الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الاستطاعة المالية
المطلب الأول: اشتراط الزاد والراحلة:
يشترط في وجوب الحج القدرة على نفقة الزاد والراحلة (1)، فاضلاً عن دَينه، ونفقته، وحوائجه الأصلية (2)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وهو قول سحنون، وابن حبيب من المالكية (6)، وبه قال أكثر الفقهاء (7)(8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 -
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97] ..
وجه الدلالة:
أن الله عز وجل لما قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً علمنا أنها استطاعة غير القوة بالجسم; إذ لو كان تعالى أراد قوة الجسم لما احتاج إلى ذكرها; لأننا قد علمنا أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها (9).
2 -
قال الله تعالى: إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الأَنفُسِ [النحل: 7].
وجه الدلالة:
أن الآية تفيد أن الرحلة لا تبلغ إلا بشق الأنفس بالضرورة، ولا يكلفنا الله تعالى ذلك لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78](10)، فتعين اشتراط الزاد والراحلة لتحقيق الاستطاعة في الحج.
3 -
قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى البقرة: 197 [.]
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة، سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)).
ثانياً: أنه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم:
1 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال في استطاعة السبيل إلى الحج:((زاد وراحلة)).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في ذلك أيضاً: ((زاد، وبعير)).
3 -
عن أنس رضي الله عنه: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ((زاد، وراحلة)).
4 -
عن ابن عمر قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ((ملء بطنه، وراحلة يركبها)) (11).
المطلب الثاني:
(1) المقصود بالراحلة: آلة الركوب، والأصل فيها المركب من الإبل ذكرا ً كان أو أنثى. ((المصباح المنير)) (مادة: ر ح ل).
(2)
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 417، 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 25).
(3)
((تبيين الحقائق)) للزيلعي، و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 409).
(4)
((المجموع)) للنووي (7/ 75). ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي (3/ 242، 243).
(5)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 215).
(6)
((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 448).
(7)
قال الصنعاني: (قد ذهب إلى هذا التفسير أكثر الأمة فالزاد شرط مطلقاً والراحلة لمن داره على مسافة). ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180). وهو قول الضحاك بن مزاحم، والحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومحمد بن علي بن الحسين، وأيوب السختياني وأحد قولي عطاء. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).
(8)
قال الصنعاني: (حديث الباب يدل أنه أريد بالزاد الحقيقة وهو وإن ضعفت طرقه فكثرتها تشد ضعفه). ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180).
(9)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 54)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180).
(10)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).
(11)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).
اشتراط الراحلة خاص بالبعيد عن مكة الذي بينه وبينها مسافة قصر، أما القريب الذي يمكنه المشي، فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه، إلا مع عجز، كشيخ كبير لا يمكنه المشي، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
وذلك لما يلي:
- أنها مسافة قريبة، يمكنه المشي إليها، فلزمه، كالسعي إلى الجمعة (4).
- أنه لا تلحقهم مشقة زائدة في الأداء مشياً على الأقدام فلم تشترط الراحلة (5).
المطلب الثالث: الحاجات الأصلية التي يشترط أن تفضل عن الزاد والراحلة:
الحاجة الأول: نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه.
الحاجة الثانية: ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، ومما لا بد لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الاعتدال المناسب له في ذلك.
الحاجة الثالثة: قضاء الدين الذي عليه، لأن الدين من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصلية، فهو آكد، وسواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى كزكاة في ذمته أو كفارات ونحوها (6).
المطلب الرابع: من وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما
من وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما، فعلى حالين:
الحال الأولى: أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزنا، فهذا يكون الزواج في حقه مقدماً على الحج.
(1)((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 418)، ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4).
(2)
((المجموع)) للنووي (7/ 89)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464).
(3)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 216)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 34).
(4)
((تبيين الحقائق)) للزيلعي، و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 216).
(5)
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 418).
(6)
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 417، 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 25).
الحال الثانية: أن يكون في حال اعتدال الشهوة، فإنه يقدم الحج على الزواج، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن تيمية (4)، وابن باز (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
أدلة وجوب تقديم النكاح في حال توقان الشهوة:
أولاً: اتفاق العلماء على ذلك:
نقله شيخي زادة (7)، وابن كمال باشا (8) ، وحكاه المجد إجماعاً (9).
ثانياً: أن من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً (10).
ثالثاً: أن في التزويج تحصين النفس الواجب، ولا غنى به عنه، كنفقته، والاشتغال بالحج يفوته (11).
رابعاً: أن في تركه النكاح ترك أمرين: ترك الفرض، وهو النكاح الواجب، والوقوع في المحرم، وهو الزنا (12).
دليل تقديم الحج على النكاح في حال اعتدال الشهوة:
أن الحج واجب على الفور على من استطاع إليه سبيلاً، فيقدم على المسنون؛ لأنه لا تعارض بين واجب ومسنون (13).
فرع:
ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المحدثة لرسم الهدية للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك. (14)
(1)((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 462).
(2)
((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 465)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 790).
(3)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 217)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 389).
(4)
قال ابن تيمية: (إن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب وإن لم يخف قدم الحج، ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح وغيره واختاره أبو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت على النكاح إن لم يخش العنت). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 528).
(5)
قال ابن باز: (إذا بلغ الحلم وهو يستطيع الحج والعمرة وجب عليه أداؤهما؛ لعموم الأدلة ومنها قوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ولكن من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعاً فإنه يبدأ بالزواج حتى يعف نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) متفق على صحته). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 359،360).
(6)
قال ابن عثيمين: (يقدم النكاح إذا كان يخشى المشقة في تأخيره، مثل أن يكون شاباً شديد الشهوة، ويخشى على نفسه المشقة فيما لو تأخر زواجه، فهنا نقدم النكاح على الحج، أما إذا كان عادياً ولا يشق عليه الصبر فإنه يقدم الحج، هذا إذا كان حج فريضة، أما إذا كان حج تطوع فإنه يقدم النكاح بكل حال، ما دام عنده شهوة وإن كان لا يشق عليه تأجيله، وذلك لأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، كما صرح بذلك أهل العلم). وقال أيضاَ: (إذا كان الإنسان محتاجًا إلى الزواج ويشق عليه تركه فإنه يقدم على الحج، لأن النكاح في هذه الحال يكون من الضروريات، وقد قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، والإنسان الذي يكون محتاجاً إلى الزواج، ويشق عليه تركه، وليس عنده من النفقة إلا ما يكفي للزواج أو الحج، ليس مستطيعاً إلى البيت سبيلا، فيكون الحج غير واجب عليه، فيقدم النكاح على الحج، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده، أنه لا يكلفهم من العبادة ما يشق عليهم، حتى وإن كان من أركان الإسلام كالحج). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 71، 72).
(7)
((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383).
(8)
((حاشية ابن عابدين)) (2/ 462).
(9)
لكن نوزع في ادعاء الإجماع. قاله المرداوي في ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 286).
(10)
((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 359،360).
(11)
((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 217).
(12)
((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 384).
(13)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 389).
(14)
((حاشية ابن عابدين)) 2/ 461)) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 33).