الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: الفوات
تمهيد
معنى الفوات لغة واصطلاحاً
الفوات لغة: مصدر فاته يفوته فواتا وفوتا، أي ذهب عنه، وخرج وقت فعله (1)
الفوات اصطلاحاً: خروج العمل المطلوب شرعاً عن وقته المحدد له شرعاً (2)
المبحث الأول: فوات الحج
من فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي: ((أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر منادياً فنادى: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج)). (3).
ثانيا: الإجماع:
حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (4)، وابن عبدالبر (5)، وابن قدامة (6)، والنووي (7).
المبحث الثاني: فوات العمرة
العمرة لا يتصور فواتها باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11) وذلك لأن جميع الزمان وقت لها (12).
المبحث الثالث: كيفية تحلل من فاته الحج.
من فاته الحج لزمه الطواف والسعي وحلق الرأس أو تقصيره، وبذلك يتحلل من الحج، وهو مذهب الحنفية (13)، والمالكية (14)، والشافعية (15)، والحنابلة (16) وقول طائفة من السلف (17)، وحكى ابن قدامة الإجماع في ذلك (18).
الدليل:
(1)((لسان العرب)) لابن منظور (فوت)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (فوت)، ((المصباح المنير)) للفيومي (فوت).
(2)
((موسوعة الفقه الكويتية)) (32/ 211).
(3)
رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257)(2822)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الحاكم:(صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638):(لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
(4)
قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته الوقوف بها)((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 57).
(5)
قال ابن عبدالبر: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصة أبي أيوب إذ فاته الحج وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود إذ فاته الحج أيضاً، فأمرهما عمر بن الخطاب كل واحد منهما أن يحل بعمل عمرة، ثم يحج من قابل ويهدي، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا أمر مجتمع عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يدرك عرفة إلا يوم النحر)((التمهيد)) (15/ 201).
(6)
قال ابن قدامة: (أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج. لا نعلم فيه خلافاً)((المغني)) (3/ 454).
(7)
قال النووي: (فإذا أحرم بالحج فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج بالإجماع)((المجموع)) (8/ 285).
(8)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 62).
(9)
((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294).
(10)
((المجموع)) للنووي (8/ 288).
(11)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 455).
(12)
((المجموع)) للنووي (8/ 288).
(13)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 220).
(14)
((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 96).
(15)
((المجموع)) للنووي (8/ 287).
(16)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 523)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 507).
(17)
قال النووي: (وهو مذهب عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس)((المجموع)) (8/ 287). وقال ابن قدامة: (روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير، ومروان بن الحكم)((المغني)) (3/ 454).
(18)
قال ابن قدامة: (ولنا قول من سمينا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفاً؛ فكان إجماعاً)((المغني)) (3/ 454).
عن ابن عمر أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (1).
المبحث الرابع: حكم التحلل
من فاته الحج فله الخيار إن شاء بقي على إحرامه للعام القابل، وإن شاء تحلل، والتحلل أفضل، وهو قول المالكية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن عثيمين (4).
لأن تطاول المدة بين الإحرام وفعل النسك لا يمنع إتمامه، كالعمرة، والمحرم بالحج في غير أشهره (5).
المبحث الخامس: ما يلزم من فاته الحج
المطلب الأول: القضاء
الفرع الأول: حكم قضاء الحج الواجب
من فاته الحج الواجب لزمه القضاء.
الأدلة:
أولاً: الإجماع:
نقله الجصاص (6)، وابن رشد (7)، وبرهان الدين ابن مفلح (8)، وابن نجيم (9).
ثانياً: أنه فرض ولم يأت به على وجهه، فلم يكن بد من الإتيان به ليخرج عن عهدته، وتسميته قضاء باعتبار الظاهر (10).
مسألة:
إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة بالإجماع (11).
الفرع الثاني: حكم قضاء الحج النفل:
(1) رواه البيهقي (5/ 174)(10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 290)
(2)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 401)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 295)
(3)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).
(4)
قال ابن عثيمين: (إذا فاته الوقوف وطلع الفجر قبل أن يصل إلى عرفة تحلل بعمرة، أي: بقلب نية الحج إلى العمرة. فطاف وسعى وحلق أو قصر، وإن شاء أن يبقى على إحرامه إلى الحج القادم فله ذلك، ولكن سيختار الأول بلا شك،
…
ولكن يقال: الأولى أن يتحلل؛ لأن ذلك أيسر وأسهل) ((الشرح الممتع)) (7/ 412).
(5)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).
(6)
قال الجصاص: (اتفاق الجميع أن على المريض القضاء إذا فاته الحج وإن كان معذورا في الفوات، كما يلزمه لو قصد إلى الفوات من غير عذر)((أحكام القرآن)) (1/ 348).
(7)
قال ابن رشد: (لا خلاف أن من فاته الحج بعد أن شرع فيه إما بفوت ركن من أركانه وإما من قبل غلطه في الزمان أو من قبل جهله أو نسيانه أو إتيانه في الحج فعلاً مفسداً له، فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا)((بداية المجتهد)) (1/ 370).
(8)
((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 191).
(9)
قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذرا أو تطوعا، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة فدليلها الإجماع)((البحر الرائق)) (3/ 61).
(10)
(المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 191).
(11)
قال ابن قدامة: (إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة، لا نعلم في هذا خلافا؛ لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه، فكذلك قضاؤها؛ لأن القضاء يقوم مقام الأداء)((المغني)) (3/ 455).
من فاته الحج النفل لزمه القضاء، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وحُكيَ فيه الإجماع (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 -
قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الآية تقتضي إيجاب النسك بالدخول فيه، فيلزمه القضاء بالخروج منه قبل إتمامه (6).
2 -
قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أنه لما شرع وأحرم بالنسك صار ذلك واجباً، كأنما نذره نذرا، وهذا هو معنى قوله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: 29](7).
ثانياً: إجماع الصحابة (8)، نقله الماوردي (9)، وابن قدامة (10).
ومما ورد في الباب من الآثار:
1 -
عن الأسود بن يزيد: ((أن رجلاً فاته الحج ، فأمره عمر بن الخطاب أن يحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل)) (11)، وفي رواية:((قال الأسود: مكثت عشرين سنة ثم سألت زيد بن ثابت عن ذلك؟ فقال: مثل قول عمر)).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (12).
وجه الدلالة من هذه الآثار:
أن عمومها يشمل الفرض والنفل (13).
ثالثاً: أن الحج يلزم بالشروع فيه، فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات (14).
(1)((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 82)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61).
(2)
((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 301)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 96).
(3)
((المجموع)) للنووي (8/ 285).
(4)
هذا المذهب، وعن أحمد رواية:(أنه لا قضاء عليه، بل إن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلاً سقطت. وروي هذا عن عطاء، وهو إحدى الروايتين عن مالك؛ لأنه لو وجب القضاء لكان الحج واجباً أكثر من مرة، ولأنه معذور في ترك إتمام حجه، فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولأنها عبادة تطوع، فلم يجب قضاؤها، كسائر التطوعات)((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 47)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
(5)
قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذراً أو تطوعاً، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة، فدليلها الإجماع)((البحر الرائق)) (3/ 61). ووصفه ابن رشد القول بعدم الوجوب بالشذوذ فقال: (شذ قوم فقالوا: لا هدي أصلاً ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب)((بداية المجتهد)) (1/ 370).
(6)
((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 348).
(7)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 413).
(8)
روي ذلك عن عمر، وابنه، وزيد، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 510).
(9)
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 239).
(10)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 455).
(11)
رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 633)، والبيهقي (5/ 175)(10107). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 291)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 346)
(12)
رواه البيهقي (5/ 174)(10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 290)
(13)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
(14)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
رابعاً: أن المانع من إجزاء الحج شيئان: فوات وفساد، فلما كان الفساد موجباً للقضاء وجب أن يكون الفوات موجباً للقضاء (1).
خامساً: أن الوقوف له وقت محدود يمكن في العادة أن لا يتأخر عنه، فتأخره يكون لجهله بالطريق أو بما بقي من الوقت أو لترك السير المعتاد، وكل ذلك تفريط منه، فيجب عليه القضاء لتفريطه (2).
المطلب الثاني: الهدي
من فاته الحج يلزمه هدي، وهو مذهب جمهور الفقهاء من: المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الدليل:
عن ابن عمر أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحجج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (6).
3 -
قول عمر لأبي أيوب لما فاته الحج: ((اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإن أدركت الحج قابلاً فحج، وأهد ما تيسر من الهدي)) (7)
(1)((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 239).
(2)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 229).
(3)
((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 301).
(4)
((المجموع)) للنووي (8/ 285).
(5)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).
(6)
رواه البيهقي (5/ 174)(10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 290)
(7)
رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 562)، والبيهقي (5/ 174) (10105). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 291) وابن حجر في ((الدراية)) (2/ 46) وقال: إلا أنه اختلف فيه على سليمان بن يسار، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 428).