الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَوْلٌ ف 3، وَإِرْثٌ ف 56 وَمَا بَعْدَهَا) .
مُحَاصَّةُ الْغُرَمَاءِ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ
8 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَوْ قُسِمَ مَال التَّرِكَةِ فَظَهَرَ غَرِيمٌ يَجِبُ إِدْخَالُهُ فِي الْقِسْمَةِ شَارَكَ بِالْحِصَّةِ وَلَمْ تُنْقَضِ الْقِسْمَةُ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُل بِذَلِكَ، وَقِيل تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ كَمَا لَوِ اقْتَسَمَتِ، الْوَرَثَةُ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ عَلَى الأَْصَحِّ، قَال الرَّمْلِيُّ: وَفُرِّقَ الأَْوَّل بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي عَيْنِ الْمَال بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ يَحْصُل بِالْمُشَارَكَةِ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اجْتَمَعَتِ الدُّيُونُ فَالْغُرَمَاءُ يَقْسِمُونَ التَّرِكَةَ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ بِالْحِصَصِ، وَلَوْ تَوِيَ شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ اقْتَسَمُوا الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ وَيُجْعَل التَّاوِي كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلاً، لأَِنَّ حَقَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَعَلَّقَ بِكُل جُزْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ فَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ (2) .
وَلَوْ وَقَعَتِ الْقِسْمَةُ ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُحِيطٌ وَلَمْ تُوَفَّ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ وَلَمْ يُبْرِئِ الْغُرَمَاءَ رُدَّتِ الْقِسْمَةُ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ.
(1) نهاية المحتاج 4 / 316 - 317، وكشاف القناع 3 / 438.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 226.
وَكَذَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُحِيطٍ بِالتَّرِكَةِ إِلَاّ إِذَا بَقِيَ مِنَ التَّرِكَةِ مَا يَفِي مِنَ الدُّيُونِ وَرَاءَ مَا قُسِمَ، لأَِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إِيفَاءِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ أَدَّاهُ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ جَازَتِ الْقِسْمَةُ، أَيْ تَبَيَّنَ جِوَازُهَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا أَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ؛ لأَِنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَال بِخِلَافِ مَا إِذَا ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ أَوِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَالَتْ: الْوَرَثَةُ نَحْنُ نَقْضِي حَقَّهُمَا، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ إِنْ لَمْ يَرْضَ الْوَارِثُ أَوِ الْمُوصَى لَهُ، لأَِنَّ حَقَّهُمَا فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِل إِلَى مَالٍ آخَرَ إِلَاّ بِرِضَاهُمَا (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قُسِمَ مَال الْمَيِّتِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا الْمَال، قَال مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا فَقُسِمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ قَدِمَ قَوْمٌ فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنٍ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ وَقَدْ أُعْدِمَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الأَْوَّلِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا دَيْنَهُمْ قَال مَالِكٌ: يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِمُوا فَأَحْيَوْا عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دَيْنًا أَنْ يَتَّبِعُوا كُل وَاحِدٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ بِمَا يَصِيرُ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِمْ إِذَا فُضَّ دَيْنُهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ قَبَضُوا دَيْنَهُمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَاصَّةِ فِي مَال الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ
(1) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 376.
أَحْيَوْا عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دَيْنًا أَنْ يَأْخُذُوا كُل مَا وَجَدُوا فِي يَدِ هَذَا الْغَرِيمِ مِنْ مَال الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْلَفْ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ مَا يَصِيرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتَّبِعُونَ بَقِيَّةَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ لَهُمْ عَلَى كُل رَجُلٍ مِنْهُمْ مِمَّا اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ أَبَدًا إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَال الْمَيِّتِ الَّذِي أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ وَيُنْظَرُ إِلَى دَيْنِ الْغُرَمَاءِ الأَْوَّلِينَ وَدَيْنِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا دَيْنَهُمْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ مَال الْمَيِّتِ بِالْحِصَصِ، فَمَا صَارَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا عَلَى الْمَيِّتِ الدَّيْنَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا أُولَئِكَ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ قَبَضُوا دَيْنَهُمْ، قَبْل أَنْ يَعْلَمُوا بِهَؤُلَاءِ، وَلَا يَتَّبِعُونَ كُل أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَاّ بِمَا أَخَذَ مِنَ الْفَضْل عَلَى حَقِّهِ فِي الْمُحَاصَّةِ، وَيَتَّبِعُونَ الْعَدِيمَ وَالْمَلِيءَ بِمَا يَصِيرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَضْل الَّذِي أَخَذُوا حَيْنَ وَقَعَتِ الْمُحَاصَّةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا دَيْنَهُمْ (1) .
وَرُجُوعُ الْغَرِيمِ الطَّارِئُ عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا الْمَال إِنَّمَا هُوَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ مُشْتَهِرًا بِالدِّينِ وَلَمْ يَعْلَمِ الْوَارِثُ أَوِ الْوَصِيُّ بِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ، فَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُشْتَهِرًا بِالدَّيْنِ أَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ أَوِ الْوَصِيُّ بِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَتَعَدَّى الْوَارِثُ أَوِ الْوَصِيُّ وَأَقْبَضَ
(1) المدونة 5 / 484، 485.
التَّرِكَةَ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنَّ الطَّارِئَ مِنَ الْغُرَمَاءِ يَرْجِعُ عَلَى الْوَارِثِ أَوْ عَلَى الْوَصِيِّ فَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ حَقِّهِ لِتَعَدِّيهِ بِالْقَسْمِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَارِثُ أَوِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ قَبَضُوا أَوَّلاً بِقَدْرِ مَا أَخَذَ هَذَا الطَّارِئُ مِنْهُ (1) .
9 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُلُول الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل بِالْمَوْتِ أَوْ عَدَمِ حُلُولِهِ فَقَال بَعْضُهُمْ: يَحِل، وَقَال آخَرُونَ: لَا يَحِل.
وَالتَّفْصِيل فِي (أَجَلٌ ف 95، وَتَرِكَةٌ ف 24) .
10 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا وَجَدَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ عَيْنَ مَالِهِ فِي التَّرِكَةِ كَمَنْ بَاعَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَكَانَتِ الدُّيُونُ تُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ، فَهَل لِهَذَا الْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ أَمْ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَيَتَحَاصُّونَ جَمِيعًا؟
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَرِيمَ الَّذِي وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي التَّرِكَةِ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا بَل يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَيَتَحَاصَصْ مَعَهُمْ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ؛ لأَِنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ قَدْ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ (2) .
(1) الخرشي 5 / 274.
(2)
حاشية ابن عابدين 4 / 44 والمبسوط 18 / 27 - 28، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 282، والخرشي 5 / 281، وكشاف القناع 3 / 426، والمغني 4 / 502.