الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: النيابة عن الحي
المبحث الأول: النيابة في الفرض عن القادر.
القادر على الحج لا يجوز أن يستنيب من يحج عنه حجة الفريضة (1).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن المنذر (2)، وابن قدامة (3)، وابن حجر (4).
ثالثاً: أن على القادر الحج ببدنه، فلا ينتقل الفرض إلى غيره إلا فيما وردت فيه الرخصة وهو إذا عجز عنه، أو كان ميتاً، وبقي فيما سواهما على الأصل، فلا تجوز النيابة عنه فيه (5).
المبحث الثاني: النيابة في الفرض عن غير القادر:
(1) قال سند: (اتفق أرباب المذاهب أن الصحيح لا تجوز استنابته في فرض الحج)((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 2).
(2)
قال ابن المنذر: (أجمعوا أن من عليه حجة الإسلام، وهو قادر لا يجزئ إلا أن يحج بنفسه، ولا يجزئ أن يحج عنه غيره)((الإجماع)) (ص: 59)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 180).
(3)
قال ابن قدامة: (لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب إجماعاً)((المغني)) (3/ 223).
(4)
قال ابن حجر: (اتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت أو عضب، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه والله أعلم)((فتح الباري)) (4/ 70).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 112).
يجب على من أعجزه كبر، أو مرض لا يرجى برؤه (1) أن يقيم من يحج عنه إن كان له مال، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو رواية عن أبي حنيفة (4)، وقول صاحبيه (5)، وذهب إليه طائفة من السلف (6)، واختاره الكمال ابن الهمام (7)، وابن حزم (8)، وابن باز (9)، وابن عثيمين (10).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97].
وجه الدلالة:
عموم الآية، فمن استطاع الحج ببدنه وماله فقد وجب الحج في حقه، فإن كان عاجزاً عن الحج ببدنه، مستطيعاً بماله، فإنه يلزمه أن يقيم غيره مقامه.
ثانياً: من السنة:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (11)(12).
وجه الدلالة:
(1) يشترط أن يكون العذر مستمرًّا، كالهرم، أو مرض مزمن، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه. ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 179). ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 70).
(2)
((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469).
(3)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 31).
(4)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 275).
(5)
((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 85)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416).
(6)
منهم علي بن أبي طالب والحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق. ((المجموع)) للنووي (7/ 100)، ((تفسير القرطبي)) 4/ 151.
(7)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416).
(8)
قال ابن حزم: (من لا مال له، ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال: الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا، ولنصب المنجنيق عليه وإن كان مريضاً مثبتاً؛ لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له، وكان ذلك داخلاً في نص الآية)((المحلى)) (7/ 56).
(9)
قال ابن باز: (العاجز لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يلزمه أن ينيب من يؤدي عنه الحج المفروض والعمرة والمفروضة، إذا كان يستطيع ذلك بماله؛ لعموم قول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا *آل عمران: 97*)((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 122).
(10)
قال ابن عثيمين: (إن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: (نعم)، وذلك في حجة الوداع، ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 15).
(11)
رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334)
(12)
قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل، وعبدالله، وعبيد الله ابن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير، وأبو رزين العقيلي)((المحلى)) (7/ 57).
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ المرأة على وصف الحج عن أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب عليه لم يقرها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يقر على خطأ، فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب عليه أن ينيب (1).
ثالثاً: أن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يقوم غيرُ فعله فيها مقامَ فعله، كالصوم إذا عجز عنه افتدى (2).
المبحث الثالث: إذا استناب للفريضة ثم برئ:
من استناب للحج ثم برئ قبل الموت فهل يجب الحج عليه أو يسقط عنه؟ فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: يجزئ عنه، ويسقط عنه الفرض، وهذا مذهب الحنابلة (3)، والظاهرية (4)، وبه قال إسحاق ابن راهويه (5).وذلك للآتي:
1.
أن المنيب أتى بما أُمِر به من إقامة غيره مقامه، ومن أتى بما أُمِر به برئت ذمته، وخرج من العهدة كما لو لم يبرأ (6).
2.
أنه فَعَلَ عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه فتجزئه، ولو تبين بعد ذلك أن الواجب كان غيرها (7).
3.
أن إيجاب الحج عليه يُفضي إلى إيجاب حجتين عليه، ولم يوجب الله عليه إلا حجة واحدة (8).
4.
القياس على المتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي فإنه يجزئ عنه (9).
القول الثاني: لا يجزئه عن حج الفريضة، وعليه الحج بنفسه، وهذا مذهب الحنفية (10)، والشافعية في الأصح (11)، واختاره ابن المنذر (12) (13). وذلك للآتي:
1.
أن هذا الحج بدل إياس، فإذا برأ تبين أنه لم يكن مأيوساً منه، فلزمه الأصل (14).
2.
قياساً على الآيسة من الحيض إذا اعتدت بالشهور، ثم حاضت لا يجزئها تلك العدة (15).
3.
أن جواز الحج عن الغير ثبت بخلاف القياس، لضرورة العجز الذي لا يرجى زواله، فيتقيد الجواز به (16).
(1)((المحلى)) لابن حزم (7/ 57)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 11).
(2)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 145)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(3)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 287)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391).
(4)
قال ابن حزم: قال أصحابنا: ليس عليه أن يحج بعد. وقال أيضاً: (إذا أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكباً ولا ماشياً، وأخبر أنه دين الله يقضى عنه؛ فقد تأدى الدين بلا شك وأجزأ عنه، سقط وتأدى، فلا يجوز أن يعود فرضه بذلك؛ إلا بنص ولا نص هاهنا أصلاً بعودته - ولو كان ذلك عائداً لبين عليه السلام ذلك؛ إذ قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب؛ فإذ لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة تأديه عنه)((المحلى)) (7/ 62 رقم 816).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 102)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(6)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391).
(7)
((قواعد ابن رجب)) (ص: 7).
(8)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 70).
(9)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391).
(10)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 455).
(11)
((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 13، 14)، ((المجموع)) للنووي (7/ 102).
(12)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(13)
لم يُذكر قول المالكية في الخلاف في المسألة؛ لأن المسألة لا تتصور عندهم بسبب أن العاجز عندهم لا فريضة عليه. ((مواهب الجليل)) (4/ 3)، وينظر:((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 69).
(14)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(15)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 222).
(16)
((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 335).