الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: ميقات الآفاقي
المطلب الأول: مواقيت الآفاقي
أولاً: تعريف الآفاقي: هو من كان منزله خارج منطقة المواقيت (1).
ثانياً: مواقيت الآفاقي:
تتنوع مواقيت الآفاق باعتبار جهتها من الحرم، فلكل جهة ميقات معيَّن، ويرجع كلام أهل العلم في المواقيت إلى ستة مواقيت:
الميقات الأول: ذو الحُليفة: ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من غير أهلها، وهو موضع معروف في أول طريق المدينة إلى مكة، بينه وبين المدينة نحو ستة أميال (13 كيلو متر تقريبا)، وبينه وبين مكة عشرة مراحل (2)، نحو مائتي ميل تقريباً (408 كيلو متر تقريبا)، فهو أبعد المواقيت من مكة (3)، وتسمى الآن (آبار علي)(4)، ومنها أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع (5).
الميقات الثاني: الجُحْفة: ميقات أهل الشام، ومن جاء من قبلها من مصر، والمغرب، ومن وراءهم من أهل الأندلس ويقال لها مَهْيَعة، وهي قرية كبيرة على نحو خمس مراحل من مكة (186 كيلو متر تقريبا)، وعلى نحو ثمان مراحل من المدينة، سميت جحفة؛ لأن السيل جحفها في الزمن الماضي، وحَمَلَ أهلها (6)، وهي التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل إليها حمى المدينة، وكانت يومئذ دار اليهود، ولم يكن بها مسلم، ويقال إنه لا يدخلها أحد إلا حم، وقد اندثرت، ولا يكاد يعرفها أحد، ويحرم الحجاج الآن من (رابغ)، وهي تقع قبل الجحفة بيسير إلى جهة البحر، فالمحرم من (رابغ) محرم قبل الميقات، وقيل إن الإحرام منها أحوط لعدم التيقن بمكان الجحفة (7).
(1)((المجموع)) للنووي (7/ 196)، ((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 389)، وينظر ((المغرب)) للمطرزي (أف ق).
(2)
المراحل: جمع مرحلة، وهي المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 223).
(3)
يقول شيخي زاده: (فهو أبعد المواقيت إما لعظم أجور أهل المدينة، وإما للرفق بسائر الآفاق فإن المدينة أقرب إلى مكة من غيرها، وللشاميين وأهل مصر وغيرهما من أرض العرب). ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 391).
(4)
قال ابن جماعة: بها البئر التي يسمونها العوام بئر علي، ينسبونها إلى علي رضي الله عنه، ويزعمون أنه قاتل الجن بها، ونسبتها إليه رضي الله عنه غير معروفة عند أهل العلم، ولا يرمى بها حجر ولا غيره كما يفعله بعض الجهلة. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 41) وينظر ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 99).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 195).
(6)
الظاهر أن السيل جحفها مرتين: الأولى: عندما نزلها بنو عبيد، وهم إخوة عاد حين أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة، ثم جحفها في سنة ثمانين من الهجرة، ومعنى أجحفهم أي استأصلهم. ((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 391)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42).
(7)
((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 342)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 208)، ((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (4/ 1485)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/ 142).
الميقات الثالث: قَرْن المنازل (1)(السيل الكبير): ميقات أهل نجد (2)، و (قرن) جبل مطل على عرفات، ويقال له قرن المبارك، بينه وبين مكة مرحلتان، نحو أربعين ميلاً (78 كيلو متر تقريباً)، وهو أقرب المواقيت إلى مكة، وتسمى الآن (السيل)(3).
الميقات الرابع: يلملم: ميقات أهل اليمن وتهامة، والهند، ويلملم جبل من جبال تهامة، جنوب مكة، وتقع على مرحلتين من مكة (4)(120كيلو متر تقريباً).
الميقات الخامس: ذات عِرق: ميقات أهل العراق، وسائر أهل المشرق، وهي قرية على مرحلتين من مكة، بينهما اثنان وأربعون ميلاً، (100 كيلو متر تقريبا) وقد خربت (5).
أدلة تحديد هذه المواقيت الخمسة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن؛ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (6).
2 -
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبدالله - يعني ابن عمر - وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم)) (7).
3 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي، فقيل: إنك ببطحاء مباركة، قال موسى: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد الذي كان عبدالله ينيخ به، يتحرى معرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينه وبين القبلة، وسطاً من ذلك)) (8).
4 -
عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (9).
ثانياً: الإجماع:
(1) قرن المنازل: ويقال: قرن الثعالب، وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير. لسان العرب (مادة: قرن)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 43).
(2)
النَّجْد: ما ارتفع من الأرض وحده ما بين العذيب إلى ذات عرق، وإلى اليمامة، وإلى جبلي طيء، وإلى جدة وإلى اليمن. لسان العرب (مادة: نجد)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42).
(3)
((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 392)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195).
(4)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42).
(5)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 43)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195).
(6)
رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181).
(7)
رواه البخاري (133)، ومسلم (1182).
(8)
رواه البخاري (2336)، ومسلم (1346).
(9)
رواه البخاري (1534).
حكى الإجماع على ذلك: ابن المنذر (1)، وابن حزم (2)، وابن عبدالبر (3)، وابن رشد (4)، وابن قدامة (5)، والنووي (6).
الميقات السادس: العقيق:
العقيق: واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق، عن يسار الذاهب من ناحية العراق إلى مكة، ويشرف عليها جبل عرق (7).
اختلف أهل العلم في الإحرام منه على قولين:
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على ما ثبت به الخبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت)((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 196).
(2)
قال ابن حزم: (أَجْمعُوا أَن ذَا الحليفة لأهل الْمَدِينَة، والجحفة لأهل الْمغرب، وَقرن لأهل نجد، ويلملم لاهل الْيمن، وَالْمَسْجِد الْحَرَام لأهل مَكَّة مَوَاقِيت الاحرام لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة حاشا الْعمرَة لأهل مَكَّة)((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 42).
(3)
قال ابن عبدالبر: (أجمع أهل العلم بالعراق والحجاز على القول بهذه الأحاديث واستعمالها لا يخالفون شيئاً منها، وأنها مواقيت لأهلها في الإحرام بالحج منها، ولكل من أتى عليها من غير أهلها ممن أراد حجاً أو عمرة)((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37). وقال أيضاً: (أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات)((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 197)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207).
(4)
قال ابن رشد: (إن العلماء بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي منها يكون الإحرام، أما لأهل المدينة فذو الحليفة، وأما لأهل الشام فالجحفة، ولأهل نجد قرن، وأهل اليمن يلملم لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره)((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324).
(5)
قال شمس الدين ابن قدامة: (المواقيت المنصوص عليها الخمسة التي ذكرها الخرقي رحمه الله وقد أجمع أهل العلم على أربعة منها وهي: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن، ويلملم. واتفق أئمة النقل على صحة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها)((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207).
(6)
قال النووي: (إن العلماء بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي منها يكون الإحرام أما لأهل المدينة فذو الحليفة، وأما لأهل الشام فالجحفة، ولأهل نجد قرن، وأهل اليمن يلملم لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره) وقال في حديث ذات عرق: (قد اتفق على العمل به الصحابة ومن بعدهم). حكى بعض الأئمة المتقدمين خلافاً في ميقات ذات عرق، فقد نقله الإمام ابن عبدالبر عن أبي الشعثاء جابر بن زيد وطائفة معه، ونقله الطحاوي عن قوم مبهمين. ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (2/ 117)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37)، ((المجموع)) للنووي (7/ 193، 195).
(7)
يقال لكل مسيل ماء شقه السيل فأنهره ووسعه عقيق، وفي بلاد العرب أربعة أعقة، وهى أودية عادية، منها: عقيق بدفق ماؤه في غور تهامة وهو المراد هنا. ((معجم البلدان)) لياقوت (4/ 138)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 68)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195، 196).
القول الأول: الاقتصار على استحباب الإحرام من ذات عرق، وهو يقع بعد العقيق، وهذا مذهب الجمهور (1)، ومنهم الحنفية (2)، والمالكية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
1 -
نصوص أحاديث المواقيت، وليس في شيء منها العقيق.
2 -
إجماع الناس على أنهم إذا جاوزوا العقيق إلى ذات عرق أنه لا دم عليهم، ولو كان ميقاتاً لوجب الدم بتركه (5).
3 -
إجماع الناس على ما فعله عمر رضي الله عنه من توقيت ذات عرق، وهو بعد العقيق (6).
القول الثاني: استحباب الإحرام من العقيق لأهل المشرق، وهذا مذهب الشافعية (7)، وبعض الحنفية (8)، وبه قال بعض السلف (9)، واستحسنه ابن المنذر، وابن عبدالبر (10).
الأدلة:
أولاً: عن أنس رضي الله عنه: ((أنه كان يحرم من العقيق)) (11).
(1) قال ابن عبدالبر: (
…
إلا أنهم اختلفوا في ميقات أهل العراق وفي من وقته لهم. فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم ميقات أهل العراق من ناحية المشرق كلها ذات عرق وهو قول سائر العلماء) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37). وقال شمس الدين ابن قدامة: (وذات عرق ميقات أهل المشرق في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي)((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207). وقال ابن رشد: (واختلفوا في ميقات أهل العراق فقال جمهور فقهاء الأمصار: ميقاتهم من ذات عرق)((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)، وانظر:((الذخيرة)) للقرافي (3/ 207).
(2)
((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 158)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 475).
(3)
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 45).
(4)
قال ابن مفلح: (ليس الأفضل للعراقي أن يحرم من العقيق). ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 300)، وينظر ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401).
(5)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 45).
(6)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 45).
(7)
قال الشافعي: (لو أهلوا من العقيق كان أحب إلي). ((الأم)) للشافعي (2/ 150). والإحرام عند الشافعية من العقيق مستحب ولا يجب؛ لأن ذات عرق أثبت في الرواية من العقيق، مع ما اقترن بها من العمل الجاري في السلف ومن بعدهم من أهل كل عصر، ثم ما جاء من الكلام في صحة رواية العقيق. وينظر ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 69)، ((المجموع)) للنووي (7/ 197)، و ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 473).
(8)
((حاشية ابن عابدين)) (2/ 475).
(9)
عن سعيد بن جبير: (أنه رأى رجلاً يريد أن يحرم من ذات عرق، فأخذ بيده حتى خرج من البيوت، وقطع به الوادي، وأتى به المقابر، وقال: هذه ذات عرق الأولى، فأحرم منها يا ابن أخي). ((الأم)) للشافعي (2/ 152)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)
(10)
قال شمس الدين ابن قدامة: (وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان يحرم من العقيق واستحسنه الشافعي، وابن المنذر، وابن عبدالبر
…
) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207)، قال ابن المنذر:(والإحرام من ذات عرق يجزي، وهو من العقيق أحوط). وانظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 177)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143).
(11)
رواه مسدد في ((المسند)) كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (3/ 177)، وكما في ((المطالب العالية)) (6/ 323) لابن حجر. قال البوصيري: رواته ثقات، ورواه ابن حزم في ((المحلى)) (5/ 59)
ثانياً: أن الإحرام من العقيق فيه من الاحتياط، والسلامة من الالتباس بذات عرق؛ لأن ذات عرق قرية خربت، وحول بناؤها إلى جهة مكة، فالاحتياط الإحرام قبل موضع بنائها، فينبغي على من أتى من جهة العراق أن يتحرى ويطلب آثار القرية العتيقة، ويحرم حين ينتهي إليها، ومن علاماتها المقابر القديمة، فإذا انتهى إليها أحرم (1).
المطلب الثاني: الإحرام من الميقات لمن مرَّ منه قاصداً النسك:
يجب الإحرام من الميقات لمن مر منه قاصداً أحد النسكين: الحج أو العمرة.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن؛ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (2).
2 -
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبدالله - يعني ابن عمر - وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم)) (3).
وجه الدلالة من هذين الحديثين:
أنه صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت، فقال:((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة)) (4)، وفائدة التأقيت المنع من تأخير الإحرام عنها، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين (5).
3 -
عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، والأصل في دلالة الأمر الوجوب، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم تجاوزوها بغير إحرام (7).
ثانياً: من الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك النووي (8)، والزيلعي (9).
المطلب الثالث: من سلك طريقاً ليس فيه ميقات معين، برًّا أو بحراً أو جوًّا:
(1)((المجموع)) للنووي (7/ 194، 198)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207).
(2)
رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181).
(3)
رواه البخاري (133)، ومسلم (1182).
(4)
جزء من حديث رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
(5)
((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 136)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 402).
(6)
رواه البخاري (1534).
(7)
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 402).
(8)
قال النووي: (قال الشافعي: والأصحاب إذا انتهى الآفاقي إلى الميقات وهو يريد الحج أو العمرة أو القران حرم عليه مجاوزته غير محرم بالإجماع، فإن جاوزه فهو مسيء)((المجموع)) للنووي (7/ 206)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 82).
(9)
قال الزيلعي: (وجب الإحرام من الميقات عند إرادة النسك إجماعاً)((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 7).
من سلك طريقاً ليس فيه ميقات معين، برًّا أو بحراً أو جوًّا اجتهد وأحرم إذا حاذى ميقاتاً من المواقيت. وذلك باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي (5).
الدليل:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جور عن طريقنا- يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا- فقال رضي الله عنه:((انظروا إلى حذوها من طريقكم)) (6).
مسألة:
من سلك طريقاً ليس فيه ميقات معين، برًّا أو بحراً أو جوًّا، فاشتبه عليه ما يحاذي المواقيت ولم يجد من يرشده إلى المحاذاة وجب عليه أن يحتاط ويحرم قبل ذلك بوقت يغلب على ظنه أنه أحرم فيه قبل المحاذاة؛ وليس له أن يؤخر الإحرام، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي (7)، وبه أفتى ابن باز (8).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
وجه الدلالة:
أن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات (9).
ثانياً: أن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحرى والاحتياط خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب (10).
المطلب الرابع: هل جدة ميقات؟
(1)((فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 426)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 342).
(2)
((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 380)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 46).
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 199)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 473).
(4)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 302)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 49)، وانظر:((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 24)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 274).
(5)
((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي (العدد الثالث: الجزء 3/ 1649): قراررقم (7) د 3/ 07/86 في دورة انعقاد مؤتمرة الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ/11 - 16 أكتوبر 1986م.
(6)
رواه البخاري (1531).
(7)
((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد الثالث: 3/ 1611) في جلسته المنعقدة في 10/ 4/1402هـ. الموافق 4/ 2/1982م.
(8)
قال ابن باز: (وإذا اشتبه عليه ذلك لزمه أن يحرم في الموضع الذي يتيقن أنه محاذيها أو قبلها حتى لا يجاوزها بغير إحرام، ومن المعلوم أن الإحرام قبل المواقيت صحيح وإنما الخلاف في كراهته وعدمها، ومن أحرم قبلها احتياطا خوفا من مجاوزتها بغير إحرام فلا كراهة في حقه)((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 24).
(9)
((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد الثالث: 3/ 1612)
(10)
((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد الثالث: 3/ 1612)
جدة ليست ميقاتاً، ولا يجوز لأحد أن يتجاوز ميقاته ويحرم من جدة، إلا أن لا يحاذي ميقاتاً قبلها فإنه يحرم منها، كمن قدم إليها عن طريق البحر من الجزء المحاذي لها من السودان؛ لأنه لا يصادف ميقاتاً قبلها، وهذا اختيار ابن باز (1)، وابن عثيمين (2)، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة (3)، وقرار هيئة كبار العلماء (4)، والمجمع الفقهي الإسلامي (5).
الأدلة:
أولا من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها)) (6).
وجه الدلالة:
أن الحديث دل على وجوب إحرام من مرَّ على هذه المواقيت حتى لو كان من غير أهلها، ولم يذكر جدة من بينها، وعليه فلا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة أو غيرها مما يلي الميقات الذي مر عليه.
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لما فتح هذان المصران أي الكوفة والبصرة أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا فقال: انظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق)) (7).
وجه الدلالة:
أن الإحرام يكون في الميقات أو حذوه، وجدة ليست ميقاتاً وليست محاذية لأحد المواقيت.
ثانيا: أنه بالرغم من أن جدة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يتخذها ميقاتاً مع أهمية موقعها وقربه، ولو كانت من المواقيت لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
فرع:
(1) للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رسالة في الموضوع بعنوان: بيان خطأ من جعل جدة ميقاتاً لحجاج الجو والبحر. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 23)، وانظر:((مجلة البحوث الإسلامية)) (32/ 328).
(2)
قال ابن عثيمين: (إذا كان قدم من السودان إلى جدة يريد العمرة لكنه أتى جدة مارا بها مرورا فإن الواجب عليه أن يحرم من الميقات
…
ولكن في بعض الجهات السودانية إذا اتجهوا إلى الحجاز لا يحاذون المواقيت إلا بعد نزولهم في جدة بمعنى أنهم يدخلون إلى جدة قبل محاذاة المواقيت مثل أهل سواكن فهؤلاء يحرمون من جدة كما قال ذلك أهل العلم، لكن الذي يأتي من جنوب السودان، أو من شمال السودان هؤلاء يمرون بالميقات قبل أن يصلوا إلى جدة فيلزمهم الإحرام من الميقات الذي مروا به ما داموا يريدون العمرة أو الحج). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 282).
(3)
وجاء فيها: (أما جدة فهي ميقات لأهل جدة وللمقيمين بها إذا أراد حجاً أو عمرة، وأما جعل جدة ميقاتاً بدلا من يلملم فلا أصل له، فمن مر على يلملم وترك الإحرام منه وأحرم من جدة وجب عليه دم، كمن جاوز سائر المواقيت وهو يريد حجاً أو عمرة؛ لأن ميقاته يلملم؛ ولأن المسافة بين مكة إلى يلملم أبعد من المسافة التي بين جدة ومكة). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 126).
(4)
((مجلة البحوث الإسلامية)) (32/ 328).
(5)
((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي للرابطة)) قرار رقم: 18 (2/ 5) حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها.
(6)
رواه البخاري (1526) ومسلم (1181).
(7)
رواه البخاري (1531).
من لم يحمل معه ملابس الإحرام في الطائرة، فليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة، بل الواجب عليه أن يحرم في السراويل، وعليه كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزاراً وخلع القميص، وعليه عن لبسه القميص كفارة، وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غيرهما من قوت البلد أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، وهذا قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي (1).
المطلب الخامس: حكم تجاوز الميقات للمحرم بدون إحرام
الفرع الأول: من تجاوز الميقات بغير إحرام ولم يرجع للإحرام من الميقات:
من كان مريداً لنسك الحج أو العمرة، وتجاوز الميقات بغير إحرام، فإنه يجب العود إليه، والإحرام منه، فإن لم يرجع أَثِم (2) ووجب عليه الدم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (3)، والمالكية (4) والشافعية (5)، والحنابلة (6)، وحكى ابن عبدالبر الإجماع على ذلك (7).
الأدلة:
دليل وجوب الرجوع:
أنه نسك واجب أمكنه فعله، فلزمه الإتيان به كسائر الواجبات (8).
دليل وجوب الدم عليه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من ترك شيئاً من نسكه فليهرق دماً)) (9).
مسألة:
(1)((مجلة البحوث الإسلامية)) (32/ 332).
(2)
قال النووي: (أجمع العلماء على أن هذه المواقيت مشروعة ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور هي واجبة لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم وصح حجه)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 82). وقال ابن حجر: (اختلف فيمن جاوز الميقات مريداً للنسك فلم يحرم فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم. فأما لزوم الدم فبدليلٍ غير هذا وأما الإثم فلترك الواجب)((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 387).
(3)
((المبسوط)) للسرخسي (4/ 153)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 7).
(4)
((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 208).
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 206).
(6)
((المغني)) لابن قدامة (وإن أحرم من دون الميقات، فعليه دم)((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 220 - 221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 404).
(7)
قال ابن عبدالبر: (كلهم يقول إنه إن لم يرجع وتمادى فعليه دم)((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 149).
(8)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 149)، ((المجموع)) للنووي (7/ 205)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 220).
(9)
رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99):(إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330):(صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100):(ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً .. ) ولفظ مالك: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) قال أيوب: (لا أدري قال ترك أو نسي).
من تجاوز الميقات بدون إحرام ليدخل مكة لعدم حمله التصريح فحجه صحيح لكنه يأثم بارتدائه المخيط، وتجب عليه الفدية، وبه قال ابن عثيمين (1)(2).
الفرع الثاني: من تجاوز الميقات بغير إحرام ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه
من تجاوز الميقات بغير إحرام ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه، فلا دم عليه (3).
الأدلة:
أولا: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك الكاساني (4) وشمس الدين ابن قدامة (5).
ثانياً: لأنه أحرم من الميقات الذي أُمر بالإحرام منه، فلم يلزمه شيء؛ لأنه أتى بالواجب عليه، كما لو لم يجاوزه ابتداء (6).
ثالثاً: لأنه لم يترك الإحرام من الميقات ولم يهتكه، فلم يجب عليه شيء (7).
الفرع الثالث: من أحرم بعد الميقات، ثم رجع إلى الميقات
(1) قال ابن عثيمين: (وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية- يحرم ويبقي ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يلبس المحرم القميص) وهذا لبس، وبعض الناس يفعل أيضاً شيئاً آخر يؤخر الإحرام عن الميقات حتى يتجاوز التفتيش، وهذا أيضاً عاص للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإهلال من المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة، فلا تتقرب يا أخي إلى الله بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 450).
(2)
فائدة: قال النووي في من يتعمد ارتكاب محظور من محظورات الإحرام: (وربما ارتكب بعض العامة شيئاً من هذه المحرمات وقال أنا أفتدي متوهما أنه بالتزام الفدية يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم عليه الفعل، وإذا خالف أثم ووجبت الفدية وليست الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم. وجهالة هذا الفاعل كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني، ومن فعل شيئاً مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه عن أن يكون مبروراً)((الإيضاح في مناسك الحج)) للنووي (ص: 211).
(3)
قال ابن قدامة: (
…
وجملته أن من جاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه إذا أمكنه لأنه واجب أمكنه فعله فلزمه كسائر الواجبات، وسواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شيء عليه لا نعلم في ذلك خلافاً، وبه قال جابر بن زيد، والحسن، وسعيد بن جبير، والثوري، والشافعي
…
) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221).
(4)
قال الكاساني: (ولو جاوز ميقاتاً من المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة فجاوزه بغير إحرام ثم عاد قبل أن يحرم وأحرم من الميقات وجاوزه محرماً لا يجب عليه دم بالإجماع)((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165).
(5)
قال شمس الدين ابن قدامة: (إن رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا شيء عليه، لا نعلم في ذلك خلافا). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 115)
(6)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165)((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 404).
(7)
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221).
من أحرم بعد الميقات، ثم رجع إلى الميقات؛ فإنه لا يسقط عنه الدم، وهذا مذهب المالكية (1)، والحنابلة (2)، وبه قال زفر من الحنفية (3)، وهو قول ابن المبارك (4) ، واختيار الشنقيطي (5) ، وابن باز (6) ، وابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من ترك شيئاً من نسكه فليهرق دماً)) (8).
ثانياً: أن الدم استقر عليه بترك واجب الإحرام من الميقات، ولا يزول هذا برجوعه، أما إذا رجع قبل إحرامه منه فإنه لم يترك الإحرام منه، ولم يهتكه (9).
الفرع الرابع: إذا جاوز الميقات غير مريد نسكاً ثم أراده
إذا جاوز الميقات غير مريد نسكاً، ثم أراده فإنه يحرم من موضعه، وهو مذهب المالكية (10)، والشافعية (11)، وبه قال ابن حجر (12)، والشوكاني (13)، واختاره ابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
(1)((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324).
(2)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221).
(3)
((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 448).
(4)
((المجموع)) للنووي (7/ 208).
(5)
قال الشنقيطي: (وأظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إن جاوز الميقات ثم رجع إلى الميقات، وهو لم يحرم، أنه لا شيء عليه ; لأنه لم يبتدئ إحرامه إلا من الميقات، وأنه إن جاوز الميقات غير محرم، وأحرم في حال مجاوزته الميقات، ثم رجع إلى الميقات محرماً أن عليه دماً لإحرامه بعد الميقات، ولو رجع إلى الميقات فإن ذلك لا يرفع حكم إحرامه مجاوزاً للميقات)((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 160)
(6)
قال ابن باز فيمن نسي الإحرام من الميقات: (يرجع ويحرم من الميقات إذا لم يكن قد أحرم بعد، أما إذا كان قد أحرم بعد الميقات فعليه دم ولا يرجع)((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 40).
(7)
قال ابن عثيمين: (لا يحل للإنسان إذا مر بالميقات وهو يريد الإحرام بالحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات بلا إحرام، فإن فعل قلنا له: ارجع وأحرم من الميقات، فإن أحرم من غير الميقات لزمه عند العلماء دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء في مكة). ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (21/ 369).
(8)
رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99):(إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100):(ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً .. ) ولفظ مالك: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) قال أيوب: (لا أدري قال ترك أو نسي).
(9)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221).
(10)
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 59).
(11)
((المجموع)) للنووي (7/ 203 - 204).
(12)
قال ابن حجر: (ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله فمن حيث أنشأ)((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 386).
(13)
قال الشوكاني: (ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات)((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 296).
(14)
قال ابن عثيمين: (أما الداخل لمكة للعمل وكان أدى الحج والعمرة ولكنه أراد الإحرام فيما بعد فإنه يحرم من مكة إن كان يريد الحج، وإن كان يريد العمرة فإنه لابد أن يخرج إلى الحل ويحرم من الحل، إما التنعيم، أو الجعرانة، أو الحديبية على طريق جدة)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 377).
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت:((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (1)، وهذا أنشأ النية من دون المواقيت، فميقاته من حيث أنشأ.
ثانياً: عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه أحرم من الفُرْع)) (2)، والفُرْع بلاد بين ذي الحليفة وبين مكة، فتكون دون ميقات المدني، وابن عمر رضي الله عنهما مدني، وتأويله أنه خرج من المدينة إلى الفرع لحاجة، ولم يقصد مكة، ثم أراد النسك فكان ميقاته مكانه (3).
ثالثاً: أن من وصل إلى مكان على وجه مشروع، صار حكمه حكم أهله (4).
الفرع الخامس: المرور من الميقات لحاجة غير النسك:
مسألة: حكم الإحرام لمن جاوز الميقات إلى الحل لحاجة غير النسك
من جاوز الميقات لا يريد نسكاً، ولا يريد دخول الحرم فلا يجب عليه الإحرام.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
قوله عليه الصلاة والسلام: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد حجاً أو عمرة)).
وجه الدلالة:
أنَّ مفهوم الحديث يدل على أنَّ من لم يرد الحج والعمرة، يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام.
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (5).
مسألة: حكم الإحرام لمن جاوز الميقات إلى مكة لحاجة غير النسك
(1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181).
(2)
رواه مالك في ((الموطأ)) رواية محمد بن الحسن الشيباني (382) ، (1188)، والبيهقي (5/ 29) (9189) بلفظ:(أن عبدالله بن عمر أهل من الفرع)، قال النووي في ((المجموع)) (7/ 204): إسناده صحيح.
(3)
((المجموع)) للنووي (7/ 204).
(4)
((حاشية ابن عابدين)) (2/ 581)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 403).
(5)
قال ابن قدامة: (فأما المجاوز للميقات، ممن لا يريد النسك، فعلى قسمين: أحدهما: لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شيء عليه في ترك الإحرام)((المغني)) لابن قدامة (3/ 253).
من جاوز الميقات – ممن لا يجب عليه النسك - بقصد دخول مكة لحاجة لا تتكرر، فإنه يستحب له الإحرام ولا يجب وهو مذهب الشافعية (1)، والظاهرية (2)، وهو رواية عن أحمد (3)، وبه قال طائفة من السلف (4)، وهو ظاهر تبويب البخاري (5)، واختاره النووي (6)،وابن القيم (7) ، وابن مفلح (8)، والزركشي (9)، والصنعاني (10)، والشنقيطي (11)، وابن باز (12)، وابن عثيمين (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
(1) وهوما نصَّ عليه الشافعي في عامة كتبه وذهب إليه جمهور الشافعية ((المجموع)) للنووي (7/ 11)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 484).
(2)
([387] قال ابن حزم: (ودخول مكة بلا إحرام جائز; لإن النبي عليه السلام إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجاً، أو عمرة، ولم يجعلها لمن لم يرد حجاً، ولا عمرة، فلم يأمر الله تعالى قط، ولا رسوله عليه السلام بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 266)، وينظر:((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 59).
(3)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 302)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 254).
(4)
قال ابن حجر: (وهو قول ابن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر)((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 59)، وينظر:((المجموع)) للنووي (7/ 16).
(5)
قال البخاري: (باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام). انظر: ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 59).
(6)
((شرح النووي على مسلم)) (8/ 83).
(7)
قال ابن القيم: (وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم في المجاهد، ومريد النسك، وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، أو أجمعت عليه الأمة)((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (3/ 429)
(8)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 302).
(9)
((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 302).
(10)
قال الصنعاني: (في قوله: (ممن أراد الحج أو العمرة) ما يدل أنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد دخول مكة لأحد النسكين فلو لم يرد ذلك جاز له دخولها من غير إحرام وقد دخل ابن عمر بغير إحرام ولأنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخلها أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة ومن قال: إنه لا يجوز مجاوزة الميقات إلا بالإحرام إلا لمن استثني من أهل الحاجات كالحطابين فإن له في ذلك آثاراً عن السلف ولا تقوم بها حجة). ((سبل السلام)) للصنعاني (1/ 612):
(11)
قال الشنقيطي: (أظهر القولين عندي دليلاً: أن من أراد دخول مكة حرسها الله لغرض غير الحج والعمرة أنه لا يجب عليه الإحرام، ولو أحرم كان خيراً له ; لأن أدلة هذا القول أقوى وأظهر فحديث ابن عباس المتفق عليه: خص فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحرام بمن أراد النسك. وظاهره أن من لم يرد نسكاً فلا إحرام عليه. وقد رأيت الروايات الصحيحة بدخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح غير محرم، ودخول ابن عمر غير محرم والعلم عند الله تعالى)((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 495):
(12)
قال ابن باز: (وأما من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)) فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرة فلا إحرام عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 44).
(13)
قال ابن عثيمين: (وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام، أي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة فليس عليه شيء ولا يلزمه الإحرام من الميقات)((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 287 - 288).
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن المواقيت: ((هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن كان يريد حجا أو عمرة)) رواه البخاري، ومسلم (1).
وجه الدلالة:
أنَّ مفهوم الحديث يدل على أنَّ من لم يرد الحج والعمرة، يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، ولو وجب بمجرد الدخول لما علقه على الإرادة (2).
2 -
عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير احرام)) رواه مسلم (3)، وعن أنس رضي الله عنه:((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر)) رواه مسلم (4).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح حلالاً غير محرم، وكذا أصحابه، فدل على عدم لزوم الإحرام لمن دخل مكة (5).
ثانياً: أن الله تعالى لم يأمر قط، ولا رسوله عليه الصلاة السلام بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام، فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه (6).
ثالثاً: أنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخل مكة أو الحرم أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة (7).
رابعاً: أنه تحية لبقعة فلم تجب كتحية المسجد (8).
مسألة المرور بميقاتين:
لا يجوز لمريد النسك أن يتجاوز أول ميقات يمر عليه إلى ميقات آخر، سواء كان أقرب إلى مكة أو أبعد، مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة حتى يحرموا من الجحفة، أو أن يترك أهل الشام الإحرام من الجحفة إلى ذي الحليفة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (9) والشافعية (10)، والحنابلة (11)، وهو قول طائفة من السلف (12)، واختاره النووي (13)، وابن حجر (14)، والصنعاني (15)،وابن عثيمين احتياطاً (16).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
(1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181).
(2)
((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485).
(3)
رواه مسلم (3375).
(4)
رواه مسلم (3374)
(5)
((المجموع)) للنووي (7/ 10، 11)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 253).
(6)
((المحلى)) لابن حزم (7/ 266).
(7)
((سبل السلام)) (1/ 612).
(8)
((المجموع)) للنووي (7/ 16).
(9)
استثنى المالكية من ذلك صورة واحدة، وهي إذا ما كان يمر بميقاته الأصلي مرة أخرى، كمصري يمر بذي الحليفة، فإنه إذا ذهب إلى مكة سيرجع ماراً بميقاته الأصلي: الجحفة، أو يحاذيه. ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 36)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 303).
(10)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 208 - 209)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401).
(11)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 208 - 209)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401).
(12)
منهم: الثوري والليث بن سعد. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 147).
(13)
وقد حكى النووي ((الإجماع)) على ذلك، وأنه لا خلاف في المسألة، فتعقبه ابن حجر بوقوع الخلاف، وحمل قوله على أنه يحتمل أنه أراد أنه لا خلاف في المذهب الشافعي. ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 83)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 386).
(14)
((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 386).
(15)
((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 186).
(16)
قال ابن عثيمين: (والأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، فوقت هذا لمن أتى عليه، فيكون هذا الميقات الفرعي كالميقات الأصلي في وجوب الإحرام منه، والقول بهذا لا شك بأنه أحوط وأبرأ للذمة) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 48).
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المواقيت: ((هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن كان يريد حجا أو عمرة)) رواه البخاري، ومسلم (1).
وجه الدلالة:
أن الحديث يدل بعمومه على أن من مر بميقات فهو ميقاته، فالشامي مثلاً إذا أتى ذا الحليفة فهو ميقاته، يجب عليه أن يحرم منه. ولا يجوز له أن يجاوزه غير محرم.
ثانياً: أن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مرّ بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته، وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض (2).
المطلب السادس: حكم التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية:
التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية جائز بالإجماع، فيما نقله ابن المنذر (3)، والمرغيناني (4)، والنووي (5)، لكنه يكره، وهو مذهب المالكية (6)، والحنابلة (7)، واختاره ابن باز (8) وابن عثيمين (9).
الأدلة:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، وهذا مجمع عليه، ولا يفعل إلا الأفضل، وقد حج مرة، واعتمر مراراً، وقد ترك النبي صلى الله عليه سلم الإحرام من مسجده الذي الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وأحرم من الميقات، فلا يبقى بعد هذا شك في أن الإحرام من الميقات أفضل (10).
ثانياً: أنه لو كان الأفضل الإحرام من قبل الميقات لكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم، ولما تواطؤوا على ترك الأفضل، واختيار الأدنى، وهم أهل التقوى والفضل، وأفضل الخلق، ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات ما لهم (11).
ثالثاً: إنكار عمر وعثمان رضي الله عنهما الإحرام قبل المواقيت:
(1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181).
(2)
((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 186).
(3)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم)((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51).
(4)
قال برهان الدين المرغيناني: (يجوز التقديم عليها بالاتفاق)((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 136).
(5)
قال النووي: (أجمع من يعتد به من السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم على أنه يجوز الإحرام من الميقات ومما فوقه، وحكى العبدري وغيره عن داود أنه قال: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات، وأنه لو أحرم مما قبله لم يصح إحرامه، ويلزمه أن يرجع، ويحرم من الميقات، وهذا الذي قاله مردود عليه بإجماع من قبله)((المجموع)) للنووي (7/ 200).
(6)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 366).
(7)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 304).
(8)
قال ابن باز: (الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحري والاحتياط خوفاً من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب)((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 48).
(9)
قال ابن عثيمين: (حكم الإحرام قبل المواقيت مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها، وكون بعض الناس يحرم قبل أن يصلها فيه شيء من التقدم على حدود الله تعالى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم، أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها فإن إحرامه ينعقد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 380).
(10)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 145)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)، ((المجموع)) للنووي (7/ 201)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314).
(11)
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 222)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314).
1.
عن الحسن ((أن عمران بن الحصين أحرم من البصرة فلما قدم على عمر وقد كان بلغه ذلك أغلظ له وقال: يتحدث الناس أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من مصر من الأمصار)) (1).
2.
((أحرم عبدالله بن عامر من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع، وكرهه له)) (2).
خامساً: أنه تغرير بالإحرام وتعرض لفعل محظوراته، وفيه مشقة على النفس، فكره كالوصال في الصوم، قال عطاء: انظروا هذه المواقيت التي وقتت لكم، فخذوا برخصة الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنباً في إحرامه، فيكون أعظم لوزره، فإن الذنب في الإحرام أعظم من ذلك (3).
سادساً: القياس على كراهة الإحرام قبل أشهر الحج.
المطلب السابع: الحيض والنفاس لا يمنع من إحرام المرأة من الميقات
المرأة التي تريد الحج أو العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات، بلا إحرام، حتى لو كانت حائضاً فإنها تحرم وهي حائض، وينعقد إحرامها ويصح.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((
…
فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري (4) بثوب وأحرمي)) (5).
وجه الدلالة:
أنه أمر النفساء بالاغتسال والإحرام، ولا فرق في ذلك بينها وبين الحائض، فالنفاس أقوى من الحيض لامتداده وكثرة دمه، ففي الحيض أولى (6).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (7)، والنووي (8)، وابن رجب (9).
(1) رواه الطبراني (18/ 107)(14914)، والبيهقي (5/ 31) (9198). قال ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/ 300):(منقطع، اللهم إلا أن يكون الحسن سمعه من عمران بن حصين)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 219):(رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن لم يسمع من عمر)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 159):(موقوف بسند الصحيح، وله شاهد).
(2)
((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314).
(3)
((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314).
(4)
الاستثفار: معناه أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها. ينظر مقدمة ((فتح الباري)) لابن حجر (ص: 93)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 350).
(5)
الحديث رواه مسلم (1218).
(6)
((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 430).
(7)
قال ابن عبدالبر: (وهو صحيح مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه كلهم يأمر النفساء بالاغتسال على ما في هذا الحديث وتهل بحجها وعمرتها وهي كذلك وحكمها حكم الحائض تقضي المناسك كلها وتشهدها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 315).
(8)
قال النووي: (فيه صحة إحرام النفساء، وهو مجمع عليه)((شرح النووي على مسلم)) (8/ 172)، وقال المباركفوري:(مثلها الحائض، وأولى منهما الجنب؛ لأنهما شاركتاه في شمول اسم الحدث، وزادتا عليه بسيلان الدم، وهو مجمع عليه)((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 4).
(9)
قال ابن رجب: (هذا قول جماعة أهل العلم، لا يعلم بينهم اختلاف فيه: أن الحائض يجوز أن تحرم بالحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الطاهر، سوى الطواف بالبيت، ولكن؛ منهم من كره لها أن تبتدئ الإحرام من غير حاجة إليه، فكره الضحاك وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري: أن تحرم في حال دمها قبل الميقات؛ لأنه لا حاجة لها إلى ذَلكَ، فإذا وصلت إلى الميقات، ولم تطهر فإحرامها حينئذ ضرورة، وكره عطاء لمن كانت بمكة وهي حائض: أن تخرج إلى الميقات، فتهل بعمرة، وقال: لا تخرج حتّى تطهر، وهو محمول على المقيمة بمكة، التي يمكنها تأخير الإحرام إلى حال طهرها)((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 490).