الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنِ الْعَدَدِ بِالْقَدْرِ، وَعَنِ الْمَكَانِ بِالْوَقْتِ، كَمَا يُعَبِّرُ الْحَنَابِلَةُ عَنِ الْمَكَانِ بِالْمَوْضِعِ.
وَيُسَمِّي الْحَنَفِيَّةُ حَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ وَالْمَكَانِ إِضْلَالاً عَامًّا، وَحَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ فَقَطْ أَوِ الْمَكَانِ فَقَطْ إِضْلَالاً خَاصًّا (1) .
الإِْضْلَال الْخَاصُّ:
أ - النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ فَقَطْ (الإِْضْلَال بِالْعَدَدِ) :
7 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ فَقَطْ، فَالأَْصْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ بِأَنْوَاعِهَا تَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهَا عَلَى طُهْرٍ تُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حَيْضٍ تُعْطَى حُكْمَهُ، لأَِنَّ الظَّنَّ مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهَا الأَْخْذُ بِالأَْحْوَطِ فِي الأَْحْكَامِ.
وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمُضَلَّةِ بِالْعَدَدِ بِاخْتِلَافِ عِلْمِهَا بِالْمَكَانِ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ آخِرَ الشَّهْرِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي إِلَى عِشْرِينَ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، لأَِنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةٍ، ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ بَعْدَ الْعِشْرِينَ تُصَلِّي
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 106 ط دار سعاد ت 1325 هـ، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 209.
بِالْوُضُوءِ - أَيْضًا - لِوَقْتِ كُل صَلَاةٍ لِلشَّكِّ فِي الدُّخُول فِي الْحَيْضِ، حَيْثُ إِنَّهَا فِي كُل يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدُّخُول فِي الْحَيْضِ، لاِحْتِمَال أَنَّ حَيْضَهَا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ فَقَطْ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ جَمِيعُ الْعَشْرَةِ، وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الثَّلَاثَةِ الأَْخِيرَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِالْحَيْضِ، ثُمَّ تَغْتَسِل فِي آخِرِ الشَّهْرِ غُسْلاً وَاحِدًا، لأَِنَّ وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ مَعْلُومٌ لَهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ إِذَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ - أَيْ أَنَّ أَوَّل حَيْضِهَا الْيَوْمُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ - فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةً بَعْدَ الْعِشْرِينَ، لأَِنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَل مِنْ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ تُصَلِّي بِالْغُسْل إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِتَوَهُّمِ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، وَتُعِيدُ صَوْمَ هَذِهِ الْعَشْرَةِ فِي عَشْرَةٍ أُخْرَى مِنْ شَهْرٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ سَائِرُ الْمَسَائِل.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ: سُئِل ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ كَمْ تُجْعَل عَادَتُهَا؟ قَال: لَا أَحْفَظُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، قَال صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَال ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَل أَيَّامِهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الأَْخِيرَةَ لأَِنَّهَا الْمُسْتَقِرَّةُ، وَيَقُول ابْنُ الْقَاسِمِ لَعَل عَادَتَهَا الأُْولَى عَادَتْ إِلَيْهَا بِسَبَبِ زَوَال سَدٍّ مِنَ الْمَجَارِي، وَقَوْل مَالِكٍ الأَْوَّل: إِنَّهَا
تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لأَِنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِل (1) .
وَوَضَعَ الشَّافِعِيَّةُ قَاعِدَةً لِلْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ وَالْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ، فَقَرَّرُوا أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ إِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا مِنْ عَادَتِهَا وَنَسِيَتْ شَيْئًا كَأَنْ ذَكَرَتِ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوِ الْعَكْسَ، فَلِلْيَقِينِ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الزَّمَنِ الْمُحْتَمِل لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ، وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَاتِ - وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ - وَإِنِ احْتَمَل انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْل لِكُل فَرْضٍ لِلاِحْتِيَاطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَقَطْ.
مِثَال الْحَافِظَةِ لِلْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ كَأَنْ تَقُول: كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّل الشَّهْرِ، فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، لأَِنَّهُ أَقَل الْحَيْضِ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ، لأَِنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِل الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالاِنْقِطَاعَ.
وَمِثَال الْحَافِظَةِ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ تَقُول: حَيْضِي خَمْسَةٌ فِي الْعَشْرَةِ الأُْوَل مِنَ الشَّهْرِ، لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا، وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل طَاهِرٌ، فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالأَْوَّل طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعَشَرَيْنِ الأَْخِيرَيْنِ، وَالثَّانِي إِلَى
(1) الذخيرة للقرافي 1 / 384 - ط وزارة الأوقاف بدولة الكويت.
آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالسَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَلِلاِنْقِطَاعِ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إِنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا، وَتَخْرُجُ عَنِ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إِذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ، فَإِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْلَلْتُهَا فِي دَوْرِي، وَلَا أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ، فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرَتْ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالاِنْقِطَاعِ فِي كُل وَقْتٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْتِدَاءُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قَدْرَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا حَفِظَتْ لِلاِحْتِمَال الْمَذْكُورِ، وَلَهَا فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي كُل شَيْءٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ فَقَطْ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ إِنِ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لَهُ، وَشَهْرُ الْمَرْأَةِ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ لَهَا فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، وَأَقَل ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا يَوْمًا بِلَيْلَةٍ لِلْحَيْضِ - لأَِنَّهُ أَقَلُّهُ - وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا لِلطُّهْرِ - لأَِنَّهُ أَقَلُّهُ - وَلَا حَدَّ لأَِكْثَرِ شَهْرِ الْمَرْأَةِ، لأَِنَّهُ لَا حَدَّ لأَِكْثَرِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَقَال: تَحَيَّضِي سِتَّةَ