الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الإحصار
تمهيد
معنى الإحصار لغة واصطلاحاً:
الإحصار في اللغة: المنع والحبس (1).
وفي الاصطلاح: هو منع المحرم من إتمام أركان الحج أو العمرة (2)
المبحث الأول: ما يكون به الإحصار
المطلب الأول: الإحصار بالعدو
الإحصار يحصل بالعدو:
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن سبب نزول الآية هو صد المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت، وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص.
كذلك فإن قوله تعالى بعد هذا: (فإذا أمنتم) يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو المحرم (3).
ثانياً: من السنة:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أحصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلوا (4)
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (5)، وابن تيمية (6).
المطلب الثاني: الإحصار بالمرض وغيره
الإحصار يكون بالمرض وذهاب النفقة وغير ذلك، وهو مذهب الحنفية (7) ورواية عن أحمد (8)، وقول طائفة من السلف (9)، وهو قول ابن حزم (10) واختيار ابن تيمية (11) وابن القيم (12)، وابن باز (13) ، وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أنَّ لفظ الإحصار عام يدخل فيه العدو والمرض ونحوه.
ثانياً: من السنة:
(1)((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حصر)
(2)
((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 362).
(3)
انظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 75)
(4)
رواه البخاري (2731) بلفظ: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا +% D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D9%85%D8%AE%D8%B1%D9%85%D8%A9+%D9%88+%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85))
(5)
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من المشركين، أو غيرهم، فمنعوه الوصول إلى البيت، ولم يجد طريقا آمنا، فله التحلل)((المغني)) (3/ 326).
(6)
قال ابن تيمية: (فالمحصر بعدو له أن يتحلل باتفاق العلماء)((مجموع الفتاوى)) (26/ 227).
(7)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 175)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 58).
(8)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 331)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52).
(9)
قال ابن قدامة: (روي عن ابن مسعود، وهو قول عطاء، والنخعي، والثوري، وأبي ثور)((المغني)) (3/ 331)
(10)
قال ابن حزم: (وأما الإحصار فإن كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته، قارناً كان، أو متمتعاً، من عدو، أو مرض، أو كسر، أو خطأ طريق، أو خطأ في رؤية الهلال، أو سجن، أو أي شيء كان: فهو مُحصَر)((المحلى)) (7/ 203).
(11)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52).
(12)
((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (5/ 317).
(13)
قال ابن باز: (أن الإحصار يكون بالعدو، ويكون بغير العدو كالمرض)((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 7).
(14)
قال ابن عثيمين: (والصحيح في هذه المسألة أنه إذا حصر بغير عدو فكما لو حصر بعدو؛ لعموم قول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ *البقرة: 196* أي عن إتمامهما، ولم يقيد الله تعالى الحصر بعدو)((الشرح الممتع)) (7/ 418).
عن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل)). قال عكرمة: سألت بن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق (1)
ثالثا: أن المعنى الذي لأجله ثبت حق التحلل للمحصر بالعدو موجود كذلك في المرض (2).
المبحث الثاني: أنواع الإحصار
المطلب الأول: الإحصار عن الوقوف بعرفة
اختلف الفقهاء فيمن أحصر عن الوقوف بعرفة دون البيت إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه ليس بمحصر، وهو مذهب الحنفية (3). ورواية عن أحمد (4)؛ لأنه إن قدر على الطواف له أن يتحلل به، فلا حاجة إلى التحلل بالهدي كفائت الحج (5).
القول الثاني: يعتبر محصراً، ويتحلل بأعمال العمرة، وهو مذهب المالكية (6)، والشافعية (7). لأنه لما جاز أن يتحلل عن جميع الأركان كان إحلاله من بعضها أولى (8).
القول الثالث: يتحلل بعمرة، ولا شيء عليه إن كان قبل فوات وقت الوقوف، وهو مذهب الحنابلة (9)، واختاره ابن عثيمين (10). لأنه يجوز لمن أحرم بالحج أن يجعله عمرة ولو بلا حصر، ما لم يقف بعرفة (11).
المطلب الثاني: الإحصار عن طواف الإفاضة
اختلف الفقهاء فيمن وقف بعرفة ثم أحصر عن البيت على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يكون محصرًا، وعليه القيام بأعمال الحج، ويظل محرماً في حق النساء حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا مذهب الحنفية (12)، والمالكية (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عبدالرحمن بن يعمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الحج عرفة)) (14).
وجه الدلالة:
(1) رواه أبو داود (1862)، والترمذي (940)، والنسائي (5/ 198)، وابن ماجه (2515)، وأحمد (3/ 450)(15769)، والدارمي (2/ 85)(1894)، والحاكم (1/ 657)، والبيهقى (5/ 220) (10391). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 347):(صحيح ثابت)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 309)، وصححه ابن دقيق في ((الاقتراح)) (102)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2515)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (301)
(2)
((المبسوط)) للسرخسي 4/ 193.
(3)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغناني (1/ 182)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 454).
(4)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 329) ..
(5)
((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 454).
(6)
((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 95)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95).
(7)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(8)
والفرق بين هذا القول والذي قبله- وإن تشابهت الصورة بينهما- أن النتيجة تختلف، فالحنفية يعتبرونه تحلل فائت حج، فلا يوجبون عليه دمًا، بينما يعتبره المالكية والشافعية تحلل إحصار، فعليه دم. ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 200).
(9)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 329)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 400).
(10)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 417).
(11)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 417).
(12)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/ 134).
(13)
((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 199)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) للدردير (2/ 95).
(14)
رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257)(2822)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638):(لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
أن المراد بكون الحج عرفة أنه الركن الذي إذا أدركه فقد أدرك الركن الذي يفوت الحج بفواته، ويسقط به الفرض (1).
ثانياً: أنه لما وقف بعرفة فقد فعل ما له حكم الكل، وأمكنه التحلل بالحلق يوم النحر عن كل محظور سوى النساء، فلم يلزم امتداد الإحرام الموجب للحرج، ولم يبق عليه إلا الإفاضة التي يصح الإتيان بها في أي وقت من الزمان، ولا يعجز المحصر عن ساعة من ليل أو نهار يجد بها فرصة قدر الطواف مختفياً في زمان قدر شهر، والمنع من النساء في هذا المقدار لا يستلزم حرجاً يبيح الإحلال مطلقاً بغير الطريق الأصلي (2).
القول الثاني: أنه يكون محصراً، ويتحلل، وهذا مذهب الشافعية في الأظهر (3).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196.]
وجه الدلالة:
أن عموم الآية يشمل من أحصر عن عرفة أو أحصر عن البيت (4).
ثانياً: أنه إحرام تام، فجاز له التحلل منه قياساً على ما قبل الوقوف بعرفة (5).
ثالثا: أنه لما جاز أن يتحلل بالإحصار من جميع الأركان، كان تحلله من بعضها أولى (6).
القول الثالث: أنه إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله التحلل، وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، وهذا مذهب الحنابلة (7).
ودليلهم في التفريق:
أن الإحصار كما يفيد عن جميع أعمال الحج فإنه يفيد عن بعض أركانه، لكن لم يحصل الإحصار بعد رمي جمرة؛ لأن إحرامه بعد الرمي إنما هو عن النساء، والشرع إنما ورد بالتحلل من الإحرام التام، الذي يحرم جميع محظوراته، فلا يثبت بما ليس مثله، فمتى ما زال الحصر أتى بالطواف، وقد تم حجه (8).
المطلب الثالث: الإحصار عن واجب من واجبات الحج
إذا أحصر عن واجب فلا يتحلل، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)؛ لأنه يمكن جبره بالدم.
المطلب الرابع: الإحصار عن العمرة
يجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الإحصار، وهو مذهب الحنفية (13)، والشافعية (14)، والحنابلة (15)، وبعض المالكية (16). وحكى النووي الإجماع على ذلك (17).
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
- قال تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196] عقيب قوله عز وجل وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: 196] فكان المراد منه فإن أحصرتم عن إتمامهما فما استيسر من الهدي (18).
ثانياً: من السنة:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم حصروا بالحديبية، فحال كفار قريش بينهم وبين البيت، وكانوا معتمرين فنحروا هديهم وحلقوا رؤوسهم (19)
ثالثاً: أن التحلل بالهدي في الحج لمعنى هو موجود في العمرة، وهو التضرر بامتداد الإحرام (20).
(1)((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 134)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95).
(2)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 134)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60).
(3)
يعتبر محصراً، فيجب عليه أن يقف بعرفة ثم يتحلل، ويحصل تحلله بما يتحلل به المحصر، وهو الذبح والحلق بنية التحلل فيهما ولا قضاء عليه. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349)، ((مغني المحتاج)) للرملي (1/ 533).
(4)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(5)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(6)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349).
(7)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 329)، (الإنصاف) للمرداوي (4/ 50).
(8)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 329).
(9)
((حاشية بن عابدين)) (2/ 593)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60).
(10)
((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 297).
(11)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 533).
(12)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 528).
(13)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).
(14)
((المجموع)) للنووي (8/ 294)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 344).
(15)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 327).
(16)
كابن القاسم وابن الماجشون. ينظر ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 294).
(17)
قال النووي: (ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الاحصار بلا خلاف ودليل التحلل واحصار العدو نص القرآن والاحاديث الصحيحة المشهورة في تحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية وكانوا محرمين بعمرة وإجماع المسلمين على ذلك)((المجموع)) للنووي (8/ 294).
(18)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).
(19)
رواه البخاري (2731)
(20)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).