الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُبُوتِ حِرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا، حَتَّى الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ.
وَهُنَاكَ مَنْ فَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ أَوْ عَدِمِ ثُبُوتِهَا (1) .
النَّظَرُ إِلَى الْمَحْرَمِ:
8 -
أَبَاحَ الْفُقَهَاءُ نَظَرَ الرَّجُل إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنَ الْمَحْرَمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (2) . أَمَّا حُدُودُ الزِّينَةِ الَّتِي يَحِل النَّظَرُ إِلَيْهَا وَلَمْسُهَا، فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلْمَحَارِمِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ ف 6) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ مِنْ مَحْرَمِهِ إِلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ إِنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ، وَشَهْوَتُهَا أَيْضًا، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} . . . الآْيَةَ وَتِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ، بِخِلَافِ الْمَظْهَرِ
(1) الموطأ 280 - 281، والأم 5 / 159 - 161، 234، وحاشيتي القليوبي وعميرة 1 / 32، 3 / 208، وفتح القدير 3 / 126 - 131، والمغني 9 / 493، وأعلام الموقعين 3 / 213.
(2)
سورة النور / 31.
وَنَحْوِهِ (1) .
قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ وَأُخْتِهِ وَكُل ذِي رَحَمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْجَدَّاتِ وَالأَْوْلَادِ وَأَوْلَادِ الأَْوْلَادِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ إِلَى شَعَرِهَا وَصَدْرِهَا وَذَوَائِبِهَا وَثَدْيِهَا وَعَضُدِهَا وَسَاقِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا، وَلَا إِلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إِلَى أَنْ يُجَاوِزَ الرُّكْبَةَ وَكَذَلِكَ كُل ذَاتِ مَحْرَمٍ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَزَوْجَةِ الأَْبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَزَوْجَةِ الاِبْنِ وَأَوْلَادِ الأَْوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَابْنَةِ الْمَرْأَةِ الْمَدْخُول بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَل بِأُمِّهَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ.
وَإِنَّ كَانَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَى اخْتَلَفُوا فِيهَا قَال بَعْضُهُمْ: لَا يَثْبُتُ فِيهَا إِبَاحَةُ النَّظَرِ وَالْمَسِّ.
وَقَال السَّرَخْسِيُّ: تَثْبُتُ إِبَاحَةُ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (2) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ جِوَازَ النَّظَرِ مِنَ الْمَحْرَمِ إِلَى الذِّرَاعَيْنِ وَالشَّعْرِ وَمَا فَوْقَ النَّحْرِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ (3)، فَفِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ: وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ مَعَ رَجُلٍ مَحْرَمٍ لَهَا نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ رَضَاعًا
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 235، والمبسوط 10 / 149، وبدائع الصنائع 5 / 120، 121.
(2)
الفتاوى الهندية 5 / 328.
(3)
مواهب الجليل 1 / 500.
غَيْرُ الْوَجْهِ وَالأَْطْرَافِ أَيِّ أَطْرَافِ الذِّرَاعَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَمَا فَوْقَ النَّحْرِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِشَعْرِ الرَّأْسِ وَالذِّرَاعِ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى طَرَفِ الأُْصْبُعِ الْوُسْطَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرَى ثَدْيَهَا وَلَا صَدْرَهَا وَلَا سَاقَهَا بِخِلَافِ شَعْرِهَا، وَتَرَى الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَحْرَمِ نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ رَضَاعًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ، فَتَرَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ تَرْدَادُ النَّظَرُ وَإِدَامَتُهُ إِلَى شَابَّةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ أَوْ غَيْرِهِنَّ إِلَاّ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَشَهَادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَإِلَاّ حَرُمَ حَتَّى لَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ (2) .
أَمَا الشَّافِعِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ - عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ - بِشَرْطِ أَمْنِ الْفِتْنَةِ (3) .
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ فَقَطْ، وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى النَّظَرِ إِلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ: وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، أَيْ يَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ وَيَحِل نَظَرُ مَا سِوَاهُ، قَال تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ
(1) شرح الزرقاني على مختصر خليل 1 / 178، وشرح الخرشي على مختصر خليل 1 / 248.
(2)
شرح الزرقاني على خليل 1 / 178.
(3)
كفاية الأخبار 2 / 44، 46، ونهاية المحتاج 6 / 191.
أَوْ آبَائِهِنَّ} الآْيَةَ، وَالزِّينَةُ مُفَسَّرَةٌ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَقِيل: يَحِل نَظَرُ مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ، أَيِ الْخَدْمَةِ فَقَطْ كَالرَّأْسِ وَالْعُنُقِ وَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ، إِذْ لَا ضَرُورَةَ إِلَى غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْمَحْرَمُ بِالنَّسَبِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُبَاحُ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالرِّقْبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالسَّاقِ (2) .
وَفِي الإِْنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَْصْحَابِ (3) .
وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمُ النَّظَرُ إِلَى السَّاقِ وَالصَّدْرِ لِلتَّوَقِّي لَا لِلتَّحْرِيمِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَجُوزُ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، كَالرِّقْبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يُسْتَرُ غَالِبًا، كَالصَّدْرِ وَالظَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا.
قَال الأَْثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُل يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوِ امْرَأَةِ ابْنِهِ؟ فَقَال: هَذَا فِي الْقُرْآنِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (4) إِلَاّ لِكَذَا وَكَذَا. قُلْتُ: فَيَنْظُرُ إِلَى سَاقِ امْرَأَةِ أَبِيهِ وَصَدْرِهَا؟ قَال: لَا مَا يُعْجِبُنِي.
ثُمَّ قَال: أَنَا
(1) شرح منهاج الطالبين على هامش القليوبي وعميرة 3 / 208 - 209، والمجموع 16 / 140.
(2)
كشاف القناع 5 / 11.
(3)
الإنصاف 8 / 20.
(4)
سورة النور / 31.