/ 450).
(3)
إلا أن تكون بإذنه كوصية. ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 292)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 144).
(4)
قال ابن عثيمين: (لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما أعلم أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات له أولاد من بنين أو بنات في حياته، ومات له زوجات وأقارب يحبهم، ولم يضح عن واحد منهم، فلم يضح عن عمه حمزة ولا عن زوجته خديجة، ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة، ولا عن بناته الثلاث، ولا عن أولاده رضي الله عنهم، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته قولا أو فعلا، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته)((الشرح الممتع)) (7/ 423). ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (17/ 171).
(5)
((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 377)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 122 - 123).
(6)
((مواهب الجليل)) (4/ 377)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 423).
(7)
((مغني المحتاج)) (4/ 292).
(8)
((مواهب الجليل)) (4/ 377).