الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: التلبية
المطلب الأول: تعريف التلبية
التلبية لغةً:
إجابة المنادي، وتطلق على الإقامة على الطاعة (1)(2).
التلبية اصطلاحاً (3):
هي قول المحرم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (4).
المطلب الثاني: حكم التلبية
التلبية سنةٌ في الإحرام، وهذا مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6)، وقول ابن باز (7)، وابن عثيمين (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. لا يزيد على هؤلاء الكلمات. وإن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد الحليفة، أهلَّ بهؤلاء الكلمات)) أخرجه مسلم (9).
(1) قال ابن فارس: (اللام والباء أصلٌ يدل على لزومٍ وثبات، وعلى خلوصٍ وجودة). ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: لب)، وانظر:((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: لبب).
(2)
قال ابن القيم: (في معنى التلبية ثمانية أقوال: أحدهما: إجابة لك بعد إجابة ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة. الثاني: أنه انقياد من قولهم: لببت الرجل. إذا قبضت على تلابيبه ومنه: لببته بردائه. والمعنى انقدت لك وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة كما يفعل بمن لبب بردائه وقبض على تلابيبه. الثالث: أنه من لب بالمكان إذا قام به ولزمه والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها اختاره صاحب الصحاح. الرابع: أنه من قولهم: داري تلب دارك. أي تواجهها وتقابلها أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك حكاه في الصحاح عن الخليل. الخامس: معناه حبًّا لك بعد حب من قولهم: امرأة لبة. إذا كانت محبة لولدها. السادس: أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه ومنه لب الطعام ولب الرجل عقله وقلبه ومعناه أخلصت لي وقلبي لك وجعلت لك لبي وخالصتي. السابع: أنه من قولهم: فلان رخي اللبب. وفي لب رخي أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه أنا منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها متوجه إليك بلبب رخي يوجد المحب إلى محبوبه لا بكره ولا تكلف. الثامن: أنه من الإلباب وهو الاقتراب، أي: اقتراباً إليك بعد اقتراب كما يتقرب المحب من محبوبه)((حاشية ابن القيم على السنن)) (5/ 175).
(3)
للاطلاع على معنى كلمات التلبية بالتفصيل، انظر:((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 103 - 110).
(4)
رواه مسلم (1184)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
(5)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 481)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 88).
(6)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 320)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419).
(7)
قال ابن باز: (وتشرع له التلبية في أثناء الطريق، فلو لم يلب فلا شيء عليه؛ لأن التلبية سنة مؤكدة)((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 76).
(8)
قال ابن عثيمين: (الصحيح أن التلبية ليست بواجبة، وليست بركن، وإنما هي سنة، فإذا لم يلبِّ الإنسان في حجه أو في عمرته، فإن نسكه تام، بمعنى أنه صحيح، وإن كان لا شك أنه ناقصٌ بفوات هذه السنة؛ ولكنه لا يقال: إنه ليس بصحيح)((جلسات رمضانية)) (الدرس العاشر).
(9)
رواه مسلم (1184).
2 -
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال بجمع: ((سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ههنا يقول: لبيك اللهم لبيك
…
)). أخرجه مسلم (1). (2).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفيد الاستحباب (3).
ثانيا: لأن التلبية ذكر فلم تجب في الحج والعمرة كسائر الأذكار فيهما (4).
المطلب الثالث: رفع الصوت بالتلبية
يُسنُّ للرجل أن يرفع صوته بالتلبية (5). حكى النووي الإجماع على ذلك (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن السائب بن خلاد الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو قال بالتلبية يريد أحدهما)) (7).
2 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصرخ بالحج صراخاً)) أخرجه مسلم (8).
المطلب الرابع: كيفية تلبية المرأة
(1) رواه مسلم (1383).
(2)
قال البهوتي: (والتلبية سنة لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بها وهي ذكرٌ فيه فلم تجب كسائر الأذكار)((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال الشيرازي: (لأنها عبادةٌ لا يجب النطق في آخرها؛ فلم يجب النطق في أولها كالصوم)((المهذب)) للشيرازي (1/ 205).
(3)
((المغني)) لابن قدامة ((3/ 270)
(4)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 270)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال النووي:(اتفق العلماء علي استحباب التلبية)((المجموع)) للنووي (7/ 245). قال ابن عبدالبر: (والذكر والدعاء في ذلك الموضع وغيره من سائر مواقف الحج مندوب إليه مستحب لما فيه من الفضل ورجاء الإجابة وليس بفرض عند الجميع)((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 91).
(5)
قال ابن باز: (
…
ولهذا شرع الله رفع الصوت بالتلبية؛ ليعرفوا هذا المعنى؛ وليحققوه؛ وليتعهدوه في قلوبهم وألسنتهم
…
فالسنة رفع الصوت بهذه التلبية، حتى يعلمها القاصي والداني، ويتعلمها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وحتى يستشعر معناها ويتحقق معناها، وأن معناها إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه إلههم الحق، خالقهم ورازقهم ومعبودهم جل وعلا في الحج وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 205).
(6)
قال النووي: (قوله: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً
…
فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية، وهو متفقٌ عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً بحيث لا يؤذي نفسه
…
ورفع الرجل مندوبٌ عند العلماء كافة) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 232). ذهب الظاهرية إلى الوجوب ومال إليه الشنقيطي
(7)
رواه أبو داود (1814)، والترمذي (829)، والنسائي (5/ 162)، وابن ماجه (2381)، وأحمد (4/ 55)(16605)، وابن حبان (9/ 111)(3802)، والحاكم (1/ 619)، والبيهقي (5/ 41) (9275). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك))، والنووي في ((المجموع)) (7/ 225)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1814).
(8)
رواه مسلم (1247).
المرأة لا ترفع صوتها، وإنما تلبي سرًّا بالقدر الذي تُسمِع به نفسها. ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم (1) وحكاه ابن عبدالبر إجماعا (2).
وذلك لما يُخشى من رفع صوتها من الفتنة (3).
المطلب الخامس: وقت التلبية
الفرع الأول: ابتداء وقت التلبية
يستحب أن يبتدئ المحرم بالتلبية، إذا ركب دابته وابتدأ السير وهو مذهب المالكية (4)، والشافعية (5)، وروايةٌ عند الحنابلة (6)، وهو اختيار الشنقيطي (7)، وابن باز (8)، وابن عثيمين (9).
الأدلة:
من السنة:
1 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهلَّ)) (10).
2 -
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حين تستوي به قائمة)) (11).
2 -
عن سالم بن عبدالله أنه سمع أباه يقول: ((ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره)) (12).
4 -
عن نافع قال: ((كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادَّهن بدهنٍ، ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد الحليفة، فيصلي ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل)) (13).
(1)((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 196). قال ابن المنذر: (وقال ابن عمر: المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية وبه قال عطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي). وقال سليمان بن يسار: (السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال)((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 194).
(2)
قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها فخرجت من جملة ظاهر الحديث وخُصَّت بذلك)((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 242)، و ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 57). وحكاه عنه ابن رشد، فقال:(وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر هو أن تسمع نفسها بالقول)((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 337).
(3)
قال النووي: (والمرأة ليس لها الرفع لأنه يُخاف الفتنة بصوتها)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 90 - 91)، وانظر:((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 112 - 113).
(4)
((حاشية العدوي)) (1/ 522)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 106).
(5)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 81)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 481).
(6)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 320)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 387).
(7)
قال الشنقيطي: (أظهر أقوال أهل العلم فيه: أنه أول الوقت الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير، لصحة الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته)((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 4).
(8)
قال ابن باز: (والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 41).
(9)
قال ابن عثيمين: (الأقرب أنه يلبي إذا ركب السيارة)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 99).
(10)
رواه البخاري (1546)، ومسلم (690).
(11)
رواه البخاري (1514)، ومسلم (1187).
(12)
رواه مسلم (1186).
(13)
رواه البخاري (1554)، ومسلم (1187).
5 -
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته (1))) (2). (3).
قال النووي: هذه أحاديث صحيحة قاطعة بترجح الإحرام عند ابتداء السير (4).
الفرع الثاني: انتهاء وقت التلبية في الحج:
تنتهي التلبية في الحج عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر، ولا فرق في ذلك بين المفرد، والقارن، والمتمتع (5)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، وبه قال طائفة من السلف (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل، فأخبر الفضل: أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)) (10).
وجه الدلالة:
أن الحديث نص في انتهاء التلبية عند رمي جمرة العقبة، وقد جاء من رواية الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وقد كان رديفه يومئذ، وهو أعلم بحاله من غيره (11).
2 -
عن عبدالله بن سخبرة ، قال:((لبى عبدالله وهو متوجه إلى عرفات، فقال أناس: من هذا الأعرابي، فالتفت إلي عبدالله، فقال: أضل الناس أم نسوا؟ والله ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو بتكبير)) (12).
ثانياً: أن التلبية للإحرام، فإذا رمى فقد شرع في التحلل، فلا معنى للتلبية (13).
(1) قال النووي: (قوله في هذا الباب عن ابن عمر قال: ((فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته))، وقال في الحديث السابق:((ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل))، وفي الحديث الذي قبله:((كان اذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل))، وفي رواية:((حين قام به بعيره))، وفي رواية:((يهل حين تستوي به راحلته قائمة))، هذه الروايات كلها متفقة في المعنى، وانبعاثها هو استواؤها قائمةً، وفيها دليلٌ لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 93 - 94)، ((المجموع)) للنووي (7/ 216).
(2)
رواه البخاري (166)، ومسلم (1187).
(3)
قال ابن عثيمين: (نحن جربنا فائدة كونه لا يلبي إلا إذا ركب؛ لأنه أحياناً يتذكر الإنسان شيئاً كطيب أو شبهه، فإذا قلنا: أحرم بعد الصلاة لم يتمكن من استعمال الطيب بعد الإحرام، لكن إذا قلنا: لا تلب ولا تحرم إلا بعد الركوب حصل في ذلك فسحة، إلا إذا صح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه يبدأ بالتلبية عقب الصلاة)((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 103). وقال أيضاً: (لكن الأحسن والأرفق بالناس ألا يلبي حتى يستوي على ناقته؛ لأنه قد يحتاج إلى شيء؛ فقد يكون نسي أن يتطيب مثلاً، وقد يتأخر في الميقات بعد أن يصلي الركعتين، ركعتي الوضوء، أو الصلاة المفروضة مثلاً، فالأرفق به أن تكون تلبيته إذا استوى على ناقته، وإن لبى قبل ذلك فلا حرج)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 509).
(4)
((المجموع)) للنووي (7/ 216).
(5)
لكن المتمتع يقطع تلبيته للعمرة عند شروعه في الطواف، ثم يلبي إذا أحرم للحج، فلا يزال يلبي حتى يشرع في رمي جمرة العقبة. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 371).
(6)
((المبسوط)) للشيباني (2/ 546)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 371).
(7)
((المجموع)) للنووي (8/ 154)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 191).
(8)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 383)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 395).
(9)
منهم: ابن مسعود وابن عباس ميمونة رضي الله عنهم، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383).
(10)
رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281).
(11)
قال الطحاوي: (قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار متواترة ، بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة)((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (2/ 224)، وانظر:((المغني)) لابن قدامة (3/ 383).
(12)
أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 225).
(13)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 191)، ((المجموع)) للنووي (8/ 154).