الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الطيب
المطلب الأول: حكم الطيب للمحرم
الطيب من محظورات الإحرام في البدن والثوب.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يجتنبه المحرم:((ولا يلبس ثوباً مسه زعفران ولا وَرْس (1))) (2).
وجه الدلالة:
أنه نهى المحرم عن الزعفران، والزعفران طيب.
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا)) (3).
وجه الدلالة:
أنه لما منع الميت من الطيب لإحرامه؛ فالحي أولى (4).
3 -
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجِعرانة (5)، ومعه نفرٌ من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجلٍ أحرم بعمرة، وهو مُتَضمِّخ (6) بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأُتِي برجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك)) (7) قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم.
ثانيا الإجماع:
نقل ابن المنذر (8)، وابن حزم (9)، وابن عبدالبر (10)، وابن قدامة (11)، والنووي (12).
المطلب الثاني: الحكمة من تحريم الطيب على المحرم
1 -
أن ذلك يبعد المحرِم عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها، ويجتمع همه لمقاصد الآخرة، أما الطيب فإنه قد ينسيه ما هو فيه من العبادة؛ لما فيه من الترفه؛ بما يخالف مقصود الحج من التجرد من ذلك؛ فلذلك نهي عنه.
2 -
أن الطيب من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سد الذريعة؛ فإن الطيب يعطي الإنسان نشوة؛ وربما يحرك شهوته؛ ويلهب غريزته؛ ويحصل بذلك فتنة له؛ والله تعالى يقول: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197](13).
المطلب الثالث: الفدية في الطيب
(1) الوَرْس: نباتٌ يكون باليمن، صبغة ما بين الصفرة والحمرة، ورائحته طيبة. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 19).
(2)
رواه البخاري (366)، ومسلم (1177).
(3)
رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206).
(4)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 275).
(5)
الجِعرانة: موضعٌ قريبٌ من مكة، وهي في الحل، وميقات للإحرام، وهي بتسكين العين والتخفيف، وقد تكسر العين، وتشدد الراء. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: جعر).
(6)
التضمخ: التلطخ بالطيب وغيره، والإِكثار منه حتى كأنما يقطر. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: ضمخ).
(7)
رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180).
(8)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من: الجماع، وقتل الصيد، والطيب)((الإجماع)) (ص: 52).
(9)
قال ابن حزم: (اتفقوا أنه يجتنب استعمال الطيب والزعفران والورس والثياب المورسة والمزعفرة)((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 42).
(10)
قال ابن عبدالبر: (الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 19).
(11)
قال شمس الدين ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من الطيب)((الشرح الكبير)) (3/ 279).
(12)
قال النووي: (يحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب، وهذا مجمعٌ عليه)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 75)، ((المجموع)) للنووي (7/ 270).
(13)
((شرح النووي على مسلم)) (8/ 74)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/ 170)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 138).
إذا تطيب المحرم عمداً فعليه الفدية، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)؛ وذلك قياساً على الفدية في حلق الرأس؛ بجامع أنه ترفه باستعمال محظور.
المطلب الرابع: هل يشترط في الفدية تطييب العضو كاملاً؟
لا يشترط في لزوم الفدية بالطيب أن يطيب العضو كاملاً، وهو مذهب الجمهور من المالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
الأدلة:
أولاً: عموم الأدلة في الفدية، ولا فرق فيها بين القليل والكثير.
ثانياً: أنه معنًى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر بمجرد الفعل كالوطء.
ثالثاً: أن تقدير ما تجب به الفدية وما لا تجب به لا يكون إلا بتوقيفٍ من الشارع، ولا يوجد في الباب ما يدل على شيءٍ من ذلك، فوجب الوقوف على العمومات التي توجب الفدية على من ارتكب المحظور قليلاً كان أو كثيرا.
رابعاً: أن التطيب عادةً لا يكون لعضوٍ كامل (8).
المطلب الرابع: حكم استعمال البخور
حكم البخور هو حكم استعمال الطيب، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11).
وذلك للآتي:
أولاً: عمومات الأدلة، والبخور من جملة أنواع الطيب الذي حظر استعماله على المحرم.
ثانياً: أن المقصود هو الاستمتاع برائحة الطيب، وهذا حاصلٌ بالبخور.
ثالثاً: أنه يصدق على من تبخَّر أنه تطيَّب.
المطلب الخامس: حكم استدامة الطيب الذي كان قبل الإحرام
لا حرج في استعمال الطيب الذي يبقى أثره بعد الإحرام، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (12)، والشافعية (13)، والحنابلة (14)، وبه قال بعض السلف (15).
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كأني أنظر إلى وَبِيص الطيب في مَفرِق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرِم)) (16). وقالت رضي الله عنها: ((كنتُ أطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت)) (17).
المطلب السادس: تطييب الحاج ثوب الإحرام قبل إحرامه
(1)((حاشية ابن عابدين)) (2/ 544).
(2)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311).
(3)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 532).
(4)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 332).
(5)
((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311).
(6)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 520).
(7)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 429).
(8)
ينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 344).
(9)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 220).
(10)
قال النووي: (ومذهبنا أنه لا فرق بين أن يتبخَّر أو يجعله في بدنه أو ثوبه، وسواء كان الثوب مما ينفض الطيب أم لم يكن، قال العبدري وبه قال أكثر العلماء)((المجموع)) (7/ 281).
(11)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 280)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 429).
(12)
((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 430 - 432).
(13)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 177)، ((المجموع)) للنووي (7/ 222).
(14)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 226 - 227)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 406).
(15)
قال ابن قدامة: (يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا فرق بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد، هذا قول ابن عباس، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأم حبيبة، ومعاوية)(المغني)) (3/ 258).
(16)
رواه البخاري (1538)، ومسلم (1190).
(17)
رواه البخاري (1539)، ومسلم (1192).
يُمنَع الحاج من تطييب ثوب الإحرام قبل إحرامه، وهو مذهب الحنفية (1)، والمالكية (2)، واختيار ابن باز (3) ابن عثيمين (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس)) (5).
ثانياً: أنَّ الطيب من محظورات الإحرام، ويصدق على من استدام الثوب بعد الإحرام، أنه ارتكب المحظور حال إحرامه.
ثالثاً: أنَّ الرخصة إنما جاءت في البدن؛ فلا يتجاوز صورتها.
رابعاً: أن الطيب في الثوب لا يستهلك كما هو في البدن؛ فلا يصح القياس.
(1)((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 481)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 222).
(2)
((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 388)((الذخيرة)) للقرافي (3/ 227)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 217).
(3)
قال ابن باز: (لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار، وإنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس)). فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها)) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 125 - 126).
(4)
قال ابن عثيمين: (وقال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إذا طيبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس، فنهى أن نلبس الثوب المطيَّب، وهذا هو الصحيح)((الشرح الممتع)) (7/ 65).
(5)
رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).