المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: سنن ومستحبات الوقوف بعرفة - الموسوعة الفقهية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثاني: حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: ضابط المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف

- ‌المطلب الرابع: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة

- ‌المطلب الخامس: هل المنارة والرحبة والسطح وغيرها تعد من المسجد

- ‌المبحث السابع: الطهارة مما يوجب غسلاً

- ‌المطلب الأول: زمان الاعتكاف

- ‌المطلب الثاني: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ومتى ينتهي

- ‌المطلب الثالث: أقل مدةٍ للاعتكاف

- ‌المطلب الرابع: أطول مدةٍ للاعتكاف

- ‌المبحث التاسع: اشتراط الصوم للاعتكاف

- ‌مطلب: أقسام الخروج من المسجد

- ‌المبحث الثاني: الجماع وإنزال المني والاحتلام

- ‌المبحث الثالث: طروء الحيض والنفاس

- ‌المبحث الرابع: طروء الإغماء والجنون

- ‌المبحث الخامس: المعاصي

- ‌المبحث السادس: الردة

- ‌المبحث الأول: حكم نذر الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة

- ‌المبحث الثالث: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المبحث الرابع: من نذر يوماً هل يدخل فيه الليل

- ‌المبحث الأول: قضاء الاعتكاف المستحب

- ‌المطلب الأول: قضاء الاعتكاف المنذور إذا فات أو فسد

- ‌المطلب الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت

- ‌المطلب الأول: أفضل الاعتكاف زمناً

- ‌المطلب الثاني: أفضل الاعتكاف مكاناً

- ‌المطلب الأول: اشتغال المعتكف بالعبادات المختصة به

- ‌المطلب الثاني: حكم الصمت عن الكلام مطلقاً

- ‌المطلب الثالث: هل للمعتكف أن يعقد النكاح سواء كان له أو لغيره

- ‌6 - الحج والعمرة

- ‌الباب الأول: حكم الحج وفضله وحِكَمه

- ‌الفصل الأول: تعريف الحج وفضله

- ‌الفصل الثاني: من حِكَم مشروعية الحج

- ‌الفصل الثالث: حكم الحج وهل هو على الفور أم التراخي

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: شروط وجوب، وصحة، وإجزاء

- ‌الفصل الثاني: شروط وجوب وإجزاء

- ‌المبحث الأول: تعريف الاستطاعة

- ‌المبحث الثاني: حكم الاستطاعة

- ‌المبحث الثالث: أقسام الاستطاعة

- ‌المبحث الرابع: شروط الاستطاعة

- ‌المبحث الخامس: الاستطاعة البدنية

- ‌المبحث السادس: الاستطاعة المالية

- ‌المبحث السابع: اشتراط أمن الطرق لتحقيق الاستطاعة

- ‌المبحث الثامن: اشتراط المحرم

- ‌المبحث التاسع: الشرط الثاني الخاص بالمرأة عدم العدة

- ‌تمهيد: تعريف المواقيت

- ‌الفصل الأول: مواقيت الحج الزمانية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: ميقات الآفاقي

- ‌المبحث الثاني: ميقات الميقاتي

- ‌المبحث الثالث: ميقات المكي (الحرمي) للعمرة

- ‌الفصل الأول: تعريف الإحرام، وحكمه، والحكمة منه

- ‌المبحث الأول: الاغتسال

- ‌المبحث الثاني: الإحرام في إزار ورداء

- ‌المبحث الثالث: التطيب

- ‌المبحث الرابع: الإحرام عقب صلاة

- ‌المبحث الخامس: التلبية

- ‌المبحث الأول: أحكام الأنساك الثلاثة

- ‌المبحث الثاني: الإفراد في الحج

- ‌المبحث الثالث: القران في الحج

- ‌المبحث الرابع: التمتع في الحج

- ‌المبحث الخامس الاشتراط في الحج والعمرة

- ‌الفصل الأول: تعريف المحظورات، والفدية، وأنواعهما

- ‌المبحث الأول: أنواع محظورات الترفه، وما يجب فيها

- ‌المبحث الثاني: حلق الشعر

- ‌المبحث الثالث: تقليم الأظافر

- ‌المبحث الرابع: الطيب

- ‌المبحث الخامس: تغطية الرأس للذكر

- ‌المبحث السادس: لبس المخيط

- ‌المبحث الأول: حكم عقد النكاح للمحرم

- ‌المبحث الثاني: الخطبة للمحرم

- ‌المبحث الأول: الجماع في النسك

- ‌المبحث الثاني: مقدمات الجماع

- ‌المبحث الأول: تدارك الواجبات متى ما أمكن

- ‌المبحث الثاني: فدية ترك الواجب

- ‌الفصل الأول تعريف الطواف ومشروعيته وفضائله

- ‌الفصل الثاني: أنواع الطواف

- ‌المبحث الأول: صفة الطواف

- ‌المبحث الثاني: شروط الطواف

- ‌الفصل الرابع: سنن الطواف

- ‌الفصل الأول: تعريف السعي بين الصفا والمروة

- ‌الفصل الثاني: مشروعية السعي وأصله وحكمته

- ‌الفصل الثالث: حكم السعي والتطوع به

- ‌الفصل الرابع: الموالاة بين السعي والطواف

- ‌الفصل الخامس: شروط السعي

- ‌الفصل السادس: ما لا يشترط في السعي

- ‌الفصل السابع: سنن السعي

- ‌الفصل الثامن: أنواع السعي في الحج

- ‌تمهيد: التعريف بيوم التروية

- ‌الفصل الأول: الإحرام في يوم التروية لمن كان حلالاً

- ‌الفصل الثاني: الذهاب إلى منى

- ‌الفصل الثالث: حكم المبيت بمنى ليلة عرفة

- ‌الفصل الأول: التعريف بيوم عرفة والفرق بينه وبين عرفات وسبب التسمية به

- ‌الفصل الثاني: فضل يوم عرفة

- ‌الفصل الثالث: حكم الوقوف بعرفة

- ‌الفصل الرابع: شروط الوقوف بعرفة

- ‌الفصل الخامس: سنن ومستحبات الوقوف بعرفة

- ‌الفصل السادس: ما يكره للحاج يوم عرفة

- ‌الفصل الأول: أسماء مزدلفة

- ‌الفصل الثاني: حد المزدلفة

- ‌الفصل الثالث: حكم الوقوف بالمزدلفة

- ‌الفصل الرابع: حكم من فاته الوقوف الواجب في مزدلفة

- ‌الفصل الخامس: صلاتا المغرب والعشاء في المزدلفة

- ‌الفصل السادس: الدفع من مزدلفة

- ‌المبحث الأول: معنى رمي الجمار

- ‌المبحث الثاني: أنواع الجمرات

- ‌المبحث الثالث: حكمة الرمي

- ‌المبحث الرابع: حكم رمي الجمار

- ‌المبحث الخامس: شروط الرمي

- ‌المبحث السادس: سنن الرمي

- ‌المبحث السادس: الرمي يوم النحر

- ‌المبحث السابع: زمن الرمي يوم النحر

- ‌المبحث الثامن: رمي الجمار في الليل

- ‌المبحث التاسع: لقط حصيات الرجم

- ‌المبحث العاشر: النيابة (التوكيل) في الرمي

- ‌المبحث الأول: ما هو الهدي

- ‌المبحث الثاني: حكم الاشتراك في الهدي

- ‌المبحث الثالث: زمن الذبح

- ‌الفصل الثالث: الحلق والتقصير

- ‌الفصل الرابع: طواف الإفاضة

- ‌الفصل الخامس: التحلل الأول

- ‌الفصل الأول المبيت بمنى ليالي أيام التشريق

- ‌الفصل الثاني: رمي الجمار أيام التشريق

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: حكم طواف الوداع للحاج

- ‌الفصل الثاني شروط طواف الوداع

- ‌الفصل الأول: النيابة عن الحي

- ‌الفصل الثاني: النيابة عن الميت

- ‌الفصل الثالث: النيابة في حج النفل

- ‌الفصل الرابع: الاستئجار على الحج

- ‌الفصل الخامس: ما يشترط في النائب

- ‌الفصل الأول: الفوات

- ‌الفصل الثاني: الإحصار

- ‌الفصل الثالث: التحلل من الإحصار

- ‌الفصل الأول: تعريف الأضحية ومشروعيتها وفضلها وحكمتها

- ‌الفصل الثاني: حكم الأضحية، وطريقة تعيينها

- ‌الفصل الثالث: شروط صحة الأضحية

- ‌الفصل الرابع: وقت الأضحية

- ‌الفصل الخامس: من آداب التضحية وسننها

- ‌الفصل السادس: من شروط الذكاة

- ‌المبحث الأول: حكم قتل الصيد للمحرم

- ‌المبحث الثاني: ضابط الصيد المحرَّم

- ‌المبحث الثالث: ما يباح للمحرم

- ‌المبحث الأول: كفارة قتل المحرم للصيد

- ‌المبحث الثاني: الجزاء في الصيد

- ‌المبحث الثالث: صيد الحرم

- ‌المبحث الرابع: ما لا يدخل في الصيد

- ‌المبحث الخامس: أحكام الأكل من الصيد، والدلالة عليه

- ‌المعاملات

- ‌1 - البيع

- ‌ أقسام العقود ثلاثة:

- ‌ حكمة مشروعية البيع:

- ‌ شروط صحة البيع:

- ‌ ينعقد البيع بإحدى صفتين:

- ‌ فضل الورع في المعاملات:

- ‌ فضل الكسب الحلال:

- ‌ فضل السماحة في البيع والشراء:

- ‌ خطر كثرة الحلف في البيع:

- ‌مفاتيح الرزق وأسبابه:

- ‌ التبكير في طلب الرزق:

- ‌ تقوى الله عز وجل:

- ‌ اجتناب المعاصي:

- ‌ التوكل على الله عز وجل:

- ‌ التفرغ لعبادة الله عز وجل:

- ‌ المتابعة بين الحج والعمرة:

- ‌ الإنفاق في سبيل الله تعالى:

- ‌ الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي:

- ‌ صلة الرحم:

- ‌ إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:

- ‌ الهجرة في سبيل الله:

- ‌ المحرمات في الشرع نوعان:

- ‌ صور من البيوع المحرمة:

- ‌ حكم التأمين التجاري:

- ‌ حكم بيع التقسيط:

- ‌ حكم المحاقلة:

- ‌ حكم المزابنة:

- ‌ بيوع الغرر تجر مفسدتين كبيرتين:

- ‌ حكمة مشروعية الخيار:

- ‌ أقسام الخيار:

- ‌ خطر الغش:

- ‌3 - السلم

- ‌ شروط صحة السلم:

- ‌ مسائل تتعلق بالبيع والشراء:

- ‌4 - بيع العربون:

- ‌4 - الربا

- ‌ حكم الربا:

- ‌ عقوبة الربا:

- ‌ أقسام الربا:

- ‌ أحكام ربا الفضل:

- ‌ كيف يتخلص من الأموال الربوية:

- ‌ حكم بيع الصرف والأوراق المالية:

- ‌5 - القرض

- ‌ حكمة مشروعية القرض:

- ‌ فضل القرض:

- ‌ فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه:

- ‌ المدين له أربع حالات:

- ‌ العقود ثلاثة أقسام:

- ‌ حكمة مشروعية الرهن:

- ‌7 - الضمان والكفالة

- ‌8 - الحوالة

- ‌ حكمة مشروعية الحوالة:

- ‌ فضل التجاوز عن المعسر:

- ‌9 - الصلح

- ‌ حكمة مشروعية الصلح:

- ‌ فضل الإصلاح بين الناس:

- ‌ الصلح في المال على قسمين:

- ‌1 - صلح على إقرار:

- ‌2 - صلح على إنكار:

- ‌10 - الحجر

- ‌ حكمة مشروعية الحجر:

- ‌ الحجر نوعان:

- ‌ فضل إنظار المعسر:

- ‌ يزول الحجر عن الصغير بأمرين:

- ‌11 - الوكالة

- ‌ حكمة مشروعية الوكالة:

- ‌ الحقوق ثلاثة أنواع:

- ‌ حالات الوكالة:

- ‌ تبطل الوكالة بما يلي:

- ‌12 - الشركة

- ‌ حكمة مشروعية الشركة:

- ‌ الشركة نوعان:

- ‌13 - المساقاة والمزارعة

- ‌ فضل المساقاة والمزارعة:

- ‌ حكمة مشروعية المساقاة والمزارعة:

- ‌14 - الإجارة

- ‌ حكم الإجارة:

- ‌ حكمة مشروعية الإجارة:

- ‌ الإجارة نوعان:

- ‌ شروط الإجارة:

- ‌ حكم تأجير أهل المحرمات:

- ‌ حكم الشرط الجزائي:

- ‌15 - السبق

- ‌ حكمة مشروعية المسابقة:

- ‌ شروط صحة المسابقة:

- ‌ أخذ العوض في المسابقات له ثلاث حالات:

- ‌ يحرم القمار، والميسر، واللعب بالنرد:

- ‌ حكم اللعب بالكرة المعاصرة:

- ‌16 - العارية

- ‌ حكمة مشروعيتها:

- ‌17 - الغصب

- ‌ أقسام الظلم:

- ‌ حكم الغصب:

- ‌18 - الشفعة والشفاعة

- ‌ حكمه مشروعية الشفعة:

- ‌19 - الوديعة

- ‌ حكمة مشروعيتها:

- ‌20 - إحياء الموات

- ‌ حكمة مشروعيته:

- ‌ فضل إحياء الموات لمن حسنت نيته:

- ‌ حكم أحياء الموات:

- ‌ كيفية إحياء الأرض الموات:يحصل إحياء الأرض بما يلي:

- ‌ حكم التعدي على حق الغير:

- ‌21 - الجعالة

- ‌ صفة الجعالة:

- ‌22 - اللقطة واللقيط

- ‌ المال الضائع على ثلاثة أقسام:

- ‌ حكم لقطة الحرم:

- ‌ حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌ حضانة اللقيط:

- ‌23 - الوقف

- ‌ حكمة مشروعية الوقف:

- ‌ حكم الوقف:

- ‌ شروط صحة الوقف:

- ‌ كيف يُكتب الوقف:

- ‌ أفضل أبواب الوقف:

- ‌ المواساة بالمال على ثلاث مراتب:

- ‌ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الإنفاق:

الفصل: ‌الفصل الخامس: سنن ومستحبات الوقوف بعرفة

‌الفصل الخامس: سنن ومستحبات الوقوف بعرفة

المبحث الأول: الغسل للوقوف بعرفة

يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة، باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، الشافعية (3) ، والحنابلة (4).

الأدلة:

أولاً: عن علي رضي الله عنه لما سئل عن الغسل قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر. (5)

ثانياً: عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة. (6)

ثالثاً: أنه قربة يجتمع لها الخلق في موضع واحد فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيدين.

المبحث الثاني: السير من منى إلى عرفة صباحاً بعد طلوع شمس يوم عرفة.

يسن السير من منى إلى عرفة صباحًا بعد طلوع شمس يوم عرفة.

الدليل:

عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة)) (7).

المبحث الثالث: خطبة عرفة

المطلب الأول: تُسن خطبة عرفة

يسن للإمام أن يخطب بعرفة بعد الزوال قبل الصلاة، باتفاق المذاهب الأربعة (8): الحنفية (9) ، والمالكية (10) ، والشافعية (11) ، والحنابلة (12).

الدليل:

عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا

)) (13).

المطلب الثاني: هل خطبة عرفة خطبتان أو خطبة واحدة؟

اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أن خطبة عرفة خطبتان يفصل بينهما بجلسة خفيفة، وهو قول الجمهور من: الحنفية (14) ، والمالكية (15) ، والشافعية (16).

ودليل ذلك: القياس على خطبة الجمعة.

(1)((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/ 35)، و ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 17).

(2)

((الاستذكار)) لابن عبدالبر (2/ 378)، و ((حاشية العدوي)) (2/ 533).

(3)

((الأم)) للشافعي (1/ 265)،و ((المجموع)) للنووي (7/ 211).

(4)

((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 427)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 151).

(5)

رواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/ 119)، والبيهقي (3/ 278)(6343). وحسنه ابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (2/ 175)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (1/ 177).

(6)

((موطأ مالك)).

(7)

رواه مسلم (1218)

(8)

قال النووي: (وهو سنة باتفاق جماهير العلماء). ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 182).

(9)

((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 504).

(10)

((المدونة)) للإمام مالك (1/ 231)، و ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 416).

(11)

((المجموع)) للنووي (8/ 86)، و ((مغني المحتاج)) (1/ 495).

(12)

((الإقناع)) للحجاوي (1/ 387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).

(13)

رواه مسلم (1218)

(14)

((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 504).

(15)

((المدونة)) للإمام مالك (1/ 231)، و ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 416).

(16)

((المجموع)) للنووي (8/ 86)، و ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 495).

ص: 234

القول الثاني: أن خطبة عرفة خطبة واحدة، وهذا مذهب الحنابلة (1)، واختاره ابن القيم (2)، وابن عثيمين (3).

الدليل:

عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا

)) (4).

وجه الدلالة:

أنه ليس فيه إلا خطبة واحدة (5).

المبحث الرابع: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة

المطلب الأول: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة

يسن للحاج الجمع بين الظهر والعصر بعرفة تقديمًا في وقت الظهر.

الدليل:

فعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر، وفيه:((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا)) (6).

عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم، أن الحجاج بن يوسف، عام نزل بابن الزبير رضي الله عنهما، سأل عبدالله رضي الله عنه، كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم:((إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبدالله بن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة، فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سالم: وهل تتبعون في ذلك إلا سنته)) (7).

الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (8)، وابن عبدالبر (9)، والنووي (10)،وابن دقيق العيد (11)، وابن تيمية (12).

المطلب الثاني: سبب الجمع بعرفة والمزدلفة

اختلف أهلُ العلم في سبب الجمع بعرفة والمزدلفة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن سبب الجمع بعرفة والمزدلفة السفر، فلا يجمع من كان دون مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الشافعية (13)، والحنابلة (14)(15).

الأدلة:

(1)((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).

(2)

قال ابن القيم: (خطب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين، جلس بينهما). ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 234).

(3)

قال ابن عثيمين: ((حديث جابر ليس فيه إلا خطبة واحدة)). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/ 11).

(4)

رواه مسلم (1218)

(5)

((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/ 11).

(6)

رواه مسلم (1218)

(7)

رواه البخاري (1662)

(8)

قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة، كذلك من صلى وحده). ((الإجماع)) لابن المنذر (57).

(9)

قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة مع الإمام سنة مجتمع عليها). ((الاستذكار)) لابن المنذر (4/ 325).

(10)

قال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى مع الامام). ((المجموع)) للنووي (8/ 92)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 184، 185).

(11)

قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220).

(12)

قال ابن تيمية: (النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه)((جامع المسائل لابن تيمية)) لعزير شمس (6/ 336).

(13)

قال النووي: (قال أكثر أصحاب الشافعي هو بسبب السفر فمن كان حاضرا أو مسافرا دون مرحلتين كأهل مكة لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر). ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 185،187)، وينظر:((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396).

(14)

((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 5)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 298).

(15)

وبه قال طائفة من السلف، منهم: سالم بن عبدالله، الأوزاعي، وأبو يوسف، وأشهب، وفقهاء أصحاب الحديث. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 187).

ص: 235

أولاً: نصوص جمع النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره، ومنها:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء)) (1).

ثانياً: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة والمزدلفة:

عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً

حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً)) (2).

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، وهو مسافر، وهو وصف مناسبٌ ومعهود للجمع، ولا أثر للنسك في ذلك، بدليل عدم الجمع في منى (3).

(1) رواه مسلم (706)

(2)

رواه مسلم (1218)

(3)

قال ابن عبدالبر: (روى مالك عن ابن شهاب أنه قال سألت سالم بن عبدالله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟). قال ابن عبدالبر: (فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا وهو أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة، ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين للمسافر رخصة وتوسعة، ولو كان الجمع على ما قال ابن القاسم والعراقيون من مراعاة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر لكان ذلك أشد ضيقاً وأكثر حرجاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن وقت كل صلاة أوسع ومراعاته أمكن من مراعاة طرفي الوقتين ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا وبالله توفيقنا). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، وينظر:((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 176)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220).

ص: 236

القول الثاني: أن سبب ذلك النسك، فيجوز الجمع للحاج حتى لمن كان دون مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الحنفية (1)، والمالكية (2)، وهو وجهٌ للشافعية (3)، وقول للحنابلة (4)، واختاره الطبري (5)، وابن قدامة (6)(7) ، وابن باز (8).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً

حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً)) (9).

وجه الدلالة:

(1) قال ابن نجيم: (هذا الجمع لا يختص بالمسافر لأنه جمع بسبب النسك فيجوز لأهل مكة ومزدلفة ومنى وغيرهم). ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 366)، وينظر:((المبسوط)) للسرخسي (4/ 16)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 24).

(2)

((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 332).

(3)

((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396).

(4)

قال ابن تيمية: (الجمع بين الصلاتين قد يقال إنه لأجل النسك كما تقوله الحنفية وطائفة من أصحاب أحمد، وهو مقتضى نصه؛ فإنه يمنع المكي من القصر بعرفة ولم يمنعه من الجمع). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 45).

(5)

قال الطبري: ((جمعه صلى الله عليه وسلم بالناس بعرفة دليل على جواز الجمع في السفر القصير، إذ لم ينقل عن أحد من أهل مكة التخلف عن الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، فإن الجمع بعلة النسك)). ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 28).

(6)

قال ابن قدامة: (يجوز الجمع لكل من بعرفة، من مكي وغيره

وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً، إلحاقاً له بالقصر، وليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين قال:(أتموا، فإنا سفر)، ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ. وقد كان عثمان يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، ولم يترك الجمع. وروي نحو ذلك عن ابن الزبير. قال ابن أبي مليكة: وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك. فذكر أنه قال: إذا أفاض، فلا صلاة إلا بجمع. رواه الأثرم. وكان عمر بن عبدالعزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين. ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366،367).

(7)

وبه قال بعض السلف منهم: الحسن البصري، وابن سيرين، ومكحول، والنخعي. ((المجموع)) للنووي (4/ 371).

(8)

قال ابن باز: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا أفقيين أو من أهل مكة وما حولها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا، وأما صلاته يوم العيد في مكة الظهر فقد صلاها قصرا، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره، ولم يقل لأهل مكة أتموا، لأن ذلك معلوم في حق المقيمين في مكة. ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى بالناس قصرا في المسجد الحرام، وفي السند مقال، لكن يتأيد بالأصل، وهو أن المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين، والقصر يختص بالمسافرين، والله ولى التوفيق). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 207 - 209).

(9)

رواه مسلم (1218)

ص: 237

أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين قال:(أتموا، فإنا سفر)، ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ، كما أنه لم ينقل عن أحد من أهل مكة التخلف عن الصلاة معه صلى الله عليه وسلم (1).

ثانياً: أن عثمان رضي الله عنه مع كونه أتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، إلا أنه لم يترك الجمع (2).

ثالثاً: الإجماع:

نقل الإجماع على سنية الجمع بعرفة والمزدلفة جماعة من أهل العلم مما يدل على أن سبب الجمع النسك لا السفر: وممن نقله ابن المنذر (3)، وابن عبدالبر (4)، وابن رشد (5)، وابن قدامة (6)، وابن دقيق العيد (7)، وابن تيمية (8)، وابن جزي (9).

(1) قال ابن تيمية: (السنة المعلومة يقينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمر أحداً من الحجاج معه من أهل مكة أن يؤخروا العصر إلى وقتها المختص ولا يعجلوا المغرب قبل الوصول إلى مزدلفة فيصلوها إما بعرفة وإما قريباً من المأزمين هذا مما هو معلوم يقيناً ولا قال هذا أحد بل كلامه ونصوصه تقتضي أنه يجمع بين الصلاتين ويؤخر المغرب جميع أهل الموسم كما جاءت به السنة). ((مجموع الفتاوى)) (22/ 89)، وينظر:((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 28).

(2)

((المغني)) لابن قدامة (3/ 367).

(3)

قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366).

(4)

قال ابن عبدالبر: (قد أجمع المسلمون قديما وحديثا على أن الجمع بين الصلاتين بعرفة الظهر والعصر في أول وقت الظهر والمغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء وذلك سفر مجتمع عليه وعلى ما ذكرنا فيه فكل ما اختلف فيه من مثله فمردود إليه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (2/ 206).

(5)

أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضا في وقت العشاء سنة أيضا. واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين. ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 170).

(6)

قال ابن قدامة: (كان عمر بن عبدالعزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين. ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366،367).

(7)

قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220).

(8)

قال ابن تيمية: (النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه)((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 336).

(9)

قال ابن جزي: (يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لأسباب وهي بعرفة والمزدلفة اتفاقاً)((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 57).

ص: 238

القول الثالث: أن سبب ذلك الحاجة ورفع الحرج، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن (1)، واختاره ابن تيمية (2)، وابن عثيمين (3). وذلك للآتي:

أولا أن الجمع بين الصلاتين لم يعلق بمجرد السفر في شيء من النصوص، بل النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته إلا بعرفة والمزدلفة، وكان بمنى يقصر ولا يجمع، وكذلك في سائر سفر حجته، ولا يجمع لمجرد النسك، فإنه لو كان للنسك لجمع من حين أحرم (4).

(1) فقد ذهبا إلى أن جواز الجمع للحاجة إلى امتداد الوقوف بدليل أنه لا جمع على من ليس عليه الوقوف، وأن الحاج يحتاج إلى الدعاء في وقت الوقوف، فشرع الجمع لئلا يشتغل عن الدعاء. ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 24)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470).

(2)

قال ابن تيمية: ((معلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر ولا لسفر أيضاً، فإنه لو كان جمعه للسفر لجمع في الطريق ولجمع بمكة كما كان يقصر بها، ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولم يجمع بمنى قبل التعريف، ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى، بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب، ويصليها في وقتها ولا جمعه أيضا ًكان للنسك فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم فإنه من حينئذ صار محرماً فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر فهكذا جمعه بالمدينة الذي رواه ابن عباس وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا)). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 77). وقال أيضاً: (الصحيح أنه لم يجمع بعرفة لمجرد السفر كما قصر للسفر؛ بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة وكان جمع عرفة لأجل العبادة وجمع مزدلفة لأجل السير الذي جد فيه وهو سيره إلى مزدلفة وكذلك كان يصنع في سفره: كان إذا جد به السير أخر الأولى إلى وقت الثانية ثم ينزل فيصليهما جميعاً كما فعل بمزدلفة. وليس في شريعته ما هو خارج عن القياس؛ بل الجمع الذي جمعه هناك يشرع أن يفعل نظيره كما يقوله الأكثرون). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 45، 46).

(3)

قال ابن عثيمين في سياق ذكره للأقوال في سبب الجمع: (وقيل: المصلحة والحاجة وهو الأقرب فجمع عرفة لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، ولأن الناس يتفرقون في الموقف فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج إلي الجمع، لأن الناس يدفعون من عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب فيها لصلوها من غير خشوع ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت الحاجة داعية إلي تأخير المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وهذا عين الصواب والمصلحة لجمعه بين المحافظة على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 256).

(4)

مجموع الفتاوى (24/ 77)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 330)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 255).

ص: 239

ثانيا: أن الجمع بعرفة كان لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، لأن الناس يتفرقون في الموقف، فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج إلى الجمع، لأن الناس يدفعون من عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب فيها لصلوها من غير خشوع، ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت الحاجة داعية إلى تأخير المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وفي هذا مصلحة في الجمع بين المحافظة على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد (1).

المطلب الثالث: هل يقصر المكي في عرفة والمزدلفة؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: لا يقصر المكي، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (2)، والشافعية في الأصح (3)، والحنابلة (4)، وبه قال جمهور السلف (5)، واختاره داود الظاهري (6).

ودليل ذلك:

أن المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة، ولا يقصر، وإنما يقصر من كان سفره سفراً تقصر في مثله الصلاة، والمعروف أن عرفة، وهي أبعد المشاعر عن مكة ليست كذلك (7).

(1) قال ابن تيمية: (ومعلوم أنه قد كان يمكنه أن يترك العصر فيصليها في وقتها المختص، لكن عدل عن ذلك إلى أن قدمها مع الظهر لمصلحة تكميل الوقوف، لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن اتصال الوقوف إلى المغرب بغير قطع له بصلاة العصر في أثنائه أحب إلى الله من أن يصلي العصر في وقتها الخاص، ولو أخر مؤخر العصر وصلاها في الوقت الخاص وقطع الوقوف لأجزأه ذلك فيما ذكره العلماء من غير نزاع أعلمه، ولكن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله، فإنه لو قطع الدعاء والذكر لبعض أعماله المباحة ووقف إلى المغرب لم يبطل بذلك حجه، فأن لا يبطل بترك ذلك لصلاة العصر أولى وأحرى. ودلت هذه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن الجمع يكون للحاجة والمصلحة الشرعية، فلما لم يكن لمجرد السفر فلم يكن لمجرد النسك). ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 336، 337).وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 256).

(2)

((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، وينظر:((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 44).

(3)

((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 496).

(4)

((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 5).

(5)

منهم: عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، الثوري، ويحيى القطان، وأبو ثور، وإسحاق، وابن المنذر. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).

(6)

((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14).

(7)

((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 439)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61).

ص: 240

القول الثاني: يقصر أهل مكة، وهذا مذهب المالكية (1)، وقولٌ للشافعية (2)، ورواية عن أحمد (3)، وبه قال طائفة من السلف (4)، واختاره أبو الخطاب (5)، وابن تيمية (6)، وابن القيم (7)، والشنقيطي (8)،

(1) قال مالك: (يصلي أهل مكة ومنى بعرفة ركعتين ركعتين ما أقاموا يقصرون بالصلاة حتى يرجعوا إلى أهليهم وأمير الحاج أيضاً كذلك إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى قال وعلى ذلك الأمر عندنا). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 13). والضابط عند المالكية: أن الحاج يقصر حتى أهل مكة، إلا أهل كل موضع كأهل عرفة في عرفة، وأهل المزدلفة في المزدلفة وأهل منى في منى فإن هؤلاء فقط يتمون لأنهم في أهليهم، وذكروا أن القصر لغيرهم إنما هو للسنة، وإلا فهو ليس بمسافة قصر في حق المكي وأهل المزدلفة ونحوهم. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 13، 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170، 171)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 539).

(2)

((المجموع)) للنووي (4/ 371). ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396).

(3)

((زاد المعاد في هدي خير العباد)) ابن القيم (1/ 481).

(4)

منهم: القاسم بن محمد، وسالم، والأوزاعي. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439).

(5)

((زاد المعاد في هدي خير العباد)) ابن القيم (1/ 481).

(6)

قال ابن تيمية: (أما القصر فلا ريب أنه من خصائص السفر ولا تعلق لا بالنسك ولا مسوغ لقصر أهل مكة بعرفة وغيرها إلا أنهم بسفر وعرفة عن المسجد بريد كما ذكره الذين مسحوا ذلك وذكره الأزرقي في ((أخبار مكة))، فهذا قصر في سفر قدره بريد وهم لما رجعوا إلى منى كانوا في الرجوع من السفر، وإنما كان غاية قصدهم بريداً، وأي فرق بين سفر أهل مكة إلى عرفة وبين سفر سائر المسلمين إلى قدر ذلك من بلادهم، والله لم يرخص في الصلاة ركعتين إلا لمسافر فعلم أنهم كانوا مسافرين). مجموع الفتاوى (24/ 47)، وانظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 481).

(7)

قال ابن القيم: (فلما أتمها - يعني الخطبة - يوم عرفة، أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة وكان يوم الجمعة، فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام، فصلى العصر ركعتين أيضاً، ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومن قال إنه قال لهم: ((أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر))، فقد غلط عليه غلطا بيناً، ووهم وهماً قبيحاً، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة، حيث كانوا في ديارهم مقيمين، ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة، وإنما التأثير لما جعله الله سببا، وهو السفر. هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه المحددون). ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (2/ 234).

(8)

قال الشنقيطي: (أظهر قولي أهل العلم عندي: أن جميع الحجاج يجمعون الظهر والعصر، ويقصرون، وكذلك في جمع التأخير في مزدلفة يقصرون العشاء، وأن أهل مكة وغيرهم في ذلك سواء، وأن حديث: ((أتموا فإنا قوم سفر))، إنما قاله لهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لا في عرفة ولا في مزدلفة). ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439) ..

ص: 241

وابن باز (1)، وابن عثيمين (2).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً

حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً)) (3).

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع من معه جمعوا وقصروا، ولم يثبت شيء يدل على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه في منى، ولا مزدلفة، ولا عرفة، وسائر الأمراء هكذا لا يصلون إلا ركعتين فعلم أن ذلك سنة الموضع (4).

(1) قال ابن باز: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا أفقيين أو من أهل مكة وما حولها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا، وأما صلاته يوم العيد في مكة الظهر فقد صلاها قصراً، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره، ولم يقل لأهل مكة أتموا، لأن ذلك معلوم في حق المقيمين في مكة. ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى بالناس قصراً في المسجد الحرام، وفي السند مقال، لكن يتأيد بالأصل، وهو أن المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين، والقصر يختص بالمسافرين، والله ولى التوفيق). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 207 - 209).

(2)

قال ابن عثيمين: (الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج وتأهب واستعد لهذا الخروج، وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر، وبناء على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم – كانوا يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا. وهذا القول هو القول الراجح). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61، 62).

(3)

رواه مسلم (1218)

(4)

قال ابن تيمية: (ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة ومزدلفة وفي أيام منى، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، وكان يصلي خلفهم أهل مكة، ولم يأمروهم بإتمام الصلاة ولا نقل أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة - لما صلى بالمسلمين ببطن عرنة الظهر ركعتين قصراً وجمعاً: ثم العصر ركعتين - يا أهل مكة أتموا صلاتكم. ولا أمرهم بتأخير صلاة العصر ولا نقل أحد أن أحدا من الحجيج لا أهل مكة ولا غيرهم صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما صلى بجمهور المسلمين أو نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر قال في هذا اليوم: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر فقد غلط وإنما نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في جوف مكة لأهل مكة عام الفتح)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 42)، وينظر:((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 171). ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).

ص: 242

ثانياً: أنه لو كان أهل مكة قاموا فأتموا وصلوا أربعاً وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وبمنى أيام منى لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بالضرورة؛ بل لو أخروا صلاة العصر ثم قاموا دون سائر الحجاج فصلوها قصراً لنقل ذلك فكيف إذا أتموا الظهر أربعاً دون سائر المسلمين، وأيضاً فإنهم إذا أخذوا في إتمام الظهر والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرع في العصر لكان إما أن ينتظرهم فيطيل القيام، وإما أن يفوتهم معه بعض العصر بل أكثرها؛ فكيف إذا كانوا يتمون الصلوات؟ (1).

ثالثاً: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((أنه لما قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم انصرف فقال: يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر)) (2).

وجه الدلالة:

أنه صلى بهم بعد ذلك بمنى ركعتين ولم يرو عنه أنه قال لأهل مكة شيئاً (3).

رابعاً: أن لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم (4).

خامساً: أن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي فيها قصر الصلاة عند الجميع؛ فإن عمل الحج إنما يتم في أكثر من يوم وليلة مع لزوم الانتقال من محل لآخر فلفق بينها ما يحصل به مسافة القصر سواء كان التحديد بالمسافة أو بالزمن (5).

سادساً: أنها منازل السفر وإن لم تكن سفراً، تقصر فيه الصلاة، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بمكة إلى يوم التروية وذلك أربع ليال ثم خرج فقصر بمنى (6).

سابعاً: أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغة تقصر فيه الصلاة، أما تحديد مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم (7).

ثامناً: أنه لو كان سبب الجمع والقصر النسك لكانوا إذا حلوا التحلل الثاني لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك، لكانوا إذا أحرموا في مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر (8).

المطلب الرابع: هل يجمع ويقصر من صلى وحده؟

(1)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 43).

(2)

رواه مالك في ((الموطأ)) (1/ 149)، والبيهقي (3/ 126)، قال النووي في ((المجموع)) (8/ 92):(إسناده صحيح)، وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (24/ 125)

(3)

قال ابن تيمية: (وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قاله لأهل مكة لما صلى في جوف مكة) وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 43)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 439).

(4)

((المغني)) لابن قدامة (3/ 367).

(5)

((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 171).

(6)

((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 173).

(7)

((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).

(8)

((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 285).

ص: 243

من صلى الظهر والعصر منفردًا يجوز له أن يجمع ويقصر، وهو قول الجمهور (1) من المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة (5)، واختاره الطحاوي (6)(7).

الأدلة:

أولاً: عن نافع قال: ((أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله)). (8)

وجه الدلالة:

ابن عمر رضي الله عنهما هو أحد من روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين، وكان مع ذلك يجمع وحده، فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام (9).

ثانياً: أن الجمع بين الصلاتين يوم عرفة إنما كان للحاجة إلى امتداد الوقوف ليتفرغوا للدعاء لأنه موقف يقصد إليه من أطراف الأرض، فشرع الجمع لئلا يشتغل عن الدعاء، والمنفرد وغيره في هذه الحاجة، سواء فيستويان في جواز الجمع (10).

ثالثاً: أن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردًا؛ فإن الجماعة ليست شرطاً في الجمع. (11).

المطلب الخامس: صفة الأذان والإقامة للصلاتين

تكون الصلاة بأذان واحد وإقامتين، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (12)، والشافعية (13)، والحنابلة (14)، وروي عن مالك (15)، واختاره الطبري (16)، وابن تيمية (17)(18).

الدليل:

(1) قال ابن عبدالبر: (قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد وإسحاق جائز أن يجمع بينهما من المسافرين من صلى مع الإمام ومن صلى وحده إذا كان مسافرًا)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326) وقال ابن قدامة: (المنفرد يجمع كما يجمع مع الإمام، فعله ابن عمر، وبه قال عطاء، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وصاحبا أبي حنيفة). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366). وقال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى مع الإمام فلو فات بعضهم الصلاة مع الإمام جاز له أن يصليهما منفرداً جامعاً بينهما عندنا وبه قال أحمد وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ووافقنا على أن الامام لو حضر ولم يحضر معه للصلاة أحد جاز له الجمع وعلى أن المأموم لو فاته الصلاتان بالمزدلفة مع الامام جاز له أن يصليهما منفرداً جامعاً فاحتج أصحابنا عليه بما وافق عليه والله أعلم). ((المجموع)) للنووي (8/ 92).

(2)

((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44).

(3)

((المجموع)) للنووي (8/ 92).

(4)

((المغني)) لابن قدامة (3/ 366).

(5)

((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 24)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470).

(6)

((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 513).

(7)

وبه قال أبو ثور وإسحاق. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326).

(8)

ذكره البخاري تعليقا في كتاب الحج باب الجمع بين الصلاتين بعرفة.

(9)

((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 513).

(10)

((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (4/ 339)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470، 471).

(11)

((المغني)) لابن قدامة (3/ 366)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492).

(12)

((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، و ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143).

(13)

((المجموع)) للنووي (8/ 92).

(14)

((المغني)) لابن قدامة (3/ 365)، و ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).

(15)

وإن كان المشهور عنه أنه بأذانين وإقامتين. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44).

(16)

((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326).

(17)

((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 131).

(18)

وبه قال الثوري وأبو ثور وأبو عبيد. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326).

ص: 244

حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين، وفيه:((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر)) (1).

مسألة: هل يكون الأذان قبل الخطبة أو بعدها؟

الأمر في هذا واسع (2)، لكن السنة أن يكون الأذان بعد الخطبة، وهو ظاهر مذهب الحنابلة (3)، وقول للمالكية (4)، وروي عن أبي يوسف (5)، واختاره الشوكاني (6)، وابن عثيمين (7).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأتى بطن الوادي، فخطب الناس .... ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً)) (8).

المطلب السادس: هل يجهر بالقراءة أم يسر؟

يسن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظهر والعصر بعرفات، حتى لو وافق يوم الجمعة.

الأدلة:

أولاً: من السنة

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً)) (9).

وجه الدلالة

أنه نص أنه صلى الظهر، وصلاة الظهر لا يجهر فيها بالقراءة، ويتأيد هذا بأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهر فيها، فظاهر الحال الإسرار (10).

ثانياً: الإجماع

نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (11)، وابن عبدالبر (12)، وابن رشد (13).

المبحث الخامس: الإكثار من عمل الخير يوم عرفة

يستحب في يوم عرفة الإكثار من أعمال الخير بأنواعها.

الدليل:

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه)). قالوا: ولا الجهاد قال: ((ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) (14).

(1) رواه مسلم (1218)

(2)

سئل مالك عن المؤذن متى يؤذن يوم عرفة أبعد فراغ الإمام من خطبته أو وهو يخطب؟ قال: (ذلك واسع إن شاء والإمام يخطب وإن شاء بعد أن يفرغ من خطبته). ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 429). وقال ابن قدامة: (وكيفما فعل فحسن). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 365).

(3)

((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 157، 158)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492).

(4)

((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 336، 539)، وينظر:((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 325)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44).

(5)

قال بعض الشارحين: (وهذا أصح عندي وإن كان على خلاف ظاهر الرواية لما صح من حديث جابر). ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 469).

(6)

قال الشوكاني: (وهو أصح، ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر بالإنصات للخطبة فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة). ((نيل الأوطار)) (باب المسير من منى إلى عرفة)

(7)

قال ابن عثيمين معلقاً على حديث جابر رضي الله عنه: (أمره أن يؤذن بعد الخطبة، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 486).

(8)

رواه مسلم (1218).

(9)

رواه مسلم (1218).

(10)

المجموع للنووي (8/ 87).

(11)

قال النووي: (يسن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظهر والعصر بعرفات ونقل ابن المنذر إجماع العلماء عليه قال [ابن المنذر]: وممن حفظ ذلك عنه طاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة)). ((المجموع)) للنووي (8/ 92).

(12)

قال ابن عبدالبر: ((أجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صلى بعرفة صلاة المسافر لا صلاة جمعة ولم يجهر بالقراءة)). ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 325).

(13)

قال ابن رشد: ((أجمعوا أن القراءة في هذه الصلاة سرًّا)). ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/ 113).

(14)

رواه البخاري (969)

ص: 245

المبحث السادس: الإكثار من الدعاء والذكر والتلبية يوم عرفة

يستحب في يوم عرفة الإكثار من الدعاء، والذكر، والتلبية (1).

الدليل:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس)) (2).

المبحث السابع: الدفع إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، وعليه السكينة والوقار

يسن أن يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة وعليه السكينة والوقار، فإذا وجد فجوة أسرع (3).

الأدلة:

أولاً: من السنة:

عن جابر رضي الله عنه في حديثه: ((فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، فأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة)) أخرجه مسلم (4). وقال أسامة رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص - يعني أسرع - قال هشام: النص فوق العنق)) أخرجه البخاري ومسلم (5).

ثانياً: أن هذا مشي إلى الصلاة لأنهم يأتون مزدلفة ليصلوا بها المغرب والعشاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة)) أخرجه مسلم (6).

المبحث الثامن: أن يدفع ملبياً ذاكراً لله عز وجل

يستحب للحاج أن يدفع من عرفة ملبيا ذاكرا لله تعالى.

الأدلة:

أولاً: من القرآن

قول الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [البقرة: 198]

ثانياً: من السنة:

عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)(7).

ثالثاً: أن ذكر الله مستحب في كل الأوقات وهو في هذا الوقت أشد تأكيدًا.

رابعاً: أنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى، والتلبس بعبادته، والسعي إلى شعائره، فناسب أن يكون مقروناً بذكر الله عز وجل.

(1) قال النووي: (السنة أن يكثر من الدعاء، والتهليل، والتلبية، والاستغفار، والتضرع، وقراءة القرآن فهذه وظيفة هذا اليوم، ولا يقصر في ذلك وهو معظم الحج ومطلوبه. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) فينبغي أن لا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه). ((المجموع)) للنووي (8/ 113)

(2)

رواه مسلم (1218)

(3)

((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 437).

(4)

رواه مسلم (1218).

(5)

رواه البخاري (1666)، (2999) ومسلم (3166).

(6)

روه مسلم (3166).

(7)

رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281)

ص: 246