الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: كفارة قتل المحرم للصيد
المطلب الأول: حكم كفارة قتل الصيد
يجب الجزاء في قتل الصيد في الجملة.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95].
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك في الجملة، ابن المنذر (1)، وابن رشد (2)، وابن قدامة (3).
المطلب الثاني: كفارة قتل الصيد
يُخيَّر المحرم إذا قتل صيداً بين ذبح مثله، والتصدُّق به على المساكين، وبين أن يقوَّم الصيد، ويشتري بقيمته طعاماً لهم، وبين أن يصوم عن إطعام كل مدٍّ يوماً، أما إذا قتل المحرم ما لا يشبه شيئاً من النَّعم، فإنه يُخيَّر بين الإطعام والصيام، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
الدليل:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95].
المطلب الثالث: مكان ذبح الهدي في جزاء الصيد
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم إذا قتل صيداً، عامداً لقتله، ذاكراً لإحرامه، أن عليه الجزاء)((الإجماع)) (ص: 53).
(2)
قال ابن رشد: (أجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء؛ للنص في ذلك)((بداية المجتهد)) (1/ 359).
(3)
قال ابن قدامة: (وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد في الجملة، وأجمع أهل العلم على وجوبه)((المغني)) (3/ 437).
(4)
((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 82)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 835).
(5)
((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156)، ((المجموع)) للنووي (7/ 423).
(6)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 361)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
يجب أن يكون ذبح الهدي الواجب في جزاء الصيد، في الحرم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، واختاره الطبري (4)، وابن حزم (5)، والشنقيطي (6)، وابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى في جزاء الصيد: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه لو جاز ذبحه في غير الحرم؛ لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى (8).
ثانياً: من السنة
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر)) (9)، وعنه أيضاً مرفوعاً:((هذا المنحر، وفجاج مكة كلها منحر)) (10).
وجه الدلالة:
أنه حيثما نُحِرَت البدن، والإهداء من فجاج مكة ومنى والحرم كله، فقد أصاب الناحر (11).
ثالثاً: أن الهدي اسمٌ لما يهدى إلى مكان الهدايا، ومكان الهدايا الحرم؛ وإضافة الهدايا إلى الحرم ثابتةٌ بالإجماع (12).
رابعاً: أن هذا دمٌ يجب للنسك؛ فوجب أن يكون في مكانه وهو الحرم (13).
المطلب الرابع: توزيع الصدقة على مساكين الحرم
(1)((الهداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224).
(2)
((المجموع)) للنووي (8/ 187،191)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 187).
(3)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 376)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 416).
(4)
قال الطبري: (يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي إلا هدي القران، وجزاء الصيد، فإنهما لا ينحران إلا بالحرم)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 272)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 378).
(5)
قال ابن حزم: (لا يجوز نحر البدن والهدي في غير الحرم، إلا ما خصَّه النص من هدي المحصر، وهدي التطوع إذا عطب قبل بلوغه مكة)((المحلى)) (7/ 156).
(6)
قال الشنقيطي: (إن اختار جزاءً بالمثل من النعم، وجب ذبحه في الحرم خاصة; لأنه حق لمساكين الحرم، ولا يجزئ في غيره، كما نصَّ عليه تعالى بقوله: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ *المائدة: 95*، والمراد الحرم كله، كقوله: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ*الحج: 33*، مع أن المنحر الأكبر منى)((أضواء البيان)) (1/ 443).
(7)
قال ابن عثيمين: (ويستثنى من فعل المحظور جزاء الصيد، فإن جزاء الصيد لا بد أن يبلغ إلى الحرم؛ لقول الله تعالى: فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ*المائدة: 95*، إلى أن قال: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ*المائدة: 95*، وهل المراد في الحرم ذبحاً وتفريقاً أو ذبحاً فقط، أو تفريقاً فقط؟ الجواب: المراد ذبحاً وتفريقاً، فما وجب في الحرم، وجب أن يُذبح في الحرم، وأن يُفرَّق ما يجب تفريقه منه في الحرم)((الشرح الممتع)) (7/ 207).
(8)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((الهداية)) للميرغيناني (1/ 186).
(9)
رواه مسلم (1218)
(10)
رواه أبو داود (1937)، وابن ماجه (2491)، وأحمد (3/ 326)(146538)، والدارمي (2/ 79)(1879)، وابن خزيمة (4/ 242)(2787)، والحاكم (1/ 631)، والبيهقي (5/ 122)(9775). صححه ابن الملقن في البدر المنير (6/ 427)، وحسنه الزيلعي في ((نصب الراية)) (3/ 162)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1937): حسن صحيح.
(11)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 156 رقم 836).
(12)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 163).
(13)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226).
يُشتَرَط أن توزَّع الصدقة على مساكين الحرم، وهو مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2)، واختاره الشنقيطي (3)، وابن باز (4)، وابن عثيمين (5). (6)
الدليل:
قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنَّ في حكم الهدي ما كان بدلاً عنه من الإطعام؛ فيجب أن يكون مثله كذلك، بالغ الكعبة (7).
المطلب الخامس: موضع الصيام
يجوز الصيام في أي موضع (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه أطلق الصيام، ولم يقيده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم التصرف بتقييدها من غير دليل (9).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (10)، وابن قدامة (11).
ثالثاً: أن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد، فلا معنى لتخصيصه بمكان، بخلاف الهدي والإطعام، فإن نفعه يتعدى إلى من يُعطاه (12).
رابعاً: أن الصوم عبادةٌ تختص بالصائم لا حق فيها لمخلوق؛ فله فعلها في أي موضعٍ شاء (13).
المطلب السادس: اشتراط التتابع في الصيام
لا يشترط التتابع في الصيام (14).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه أطلق الصيام، ولم يقيِّده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم التصرف بتقييدها من غير دليل (15).
ثانياً: الإجماع
نقل النووي الإجماع على ذلك (16).
(1)((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156)
(2)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 449)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452، 46).
(3)
قال الشنقيطي: (ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يطعم إلا في الحرم، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم في موضع إصابة الصيد، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم حيث شاء، وأظهرها أنه حقٌّ لمساكين الحرم; لأنه بدلٌ عن الهدي، أو نظيرٌ له، وهو حقٌّ لهم إجماعاً، كما صرح به تعالى بقوله: هدياً بالغ الكعبة)((أضواء البيان)) (1/ 445).
(4)
قال ابن باز: (وهكذا الصيد يكون جزاؤه في الحرم، إذا كان جزاؤه غير الصيام، كالذبح والطعام يكون لمساكين الحرم)((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 128).
(5)
قال ابن عثيمين: (ولو ذبحه في منى، وفرَّقه في عرفة، والطائف، والشرائع، أو غيرها من الحل، لم يجزئ؛ لأنه لا بد أن يكون لمساكين الحرم؛ وعلى هذا فيضمن اللحم بمثله لمساكين الحرم. وذهب بعض العلماء إلى أنه لو ذبحه خارج الحرم، وفرقه في الحرم أجزأه؛ لأن المقصود نفع فقراء الحرم وقد حصل، وهذا وجهٌ للشافعية، ولا ينبغي الإفتاء به إلا عند الضرورة، كما لو فعل ذلك أناسٌ يجهلون الحكم، ثم جاءوا يسألون بعد فوات وقت الذبح، أو كانوا فقراء؛ فحينئذٍ ربما يسع الإنسان أن يفتي بهذا القول)((الشرح الممتع)) (7/ 207).
(6)
فائدة: قال ابن عثيمين: (مساكين الحرم: من كان داخل الحرم من الفقراء، سواء كان داخل مكة، أو خارج مكة، لكنه داخل حدود الحرم، ولا فرق بين أن يكون المساكين من أهل مكة، أو من الآفاقيين، فلو أننا وجدنا حجاجاً فقراء، وذبحنا ما يجب علينا من الهدي وأعطيناه إياهم فلا بأس، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا أن يتصدق بلحم الإبل التي أهداها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستثن أحداً، فدل هذا على أن الآفاقي مثل أهل مكة؛ ولأنهم أهلٌ أن يُصرف لهم، وهل المراد بالمساكين، الفقراء والمساكين، أو المساكين فقط؟ الجواب: المراد الفقراء والمساكين؛ لأنه إذا جاء لفظ المساكين وحده، أو لفظ الفقراء وحده، فكل واحد منهما يشمل الآخر، وأما إذا جاء لفظ المساكين ولفظ الفقراء، فالفقراء أشد حاجةً من المساكين، كما بينَّا ذلك في كتاب الزكاة)((الشرح الممتع)) (7/ 204 - 205).
(7)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 460).
(8)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(9)
((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(10)
قال ابن عبدالبر: (لا خلاف في الصيام أن يصوم حيث شاء)((الاستذكار)) (4/ 272).
(11)
قال ابن قدامة: (أما الصيام فيجزئه بكل مكان لا نعلم في هذا خلافا، كذلك قال ابن عباس، وعطاء، والنخعي، وغيرهم)((المغني)) (3/ 471).
(12)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 272)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 471).
(13)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 445).
(14)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(15)
((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).
(16)
قال النووي: (الصوم الواجب هنا يجوز متفرقاً ومتتابعاً، نصَّ عليه الشافعي، ونقله عنه ابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافاً)((المجموع)) (7/ 438).