الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: طواف الإفاضة
المبحث الأول: تعريف طواف الإفاضة
الإفاضة لغة:
الإفاضة: الزحف والدفع في السير بكثرة، ولا يكون إلا عن تفرق وجمع. وأصل الإفاضة الصب فاستعيرت للدفع في السير
…
ومنه طواف الإفاضة يوم النحر، يفيض من منى إلى مكة فيطوف ثم يرجع (1).
أسماء طواف الإفاضة
سمي طواف الإفاضة بعدة أسماء منها:
1.
طواف الإفاضة: وسمي بذلك لأنه يأتي بعد إفاضته من منى إلى مكة.
2.
طواف الزيارة: وذلك لأن الحاج يأتي من منى لزيارة البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.
3.
طواف الصَّدَر: لأنه يفعل بعد الرجوع، والصدر يطلق أيضاً على طواف الوداع.
4.
طواف الواجب وطواف الركن وطواف الفرض: وذلك باعتبار الحكم (2).
المبحث الثاني: حكم طواف الإفاضة
طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، ولا ينوب عنه شيء.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
يقول الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
اتفق أهل التفسير أن المراد بالطواف المأمور به في هذه الآية هو طواف الإفاضة (3).
ثانياً: من السنة:
أن صفية بنت حيي، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلا إذا. وفي رواية لمسلم: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر، إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة. فقال: عقرى! حلقي! إنك لحابستنا. ثم قال لها: أكنت أفضت يوم النحر؟ قالت: نعم. قال: فانفري)) (4)
وجه الدلالة:
أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحابستنا هي؟)) يدل على أن هذا الطواف لا بد من الإتيان به، وأن عدم الإتيان به موجبٌ للحبس (5).
الإجماع:
(1) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور مادة (فيض) ، و ((تاج العروس)) للزبيدي مادة (فيض).
(2)
((المجموع شرح المهذب)) (8/ 12)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390) ، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 505).
(3)
قال ابن جرير: (وعني بالطواف الذي أمر جل ثناؤه حاج بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر وإما بعده، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك). ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (18/ 615).
(4)
رواه البخاري (5329)، ومسلم (1211)
(5)
قال البغوي: (ثبت بهذا الحديث أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز أن ينفر)((معالم التنزيل)) (5/ 382)، وقال ابن دقيق العيد:(فإن سياقه يدل على أن عدم طواف الإفاضة موجب للحبس)((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (1/ 333).
نقل الإجماع على ركنية طواف الإفاضة: ابن المنذر (1) ،وابن حزم (2) ،وابن عبدالبر (3) ،وابن رشد (4) ، وابن قدامة (5) ، والنووي (6) ، وابن تيمية (7) وغيرهم.
المبحث الثالث: شروط طواف الإفاضة
يشترط لطواف الإفاضة شروط خاصة به سوى الشروط العامة للطواف وهذه الشروط الخاصة هي:
المطلب الأول: أن يسبقه الإحرام
يشترط أن يكون مسبوقاً بالإحرام، وذلك لأن جميع أعمال الحج يتوقف احتسابها على الإحرام (8).
المطلب الثاني: أن يسبقه الوقوف بعرفة
يشترط أن يسبقه الوقوف بعرفة، فلو طاف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة لا يسقط به فرض الطواف (9).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أنه لا يمكن قضاء التفث والوفاء بالنذر إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
ثانياً: من السنة:
1 -
عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حاكياً عمله بعد الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة والرمي: ((ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر)) (10).
2 -
عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى)) قال نافع: ((فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)) (11).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن تيمية (12).
(1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن الطواف الواجب هو طواف الإفاضة). ((الإجماع)) لابن المنذر (1/ 58).
(2)
قال ابن حزم: (وأجمعوا أن الطواف الآخر المسمى طواف الإفاضة بالبيت والوقوف بعرفة فرض). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (1/ 42).
(3)
قال ابن عبدالبر: (أن الطواف الحابس للحائض الذي لا بد منه هو طواف الإفاضة، وكذلك يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة، ويسميه أهل العراق طواف الزيارة .... وهو واجب فرضاً عند الجميع، لا ينوب عنه دم، ولا بد من الإتيان به)((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 267).
(4)
قال ابن رشد: (وأجمعوا على أن الواجب منها الذي يفوت الحج بفواته هو طواف الإفاضة). ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 343).
(5)
قال ابن قدامة: (يسمى طواف الإفاضة لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة، وهو ركن للحج لا يتم إلا به لا نعلم فيه خلافا). ((المغني)) (3/ 390).
(6)
قال النووي: (وهذا الطواف - أي طواف الإفاضة - ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به بإجماع الأمة). ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 220).
(7)
قال ابن تيمية: (لا بد بعد الوقوف من طواف الإفاضة، وإن لم يطف بالبيت لم يتم حجه باتفاق الأمة)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 302).
(8)
ينظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517).
(9)
قال الشافعي: (ومن قدم طوافه للحج قبل عرفة بالبيت وبين الصفا والمروة فلا يحل حتى يطوف بالبيت سبعاً)((الأم)) (2/ 237). وقال النووي: (وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات، حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف ثم أسرع إلى عرفات، فوقف قبل الفجر لم يصح طوافه؛ لأنه قدمه على الوقوف)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 193). وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517) ، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 34) ، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 266) ، ((كشاف القناع)) (2/ 505).
(10)
رواه مسلم (1218)
(11)
رواه مسلم (1308)
(12)
قال ابن تيمية: (وأما تقديم طواف الفرض على الوقوف فلا يجزي مع العمد بلا نزاع)((مجموع الفتاوى)) (26/ 231). وقال: (وفيه أيضا تقديم الطواف قبل وقته الثابت بالكتاب والسنة والإجماع. والمناسك قبل وقتها لا تجزئ)((مجموع الفتاوى)) (26/ 203).
المبحث الرابع: وقت طواف الإفاضة
المطلب الأول: متى يسن طواف الإفاضة؟
يسن أن يكون طواف الإفاضة في يوم النحر أول النهار، بعد الرمي والنحر، والحلق. وهو أفضل وقت لبدايته (1).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1.
حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى المنحر فنحر هديه، ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر)) (2).
2.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى. قال نافع: فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى. ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)) (3).
ثانياً الإجماع:
نقل النووي الإجماع على ذلك (4).
المطلب الثاني: متى يبتدئ وقت جواز طواف الإفاضة؟
اختلف العلماء في تحديده على قولين:
القول الأول: أن أول وقت طواف الإفاضة بعد منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة قبله، وهذا مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6) ، واختاره ابن باز (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني عندها)) (8)
2 -
ما روى عن أسماء رضي الله عنها أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلى، فصلت ساعة، ثم قالت:((يا بنى هل غاب القمر قلت لا. فصلت ساعة، ثم قالت هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا، ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح فى منزلها. فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بنى، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن)) (9)
وجه الدلالة من الحديثين:
أن ظاهر النص جواز الدفع من المزدلفة قبل منتصف الليل والرمي؛ لأن أم سلمة وأسماء رضي الله عنهما رمتا الجمرة قبل الصبح؛ فهذا دليل على جواز الرمي قبل الفجر، فإذا جاز رمي الجمرة قبل الفجر؛ جاز فعل بقية أعمال يوم التشريق؛ لأنها مترابطة.
(1) قال الشنقيطي: (الظاهر أن أول وقته أول يوم النحر بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه طاف طواف الإفاضة يوم النحر، بعد رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، وقال: «خذوا عني مناسككم» ((أضواء البيان)) (4/ 406).
(2)
رواه مسلم (1218)
(3)
رواه مسلم (1308)
(4)
قال النووي: (واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق)((شرح النووي على مسلم)) (9/ 58).
(5)
((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 221) ، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 307).
(6)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33)((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 466).
(7)
قال ابن باز: (لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل من ليلة النحر، وكذا طواف الإفاضة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143).
(8)
رواه أبو داود (1942)، والدارقطني (2/ 276)، والحاكم (1/ 641)، والبيهقي (5/ 133) (9846). وأورده ابن حزم في ((حجة الوداع)) (184): وهو عنده إسناده متصل صحيح. وقال محمد بن عبدالهادي في ((المحرر)) (265): رجاله رجال مسلم، وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 250)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (215): إسناده على شرط مسلم، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 146)، والعظيم آبادي في ((عون المعبود)) (5/ 219):(رجاله رجال الصحيح).
(9)
رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291)
ثانياً: قياس الطواف على الرمي بجامع أنهما من أسباب التحلل، فإنه بالرمي للجمار والذبح والحلق يحصل التحلل الأول، وبالطواف يحصل التحلل الأكبر، فكما أن وقت الرمي يبدأ عندهم بعد نصف الليل، فكذا وقت طواف الإفاضة.
القول الثاني: يبتدئ من طلوع الفجر الثاني يوم النحر، وهذا مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، وهو رواية عن أحمد (3).
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 -
فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (4)؛ فقد طاف طواف الإفاضة يوم النحر.
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بنى عبدالمطلب على حُمُرات فجعل يلطح (5) أفخاذنا ويقول «أبيني، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) (6).
وجه الدلالة:
أنه إذا نُهي الضعفة عن رمي الجمار قبل طلوع الشمس، فأولى ألا يجوز الإفاضة قبل ذلك؛ لأن الأصل في فعل طواف الإفاضة أن يكون بعد رمي الجمار والنحر والحلق.
ثانياً: أن ما قبل الفجر من الليل وقت الوقوف بعرفة، والطواف مرتب عليه، فلا يصح أن يتقدم ويشغل شيئاً من وقت الوقوف، فالوقت الواحد لا يكون وقتاً لركنين.
مسألة: أداء طواف الإفاضة أيام التشريق
إذا أخر طواف الإفاضة عن يوم النحر وأداه في أيام التشريق صح طوافه ولا شيء عليه بالإجماع، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (7) والنووي (8)
المطلب الثالث: آخر وقت طواف الإفاضة
ليس لآخره حد معين لأدائه فرضاً (9)، بل جميع الأيام والليالي وقته إجماعاً، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (10).
وأما وقته الواجب فقد اختلف فيه أهل العلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجب أداؤه في أيام النحر، فلو أخره حتى أداه بعدها صح، ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها، وهذا مذهب الحنفية (11).
الأدلة:
1 -
أن الله تعالى عطف الطواف على الذبح في الحج، فقال: فَكُلُوا مِنْهَا، ثم قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]، فكان وقتهما واحدا، فيكره تأخير الطواف عن أيام النحر، وينجبر بالدم.
(1)((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518) ، ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 148).
(2)
((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 814).
(3)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33).
(4)
رواه نسلم (1218)
(5)
يلطح: بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة. قال الجوهري: اللطح: الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى. أي يضرب بيده ضربا خفيفا، وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم. ((عون المعبود)) للمباركفوري (5/ 415).
(6)
رواه أبو داود (1940)، والنسائي (5/ 270)، وابن ماجه (2469)، وأحمد (1/ 234)(2082)، وابن حبان (9/ 181)(3869)، والبيهقي (5/ 132)(9840). والحديث صححه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (9/ 122)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1940)
(7)
قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن من أخر الطواف عن يوم النحر، فطافه في أيام التشريق أنه مؤد للفرض الذي أوجبه الله عليه، ولا شيء عليه في تأخيره)((الإجماع)) لابن المنذر (1/ 59).
(8)
قال النووي: (فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم عليه بالإجماع)((شرح النووي على مسلم)) (9/ 58).
(9)
ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518) ، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224) ، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 588).
(10)
قال ابن قدامة: (الصحيح أن آخر وقته غير محدود؛ فإنه متى أتى به صح بغير خلاف)((المغني)) (3/ 391).
(11)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 25 - 26) ، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518 - 519).
2 -
أن الطواف نسك يفعل في الحج فكان آخره محدد؛ كالوقوف والرمي (1).
3 -
أنه أدخل نقصاناً بتأخير الطواف عن وقته، فيجبر بدم كتأخير أركان الصلاة.
القول الثاني: يجب أداؤه قبل خروج شهر ذي الحجة، فإذا خرج لزمه دم، وهذا مذهب المالكية (2)(3).
الأدلة:
1.
قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] ،
وجه الدلالة:
في الآية دليل على أن الحج مؤقت بأشهر محددة لا يجوز تأخيره عنها، وتأخير الطواف إلى محرم، فعل للركن في غير أشهر الحج.
القول الثالث: لا يلزمه شيء بالتأخير أبداً، وهذا مذهب الشافعية (4)، والحنابلة (5)، وبه قال طائفة من السلف (6)، واختاره ابن المنذر (7) ، وابن باز (8).
الدليل:
أن الله أمر بالطواف أمراً مطلقاً، ولم يرد دليل يؤقت طواف الإفاضة كغيره من الأعمال، والأصل في ذلك براءة الذمة، وعدم التحديد.
المطلب الرابع: الشرب من ماء زمزم والتضلع منه بعد الطواف
يشرع (9) الشرب من ماء زمزم والتضلع منه عند الفراغ من طواف الإفاضة (10).
الأدلة:
1.
عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط من الحجر، وصلى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن
…
)) (11).
2 -
عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: ((لما حجَّ معاوية رضي الله عنه حججنا معه، فلما طاف بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم مرَّ بزمزم وهو خارج إلى الصفا، فقال: انزع لي منها دلواً يا غلام، فنزع له منها دلواً، فأتي به فشرب منه، وصب على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء، وهي لما شرب له)) (12).
(1) قال ابن قدامة: (وأما آخر وقته فاحتج بأنه نسك يفعل في الحج، فكان آخره محدودا، كالوقوف والرمي)((المغني)) (3/ 391).
(2)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 376) ، ((مواهب الجليل)) (4/ 22).
(3)
وافق الشيخ ابن عثيمن المالكية في عدم جواز تأخير طواف الإفاضة إلى خروج ذي الحجة، إلا أنه لم يذكر وجوب الدم على من فعل ذلك، ويقول في ذلك:(يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج لآخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك)((مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)) (21/ 379).
(4)
((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224).
(5)
((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 466) ، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 588) ، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 503).
(6)
منهم: عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور. ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224).
(7)
قال ابن المنذر: (أحب أن لا يؤخر عن يوم النحر، فإن أخره وطاف بعد أيام التشريق أجزأه ولا شيء عليه)((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 362).
(8)
قال ابن باز: (لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 148).
(9)
قال ابن عثيمين: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف طواف الإفاضة يوم العيد شرب من ماء زمزم، ولهذا استحب العلماء أن يشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 218). وقال أيضا: (اختلف العلماء رحمهم الله هل الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك تعبداً، أو محتاجاً للشرب، هذا محل تردد عندي، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، فما دامت المسألة مشكوك هل هي عبادة، أو طبيعة فلا نقول: إنه يشرع إلا لو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن الممكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طاف احتاج إلى الشرب، ولهذا لم يبلغني أنه عليه الصلاة والسلام شرب حين طاف للعمرة: عمرة الجعرانة، وعمرة القضاء، وصلى الله عليه وسلم هذا ففيه احتمال قوي جدًّا أنه شربه لحاجته إليه، فالذين لم يذكروه لأنهم لا يرون أنه مشروع، وإنما احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشرب فشرب)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 220).
(10)
وقد أشار الشافعية والحنابلة إلى أنه يكون بعد طواف الإفاضة. ((مغني المحتاج)) (1/ 503)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 506) وهذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عابدين:(وقال هنا ولم يذكر في كثير من الكتب إتيان زمزم والملتزم فيما بين الصلاة والتوجه إلى الصفا ولعله لعدم تأكده)((حاشية ابن عابدين)) (2/ 500).
(11)
رواه أحمد (3/ 394)(15280). والحديث جود إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (11/ 459)، والعيني في ((عمدة القاري)) (9/ 398)، وقال شعيب الأرناؤوط في ((تحقيق مسند أحمد)): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(12)
رواه الفاكهي في ((أخبار مكة)) (1096). قال ابن حجر في ((ماء زمزم)) (32): (إسناده حسن مع كونه موقوفاً، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه هذا الحديث).