الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرَكَ الْمِحْرَابَ وَقَامَ فِي غَيْرِهِ يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ قِيَامُهُ وَسَطَ الصَّفِّ لأَِنَّهُ خِلَافُ عَمَل الأُْمَّةِ (1) .
وَقَال الدُّسُوقِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الإِْمَامَ يَقُومُ فِي الْمِحْرَابِ حَال صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ كَيْفَ اتَّفَقَ (2) .
أَوَّل مَنِ اتَّخَذَ الْمِحْرَابَ
6 -
لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ مِحْرَابٌ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَأَوَّل مَنِ اتَّخَذَ الْمِحْرَابَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَحْدَثَهُ وَهُوَ عَامِل الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عِنْدَمَا أَسَّسَ مَسْجِدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَدَمَهُ وَزَادَ فِيهِ، وَكَانَ هَدْمُهُ لِلْمَسْجِدِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ لِلْهِجْرَةِ، وَقِيل سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَفَرَغَ مِنْهُ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ - وَهُوَ أَشْبَهُ - وَفِيهَا حَجَّ الْوَلِيدُ (3) .
وَيَعْنِي بِمِحْرَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلَاّهُ وَمَوْقِفُهُ؛ لأَِنَّ هَذَا الْمِحْرَابَ الْمَعْرُوفَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (4) .
تَزْوِيقُ الْمِحْرَابِ وَوَضْعُ مُصْحَفٍ فِيهِ
7 -
نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَزْوِيقُ مِحْرَابِ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 434.
(2)
حاشية الدسوقي 1 / 331.
(3)
تحفة الراكع والساجد في أحكام المساجد ص136 - 234 وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1 / 370، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص263.
(4)
المجموع 3 / 203، ومغني المحتاج 1 / 146، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1 / 383.
الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فِيهِ، بِخِلَافِ تَجْصِيصِهِ فَيُسْتَحَبُّ، وَتَعَمُّدُ مُصْحَفٍ فِي الْمِحْرَابِ أَيْ جَعْلُهُ فِيهِ عَمْدًا لِيُصَلِّيَ لَهُ، أَيْ إِلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ أَوْ لِيُصَلِّيَ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ الْمُصْحَفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعَلَّقُ فِيهِ لَمْ تُكْرَهِ الصَّلَاةُ لِجِهَتِهِ.
وَنَقَل الزَّرْكَشِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ - أَيْ مِحْرَابِهِ - آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَرْدَفَ الزَّرْكَشِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَال: لَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} (1) .
الآْيَةَ، وَلِمَا رُوِيَ مِنْ فِعْل عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَلِكَ بِمَسْجِدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ (2) .
قِيَامُ الإِْمَامِ فِي الْمِحْرَابِ:
8 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قِيَامِ الإِْمَامِ فِي الْمِحْرَابِ أَثَنَاءَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ الْقِيَامُ فِي الْمِحْرَابِ حَال صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى كَرَاهَةِ
(1) سورة التوبة / 18.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 255، وإعلام الساجد بأحكام المساجد 337.
قِيَامِ الإِْمَامِ فِي الْمِحْرَابِ حَال صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقُومَ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ إِلَاّ لِضَرُورَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وُقُوفُ الإِْمَامِ فِي الْمِحْرَابِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ تَفْصِيلٌ: لَخَّصَ ابْنُ عَابِدِينَ اخْتِلَافَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَلَمْ يُفَصِّل، فَاخْتَلَفَ الْمَشَائِخُ فِي سَبَبِهَا: فَقِيل: كَوْنُهُ يَصِيرُ مُمْتَازًا عَنْهُمْ فِي الْمَكَانِ؛ لأَِنَّ الْمِحْرَابَ فِي مَعْنَى بَيْتٍ آخَرَ، وَذَلِكَ صَنِيعُ أَهْل الْكِتَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَال إِنَّهُ الأَْوْجَهُ.
وَقِيل: اشْتِبَاهُ حَالِهِ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ.
فَعَلَى الأَْوَّل يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الاِشْتِبَاهِ.
وَأَيَّدَ الثَّانِيَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ امْتِيَازَ الإِْمَامِ فِي الْمَكَانِ مَطْلُوبٌ، وَتَقَدُّمُهُ وَاجِبٌ، وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَارْتَضَاهُ فِي الْحِلْيَةِ وَأَيَّدَهُ.
لَكِنْ نَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا، وَبِأَنَّ امْتِيَازَ الإِْمَامِ الْمَطْلُوبِ حَاصِلٌ بِتَقَدُّمِهِ بِلَا وُقُوفٍ فِي مَكَانٍ
آخَرَ، وَلِهَذَا قَال فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَغَيْرِهَا: إِذَا لَمْ يَضِقِ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الإِْمَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ يُشْبِهُ تَبَايُنَ الْمَكَانَيْنِ.
انْتَهَى، يَعْنِي وَحَقِيقَةُ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الاِخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ، وَالْمِحْرَابُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَصُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ اقْتَضَتْ شُبْهَةَ الاِخْتِلَافِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أَيْ لأَِنَّ الْمِحْرَابَ إِنَّمَا بُنِيَ عَلَامَةً لِمَحَل قِيَامِ الإِْمَامِ لِيَكُونَ قِيَامُهُ وَسَطَ الصَّفِّ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ، لَا لأَِنْ يَقُومَ فِي دَاخِلِهِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَكِنْ أَشْبَهَ مَكَانًا آخَرَ فَأَوْرَثَ الْكَرَاهَةَ، لَكِنِ التَّشَبُّهُ إِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهُ لَا مُطْلَقًا، وَلَعَل هَذَا مِنَ الْمَذْمُومِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ بَابِ الإِْمَامَةِ: الأَْصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: أَكْرَهُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ أَوْ زَاوِيَةٍ أَوْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى سَارِيَةٍ؛ لأَِنَّهُ بِخِلَافِ عَمَل الأُْمَّةِ.
وَفِيهِ أَيْضًا: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الإِْمَامُ إِزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ مَا نُصِبَتْ إِلَاّ وَسَطَ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ قَدْ عُيِّنَتْ لِمَقَامِ الإِْمَامِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيِّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ إِلَاّ لِضَرُورَةٍ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الإِْمَامَ لَوْ