الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: شروط وجوب، وصحة، وإجزاء
المبحث الأول: الإسلام
المطلب الأول: حكم حج الكافر
لا يصح الحج من الكافر، ولا يجب عليه (1)، ولا يجزئ عنه إن وقع منه (2).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
1 -
قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَاّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة: 54].
وجه الدلالة:
أنه إذا كانت النفقات لا تقبل منهم لكفرهم مع أن نفعها متعدٍّ، فالعبادات الخاصة أولى ألَّا تقبل منهم، والحج من العبادات الخاصة، فلا يُقبَل من كافر.
2 -
وقال تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ [الأنفال 38].
ثانياً: من السنة:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟)) أخرجه مسلم (3).
وجه الدلالة:
أن الحديث صحيح صريح في قطع النظر عما قبل الاسلام (4).
ثالثاً: الإجماع:
أجمع أهل العلم على أن الحج إنما يتعلق فرضه بالمسلم، نقله ابن حزم (5)، وابن قدامة (6)، والشربيني (7).
المطلب الثاني: من حج الفريضة، ثم ارتد ثم تاب وأسلم فهل يجب عليه الحج من جديد؟
(1) القول بوجوب الحج على الكافر أو عدم وجوبه مبني على الخلاف الأصولي في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة. قال القرافي: (والإسلام يجري على الخلاف بخطاب الكفار بالفروع، وهو المشهور، فلا يكون شرطا في الوجوب). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 179). وقال ابن قدامة: (أما الكافر فغير مخاطب بفروع الدين خطابا يلزمه أداء، ولا يوجب قضاء). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214). وقال ابن عثيمين: (إذا قلنا: إنها غير واجبة على الكافر، فلا يعني ذلك أنه لا يعاقب عليها، ولكنه لا يؤمر بها حال كفره، ولا بقضائها بعد إسلامه، فعندنا ثلاثة أشياء: الأول: الأمر بأدائها. الثاني: الأمر بالقضاء. الثالث: الإثم. فالأمر بالأداء لا نوجهه إلى الكافر، والأمر بالقضاء إذا أسلم كذلك لا نوجهه إليه، والإثم ثابت يعاقب على تركها، وعلى سائر فروع الإسلام). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 8).
(2)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 461).
(3)
رواه مسلم (121).
(4)
((المجموع)) للنووي (7/ 18).
(5)
قال ابن حزم: (اتفقوا أن الحر المسلم العاقل البالغ الصحيح
…
الحج عليه فرض) ((مراتب الإجماع)) (ص: 41).
(6)
قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(7)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).
لا تجب عليه حجة الإسلام مجددا بعد التوبة عن الردة، وهذا مذهب الشافعية (1)، والحنابلة (2) وقول ابن حزم (3) واختاره ابن عثيمين (4) وبه أفتت اللجنة الدائمة (5).
الأدلة:
أولا من الكتاب:
قال الله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217].
وجه الدلالة:
أن الآية دلت على أن إحباط الردة للعمل مشروط بالموت كافرا (6).
ثانياً: من السنة:
قول النبي لحكيم بن حزام: ((أسلمت على ما أسلفت عليه من خير)) أخرجه مسلم (7).
وجه الدلالة:
(1)((المجموع)) للنووي (7/ 9)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 3).
(2)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 275)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 378).
(3)
قال ابن حزم: (أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك. ولو حج مشرك أو اعتمر، أو صلى، أو صام، أو زكى، لم يجزه شيء من ذلك، عن الواجب، وأيضا فإن قوله تعالى فيها: وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *الزمر: 65* بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل في إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة; لانه لا خلاف بين أحد من الآمة لا هم، ولا نحن في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين، بل من المربحين المفلحين الفائزين. فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد، وهذا هو من الخاسرين بلا شك، لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته، وقال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ *البقرة: 217* فصح نص قولنا: من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر. ووجدنا الله تعالى يقول: أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى. وقال تعالى فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *الزلزلة: 7*. وهذا عموم لا يجوز تخصيصه. فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما، ولا يضيعان له). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 277).
(4)
قال ابن عثيمين: (من المعلوم أن الردة تحبط الأعمال لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ *الزمر: 65* ولقوله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *الأنعام: 88* لكن هذا مقيد بما إذا مات على الكفر لقوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *البقرة: 217*. فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تبطل، وكذلك ما له من المزايا والمناقب والفضائل). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 68).
(5)
في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (من كان مسلما ثم ارتد بارتكابه ما يخرجه من ملة الإسلام ثم تاب وعاد إلى الإسلام أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام؛ لكونه أدى الحج وهو مسلم، وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل ردته إنما يحبط بموته على الكفر؛ لقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *البقرة: 217*). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) برئاسة ابن باز (11/ 27).
(6)
((الذخيرة)) للقرافي (1/ 217)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 3).
(7)
رواه مسلم (123).
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت له ثواب ما قدم من أعمال صالحة حال كفره، بعد أن أسلم، فمن باب أولى ثبوت الأعمال التي قدمها المرء حال إسلامه قبل ارتداده إذا عاد إلى الإسلام (1).
المبحث الثاني: العقل
العقل شرطٌ في وجوب الحج وإجزائه، فلا يجب على المجنون، ولا تجزئ عن حجة الإسلام إن وقعت منه.
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (2).
ثانياً: الإجماع:
أجمع أهل العلم على عدم وجوب الحج على المجنون، نقل ذلك ابنُ قدامة (3)، والنوويُّ (4)، والمرداوي (5)، وأجمعوا كذلك على أنه لو حج فإنه لا يجزئه عن حجة الفريضة، نقل ذلك ابن المنذر (6).
ثالثاً: أن المجنون ليس من أهل العبادات، فلا يتعلق التكليف به كالصبي (7).
رابعاً: أن الحج لابد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك في المجنون (8).
مسألة: هل العقل شرط صحة؟
اختلف أهلُ العلم في صحة حج المجنون على قولين:
القول الأول: يصح الحج من المجنون بإحرام وليه عنه، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (9)، والمالكية في المشهور (10)، والشافعية (11).
دليل ذلك:
القياس على صحة حج الصبي الذى لا يميز في العبادات (12).
القول الثاني: لا يصح الحج من المجنون ولو أحرم عنه وليه وهو مذهب الحنابلة (13)، وقول للحنفية (14)، وقول للمالكية (15)، ووجه للشافعية (16)، واختاره ابن عثيمين (17).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
(1) ينظر: ((المجموع)) للنووي (3/ 4).
(2)
رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/ 100)(24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225)(2296)، وابن حبان (1/ 355)(142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84)(11786). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)، وقال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1673).
(3)
قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(4)
قال النووي: (أجمعت الامة على أنه لا يجب الحج على المجنون). ((المجموع)) للنووي (7/ 20).
(5)
قال المرداوي: (لا يجب الحج على المجنون إجماعاً). ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 276).
(6)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أو حُج بالصبي ثم بلغ، أن ذلك لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60).
(7)
((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213).
(8)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 255).
(9)
((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459).
(10)
((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 426)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 517).
(11)
((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 298).
(12)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 203).
(13)
((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 26)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 378).
(14)
((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459).
(15)
((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 426).
(16)
((المجموع)) للنووي (7/ 20).
(17)
قال ابن عثيمين: (أما المجنون فلا يلزمه الحج ولا يصح منه، ولو كان له أكثر من عشرين سنة؛ لأنه غير عاقل، والحج عمل بدني يحتاج إلى القصد). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 9)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 255).
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (1).
وجه الدلالة:
أن المراد برفع القلم عدم تكليفهم، فدل ذلك على أن المجنون ليس من أهل التكليف، وعلى عدم صحة العبادة منه (2).
ثانياً: أن العقل مناط التكليف، وبه تحصل أهلية العبادة، والمجنون ليس أهلا لذلك، فلا معنى ولا فائدة في نسكه، أشبه العجماوات (3).
ثالثاً: أن الحج عبادة من شرطها النية، وهي لا تصح من المجنون (4).
رابعاً: الإجماع على أن المجنون لو أحرم بنفسه لم ينعقد إحرامه؛ وقد حكى المرداوي الإجماع على ذلك، فكذلك إذا أحرم عنه غيره (5).
(1) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/ 100)(24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225)(2296)، وابن حبان (1/ 355)(142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84)(11786). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)، وقال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1673).
(2)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 202).
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 203).
(4)
((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 26).
(5)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 276).