الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِزَالَتِهِ لِلْخَبَثِ عَنِ الْجَسَدِ وَالثِّيَابِ فَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُزِيل الْخَبَثَ إِلَاّ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَقَال غَيْرُهُمْ: يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُزِيل الْخَبَثَ كُل مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالَهُ فِي الْجُمْلَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَهَارَةٌ ف 9 وَمَا بَعْدَهَا، وَمِيَاهٌ، وَنَجَاسَةٌ، وَوُضُوءٌ) .
ب -
تَنَجُّسُ الْمَائِعَاتِ:
3 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَوْلَى الرِّوَايَاتِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَا سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ مِنَ الْمَائِعَاتِ كَالْخَل وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَل وَالسَّمْنِ وَالْمَرَقِ وَالْعَصِيرِ وَغَيْرِهَا تَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَائِعُ قَلِيلاً لَا يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ كَثِيرًا يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَعَسُرَ الاِحْتِرَازُ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَعْسُرْ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لِهَذِهِ الْمَائِعَاتِ خَاصِّيَّةُ دَفْعِ الْخَبَثِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَاءِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا سُئِل عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَرِيقُوهُ (1)، وَلأَِنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ الْخَبَثَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَحْمِلُهَا؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَاّ مَا غَلَبَ رِيحُهُ
(1) حديث: " إن كان جامدًا فألقوها وما حولها. . " أخرجه ابن حبان (4 / 237 - الإحسان) من حديث أبي هريرة.
وَطَعْمُهُ وَلَوْنُهُ (1) ، وَهَذَا لَيْسَ فِي الْمَائِعَاتِ الأُْخْرَى، فَهِيَ كَالْمَاءِ الْقَلِيل، فَكُل مَا نَجَّسَ الْمَاءَ الْقَلِيل نَجَّسَ الْمَائِعَ، وَإِنْ كَانَ الْمَائِعُ كَثِيرًا، أَوْ كَانَ جَارِيًا، أَمَّا مَا لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ الْقَلِيل فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَائِعَ أَيْضًا، وَذَلِكَ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ إِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ (2) لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الآْخَرِ شِفَاءً. وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ (3) .
قَال النَّوَوِيُّ: الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ فِي الأَْطْعِمَةِ وَالْمَاءِ كَدُودِ التِّينِ، وَالتُّفَّاحِ وَالْبَاقِلَاّءِ وَالْجُبْنِ وَالْخَل وَغَيْرِهَا لَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (4) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ لَا يَنْجُسُ إِلَاّ بِمَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ.
(1) حديث: " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 174) من حديث أبي أمامة، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 131) .
(2)
مواهب الجليل 1 / 108 وما بعدها، وجواهر الإكليل 1 / 9 - 10، والمنثور في القواعد 3 / 131، 262، 267، ومغني المحتاج 1 / 17، 18، 86، المجموع 2 / 571، 587، 1 / 125، 126، 127، 130، والمغني لابن قدامة 1 / 27، 28، 42.
(3)
حديث: " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 250) وأبو داود (4 / 182 - 183) واللفظ لأبي داود والرواية الأخرى هي للبخاري (فتح الباري 6 / 359) .
(4)
المجموع 1 / 131، 147.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الأَْصَحِّ - فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ - حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَوْلٌ فِي عَصِيرٍ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ لَمْ يَفْسُدْ، وَلَوْ سَال دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يُطَهِّرْ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ - فَكُل مَا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ - مِنْ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ، وَقَال الْكَاسَانِيُّ: ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُل مَا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ، ثُمَّ قَال: ثُمَّ الْحَيَوَانُ إِذَا مَاتَ فِي الْمَائِعِ الْقَلِيل فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْ لَا يَكُونُ، وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِّيًّا أَوْ مَائِيًّا، وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَنَحْوِهَا لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يُنَجِّسُ مَا يَمُوتُ فِيهِ مِنَ الْمَائِعِ، سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ كَالْخَل وَاللَّبَنِ وَالْعَصِيرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ مَائِيًّا كَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّمَكُ طَافِيًا أَوْ غَيْرَ طَافٍ؛ لأَِنَّ نَجَاسَةَ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ لِعَيْنِ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مَوْجُودٌ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَلَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ وَلَكِنْ لِمَا فِيهَا مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَلَا دَمَ فِي هَذِهِ الأَْشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنْ كَانَ بَرِّيًّا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَيُنَجِّسُ الْمَائِعَ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي الْمَائِعِ أَوْ فِي غَيْرِهِ
ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الدَّمَوِيَّةِ؛ لأَِنَّ الدَّمَ السَّائِل نَجِسٌ فَيُنَجِّسُ مَا يُجَاوِرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَائِيًّا كَالضُّفْدُعِ الْمَائِيِّ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ فَإِنْ قِيل: إِنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُمْكِنُ صِيَانَةُ الْمِيَاهِ عَنْ مَوْتِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ يُوجِبُ التَّنْجِيسَ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ صِيَانَةُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ عَنْ مَوْتِهَا فِيهَا، وَإِنْ قِيل: إِنَّ الْعِلَّةَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْمَاءِ لَا يَكُونُ لَهَا دَمٌ إِذِ الدَّمَوِيُّ لَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُوجِبُ التَّنْجِيسَ لاِنْعِدَامِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ (1) .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَائِعَاتِ لَا يَتَنَجَّسُ مِنْهَا مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ إِلَاّ إِذَا تَغَيَّرَ.
قَال حَرْبٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ قُلْتُ: كَلْبٌ وَلَغَ فِي سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ؟ قَال: إِذَا كَانَ فِي آنِيَةٍ كَبِيرَةٍ مِثْل جُبٍّ أَوْ نَحْوِهِ رَجَوْتُ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَيُؤْكَل؛ لأَِنَّهُ كَثِيرٌ فَلَمْ يَنْجُسْ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ كَالْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي آنِيَّةٍ صَغِيرَةٍ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
وَهُنَاكَ رَأْيٌ آخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ وَهُوَ: مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ - مِنَ الْمَائِعَاتِ - كَالْخَل التَّمْرِيِّ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ لأَِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمَاءُ، وَمَا لَا يَكُونُ
(1) البدائع 1 / 79 وما بعدها، حاشية ابن عابدين 1 / 123 - 124 وما بعدها، والمغني 1 / 38.