الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُدْرِكِ وَاللَاّحِقِ: أَنَّ الْمُدْرِكَ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الإِْمَامِ، أَمَّا اللَاّحِقُ فَقَدْ فَاتَتْهُ الرَّكَعَاتُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا مَعَ الإِْمَامِ (1) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُدْرِكِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً: الْمُدْرِكُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ بَعْدَ زَوَال الأَْسْبَابِ الْمَانِعَةِ:
4 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُدْرِكِ لِوَقْتِهَا بَعْدَ زَوَال الأَْسْبَابِ الْمَانِعَةِ لِوُجُوبِهَا بِأَقَل مِنْ رَكْعَةٍ وَهَى: الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَالْكُفْرُ وَالصِّبَا، وَالْجُنُونُ وَالإِْغْمَاءُ، وَالنِّسْيَانُ وَالسَّفَرُ وَالإِْقَامَةُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا زَالَتْ هَذِهِ الأَْعْذَارُ، كَأَنْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَتَذَكَّرَ النَّاسِي، وَاسْتَيْقَظَ النَّائِمُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَدْرُ رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ (2) لِحَدِيثِ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْل أَنْ
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1 / 399.
(2)
بدائع الصنائع 1 / 95 - 96، وحاشية ابن عابدين 1 / 196، 238، 494، والقوانين الفقهية ص 51، ومغني المحتاج 1 / 131، والمغني لابن قدامة 1 / 377، 396 وما بعدها.
تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ (1)، وَلِحَدِيثِ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ (2) ،
وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي هَذَا إِلَاّ زُفَرُ حَيْثُ قَال: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إِلَاّ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرْضَ لأَِنَّ وُجُوبَ الأَْدَاءِ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الأَْدَاءِ، " وَأَدَاءُ كُل الْفَرْضِ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَا يُتَصَوَّرُ، فَاسْتَحَال وُجُوبُ الأَْدَاءِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (3) .
وَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَ أَقَل مِنْ رَكْعَةٍ فَاخْتَلَفَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا زُفَرُ وَمَنْ مَعَهُ - وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا زَالَتِ الأَْسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَدْرُ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ، لأَِنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتَجَزَّأُ، فَإِذَا وَجَبَ الْبَعْضُ وَجَبَ الْكُل، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ إِلَاّ قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَجَبَتِ التَّحْرِيمَةُ، ثُمَّ تَجِبُ بَقِيَّةُ
(1) حديث: " من أدرك ركعة من الصبح. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 56) ومسلم (1 / 424) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(2)
حديث: " من أدرك ركعة من الصلاة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 57) ومسلم (1 / 423) من حديث أبي هريرة.
(3)
بدائع الصنائع 1 / 95 - 97، وحاشية ابن عابدين 1 / 238.
الصَّلَاةِ لِضَرُورَةِ وُجُوبِ التَّحْرِيمَةِ فَيُؤَدِّيهَا فِي الْوَقْتِ الْمُتَّصِل بِهِ (1) ، وَلأَِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ يَسْتَوِي فِيهِ قَدْرُ الرَّكْعَةِ وَدُونَهَا، كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا اقْتَدَى بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ يَلْزَمُهُ الإِْتْمَامُ (2) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ التَّكْبِيرَةِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ عَلَى الأَْظْهَرِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ السَّلَامَةِ مِنَ الْمَوَانِعِ بِقَدْرِ فِعْل الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ، فَلَوْ عَادَ الْمَانِعُ قَبْل ذَلِكَ كَأَنْ بَلَغَ ثُمَّ جُنَّ لَمْ تَجِبِ الصَّلَاةُ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الْوُجُوبِ بِمِقْدَارِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ هُوَ إِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ إِذَا طَهُرَتْ وَعَلَيْهَا مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا تَغْتَسِل فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الْوَقْتِ مَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغْتَسِل فِيهِ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَتَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ.
وَالْفَرَقُ أَنَّ أَيَّامَهَا إِذَا كَانَتْ أَقَل مِنْ عَشَرَةٍ لَا يُحْكَمُ بِخُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ
(1) بدائع الصنائع 1 / 96، وحاشية ابن عابدين 1 / 238، ومغني المحتاج 1 / 131، والمغني لابن قدامة 1 / 396.
(2)
مغني المحتاج 1 / 131، والمغني لابن قدامة 1 / 396.
(3)
مغني المحتاج 1 / 131 - 132.
الدَّمِ مَا لَمْ تَغْتَسِل أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ تَصِيرُ تِلْكَ الصَّلَاةُ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً بِمُجَرَّدِ الاِنْقِطَاعِ يُحْكَمُ بِخُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنَ الْوَقْتِ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ تَمَكَّنَتْ مِنَ الاِغْتِسَال أَوْ لَمْ تَتَمَكَّنْ، بِمَنْزِلَةِ كَافِرٍ أَسْلَمَ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ صَبِيٍّ بَلَغَ بِالاِحْتِلَامِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنَ الاِغْتِسَال فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَتِ الأَْسْبَابُ الْمَانِعَةُ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ أَقَل مِنْ رَكْعَةٍ لَمْ تَجِبِ الصَّلَاةُ، فَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُدْرِكَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الأَْعْذَارِ قَدْرَ رَكْعَةٍ أَخَفَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَلأَِنَّهُ إِدْرَاكٌ تَعَلَّقَ بِهِ إِدْرَاكُ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ بِأَقَل مِنْ رَكْعَةٍ.
كَمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ إِلَاّ بِرَكْعَةٍ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: يُعْتَبَرُ إِدْرَاكُ أَصْحَابِ الأَْعْذَارِ بَعْدَ زَوَال الأَْعْذَارِ وَمِقْدَارُ فِعْل الطَّهَارَةِ، وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْهُمْ: لَا تُعْتَبَرُ الطَّهَارَةُ فِي الْكَافِرِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1 / 96، وحاشية ابن عابدين 1 / 238.