الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَاءِ إِذَا تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُخْتَلِطٍ بِهِ كَالْعُودِ وَالدُّهْنِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَالشَّمْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاهِرَاتِ الصُّلْبَةِ كَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ إِذَا لَمْ يَهْلِكْ فِي الْمَاءِ وَيَمَّعِ فِيهِ، لأَِنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ تَرَوُّحًا لَا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِجِيفَةٍ مُلْقَاةٍ عَلَى شَطِّ نَهَرٍ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ الأَْنْوَاعِ خِلَافًا، ثُمَّ قَال: وَفِي مَعْنَى الْمُتَغَيِّرِ بِالدُّهْنِ مَا تَغَيَّرَ بِالْقَطِرَانِ وَالزِّفْتِ وَالشَّمْعِ، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ دُهْنِيَّةً يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَاءُ تَغَيُّرَ مُجَاوَرَةٍ فَلَا يَمْنَعُ كَالدُّهْنِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْكَافُورُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: خَلِيطٌ كَالدَّقِيقِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَالثَّانِي: مُجَاوِرٌ لَا يَنْمَاعُ فِي الْمَاءِ فَهُوَ كَالْعُودِ فَلِذَلِكَ قُيِّدَ الْكَافُورُ بِالصَّلَابَةِ وَكَذَا الْقَطِرَانُ (1) .
وَقَال الْحَطَّابُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْمَاءَ إِذَا تَغَيَّرَ بِمُجَاوَرَةِ شَيْءٍ لَهُ فَإِنَّ تَغَيُّرَهُ بِالْمُجَاوَرَةِ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُجَاوِرُ مُنْفَصِلاً عَنِ الْمَاءِ أَوْ مُلَاصِقًا لَهُ، فَالأَْوَّل كَمَا لَوْ كَانَ إِلَى جَانِبِ الْمَاءِ جِيفَةٌ أَوْ عَذِرَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَنَقَلَتْ
(1) مغني المحتاج 1 / 19، وفتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع 1 / 122 وما بعدها، المجموع 1 / 104 وما بعدها، وجواهر الإكليل 1 / 6، ومواهب الجليل 1 / 45، وكشاف القناع 1 / 32، والمغني 1 / 13.
الرِّيحُ رَائِحَةَ ذَلِكَ إِلَى الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، قَال بَعْضُهُمْ: وَمِنْهُ إِذَا سَدَّ فَمَ الإِْنَاءِ بِشَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ مِنْهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ لِشَيْءِ مِنْهُ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْمُجَاوِرُ الْمُلَاصِقُ فَمَثَّلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالدُّهْنِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَقَيَّدَهُ بِالْمُلَاصِقِ (1) .
وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ لَفْظُ مُجَاوَرَةٍ وَإِنَّمَا وُجِدَ عِنْدَهُمْ لَفْظُ الْمُخَالَطَةِ، فَقَال الشُّرُنْبُلَالِيُّ: لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِجَامِدٍ خَالَطَهُ بِدُونِ طَبْخٍ كَزَعْفَرَانٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ.
وَفِي اللُّبَابِ عَلَى الْقُدُورِيِّ: لَوْ خَرَجَ الْمَاءُ عَنْ طَبْعِهِ (بِالْخَلْطِ) أَوْ حَدَثَ لَهُ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ لَا تَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ (2) .
ب -
مُجَاوَرَةُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ
3 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مُجَاوَرَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.
فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مَكْرُوهَةٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَبِقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ قَال الْخَائِفُونَ الْمُحْتَاطُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الإِْحْيَاءِ قَال: وَلَا يُظَنُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ تُنَاقِضُ فَضْل
(1) مواهب الجليل 1 / 54.
(2)
مراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي ص15 واللباب للميداني علي القدوري 1 / 19 - 20 - ط. دار إحياء التراث بيروت.
الْبُقْعَةِ، لأَِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ عِلَّتُهَا ضَعْفُ الْخَلْقِ وَقُصُورُهُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمَوْضِعِ، قَال فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ يَعْنِي مَكْرُوهًا عِنْدَهُ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ - أَوْ تَعَاظُمَهَا إِنْ فُقِدَ فِيهَا - فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الأَْدَبِ الْمُفْضِي إِلَى الإِْخْلَال بِوُجُوبِ التَّوْقِيرِ وَالإِْجْلَال قَائِمٌ، قَال بَعْضُهُمْ: وَهُوَ وَجِيهٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَيَّدَ بِالْوُثُوقِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ مِنْ حَال النَّاسِ لَا سِيَّمَا أَهْل هَذَا الزَّمَانِ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَكَذَا بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَاخْتَارَ فِي اللُّبَابِ: أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَل مِنْهَا بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: عَدَمُ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ أَفْضَل.
قَال مَالِكٌ: الْقَفْل أَيِ الرُّجُوعُ أَفْضَل مِنَ الْجِوَارِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى اسْتِحْبَابِ الْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ إِلَاّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْظُورَاتِ، أَوْ أَنْ تَسْقُطَ حُرْمَتُهُمَا عِنْدَهُ، لِمَا وَرَدَ مِنْ مُضَاعَفَةِ الْعَمَل الصَّالِحِ فِيهِمَا كَحَدِيثِ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا
(1) الخرشي 3 / 107، وحاشية العدوي 2 / 33.
أَفْضَل مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَاّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا (1) وَقَال اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} قَال الْقُرْطُبِيُّ: جَعَلَهُ مُبَارَكًا لِتَضَاعُفِ الْعَمَل فِيهِ (2) .
قَال أَحْمَدُ: كَيْفَ لَنَا بِالْجِوَارِ بِمَكَّةَ؟ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ (3) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنَّمَا كُرِهَ الْجِوَارُ بِمَكَّةَ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما جَاوَرَ بِمَكَّةَ وَجَمِيعُ أَهْل الْبِلَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْيَمَنِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَخْرُجُ وَيُهَاجِرُ أَيْ لَا بَأْسَ بِهِ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُقِيمُ بِمَكَّةَ قَال: وَالْمُقَامُ بِالْمَدِينَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهَا مُهَاجَرُ
(1) حديث: " صلاة في مسجدي هذا. . . ". أخرجه أحمد (4 / 5) من حديث عبد الله بن الزبير، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 5) : رجاله رجال الصحيح.
(2)
عابدين 2 / 187، 256 وما بعدها، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 1 / 312، والقليوبي وعميرة 2 / 126، والمغني لابن قدامة 3 / 556، وكشاف القناع 2 / 516، وتفسير القرطبي 4 / 139.
(3)
حديث: " والله إنك لخير أرض الله. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 722) من حديث عبد الله بن عدي، وقال: حديث حسن غريب صحيح.