الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَاتِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ مَا يَفْعَلُهُ الصَّحِيحُ، لأَِنَّ مُفَارَقَةَ الْمَرِيضِ الصَّحِيحَ فِيمَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ (1) .
وَإِنْ قَضَى الْمَرِيضُ فَوَائِتَ الصِّحَّةِ فِي الْمَرَضِ، قَضَاهَا كَمَا قَدَرَ قَاعِدًا أَوْ مُومِئًا.
وَإِنْ صَلَّى قَبْل الْوَقْتِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا مَخَافَةَ أَنْ يَشْغَلَهُ الْمَرَضُ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا حَانَ الْوَقْتُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ (2) .
وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ إِنْ كَانَ لَا يَجِدُ فِرَاشًا طَاهِرًا، أَوْ يَجِدُهُ لَكِنْ لَا يَجِدُ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ إِلَى فِرَاشٍ طَاهِرٍ، يُصَلِّي عَلَى الْفِرَاشِ النَّجِسِ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ، يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَصَلَّى عَلَى الْفِرَاشِ النَّجِسِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ.
وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ، وَكَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ شَيْءٌ إِلَاّ وَيَتَنَجَّسُ مِنْ سَاعَتِهِ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا إِذَا لَمْ يَتَنَجَّسِ الثَّانِي لَكِنْ تَلْحَقُهُ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ بِالتَّحْوِيل (3) .
وَتَفْصِيل الْكَلَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ مِنْ قِيَامٍ وَجُلُوسٍ وَاضْطِجَاعٍ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ عَلَى الْعَجْزِ الْمُؤَقَّتِ، وَطُمَأْنِينَةِ الْمَرِيضِ
(1) الفتاوى الهندية 1 / 137.
(2)
الفتاوى الهندية 1 / 138.
(3)
الفتاوى الهندية 1 / 138، وحاشية ابن عابدين 1 / 513.
سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مُصْطَلَحِ (صَلَاةُ الْمَرِيضِ ف 2 - 16) .
وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ لأَِجْل الْمَرَضِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِقْبَالٌ ف 38، صَلَاةُ الْمَرِيضِ ف 11) .
رَابِعًا: التَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
10 -
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ: أَنَّ لِلْمَرِيضِ أَنَّ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْجَمَاعَاتِ مِنْ أَجْل الْمَرَضِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِي فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَال: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَل مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى (1) .
وَقَدْ كَانَ بِلَالٌ رضي الله عنه يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَرِيضٌ فَيَقُول: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَل بِالنَّاسِ (2) .
وَكُل مَا أَمْكَنَ تَصَوُّرُهُ فِي الْجُمُعَةِ مِنَ الأَْعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ، إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الصِّحَّةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةِ
(1) حديث: " من سمع المنادي فلم. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 374) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وضعفه المنذري في " مختصر سنن أبي داود "(1 / 291) .
(2)
حديث: " مروا أبا بكر فليصل بالناس ". أخرجه مسلم (1 / 313) من حديث عائشة رضي الله عنها.
الْجُمُعَةِ (1) .
وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الإِْتْيَانُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إِنْ شَقَّ عَلَيْهِ مَعَهُ الإِْتْيَانُ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الإِْتْيَانُ، وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا كَانَتِ الأُْجْرَةُ غَيْرَ مُجْحِفَةٍ وَإِلَاّ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقِيل: لَا يَجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اتِّفَاقًا كَالْمُقْعَدِ (2) .
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالُوا: إِنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِأَنْ يُرْكِبَهُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا دُونَ الْجَمَاعَةِ (3) .
وَلَوْ حَضَرَ الْمَرِيضُ الْجُمُعَةَ، تَنْعَقِدُ بِهِ، وَإِذَا أَدَّاهَا أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، لأَِنَّ سُقُوطَ فَرْضِ السَّعْيِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي الصَّلَاةِ بَل لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَحَمَّل،
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 547، وفتح القدير 1 / 417، والفتاوى الهندية 1 / 144، وحاشية الدسوقي 1 / 389، والقليوبي 1 / 296، 228، وكشاف القناع 1 / 495، والمغني 1 / 631.
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 547، والخانية على هامش الفتاوى الهندية 1 / 175، وحاشية الدسوقي 1 / 389، والقليوبي 1 / 228.
(3)
كشاف القناع 1 / 495.
الْتَحَقَ فِي الأَْدَاءِ بِغَيْرِهِ، وَصَارَ كَمُسَافِرٍ صَامَ (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الاِنْصِرَافُ إِذَا حَضَرَ الْجَامِعَ بَعْدَ دُخُول الْوَقْتِ بَل تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الْمَشَقَّةُ فِي حُضُورِ الْجَامِعِ وَقَدْ حَضَرَ مُتَحَمِّلاً لَهَا، وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّل زَمَنٌ بَيْنَ دُخُول الْوَقْتِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مَزِيدُ مَشَقَّةٍ فِي الاِنْتِظَارِ لَزِمَهُ وَإِلَاّ لَا.
وَيُنْدَبُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ قَبْل فَوَاتِ الْجُمُعَةِ تَأْخِيرُهُ ظُهْرَهُ إِلَى الْيَأْسِ مِنْ إِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، وَيَحْصُل الْيَأْسُ بِرَفْعِ الإِْمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَزُول عُذْرُهُ قَبْل ذَلِكَ فَيَأْتِي بِهَا كَامِلاً، فَلَوْ لَمْ يُؤَخِّرْ، وَزَال عُذْرُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ الظُّهْرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا (2) .
وَيُنْدَبُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ زَوَال عُذْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيل الظُّهْرِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّل الْوَقْتِ.
وَالْمَرْضَى إِذَا فَاتَتْهُمُ الْجُمُعَةُ يُصَلُّونَهَا ظُهْرًا فُرَادَى، وَتُكْرَهُ لَهُمُ الْجَمَاعَةُ (3) .
خَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَعْضَ الأَْمْرَاضِ
(1) فتح القدير 1 / 417، والقليوبي 1 / 269، وكشاف القناع 1 / 495، ومطالب أولي النهى 1 / 781.
(2)
القليوبي 1 / 271.
(3)
الفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية 1 / 177.
بِالذِّكْرِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ:
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْجُذْمِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ إِنْ كَانَ رَائِحَتُهُمْ تَضُرُّ بِالْمُصَلِّينَ، وَكَانُوا لَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا يَتَمَيَّزُونَ فِيهِ، أَمَّا لَوْ وَجَدُوا مَوْضِعًا يَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَيَتَمَيَّزُونَ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ ضَرَرُهُمْ بِالنَّاسِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّفَاقًا، لإِِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقِّ النَّاسِ، وَمَا قِيل فِي الْجُذَامِ يُقَال فِي الْبَرَصِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُنْدَبُ لِلإِْمَامِ مَنْعُ صَاحِبِ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ (2) .
11 -
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُمَرِّضَ يَلْحَقُ بِالْمَرِيضِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفَاصِيل: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: يَجُوزُ لِلْمُمَرِّضِ التَّخَلُّفُ إِنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ (3) .
وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِالْقَرِيبِ الْخَاصِّ وَقَالُوا: يَجُوزُ تَخَلُّفُ مُمَرِّضِ الْقَرِيبِ الْخَاصِّ عَنِ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، كَوَلَدٍ، وَوَالِدٍ وَزَوْجٍ، وَتَخَلُّفُ مُمَرِّضِ الأَْجْنَبِيِّ عَنْهَا بِشَرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَأَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ لَوْ تُرِكَ، كَالْعَطَشِ أَوِ الْجَوْعِ، أَوِ الْوُقُوعِ فِي نَارٍ
(1) حاشية الدسوقي 1 / 389.
(2)
القليوبي 1 / 228.
(3)
حاشية ابن عابدين 1 / 547، والفتاوى الهندية 1 / 144، 145.
أَوْ مَهْوَاةٍ، أَوِ التَّمَرُّغِ فِي نَجَاسَةٍ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ مُمَرِّضَ الْقَرِيبِ غَيْرَ الْخَاصِّ - كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ - بِالأَْجْنَبِيِّ، خِلَافًا لاِبْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ جَعَل تَمْرِيضَ الْقَرِيبِ مُطْلَقًا عُذْرًا لإِِبَاحَةِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَيْءٍ مِنَ الْقَيْدَيْنِ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِي تَمْرِيضِ الأَْجْنَبِيِّ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِمُمَرِّضِ مَرِيضٍ قَرِيبٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، أَوْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ، لَكِنَّ الْمَرِيضَ يَأْنَسُ بِهِ لِتَضَرُّرِ الْمَرِيضِ بِغَيْبَتِهِ، فَحِفْظُهُ أَوْ تَأْنِيسُهُ أَفْضَل مِنْ حِفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَالْمَمْلُوكُ وَالزَّوْجَةُ وَكُل مَنْ لَهُ مُصَاهَرَةٌ، وَالصَّدِيقُ، وَالأُْسْتَاذُ كَالْقَرِيبِ، بِخِلَافِ الأَْجْنَبِيِّ الَّذِي لَهُ مُتَعَهِّدٌ، أَمَّا الأَْجْنَبِيُّ الَّذِي لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ، فَالْحُضُورُ عِنْدَهُ عُذْرٌ لِجَوَازِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُتَعَهِّدُ مَشْغُولاً بِشِرَاءِ الأَْدْوِيَةِ - مَثَلاً - عَنِ الْخِدْمَةِ فَوُجُودُهُ كَالْعَدِمِ (2) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مُمَرِّضُ الْقَرِيبِ أَوِ الرَّفِيقِ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لأَِنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَتَجَمَّرُ
(1) حاشية الدسوقي 1 / 389.
(2)
روضة الطالبين 1 / 35، 36، والقليوبي 1 / 228.