الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: فدية ترك الواجب
يجب بترك الواجب دم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الدم وجب على المتمتع لتركه واجب الإحرام للحج من الميقات، وفي حكمه كل من ترك واجبا.
ثانياً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من نسي شيئا من نسكه، أو تركه فليهرق دما)) (5).
وجه الدلالة:
أن مثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم، وعليه انعقدت فتاوى التابعين، وعامة الأمة (6).
الفصل السادس: ما يحرم على المحرم، وما يباح له
المبحث الأول: التجارة والصناعة للمحرم
للمحرم أن يتجر ويصنع في الحج (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 -
قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198](8).
وجه الدلالة:
أنها نزلت في التجارة في الحج، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:(كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198]. في مواسم الحج)(9).
1 -
قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِر
…
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 27 - 28].
وجه الدلالة:
(1)((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 25).
(2)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 302).
(3)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 530).
(4)
((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 339).
(5)
رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99):(إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330):(صح عن ابن عباس موقوفاً عليه)، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100):(ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً).
(6)
قال الشنقيطي: (إذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح، عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أضواء البيان)) (4/ 473)، وانظر:((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 152)، و ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 367).
(7)
((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/ 13)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (10/ 88)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/ 1742).
(8)
قال الجصاص: (قوله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ *البقرة: 198* فهذا في شأن الحاج لأن أول الخطاب فيهم وسائر ظواهر الآي المبيحة لذلك دالة على مثل ما دلت عليه هذه الآية نحو قوله وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ *المزمل: 20*)((أحكام القرآن)) (1/ 386).
(9)
أخرجه البخاري في باب لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ *البقرة: 198*.
أنه لم يخصص شيئاً من المنافع دون غيرها فهو عام في جميعها من منافع الدنيا والآخرة (1).
2 -
قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275].
وجه الدلالة:
أنه لم يخصص منه حال الحج، فيبقى البيع على أصل الإباحة (2).
ثانياً: عن أبى أمامة التيمي قال: ((كنت رجلا أكري في هذا الوجه وإن ناسا يقولون ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس يحرم ويلبي ويطوف بالبيت ويفضى من عرفات ويرمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجا، جاء رجل الي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198]، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه هذه الآية، وقال: لك حج)) (3).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على جواز ذلك ابن قدامة (4)، والنووي (5)، والشنقيطي (6)، والجصاص، ووصف القول بسواه بالشذوذ (7).
مسألة:
استحب أهل العلم أن تكون يده فارغة من التجارة ليكون قلبه مشغولا بما هو بصدده، متعريا عن شوائب الدنيا وتعلق القلب بها، إلا أن ذلك لا يقدح في صحة حجه ولا يأثم به، ولا يخرج المكلف عن رسم الإخلاص المفترض عليه، ونقل النووي الإجماع على ذلك (8).
المبحث الثاني: ما يجب على المحرم توقيه
يجب على المحرم أن يتوقى ما يلي:
أولاً: الفحش من القول والفعل (9)، وذلك منهي عنه في الإحرام وغير الإحرام إلا أن الحظر في الإحرام أشد لحرمة العبادة.
ثانياً: الفسوق: وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام (10).
ثالثاً: الجدال في الحج: وهو المخاصمة في الباطل، لاسيما مع الرفقاء والخدم، أو الجدل فيما لا فائدة فيه؛ لأن ذلك يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله، أما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا بأس به (11)
(1)((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 386).
(2)
((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 386).
(3)
رواه أبو داود (1733)، والحاكم (1/ 618)، والبيهقي (6/ 121)(11995). والحديث صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 77)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (741).
(4)
قال ابن قدامة: (أما التجارة والصناعة فلا نعلم في إباحتهما اختلافا)((المغني)) لابن قدامة (3/ 313).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 76).
(6)
قال الشنقيطي: (لا خلاف بين العلماء في أن المراد بالفضل المذكور في الآية ربح التجارة)((أضواء البيان)) (1/ 89).
(7)
قال الجصاص: (وعلى هذا أمر الناس من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في مواسم منى ومكة في أيام الحج). وقال أيضاً: (روي نحو ذلك عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وقتادة ولا نعلم أحدا روي عنه خلاف ذلك إلا شيئا رواه سفيان الثوري عن عبدالكريم عن سعيد بن جبير قال سأله رجل أعرابي فقال إني أكري إبلي وأنا أريد الحج أفيجزيني؟ قال لا ولا كرامة، وهذا قول شاذ خلاف ما عليه الجمهور وخلاف ظاهر الكتاب)((أحكام القرآن)) (1/ 386).
(8)
((المجموع)) للنووي (7/ 76)، وينظر:((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 501).
(9)
((تفسير الطبري)) (4/ 125).
(10)
((تفسير الطبري)) (4/ 135).
(11)
((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 43)، ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 292)، ((المحلى)) لابن حزم (7/ 186، 195)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 7)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 439)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 134)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 348)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 13)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 56، 57، 17/ 144 - 147).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 -
قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].
وجه الدلالة:
أن هذا نهي بصيغة النفي، وهو آكد ما يكون من النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (1).
2 -
قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25](2).
ثانياً: من السنة:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)) (3)
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) (4).
وجه الدلالة:
أن من جملة ما فُسِّر به الحج المبرور: أنه الحج الذي لم يخالطه شيء من المأثم (5).
(1)((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 438)، ((أحكام القرآن)) (2/ 347)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 13).
(2)
(وفي هذه الآية الكريمة، وجوب احترام الحرم، وشدة تعظيمه، والتحذير من إرادة المعاصي فيه وفعلها)((تيسير الكريم الرحمن)) لعبدالرحمن السعدي (ص: 536).
(3)
رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350).
(4)
رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349).
(5)
قال القرطبي: (قال الفقهاء: الحج المبرور هو الذي لم يعص الله تعالى فيه أثناء أدائه، وقال الفراء: هو الذي لم يعص الله سبحانه بعده، ذكر القولين ابن العربي رحمه الله، قلت: الحج المبرور هو الذي لم يعص الله سبحانه فيه لا بعده، قال الحسن: الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. وقيل غير هذا). وقال أيضاً: (الأقوال في تفسير الحج المبرور متقاربة المعنى وحاصلها أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موافقًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل)((تفسير القرطبي)) (2/ 408). وقال النووي: (الأصح الأشهر أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة وقيل هو المقبول ومن علامة القبول أن يرجع خيرا مما كان ولا يعاود المعاصي وقيل هو الذي لا رياء فيه وقيل الذي لا يعقبه معصية وهما داخلان فيما قبلهما ومعنى ليس له جزاء إلا الجنة أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة)((شرح النووي على مسلم)) (9/ 119). وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 104)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (22/ 39)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 6)، ((أحكام القرآن)) لابن حجر (1/ 87)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/ 1741)، ((مرعاة المفاتيح)) لأبي الحسن المباركفوري (8/ 390)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (71/ 74، 75).