الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: حكم السعي والتطوع به
المبحث الأول: حكم السعي
السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج والعمرة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو قول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما، وطائفة من السلف (4).
الأدلة:
أولاً من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158].
وجه الدلالة:
أن تصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله، يدل على أن السعي بينهما أمرٌ حتمٌ لا بد منه؛ لأنه لا يمكن أن تكون شعيرةً، ثم لا تكون لازمةً في النسك؛ فإن شعائر الله عظيمة، لا يجوز التهاون بها، وقد قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ الآية [المائدة: 2]، وقال: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ الآية (5)[الحج: 32].
ثانياً: من السنة:
1 -
أن طواف النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة، بيانٌ لنصٍّ مجملٍ في كتاب الله، وهو قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ [158]، وقد قرأها عليه الصلاة والسلام لما صعد إلى الصفا، وقال:((نبدأ بما بدأ الله به)) (6) وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان لبيان نصٍّ مجملٍ من كتاب الله؛ فإن ذلك الفعل يكون لازما (7).
(1)((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 34).
(2)
((المجموع)) للنووي (8/ 63، 77)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 513).
(3)
((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 43)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 521).
(4)
منهم: جابر رضي الله عنهما، ووعروة وإسحاق وأبو ثور وداود. قال النووي:(مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج لا يصح إلا به ولا يُجبَر بدمٍ ولا غيره)((شرح صحيح مسلم)) (9/ 20). ينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 291)، و ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 222) و ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 154)، و ((المجموع)) (8/ 77).
(5)
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 417).
(6)
رواه مسلم (1218) بلفظ: ((أبدأ بما بدأ الله به))، وأبو داود (1905)، والترمذي (862)، والنسائي (5/ 239)، وأحمد (3/ 388)(15209)، ومالك (3/ 544)(1377)، وابن حبان (9/ 250)، (3943)، والبيهقي (1/ 85)(405). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي:(حسنٌ صحيح)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/ 233):(صحيحٌ ثابتٌ من حديث جعفر)، وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 414)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (862).
(7)
قال ابن عبدالبر: (قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج ومشاعره، فبين في ذلك السعي بين الصفا والمروة، فصار بياناً للآية)((الاستذكار)) (4/ 223)، وينظر:((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 119)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 653)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 417).
2 -
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (1)، وقد طاف بين الصفا والمروة سبعاً، فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك (2).
3 -
عن حبيبة بنت أبي تجراة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي)) (3).
4 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمتٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخٌ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة)) (4).
فهذا أمرٌ صريحٌ دل على الوجوب، ولم يأت صارفٌ له (5).
5 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة، عن حجك وعمرتك)) (6).
وجه الدلالة:
أنه يُفهم من الحديث أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها إجزاءٌ عن حجها وعمرتها (7).
ثالثاً: من أقوال الصحابة:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما أتم الله حج امرئٍ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة)) (8).
2 -
عن عروة قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أرى على أحدٍ لم يطف بين الصفا والمروة، شيئاً، وما أبالي أن لا أطوف بينهما، قالت: بئس ما قلت، يا ابن أختي! طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاف المسلمون؛ فكانت سنة، وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية، التي بالمشَلَّل (9)، لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]. ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)) (10).
وفي رواية: سألت عائشة، وساق الحديث بنحوه، وقال في الحديث:((فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: يا رسول الله! إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة؛ فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]، قالت عائشة: قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما؛ فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بهما)) (11).
رابعا: أنه نسكٌ في الحج والعمرة فكان ركناً فيهما كالطواف بالبيت (12).
المبحث الثاني: التطوع بالسعي بين الصفا والمروة
لا يشرع التطوع بالسعي بين الصفا والمروة لغير الحاج والمعتمر.
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن حجر (13)، والشنقيطي (14).
(1) رواه مسلم (1297).
(2)
قال ابن عبدالبر: (ما لم يجمعوا عليه أنه سنةٌ وتطوع، فهو واجبٌ بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه)((الاستذكار)) (4/ 223). وقال ابن كثير: (القول الأول أرجح (أي ركنية السعي)، لأنه عليه السلام طاف بينهما، وقال:((لتأخذوا مناسككم)). فكل ما فعله في حَجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم). ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471).
(3)
رواه أحمد (6/ 421)(27408)، وابن خزيمة (4/ 232)(2764)، والحاكم (4/ 79)، والبيهقي (5/ 98) (9635). من حديث بنت أبي تجرأة رضي الله عنها. قال الشافعي كما في ((الاستذكار)) (3/ 519): إسناده ومعناه جيد، وقال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (2/ 101): صحيح الإسناد والمتن، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 78)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/ 582):[فيه] عبدالله بن المؤمل فيه ضعف [وله طريق إذا انضم إليها قوي]، وصححه الألباني في ((صحيح ابن خزيمة)) (2764).
(4)
رواه البخاري (1795)، ومسلم (1221).
(5)
((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 308).
(6)
رواه مسلم (1211).
(7)
((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 311).
(8)
رواه البخاري (1790)، ومسلم (1277).
(9)
المشَلّل: موضع بقديد من ناحية البحر، وهو الجبل الذي يهبط إليها منه. ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 188).
(10)
رواه مسلم (1277).
(11)
رواه مسلم (1277).
(12)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 194).
(13)
قال ابن حجر: (
…
إجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع) ((فتح الباري)) (3/ 499).
(14)
قال الشنقيطي: (
…
إجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 430).