الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: سنن السعي
المبحث الأول: الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر عليهما وبينهما
يشرع إذا دنا من الصفا أن يقرأ قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ (1)[البقرة: 158]، ويقول:((أبدأ بما بدأ الله به)) (2)، ويقتصر في قوله هذا على الصفا في المرة الأولى فقط، ويرتقي على الصفا حتى يرى الكعبة (3) ويستقبلها، ويكبر ثلاثاً (4): الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ويقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد (5)، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده (6)، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعو بما تيسر، رافعاً يديه، ويكرر ذلك (ثلاث مرات)(7)، ويقول ويفعل على المروة كما قال، وفعل على الصفا في الأشواط السبعة، ما عدا قراءة الآية، وقوله (نبدأ بما بدأ الله به)(8).
ويكثر من الدعاء والذكر في سعيه، ومن ذلك: رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم (9).
الأدلة:
(1) قال ابن عثيمين: (يحتمل أنه (أي النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية كلها؛ وكان السلف يعبرون ببعض الآية عن جميعها، ويحتمل أنه لم يقرأ إلا هذا فقط الذي هو محل الشاهد، وهو كون الصفا والمروة من شعائر الله، وكون الصفا هو الذي يبدأ به، وهذا هو المتعين؛ وذلك لأن الأصل أن الصحابة رضي الله عنهم ينقلون كل ما سمعوا وإذا لم يقل: حتى ختم الآية، أو حتى أتم الآية، فإنه يقتصر على ما نقل فقط)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 466).
(2)
رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(3)
ويصعب الآن رؤية الكعبة فيكتفي باستقبال القبلة، يُنظَر ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (ص: 225).
(4)
وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((ويحمده)).
(5)
وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((يحيي ويميت)).
(6)
وفي زيادةٍ عند ابن ماجه ((لا شريك له)).
(7)
قال النووي: (يُسَنُّ أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور ويدعو ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعةٌ من أصحابنا يكرر الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين فقط والصواب الأول)((شرح مسلم للنووي)) (8/ 177).
(8)
رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(9)
قال الألباني: (وإن دعا في السعي بقوله: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم، فلا بأس لثبوته عن جمعٍ من السلف، وذكر منهم ابن مسعود وابن عمر والمسيب بن رافع الكاهلي وعروة بن الزبير)((مناسك الحج والعمرة)) (ص: 27).
1 -
عن جابر رضي الله عنه أنه قال في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به. فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحَّد الله، وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبَّت قدماه (1) في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا (2)، مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا)) (3)(4).
2 -
عن مسروق أن ابن مسعود لما هبط إلى الوادي سعى فقال: ((اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم)) (5). وكذلك جاء عن ابن عمر أنه كان يقوله (6)، وكان ابن عمر يدعو فيقول:((اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم)) (7).
المبحث الثاني: السعي الشديد بين العلامتين الخضراوين
يسن المشي بين الصفا والمروة إلا ما كان بين العلامتين الخضراوين (8)، فإنه يسن للرجال السعي الشديد بينهما (9)، وذلك في الأشواط السبعة (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
((عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان صلى الله عليه وسلم يسعى بطن المسيل (11) إذا طاف بين الصفا والمروة)) (12).
(1) انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: ص ب ب).
(2)
ارتفعت قدماه عن بطن الوادي وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 10).
(3)
قال النووي: (قوله (ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن على الصفا وهذا متفقٌ عليه) ((شرح مسلم)) للنووي (8/ 178).
(4)
رواه مسلم (1218).
(5)
رواه البيهقي (5/ 95)(9620). قال البيهقي: (أصح الروايات عن ابن مسعود). وقال ابن حجر: (موقوف صحيح الإسناد). ((الفتوحات الربانية)) (4/ 401)، وقال الألباني:(صح موقوفاً)((حجة النبي)) (ص: 120).
(6)
رواه البيهقي (5/ 95)(9621).
(7)
رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 545)(1379)، والبيهقي (5/ 94) (9614). قال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (4/ 182): إسناده جيد، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 68): إسناده على شرط الشيخين، وصحح إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة - المناسك)) (2/ 457).
(8)
وهما عبارة عن إنارة خضراء على جانبي المسعى يُعبر عنها في كتب الفقه بالميلين الأخضرين.
(9)
قال ابن تيمية: (وإن لم يسع في بطن الوادي (يعني بين العلامتين الخضراوين) بل مشى على هيئته جميع ما بين الصفا والمروة أجزأه باتفاق العلماء ولا شيء عليه) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 128).
(10)
قال ابن المنذر: (أجمعوا ألا رَمل على النساء حول البيت، ولا في السعي بين الصفا والمروة)((الإجماع)) (ص: 55). وقال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن ليس على النساء رملٌ في طوافهن بالبيت ولا هرولةٌ في سعيهن بين الصفا والمروة)((التمهيد)) (2/ 78). وقال النووي: (أما المرأة ففيها وجهان (الصحيح) المشهور وبه قطع الجمهور، أنها لا تسعي في موضع السعي بل تمشي جميع المسافة سواء كانت نهاراً أو ليلاً في الخلوة؛ لأنها عورة وأمرها مبني علي الستر ولهذا لا ترمل في الطواف
…
) ((المجموع)) (8/ 75).
(11)
مسيل مياه الأمطار من الجبل. ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/ 133)، والمراد: المكان الذي بين العلامتين الخضراوين.
(12)
رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261).
2 -
عن جابر رضي الله عنه قال: ((
…
حتى إذا انصبت قدماه (1) في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا (2) مشى)) (3).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على استحبابه ابن عبدالبر (4) والنووي (5).
المبحث الثالث: المشي بين الصفا والمروة للقادر عليه
المشي بين الصفا والمروة أفضل من الركوب إلا لمن كان له عذر.
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك النووي (6) وابن قدامة (7)
مسألة: من سعى بين الصفا والمروة راكبا فله حالان:
الحال الأولى: أن يكون لعذر، فهذا جائز.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه فإن الناس غشوه)) (8).
2 -
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) (9).
ثانيا: الإجماع:
نقل الإجماع على جواز ذلك ابن عبدالبر (10) وابن قدامة (11) وابن القيم (12).
الحال الثانية: من سعى بين الصفا راكباً بدون عذر فلأهل العلم فيه قولان:
(1) انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: ص ب ب).
(2)
ارتفعت قدماه عن بطن الوادي وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 10).
(3)
رواه مسلم (1218).
(4)
قال ابن عبدالبر: (ولا خلاف في السعي في المسيل وهو الوادي بين الصفا والمروة، إلا أن من السلف من كان يسعى المسافة كلها بين الصفا والمروة منهم الزبير بن العوام وابنه عبدالله بن الزبير)((الاستذكار)) (4/ 201).
(5)
قال النووي: (قوله (وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة) هذا مجمعٌ على استحبابه، وهو أنه إذا سعى بين الصفا والمروة استحب أن يكون سعيه شديداً في بطن المسيل) ((شرح مسلم)) (9/ 7).
(6)
قال النووي: (أجمعوا على أن الركوب في السعى بين الصفا والمروة
…
المشي أفضل منه إلا لعذر) ((شرح مسلم)) (9/ 11).
(7)
قال ابن قدامة: (ولا خلاف أن الطواف راجلاً أفضل)((المغني)) (1/ 199).
(8)
رواه مسلم (1273).
(9)
رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
(10)
قال ابن عبدالبر: (هذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، كلهم يقول: إن من كان له عذرٌ أو اشتكى مرضاً أنه جائزٌ له الركوب في طوافه بالبيت، وفي سعيه بين الصفا والمروة، واختلفوا في جواز الطواف راكباً لمن لم يكن له عذرٌ أو مرض)((التمهيد)) (13/ 99).
(11)
قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر)((المغني)) (3/ 199).
(12)
قال ابن القيم: (والطواف والسعي إذا عجز عنه ماشياً، فَعَلَه راكبا اتفاقاً)((أعلام الموقعين)) (3/ 18).
القول الأول: يجوز السعي راكباً، ولا شيء عليه، وهذا مذهب الشافعية (1)، وهو قول طائفةٍ من السلف (2)، واختاره ابن حزم (3)، وابن قدامة (4)، والشنقيطي (5)، وابن باز (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وسعى راكباً)) (7)، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا ما يسوغ فعله (8).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل)) (9).
ثانياً: أن الله تعالى أمر بالسعي مطلقاً، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل.
القول الثاني: لا يجوز السعي راكباً من غير عذر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (10)، والمالكية (11)، والحنابلة (12)، وبه قال الليث ابن سعد وأبو ثور (13)، وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: أن السعي بين الصفا والمروة فرض، فالقياس أن يجب المشي فيه إلا لعذر (15).
ثانياً: أنه لا دليل على جواز السعي راكباً، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كان لعذرٍ فلا يلحق به من لا عذر له.
(1) قال النووي: (اتفقوا على أن السعي راكباً ليس بمكروه، لكنه خلاف الأفضل؛ لأن سبب الكراهة هناك عند من أثبتها خوف تنجس المسجد بالدابة وصيانته من امتهانه بها، هذا المعنى منتفٍ في السعي، وهذا معنى قول صاحب الحاوي الركوب في السعي أخف من الركوب في الطواف)((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91)، ((المجموع)) (8/ 75،77)، وينظر:((الأم)) للشافعي (2/ 190).
(2)
قال ابن المنذر: (كان أنس بن مالك يطوف بينهما على حمار، وقد روينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سعيا على دابتين، وقال الشافعي: يجزيه إن فعل ذلك)((الإشراف)) (3/ 294). وانظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 77).
(3)
قال ابن حزم: (والطواف والسعي راكباً جائز، وكذلك رمي الجمرة لعذرٍ ولغير عذر)((المحلى)) (7/ 180).
(4)
قال ابن قدامة: (فأما السعي راكباً فيجزئه لعذرٍ ولغير عذر)((المغني)) (3/ 199).
(5)
قال الشنقيطي: (اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم دليلاً أنه لو سعى راكباً أو طاف راكباً أجزأه ذلك)((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 321).
(6)
قال ابن باز: (وإن سعى راكباً فلا حرج، ولا سيَّما عند الحاجة)((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 429).
(7)
الحديث رواه مسلم (1264)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
(8)
((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 322).
(9)
رواه مسلم (1264).
(10)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78)((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 134)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم.
(11)
((المدونة)) لسحنون (1/ 428)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 253)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 151)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم.
(12)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 481)((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 573)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي.
(13)
قال ابن عبدالبر: (وقال الليث بن سعد: الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة سواء، لا يجزئ واحدٌ منهما راكباً، إلا أن يكون له عذر، وكذلك قال أبو ثور: من سعى بين الصفا والمروة راكباً لم يجزه، وعليه أن يعيد، ثم قال: قول مالك والليث بن سعد وأبي ثور أسعد بظاهر الحديث وأقيس في قول من أوجب السعي بين الصفا والمروة فرضاً)((التمهيد)) (2/ 96).
(14)
قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية فيه خلافٌ بين العلماء منهم من يقول: لا يجزئ إلا لعذر، ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز)((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 100).
(15)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 96).