الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الدَّوَامُ (1) وَالْمُرْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ.
ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا يَحِل نِكَاحُهَا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الإِْسْلَامِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بِالرِّدَّةِ وَيَمْتَنِعُ اسْتِمْرَارُهُ، فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ ابْتِدَاءً (2) .
أَمَّا أَهْل الْكِتَابِ - وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى - فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ نِسَائِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الْيَوْمَ أُحِل لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (3) .
السَّادِسُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا
23 -
يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ، بِحَيْثُ لَوْ فَرَضْتَ أَيَّتَهُمَا ذَكَرًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الأُْخْرَى، وَذَلِكَ كَالأُْخْتَيْنِ، فَإِنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَا تَحِل لِلأُْخْرَى، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
(1) مغني المحتاج 3 / 189، 190.
(2)
المغني 6 / 592 مكتبة الجمهورية العربية - مصر.
(3)
سورة المائدة / 5.
الأُْخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} (1) وَلِحَدِيثِ أَبِي هَرِيرَةَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوِ الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، أَوِ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، أَوِ الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا (2) وَعَلَيْهِ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ أُخْتَ زَوْجَتِهِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، أَوْ طَلَاقًا بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى، أَوْ كُبْرَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، لأَِنَّهَا زَوْجَةٌ حُكْمًا (3) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَنْ ذُكِرْنَ إِنَّمَا يَكُونُ حَال قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ حَقِيقَةً، أَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَمَّا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى أَوْ كُبْرَى فَقَدِ انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ مُطَلَّقَتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فِي عِدَّتِهَا، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ مَحْرَمَيْنِ (4) .
وَإِذَا جَمَعَ الرَّجُل بَيْنَ أُخْتَيْنِ مَثَلاً، فَإِنْ
(1) سورة النساء / 23.
(2)
حديث أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها. . ". أخرجه الترمذي (3 / 424) وقال: حسن صحيح.
(3)
بدائع الصنائع 2 / 262 - 264، وكشاف القناع 5 / 75، وفتح القدير 3 / 124، 132 - ط: دار إحياء التراث.
(4)
حاشية الدسوقي 2 / 255، والأم للشافعي 5 / 403، والمهذب 2 / 44
تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ يَأْتِيهِمَا مَانِعٌ، كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلاً إِذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لإِِحْدَاهُمَا عَنِ الأُْخْرَى (1) .
أَمَّا إِذَا كَانَ بِإِحْدَاهُمَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ، بِأَنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ مَثَلاً، وَالأُْخْرَى لَيْسَ بِهَا مَانِعٌ، فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِيَةِ مِنَ الْمَوَانِعِ، وَبَاطِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلأُْخْرَى.
وَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ، مُسْتَكْمِلَيْنِ أَرْكَانَ الزَّوَاجِ وَشُرُوطِهِ، وَعُلِمَ أَسْبَقُهُمَا، فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالآْخَرُ بَاطِلٌ لأَِنَّ الْجَمْعَ حَصَل بِهِ.
وَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا فَقَطِ الأَْرْكَانَ وَالشُّرُوطَ فَهُوَ الصَّحِيحُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الأَْوَّل أَمِ الثَّانِي.
كَمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ مِثْل عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عز وجل: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ} (2) وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ جَمْعٌ، فَيَكُونُ حَرَامًا، وَبِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلَا يُجْمِعْنَ مَاءَهُ فِي
(1) فتح القدير 3 / 123، وحاشية الدسوقي 2 / 254، ومغني المحتاج 3 / 180.
(2)
سورة النساء / 23.
رَحِمِ أُخْتَيْنِ (1) . وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: (كُل شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْحَرَائِرِ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الإِْمَاءِ إِلَاّ الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلاً سَأَل عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنْ ذَلِكَ فَقَال: (مَا أُحِبُّ أَنْ أُحِلَّهُ، وَلَكِنْ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَفْعَلُهُ) .
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَقَوْل عُثْمَانَ رضي الله عنه: (أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ) عَنَى بِآيَةِ التَّحْلِيل قَوْلَهُ عز وجل: {إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (2) وَبِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْلَهُ عز وجل: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} وَذَلِكَ مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَعَارُضِ دَلِيلَيِ الْحِل وَالْحُرْمَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مَعَ التَّعَارُضِ.
وَقَال: وَأَمَّا قَوْل عُثْمَانَ رضي الله عنه: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، فَالأَْخْذُ بِالْمُحَرَّمِ أَوْلَى عِنْدَ التَّعَارُضِ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ، لأَِنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَأْثَمُ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ وَلَا مَأْثَمَ فِي تَرْكِ الْمُبَاحِ،
(1) حديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين ". ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (3 / 166) وقال: لا أصل له. وقال: وفي الباب حديث أم حبيبة في الصحيحين أنها قالت يا رسول الله: انكح أختي قال: " لا تحل لي ". انظر (فتح الباري 9 / 158. ط. السلفية ومسلم 2 / 1072) .
(2)
سورة المؤمنون / 6.