الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس والستون باب عوامل الجزم
قال ابن مالك: (منها لام الطّلب مكسورة، وفتحها لغة، وقد تسكّن بعد «الفاء» و «الواو» و «ثمّ»، وتلزم في النّثر في فعل غير الفاعل المخاطب مطلقا خلافا لمن أجاز حذفها في نحو: قل له ليفعل، والغالب في أمر الفاعل المخاطب خلوّه منها ومن حروف المضارعة، وهو موقوف لا مجزوم بلام محذوفة خلافا للكوفيين ولا بمعنى الأمر خلافا للأخفش في أحد قوليه، ويلزم آخره ما يلزم آخر المجزوم. ومنها «لا» الطلبية، وقد يليها معمول مجزومها، وجزم فعل المتكلّم بها أقلّ من جزمه باللّام، ومنها «لم» و «لمّا» أختها، وتنفرد «لم» بمصاحبة أداوات الشّرط، وجواز انفصال نفيها عن الحال، و «لمّا» بوجوب اتّصال نفيها بالحال، وجواز الاستغناء بها في الاختيار عن المنفيّ إن دلّ عليه دليل، وقد يلي «لم» معمول مجزومها اضطرارا، وقد لا يجزم بها حملا على «لا»).
قال ناظر الجيش: عوامل الجزم منها ما يجزم فعلا واحدا ومنها ما يجزم فعلين، أما القسم الأول فمنحصر في كلمات أربع وهي: لام الطلب، و «لا» الطلبية، و «لم» و «لما» النافية، وأما القسم الثاني فمنحصر في أدوات الشرط، وقد بدأ المصنف بذكر القسم الأول.
وبعد: فأنا أشير أولا إلى ما ذكره في شرح الكافية ثم أتبعه كلام الإمام بدر الدين رحمهما الله تعالى ثم أردف ذلك بما يتيسر إن شاء الله تعالى.
قال في شرح الكافية (1): ذكر الطلب بعد «اللام» و «لا» الجازمتين يحصل فائدتين لا يحصلان بدونه:
إحداهما: تمييز «اللام» المرادة من غير المرادة وهي التي ينتصب الفعل بعدها وقد ذكرت، وتمييز «لا» المرادة من غير المرادة وهي النافية نحو: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)، -
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1561 - 1578) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي (جامعة أم القرى) وقد نقل الشارح عن ابن مالك بتصرف يسير.
(2)
سورة الكافرون: 2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والزائدة نحو: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (1).
والثانية: من الفائدتين: [5/ 143] أن الطلب يعم لام الأمر نحو: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (2) ولام الدعاء نحو: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (3)، ويعم «لا» في النهي نحو: لا تَحْزَنْ (4)، و «لا» في الدعاء نحو: لا تُؤاخِذْنا (5) بخلاف أن يقال: لام الأمر و «لا» في النهي؛ فإن الدعاء لا يدخل في ذلك، ومن ورود الدعاء مجزوما باللام قول أبي طالب (6):
3933 -
يا ربّ إمّا تخرجنّ طالبي
…
في مقنب من تلكم المقانب
وليكن المغلوب غير الغالب
…
وليكن المسلوب غير السّالب (7)
ول «لام» الطلب الأصالة في السكون من وجهين:
أحدهما: مشترك فيه وهو كون السكون مقدما على الحركة؛ إذ هي زيادة والأصل عدمها.
والثاني: خاص وهو أن يكون لفظا مشاكلا لعملها كما فعل بـ «باء» الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها فكسرت وبقي للقصد تعلق بالسكون، فإذا دخل عليها «فاء» أو «واو» رجع غالبا إلى السكون ليؤمن دوام تفويت الأصل، وليس التسكين حملا على عين «فعل» كما زعم الأكثرون؛ لأن في ذلك إجراء منفصل مجرى متصل ومثله لا يكاد يوجد مع قلته إلا في اضطرار، وأيضا لو كان تسكين هذه اللام لغير سبب يخصها لشاركها فيه دون شذوذ لام «كي» الواقعة بعد «فاء» -
(1) سورة الأعراف: 12.
(2)
سورة الطلاق: 7.
(3)
سورة الزخرف: 77.
(4)
سورة التوبة: 40.
(5)
سورة البقرة: 286.
(6)
هو عبد مناف وقيل: شيبة بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، والد علي رضي الله عنه وكرم وجهه، وعم النبي صلى الله عليه وسلم توفي قبل الهجرة وحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم شديدا. الخزانة (1/ 261)، والأعلام (4/ 166).
(7)
هذا رجز قاله أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، «والمقنب» كـ «منبر» المراد به هنا: جماعة الخيل، ويطلق على مخلب الأسد وعلى الذئب.
واستشهد به هنا ابن مالك على ورود الدعاء مجزوما باللام في قوله: «فليكن المغلوب» و «ليكن المسلوب» وفي الرجز شاهد آخر وهو وقوع
«غير» بين ضدين وهذا يزيل إبهامها وهو أمر خارج عن الإضافة. ذكره ابن مالك، وانظر الرجز في شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 85)، والأشموني وحاشية الصبان (2/ 44، 245).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو «واو» ، وتسكين هذه «اللام» بعد «الفاء» و «الواو» أكثر من تحريكها، ولذلك أجمع القراء (1) على التسكين فيما سوى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا (2)، (وليتمتّعوا) مما ولي «فاء» أو «واوا» كقوله تعالى: وَلْيُؤْمِنُوا بِي (3) وكقوله تعالى: فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (4) وكقوله تعالى:
فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا (5) وكقوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (6)، وقد تسكن هذه «اللام» بعد «ثم» نحو: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ (7) وهي قراءة (8) قنبل وأبي عمرو وابن عامر وورش، ويقل دخول هذه «اللام» على فعل فاعل مخاطب استغناء بصيغة «أفعل» ومن ذلك على قلته قراءة (9) عثمان وأبي وأنس رضي الله تعالى عنهم: فبذلك فلتفرحوا (10) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا مصافكم» (11)، والكثير دخولها على فعل ما لم يسمّ فاعله مطلقا نحو: لتعن بحاجتي وليزه زيد علينا (12)، ومن دخولها على المضارع المسند إلى المتكلم قوله -
(1) انظر الكشف (2/ 116، 117) وقرأ ابن ذكوان (وليوفوا، وليطوفوا) بكسر اللام فيهما، وانظر الإرشادات الجلية (2/ 3).
(2)
سورة الحج: 29.
(3)
سورة البقرة: 186.
(4)
سورة البقرة: 282.
(5)
سورة النساء: 102.
(6)
سورة النساء: 9.
(7)
سورة الحج: 29.
(8)
في الكشف (2/ 116): قرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر: (ثم ليقطع) بكسر اللام وأسكن الباقون، ومثله في:(ثم ليقضوا)، غير أن قنبلا معهم على الكسر، وانظر الإرشادات الجلية (ص 312)، وعلى هذا فنسبة تسكين «اللام» بعد «ثم» لقنبل وأبي عمرو وابن عامر وورش غير
صحيحة؛ لأن المنسوب لهم قراءة الكسر كما رأينا.
(9)
ذكر ابن السراج في الأصول (2/ 146) أنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنباري في الإنصاف (ص 524)، والزمخشري في المفصل (ص 257)، وانظر معاني القرآن للفراء (1/ 469)، والكشف (1/ 520).
(10)
سورة يونس: 58.
(11)
في صحيح مسلم (2/ 943) لتأخذوا مناسككم، وقد أورد ابن الشجري في أماليه هذا الحديث بالرواية التي ذكرها العلامة ابن مالك. انظر: أمالي الشجري (2/ 112، 218)، وشرح الرضي (2/ 252)، والمغني (ص 224).
(12)
انظر: فصيح ثعلب (ص 17)، والحجة لابن خالويه (ص 182)، واللسان «نا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى: وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ (1)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«قوموا فلأصلّ لكم» (2).
وحذف لام الأمر وبقاء عملها جائز وهو على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وقليل جائز في الاختيار، وقليل مخصوص بالاضطرار.
فالكثير المطرد: الحذف بعد أمر بقول كقوله تعالى: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ (3).
أي: ليقيموا فحذفت اللام لوقوع ذلك بعد: قل، وليس بصحيح قول من قال (4): إن أصله: قل لهم فإن تقل لهم يقيموا؛ لأن تقدير ذلك يلزم منه أن يتخلف أحد من المقول لهم عن الطاعة والواقع بخلاف ذلك فوجب إبطال ما أفضى إليه وإن كان قول الأكثر.
والقليل الجائز في الاختيار: الحذف بعد قول غير أمر كقول الراجز.
3934 -
قلت لبوّاب لديه دارها
…
تيذن فإنّي حمؤها وجارها (5)
أراد: لتيذن فحذف اللام وأبقى عملها وليس مضطرا لتمكنه من أن يقول: إيذن، وليس لقائل أن يقول: إن هذا من تسكين المتحرك على أن يكون الفعل مستحقّا للرفع فسكن اضطرارا؛ لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه مستغنيا عن «الفاء» فكان يقول: تيذن إني حمؤها وجارها فإذ لم يستغن عن الفاء فاللام والجزم مرادان.
والقليل المخصوص بالاضطرار: الحذف دون تقدم قول بصيغة أمر ولا بغيرها كقول الشاعر: -
(1) سورة العنكبوت: 12.
(2)
رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب الصلاة (باب الصلاة على الحصير)، انظر:
صحيح البخاري بحاشية السندي، (1/ 80)، وصحيح مسلم (1/ 457)، والموطأ: باب جامع سبحة الضحى. (1/ 153).
(3)
سورة إبراهيم: 31.
(4)
انظر: معاني القرآن للفراء (2/ 77)، وأمالي الشجري (2/ 192)، وحاشية الصبان (4/ 4).
(5)
هذا رجز لمنظور بن مرثد الأسدي، كما في العيني (4/ 444).
والشاهد في «تيذن» إذ أصله: لتيذن فحذف اللام وأبقى عملها، وليس هذا بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن. وانظر الرجز في المغني (ص 225)، والعيني (4/ 444)، والهمع (2/ 56).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3935 -
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي
…
ولكن يكن للخير منك نصيب (1)
أراد: ولكن ليكن (2) فحذف «اللام» مضطرّا وأبقى عملها، وليس من هذا ما أنشده الفراء (3) من قول الراجز:
3936 -
من كان لا يزعم أنّي شاعر
…
فيدن منّي تنهه المزاجر (4)
لأنه لو قصد الأمر لقال: فليدن مني، وإنما أراد: عطف «يدنو» على «لا يزعم» وحذف «الواو» من «يدنو» لدلالة الضمة عليها كما قال:
3937 -
فياليت الأطبّا كان حولي (5)
فحذف «واو» الضمير اكتفاء بالضمة، فـ «واو» ليست بضمير أحق أن يفعل بها ذلك، وأما «تنهه» فمجزوم؛ لأنه جواب «من» .
ومن دخول «لا» النهي على فعل المتكلم قول الشاعر:
3938 -
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد
…
بها أبدا ما دام فيها الجراضم (6)
-
(1) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، يخاطب به الشاعر ابنه لما تمنى موته، وقوله:«بقائي» بيان لقوله:
«مني» أو بدل منه، و «منك» حال.
والشاهد: في «يكن» إذ أصله ليكن فحذفت اللام للضرورة والبيت في معاني القرآن (1/ 159)، والمغني (ص 224)، وشرح شواهده (ص
597)، والأشموني (4/ 5).
(2)
انظر معاني القرآن للفراء (1/ 160).
(3)
انظر: معاني القرآن (1/ 160).
(4)
هذا رجز لقائل مجهول أورده العلامة ابن مالك على أن قوله: «فيدن» ليس على حذف لام الأمر؛ لأن الراجز لو قصد الأمر لقال: فليدن، وإنما أراد عطف «يدنو» على «لا يزعم» وحذف «الواو» من «يدنو» لدلالة الضمة عليها وهذا وارد في أشعار العرب، أما الفراء فقد أنشد الرجز شاهدا على حذف «لام» الأمر من قوله:«فيدن» والفاء جواب للشرط. والرجز في الخصائص (3/ 303) واللسان «زجر» .
(5)
هذا صدر بيت من الوافر لقائل مجهول وعجزه:
وكان مع الأطباء الأساة
الشرح: الأطبا جمع: طبيب وهو الذي يعالج الأسقام، وأصله: الأطباء فقصره الشاعر، وحولي يروى بدله «عندي» والأساة جمع: آس من قولك: أسا الجرح يأسوه: إذا عالجه ليبرأ.
والشاهد في قوله: «كان» إذ أصله: كانوا فحذفت «واو» الجماعة واكتفي بالضمة للدلالة عليها.
والبيت في معاني الفراء (1/ 91)، وشرح المفصل للرازي (3/ 14)، وابن يعيش (7/ 5) والإنصاف (ص 385)، والخزانة (2/ 385).
(6)
هذا البيت من الطويل قاله الوليد بن عتبة يعرض بمعاوية، وهو المراد بقوله:«الجراضم» لأنه كان -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثله قول الآخر:
3939 -
لا أعرفن ربربا حورا مدامعها
…
مردّفات على أحناء أكوار (1)
وقد فصل بين «لا» ومجزومها في الضرورة كقول الشاعر:
3940 -
وقالوا أخانا لا تخشّع لظالم
…
عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم (2)
أراد: ولا تظلم ذا حق قومك، وهذا رديء؛ لأنه شبيه بالفصل بين الجار والمجرور.
هذا آخر كلامه على «اللام» و «لا» وقد تضمن ما تضمنه من بيان متن الكتاب - أعني التسهيل - شرحا وتعليلا، ولكنا نشير إلى التنبيه على ما لم يتضمنه كلامه في الشرح المذكور فمن ذلك: أنه أشار بقوله في اللام: (وفتحها لغة)، إلى ما ذكره الفراء عند كلامه على قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (3) قال (4): بنو سليم يفتحون لام الأمر نحو: ليقم زيد.
ومنه: أن قوله: (وتلزم في النّثر في فعل غير الفاعل المخاطب) يشمل فعل ما لم يسمّ فاعله مطلقا أي سواء أكان لمخاطب أم متكلم أم غائب، وفعل الفاعل المتكلم وحده أو مشاركا، وفعل الفاعل الغائب فـ «اللام» في كل هذا واجبة الذكر، أما فعل أمر الفاعل المخاطب، فالغالب خلوه منها ومن حروف المضارعة كما أشار إليه.
وأما قوله: (خلافا لمن أجاز حذفها في نحو: قل له ليفعل) فلا شك أن هذا الكلام يناقض ما ذكره في شرح الكافية، وقد [5/ 144] قرر الإمام بدر الدين (5) -
- كثير الأكل جدّا، وهو بضم الجيم، الأكول الواسع البطن.
والشاهد فيه دخول «لا» الناهية على فعل المتكلم في قوله: «فلا نعد» وهو نادر؛ لأن المتكلم لا ينهى نفسه إلا على المجاز تنزيلا له منزلة الأجنبي ويجوز أن تكون دعائية كما في المغني، والبيت في المغني (ص 247) وشرح شواهده (ص 633)، وأمالي الشجري (2/ 226)، والعيني (4/ 420)، وشرح التصريح (2/ 246).
(1)
سبق شرحه.
(2)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول.
والشاهد فيه: الفصل بين «لا» ومجزومها «تظلم» أراد: ولا تظلم ذا حق قومك، وهو ضرورة. وانظر البيت في الهمع (2/ 56)، والدرر (2/ 7)، والأشموني (4/ 4).
(3)
سورة النساء: 102.
(4)
انظر: معاني القرآن (1/ 285)، وعبارته: وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: «ليقم زيد» .
(5)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 58).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك ولم يتعرض إلى ما ذكره والده في شرح الكافية، وكلام الشيخ موافق لكلام بدر الدين فإنه قال (1): «والصحيح أن حذف لام الأمر وإبقاء عملها لا يجوز إلا في الشعر سواء أتقدم أمر بالقول أو قول غير أمر أم لم يتقدم قول.
ومنه: أنه عنى بقوله: (ويلزم آخره ما يلزم المجزوم) أنه إن كان مسندا إلى «الألف» أو «الواو» أو «الياء» يقال فيه: اضربا واضربوا واضربي كما يقال:
لم تضربا ولم تضربوا ولم تضربي، وإن لم يكن مسندا إلى أحد الثلاثة وهو صحيح الآخر يقال فيه: اضرب كما يقال: لم يضرب، وإن كان معتل الآخر يقال فيه:
اغز، وارم، واخش، كما يقال: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش.
وإذا قد عرف هذا فلنذكر كلام بدر الدين رحمه الله تعالى قال (2): عوامل الجزم: لام الأمر، و «لا» التي للنهي، و «لم» و «لما» أختها، و «إن» الشرطية وما ضمنّ معناها، وإنما عملت الجزم؛ لأنها اختصت بالأفعال ولازمتها ولم تتنزل منها منزلة الجزء فاقتضى ذلك أن تؤثر فيها وتعمل؛ لأن كل ما لزم شيئا أثّر فيه غالبا فعملت فيه الجزم لأنه أنسب؛ وذلك لأن الفعل بعد لام الأمر شبيه بالأمر المبني على السكون ومثله في المعنى فحمل عليه في اللفظ فأعرب بالجزم الشبيه بالبناء، وأما النهي فإنه يجزم فعله لأنه نقيض الأمر المبني كما يجزم الفعل بـ «لم» و «لما» ؛ لأنه نقيض الماضي، والماضي مبني، وأما «إن» الشرطية فلأنها تقتضي جملتين: شرطا وجزاء فعملت الجزم لأنه أخف وأحسن مع الإطالة.
واعلم أن الفعل يجزم باللام في الأمر وهو: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء نحو: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (3)، وفي الدعاء وهو: طلب الفعل على سبيل الخضوع نحو: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (4)، ومثله قول أبي طالب:
3941 -
يا ربّ إمّا تخرجنّ طالبي
…
في مقنب من تلكم المقانب
فليكن المغلوب غير الغالب
…
وليكن المسلوب غير السّالب (5)
-
(1) انظر: التذييل (6/ 752) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(2)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 57) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.
(3)
سورة الطلاق: 7.
(4)
سورة الزخرف: 77.
(5)
سبق شرحه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلذلك سماها: لام الطلب. والنحويون يسمونها: لام الأمر (1) لأنه الأصل فيها، ولام الأمر مبنية على الكسر؛ لأنه أقرب إلى الجزم لأنه حركة مقابل مقابله وهو الجر، ومن العرب من يبنيها على الفتح قال الفراء (2) في كلامه على
قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (3): بنو سليم يفتحون لام الأمر نحو: ليقم زيد.
وإذا وقعت لام الأمر بعد «الفاء» و «الواو» و «ثم» جاز تسكينها حملا على «فعل» وإجراء للمنفصل مجرى المتصل لكثرة الاستعمال (4)، وهو مع «الفاء» و «الواو» أعرف من التحريك ولذلك اتفق القراء (5) على التسكين فيما سوى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا (6)، وَلِيَتَمَتَّعُوا (7)، مما ولي «واوا» أو «فاء» كقوله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي (8) وقوله تعالى: فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (9) وقوله تعالى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ (10)، وأما تسكين اللام بعد «ثم» فقليل ومنه قراءة أبي عمرو وغيره:(11) ثم ليقضوا تفثهم (12).
وتلزم لام الأمر في النثر فعل غير الفاعل المخاطب وهو فعل الفاعل الغائب والمتكلم وحده أو مشاركا، وفعل ما لم يسم فاعله مطلقا كقولك: ليقم زيد، وقوله صلى الله عليه وسلم:
«قوموا فلأصلّ لكم» وقوله تعالى: وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ (13)، وقولهم: لتعن -
(1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 251).
(2)
انظر: معاني القرآن (1/ 285).
(3)
سورة النساء: 102.
(4)
وافق الإمام بدر الدين في ذلك مذهب الأكثرين مخالفا بذلك ما ذهب إليه والده المصنف في شرح الكافية الشافية من أن الأمر خلاف ذلك.
(5)
انظر: الكشف (2/ 116 - 117) والإرشادات الجلية (ص 312) وقرأ ابن ذكوان (وليوفوا، وليطوفوا) بكسر اللام فيهما.
(6)
سورة الحج: 29.
(7)
سورة العنكبوت: 66.
(8)
سورة البقرة: 186.
(9)
سورة البقرة: 282.
(10)
سورة النساء: 102.
(11)
وقع الإمام بدر الدين هنا فيما وقع فيه والده المصنف، فنسب قراءة تسكين «اللام» بعد «ثم» إلى أبي عمرو وغيره، والصحيح أن قراءة أبي عمرو وغيره بكسر اللام، وقراءة الباقين بالتسكين.
(12)
سورة الحج: 29.
(13)
سورة العنكبوت: 12.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بحاجتي وليزه زيد علينا (1)، فاللام في كل هذا واجبة الذكر ولا يجوز حذفها في مثله إلا في الشعر فإنه محل الاختصار والتغيير فيجوز فيه حذف اللام وجزم الفعل بها مضمرة لاضطرار ودونه، فالأول كقول الشاعر:
3942 -
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي
…
ولكن يكن للخير منك نصيب (2)
أراد: ليكن للخير منك نصيب ولكنه اضطر فحذف (3).
والثاني كقول الآخر:
3943 -
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي
…
لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (4)
لتمكنه من أن يقول: وليبك من بكى، ومثله قول الآخر:
3944 -
قلت لبوّاب لديه دارها
…
تيذن فإنّي حمؤها وجارها (5)
لأنه لو لم يؤثر الجزم باللام المحذوفة لقال: إيذن بلفظ الأمر، فأما قول الشاعر (6):
3945 -
محمّد تفد نفسك كلّ نفس
…
إذا ما خفت من شيء تبالا (7)
فليس يثبت لجواز أن يكون أراد: تفدي نفسك على الخبر، ولكن حذف الياء تخفيفا كما حذفوا من: كرامي الأيد يريدون: الأيدي، وكذا ما أنشده الفراء (8):
3946 -
من كان لا يزعم أنّي شاعر
…
فيدن منيّ تنهه مني المزاجر (9)
-
(1) انظر: شرح ابن الناظم (ص 690).
(2)
سبق شرحه.
(3)
انظر معاني الفراء (1/ 160).
(4)
،
(5)
سبق شرحه.
(6)
نسب للأعشى وليس في ديوانه، ولحسان بن ثابت وليس في ديوانه أيضا، ونسب لأبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
هذا البيت من الوافر، والتبال: الفساد، وقيل: الحقد والعداوة.
والشاهد في «تفد» حيث حذف منه لام الأمر وبقي عملها إذ أصله: لتفد، وهذا ما عليه سيبويه وأكثر النحويين، ولكن الإمام بدر الدين جعل
هذا من قبيل الخبر وأصله: تفدي ثم حذفت الياء تخفيفا.
والبيت في الكتاب (3/ 8)، والمقتضب (2/ 130)، وأمالي الشجري (1/ 375)، والإنصاف (ص 530)، وابن يعيش (7/ 25، 60، 62)، (9/ 24)، والمقرب (1/ 272).
(8)
انظر: معاني القرآن (1/ 160).
(9)
سبق شرحه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنه لو أراد الأمر لقال: فليدن مني، وإنما أراد عطف «يدنو» على «لا يزعم» وحذف «الواو» من «يدنو» لدلالة الضمة عليها كما قال:
3947 -
فيا ليت الأطبّا كان حولي (1)
فحذف «واو» الضمير اكتفاء بالضمة، وأما «تنهه» فمجزوم لأنه جواب «من» (2).
ولا يجوز في غير الشعر حذف لام الأمر خلافا للكسائي (3)، قال ثعلب (4):
قال الكسائي في قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (5): هو ليغفروا فأسقط «اللام» وترك «يغفروا» مجزوما قلت: والوجه أن يكون مجزوما بجواب الأمر (6) على معنى: إن يقل لهم اغفروا يغفروا، والغالب في أمر الفاعل المخاطب خلوّه من «اللام» ومن حرف المضارعة، وقد لا يخلو منهما كقراءة عثمان وأنس وأبيّ (فبذلك فلتفرحوا)، وكقوله صلى الله عليه وسلم:«لتأخذوا مصافّكم» وهو قليل، والكثير المعروف في كلامهم مجيء أمر الفاعل المخاطب مجردا من «اللام» ومن حرف المضارعة مجعولا آخره كآخر المجزوم، فإن لم يتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة فإن كان صحيحا فهو ساكن الآخر نحو: اذهب واضرب واخرج، وإن كان معتلّا فهو محذوف [5/ 145] الآخر نحو: اخش وارم واغز، وإن اتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة ثبتت في آخره بغير نون نحو: اضربا، واضربوا، واضربي، وليس ذلك جزما بل بناء؛ لأن دلالة «اضرب» ونحوه على الأمر إما بإضمار اللام وهو مضارع محذوف منه حرف المضارعة، وإما بتضمن معناها وهو مثال مأخوذ من لفظ المصدر للدلالة على الحدث والنسبة تفيد الطلب، لا جائز أن يكون بالإضمار لما فيه من كثرة الحذف لغير موجب فتعيّن أن يكون -
(1) سبق شرحه.
(2)
هذا الكلام ذكره ابن مالك في شرح الكافية الشافية.
(3)
انظر المغني (ص 225)، والهمع (2/ 55).
(4)
أخذ بهذا الرأي العلامة ابن مالك في شرح الكافية الشافية. انظر ما نقله عنه المؤلف قبل، وانظر البيان للأنباري (2/ 59).
(5)
سورة الجاثية: 14.
(6)
انظر: معاني الفراء (1/ 77)، (3/ 45 - 46)، وأمالي الشجري (2/ 192)، والبيان للأنباري (2/ 59، 365).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالتضمين، وإذا كانت دلالة «اضرب» ونحوه على الأمر بتضمن معنى «اللام» وجب الحكم عليه بالبناء لوجهين:
أحدهما: عدم وجود علة الإعراب فيه وهو شبه الاسم، فإن المضارع إنما أعرب لشبهه بالاسم إما لجواز قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة وإما في احتمال الإبهام والتخصيص وقبول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته، وذلك وشبهه مفقود من فعل الأمر فوجب أن يكون مبنيّا كالماضي.
الثاني: أن فعل الأمر لو كان معربا لكان مجزوما، لأنه أبدا ساكن الآخر أو محذوفه، ولو كان مجزوما لكان الجازم له إما اللام وإما غيرها، لا جائز أن يكون مجزوما باللام لأن المتضمن يمنع من إظهار مثله؛ لأنه لا فائدة فيه، ولا يصح أن تعمل متضمنة كما لا يعمل الشيء في نفسه، ولا جائز أن يكون مجزوما بغيرها لاستحالة تقديره فتعيّن الحكم عليه بالبناء.
وذهب الكوفيون (1) إلى أن فعل الأمر مجزوم بلام محذوفة وهو مضارع حذف منه حرف المضارعة؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان لوجوب حذف آخر المعتل منه وجه، وهو ضعيف لجواز أن يكون الوجه في حذف آخر المعتل من الأمر هو طلب التخفيف استثقالا بحرف العلة المتطرف الساكن، ثم التزموا حذفه كما أجازوا حذف المتحصن بالحركة المقدرة كقراءة من قرأ (2) يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه (3) وذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ (4)، ولو لم يكن لحذف آخر فعل الأمر المعتل وجه من المناسبة والاستحسان لكان دعواه أيسر من دعوى حذف لام الأمر وحرف المضارعة. والمشهور عن الأخفش (5) موافقة سيبويه في الحكم على فعل -
(1) انظر: الإنصاف (ص 524) وما بعدها المسألة رقم «72» .
(2)
في النشر (2/ 292): «أثبتها - أي الياء - وصلا المدنيان وأبو عمرو والكسائي، وأثبتها ابن كثير ويعقوب في الحالين، وحذفها الباقون في الحالين تخفيفا كما قالوا: لا أدر، ولا أبال وانظر الإرشادات الجلية (ص 278).
(3)
سورة هود: 105.
(4)
سورة الكهف: 64.
(5)
المشهور أن الأخفش يوافق الكوفيين في أن فعل الأمر معرب، وجزمه بلام الأمر المقدرة على أنه مقتطع من المضارع المجزوم بها، وهذا القول قد ذكره الإمام بدر الدين قولا آخر ولم أر أحدا ذكر أن الأخفش يوافق سيبويه في الحكم على فعل الأمر بالبناء - فضلا عن أن يكون مشهورا - سوى الإمام بدر الدين هنا في شرح التسهيل، ولم يشر إلى ذلك في شرحه على الألفية. انظر المغني (ص 227) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمر بالبناء، وعنه أيضا قول آخر (1) وهو أن فعل الأمر مجزوم بمعنى الأمر، وهو قول بما لا نظير له من غير دليل عليه.
وكذا يجزم الفعل بـ «لا» الطلبية وهي الدالة على النهي عن الفعل كقوله تعالى: لا تَحْزَنْ (2) أو الدعاء بتركه لشخص أو عليه فالأول كقوله تعالى:
رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا (3)، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً (4)، والثاني كقول الشاعر:
3948 -
بكى دوبل لا يرقئ الله دمعه
…
ألا إنّما يبكي من الذّلّ دوبل (5)
وقد يليها معمول مجزومها كقول الشاعر:
3949 -
وقالوا أخانا لا تخشع لظالم
…
عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم (6)
أراد ولا تظلم ذا حق قومك.
وأكثر ما تجزم «لا» فعل المخاطب أو الغائب وقد يجزم بها فعل المتكلم وهو أقل من جزمه باللام ومنه قول الأعشى (7):
3950 -
لا أعرفن ربربا حورا مدامعها
…
مردّفات على أحناء أكوار (8)
وقول الآخر:
3951 -
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد
…
بها أبدا ما دام فيها الجراضم (9)
-
- وشرح التصريح (1/ 55)، وحاشية الصبان (1/ 58) ومنهج الأخفش الأوسط (ص 402).
(1)
انظر: المراجع السابقة.
(2)
سورة التوبة: 40.
(3)
،
(4)
سورة البقرة: 286.
(5)
هذا البيت من الطويل وهو لجرير في ديوانه (ص 141).
الشرح: لا يرقئ الله دمعه، يرقئ: مضارع: أرقأ، والمعنى: لا يرفع الله دمعته، ودوبل لقب الأخطل.
ومعنى البيت واضح في أن جرير يهجو الأخطل.
والشاهد فيه قوله: لا يرقئ حيث جزم الفعل بـ «لا» الدالة على الدعاء على الشخص. انظر البيت في أساس البلاغة (رقأ)(1/ 359)، واللسان «دبل» .
(6)
سبق شرحه.
(7)
هذه النسبة خطأ لأن البيت للنابغة الذبياني كما سبق ذلك.
(8)
،
(9)
سبق شرحه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى كلام بدر الدين (1) وبعضه يحتاج إلى تأمل، وبعض منه يحتمل البحث فيه.
ثم لا بد من التنبيه على أمور:
منها: أنه لا يجوز أن يفصل بين «لام» الأمر وبين ما عملت فيه لا بمعمول الفعل ولا بغيره فهي أشد اتصالا من حروف الجر؛ لأن حرف الجر فصل بينه وبين مدخوله بالقسم، روى عن العرب: اشتريته بو الله ألف درهم (2)، ولا يجوز في «اللام» ؛ ذلك لأن عامل الجزم أضعف من عامل الجر (3).
ومنها: أنه لا يجوز أن يتقدم عليها - أعني اللام - معمول فعلها إذا كان مما يجوز تقديمه في فعل الأمر بغير لام فيجوز أن تقول: زيدا ليضرب عمرو كما يجوز: زيدا اضرب.
ومنها: أن قول المصنف في «لا» الطلبية: (وقد يليها معمول مجزومها) ظاهره يعطي أن ذلك يجوز في الكلام على قلة، لكنه قد قال في شرح الكافية كما علمت: إن ذلك مخصوص بالضرورة، وقال: إنه رديء أيضا.
ومنها: أن قول المصنف أيضا: (وجزم فعل المتكلّم بها - يعني بـ «لا» - أقلّ من جزمه باللّام) ليس المراد به الإطلاق؛ لأن الفعل إذا كان مبنيّا للمفعول جاز دخول «لا» المذكورة عليه مطلقا سواء أكان لمتكلم أم مخاطب أم غائب نحو:
لا أخرج، ولا تخرج، ولا يخرج زيد، أما إذا كان مبنيّا للفاعل فالأكثر كونه للمخاطب نحو: لا تذهب، ويضعف للغائب والمتكلم، والفرق بينه وبين المبني للمفعول أنه لا يلزم في المبني للمفعول أن يكون المنهي غائبا ويلزم ذلك في المبني للفاعل، فإذا قيل: لا أخرج، أو لا يخرج زيد مبنيّا للمفعول احتمل أن يكون الفاعل المحذوف هو المسند إليه الفعل أو غيره، وأما إذا بناه للفاعل فقال: لا أخرج أو لا يخرج زيد فإنه في التّكلّم لا ينهى نفسه إلا على ضرب من التجوّز وتنزيلها منزلة أجنبي حتى ينهاها وأما في الغائب فمحال أن ينهى الغائب، وإنما يكون ذلك أيضا على نوع من التجوز بأن يوصل إليه النهي، وحقيقة الأمر والنهي إنما هو خطاب الحاضر بإيجاد شيء أو تركه فهما فيما سواه إنما يكونان على ضرب من -
(1) انظر: شرح التسهيل (4/ 63) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد.
(2)
حكاه الكسائي، انظر: الهمع (1/ 37).
(3)
انظر: الهمع (2/ 56).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المجاز والتوسع، هكذا ذكر الشيخ (1)، ولا يخفى ما فيه.
وقد تعرّض أيضا هنا لذكر مسألة مشهورة لا تعلق لها بمسائل الفصل الذي نحن فيه إلا على بعد فأحييت ذكرها لما فيها من الفائدة قال (2) رحمه الله تعالى: «وقد يتجوز بالنهي عن الفعل [5/ 146] المقصود به في الحقيقة - أي بالنهي - إلى ما يلزمه كقولهم: لا أرينّك ها هنا (3)، ولا يرينّك زيد هاهنا، لا يريد المتكلم بذلك نهي نفسه ولا نهي الغائب عن الرؤية وإنما يريد: لا تحضر فأراك أو يراك زيد؛ فنهى عن المسبب وليس مقصودا، قال: وقريب من هذا قوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (4) لم ينههم عن الموت بغير الإسلام؛ لأنه ليس لهم، وإنما معناه: لا تكفروا فتموتوا غير مسلمين، وقوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ * (5) أي: لا تمتنعوا.
هذا ما يتعلق بالحرفين الأولين وهما: «اللام» و «لا» ، وأما الحرفان الآخران وهما:
«لم» و «لمّا» النافية فقال المصنف في شرح الكافية (6): إذ قلت: لم يكن جاز أن تريد انتفاء غير محدود كقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (7)، وانتفاء محدودا متصلا بالحال كقوله تعالى: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (8)، وكقول سيبويه (9): ولما هو كائن لم ينقطع، وانتفاء منقطعا كقوله تعالى:
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (10)، وكقول الراجز (11):
3952 -
وكنت إذ كنت إلهي وحدكا
…
لم يك شيء يا إلهي قبلكا (12)
-
(1) انظر: التذييل (6/ 765 - 766).
(2)
انظر: التذييل (6/ 766 - 767).
(3)
انظر: الكتاب (3/ 101).
(4)
سورة البقرة: 132.
(5)
سورة المائدة: 2، 8.
(6)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1572 - 1574).
(7)
سورة الإخلاص: 3، 4.
(8)
سورة مريم: 4.
(9)
في الكتاب (4/ 220)«ولم، وهي نفي لقوله فعل» .
(10)
سورة الإنسان: 1.
(11)
وهو لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي كما في الكتاب (2/ 210).
(12)
هذا رجز استشهد به ابن مالك على أن «لم» ترد للنفي المنقطع. قال ابن هشام في المغني (ص 279):
«وذلك وهم فاحش» ، وفي الرجز شاهدان آخران: أحدهما: استشهد به سيبويه على إثبات الياء في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولجواز انقطاع مدلول «لم» يحسن أن يقال: لم يكن ثم كان، ولجواز كونه غير محدود حسن أن يقال يقال: لم يقض ما لا يكون.
وأما «لما» فمدلولها انتفاء محدود متصل بزمن النطق بها، فلذلك امتنع أن يقال: لما يكن ثم كان، ولما يقض ما لا يكون؛ لأن انتفاء قضاء ما لا يكون غير محدود، ولا يشترط كون المنفي بـ «لما» قريبا من الحال كقولهم: عصى إبليس ربّه ولما يندم (1)، بل الغالب كونه قريبا (2).
وقد تهمل «لم» فيليها الفعل مرفوعا (3) كقول الشاعر:
3953 -
لولا فوارس من نعم وأسرتهم
…
يوم الصليفاء لم يوفون بالجار (4)
وانفردت «لما» بجواز حذف مجزومها (5) والوقف عليها كقول الشاعر:
3954 -
فجئت قبورهم بدأ ولمّا
…
فناديت القبور فلم يجبنه (6)
وانفردت «لم» بأشياء منها: أنه فصل بينها وبين مجزومها اضطرارا (7) كقول الشاعر: -
- «يا إلهي» على الأصل وإن كان الحذف أكثر في الكلام، والثاني استشهد به ابن هشام في أوضح المسالك (2/ 184) على إضافة «وحد» إلى الكاف، والرجز في الكتاب (2/ 210) والمقتضب (4/ 247)، والمنصف (2/ 232)، وابن يعيش (2/ 11) والمغني (ص 279)، وشرح شواهده:(ص 681).
(1)
انظر: المغني (ص 279).
(2)
،
(3)
المرجع السابق.
(4)
هذا البيت من البسيط لقائل مجهول.
الشرح: فوارس جمع: فارس على غير قياس، ونعم يروى بدله «ذهل» حي من بكر، وأسرة الرجل:
رهطه، والصليفاء اسم موضع.
والشاهد في «لم يوفون» حيث لم ينجزم المضارع بـ «لم» للضرورة، وظاهر كلام ابن مالك جواز ذلك على قلة مطلقا. والبيت في ابن يعيش (7/ 8) والخزانة (3/ 626) والعيني (4/ 446) والأشموني.
(5)
انظر: المغني (ص 279، 280).
(6)
هذا البيت من الوافر لقائل مجهول، والبدء: السيد أي: ولم أكن سيدا، والضمير في «قبورهم» لقومه الذين يتحسر عليهم، ويقول: إنه صار سيدا بموتهم مع أنه لم يكن كذلك في حياتهم، و «بدأ» حال من التاء، والهاء في «يجبنه» للسكت.
والشاهد فيه جواز حذف مجزوم «لما» والوقف عليها في الاختيار، والبيت في المغني (ص 280) وشرح شواهده (ص 681)، والهمع (2/ 57).
(7)
انظر: المغني (ص 278).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3955 -
فذاك ولم إذا نحن امترينا
…
تكن في النّاس يدرككّ المراء (1)
التقدير: ولم تكن إذا نحن امترينا يدركك المراء (2).
وقال الإمام بدر الدين (3): من عوامل الجزم و «لم» و «لما» أختها، أما «لم» فحرف نفي يختص بالمضارع
ويصرفه إلى معنى المضي، وأما «لما» فعلى ثلاثة أقسام: حرف نفي بمنزلة «لم» في الاختصاص بالمضارع وصرف معناه إلى المضي، وهي التي تجزم نحو قوله تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (4)، وحرف استثناء بمعنى: إلا، وتختص بالفعل المؤول بالمصدر في مثل قولهم: عزمت عليك لمّا فعلت، المعنى: ما أسألك إلا فعلك (5)، وحرف يقتضي فيما مضى وجوبا لوجوب نحو: لما قام زيد قام عمرو، وسيأتي ذكرها، وتنفرد «لم» عن «لما» بأمرين:
أحدهما: جواز مصاحبة أدوات الشرط نحو: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ (6)، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ (7)، كما يجوز دخولها على بناء الماضي نحو: إن قام زيد قام عمرو، ولا يجوز مثل ذلك في «لما» كأنهم كرهوها مع الشرط لطولها وإمكان الاستغناء بـ «لم» .
والثاني: جواز انفصال نفيها عن الحال فتنفي الماضي المنقطع حدثه عن زمن الحال كما تنفي الماضي المتصل به.
مثال الأول: قولهم: لم يكن كذا ثم كان، ومنه قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (8) وقال الراجز:
3956 -
وكنت إذ كنت إلهي وحدكا
…
لم يك شيء يا إلهي قبلكا (9)
-
(1) هذا البيت من الوافر، لقائل مجهول.
الشرح: امترينا: تجادلنا، والمراء: الجدال وجملة «يدركك المراء» خبر تكن، والظرف الفاصل بين «لم» ومجزومها متعلق بـ «يدرك» والأصل ولم تكن في الناس يدركك المراء إذا نحن امترينا.
والشاهد فيه الفصل بين «لم» ومجزومها بالظرف اضطرارا، والبيت في المغني (ص 278)، وشرح شواهده (ص 678)، والأشموني وحاشية الصبان (4/ 5).
(2)
هذا نهاية ما نقله المؤلف عن شرح الكافية الشافية (3/ 1577).
(3)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 63).
(4)
سورة عبس: 23.
(5)
انظر: المغني (ص 281).
(6)
سورة هود: 14.
(7)
سورة المجادلة: 4.
(8)
سورة الإنسان: 1.
(9)
سبق شرحه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال الثاني: قول سيبويه (1): ولما هو كائن لم ينقطع، ومنه قوله تعالى:
وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (2) وقال الطرماح:
3957 -
لم يفتنا بالوتر قوم وللضّي
…
م رجال يرضون بالإغماض (3)
أي: المسامحة بترك الحق.
وتنفرد «لما» بأمرين:
أحدهما: وجوب اتصال نفيها بالحال ومن ثمّ امتنع أن يقال: لما يكن كذا ثم كان، وإنما يقال: لما يكن كذا وقد يكون أو لا يكون، قال:
3958 -
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل
…
وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق (4)
والثاني: جواز الاستغناء في الاختيار بذكر «لما» عن ذكر المنفي بها إذا دلّ عليه دليل كما تقول: ندم زيد ونفعه الندم، وندم غيره ولمّا، قال الشاعر:
3959 -
فجئت قبورهم بدأ ولمّا
…
فناديت القبور فلم يجبنه (5)
أراد: ولما أكن كذلك.
ولا يسلك مثل ذلك بـ «لم» إلا في الضرورة كقول الراجز:
3960 -
يا ربّ شيخ من بكير ذي غنم
…
أحلج لم يشمط وقد كاد ولم (6)
-
(1) انظر: الكتاب (4/ 220).
(2)
سورة مريم: 4.
(3)
هذا البيت من الخفيف، والإغماض: المسامحة والمساهلة، واستشهد به الإمام بدر الدين على جواز انفصال نفي «لم» عن الحال فتنفي الماضي المنقطع حدثه عن زمن الحال نحو قولهم: لم يكن كذا ثم كان، كما تنفي الماضي المتصل به وذلك نحو:«لم» في هذا البيت.
(4)
هذا البيت من الطويل، وهو لممزق العبدي، شاعر جاهلي لقب بالممزق لأجل هذا البيت.
كتبه عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - متمثلا به إلى علي كرم الله وجهه يدعوه إليه حين حاصره الخوارج، وتوهم أنه بإغراء علي.
والشاهد فيه: «ولما أمزق» فإنه شاهد على وجوب اتصال نفي منفي «لما» بحال النطق، بخلاف «لم» والبيت في العقد الفريد (2/ 31)، وأمالي الشجري (1/ 135) وأساس البلاغة (1/ 17)«أكل» .
(5)
سبق شرحه.
(6)
هذا رجز لقائل مجهول.
الشرح: بكير: اسم قبيلة، وأحلج: من الحلج وهو الحركة والاضطراب، ويروى بالخاء وهو بمعناه، والخلج والخلج - بالخاء مع تسكين اللام وتحريكها - داء يصيب البهائم تختلج منه أعضاؤها، وقوله: لم يمشط: من شمط - بالكسر - يشمط شمطا، والشمط في الرجل: شيب اللحية، والشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد يلي «لم» معمول مجزومها اضطرارا كقول ذي الرمة:
3961 -
فأضحت مباديها قفارا بلادها
…
كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل (1)
التقدير: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش، وقول الآخر:
3962 -
فذاك ولم إذا نحن امترينا
…
تكن في النّاس يدرككّ المراء (2)
التقدير: ولم تكن يدركك المراء إذا نحن امترينا.
وقد تلغى لم حملا على «لا» النافية فيرفع الفعل بعدها، ذكر ذلك جماعة (3) وأنشد عليه الأخفش وثعلب:
3963 -
لولا فوارس من نعيم وأسرتهم
…
يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (4)
انتهى كلام بدر الدين رحمه الله تعالى.
ونحن نشير بعد ذلك إلى أمور:
منها: أن الشيخ قال (5): إن المصنف يزعم أنه احترز بقوله: (ولما أختها)، يعني أخت «لم» من «لما» التي بمعنى:«إلّا» ، ومن «لما» التي هي حرف وجوب لوجوب (6) على مذهب سيبويه (7)، وظرف على مذهب الفارسي (8)، قال (9):
ولا يحتاج إلى هذا الاحتراز؛ لأن «لما» التي بمعنى «إلّا» والتي هي ظرف أو حرف -
- والشاهد في قوله: «ولم» حيث استغنى بذكر «لم» عن ذكر المنفي بها وهو ضرورة، بخلاف «لما» فإن ذلك جائز معها اختيارا، ووجدت على هامش النسخة (جـ) حاشية بخطه نصها:«يريد وقد كاد يمشط ولم يمشط فحذف خبر كاد ومعمول لم» .
(1)
هذا البيت من الطويل وهو في ديوان ذي الرمة (ص 506).
الشرح: قوله: مباديها جمع: مبدئ وهي المناجع ضد المحاضر، ويروى: مغانيها جمع: مغنى وهو الموضع الذي كان غنيّا به أهله، وقفارا جمع: قفر مفازة لا نبات فيها ولا ماء.
والشاهد فيه فصل «لم» من مجزومها وهو «تؤهل» للضرورة والأصل: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش، والبيت في الخصائص (2/ 410)، والمغني (ص 278) وشرح شواهده (ص 678) والعيني (4/ 445).
(2)
سبق شرحه.
(3)
منهم ابن مالك في شرح الكافية الشافية.
(4)
سبق شرحه.
(5)
انظر: التذييل (6/ 770) وقد نقله عنه بتصرف.
(6)
في التذييل: «وجود لوجود» وفي المغني (ص 280): «وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب» .
(7)
في الكتاب (4/ 234): وأما «لما» : فهي للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره.
(8)
انظر: المغني (ص 280).
(9)
أي: أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجوب لوجوب لا يحفظ دخولها على مضارع، وهو إنما يذكر عوامل الجزم. انتهى.
وأقول: إنه قد تقدم الكلام في ذلك في أول الكتاب عند الكلام على قوله «ولما الجازمة» وربما أشير هناك إلى الاعتذار عن المصنف.
منها: أنك قد عرفت أن «لم» انفردت عن «لما» بجواز مصاحبتها أدوات الشرط، وعرفت التعليل الذي ذكره «بدر الدين» وقد ذكروا لذلك علة أخرى وهي «إن لم تفعل» نفي «فعل» ، فكما أنّ «فعل» تدخل [5/ 147] عليه أدوات الشرط فكذلك نفيه.
وأما «لما» فإنها نفي «قد فعل» ، و «قد فعل» لا تدخل عليه أدوات الشرط لا يقال:«إن قد قام زيد» كذلك لا يقال: «إن لما يقم زيد» ، قالوا: وإنما لم تدخل «إن» على «قد فعل» لأن «إن» تخلص الماضي إلى الاستقبال، وقد تقربه من
الحال، فتعارضا. ثم لا يخفى أنّ «لا» النافية تجوز مصاحبتها لأدوات الشرط كما صحبتها «لم» ، كقولك: إن لا تفعل أفعل. قال الله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (1)، وقال تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ (2) ولا يتوهم أن «لا» المصاحبة لأدوات الشرط ناهية؛ لأن النهي طلب، والشرط خبر، فلا يجتمعان.
ونقل الشيخ عن بعضهم أنه يزعم أنها النافية، وإن عملها بطل وصار التأثير لأداة الشرط، وذلك بخلاف «لم» فإن التأثير لها لا لأداة الشرط، قالوا: لأن أداة الشرط لم تلزم العمل، في كل ما تدخل عليه، إذ تدخل على الماضي فلم يكن لها اختصاص بالمضارع، فضعفت فحيث دخل عامل مختص كان الحكم له. انتهى (3).
ولم يظهر لي ما ذكروه؛ لأن مقتضاه أن أداة الشرط المقرونة بـ «لم» طالبة للفعل الذي هو مدخول «لم» وليس كذلك، إنما الأداة طالبة للواقع بعدها وهو نفي الفعل، فالمشروط في نحو قولنا: إن لم يقم زيد قام عمرو، هو نفي قيام زيد، فـ «لم» عاملة في لفظ الفعل الذي هو «يقم» ، وأداة الشرط عاملة في محل «لم يقم» ، وليس لها طلب للفعل بحال، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى الاعتذار عن عدم عمل أداة الشرط في الفعل بأن أداة الشرط لم تلزم العمل في كل ما تدخل عليه؛ إذ تدخل -
(1) سورة الأنفال: 73.
(2)
سورة التوبة: 40.
(3)
انظر: التذييل والتكميل (6/ 771).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الماضي، ثم مقتضى هذا أن أداة الشرط إذا دخلت على الماضي لا عمل لها وهذا لا يسلم، بل الذي يقال: إن أداة الشرط لا بد أن تكون عاملة، ولا يقال: إنها لا تعمل إذا دخلت على الماضي لأنا نقول: إنها عاملة في محله فعملها مستمر، إما في اللفظ وإما في المحل، ولكن لك أن تقول: مقتضى ما قررته أن لا يكون لأداة الشرط في نحو قولنا: إن لا تفعل أفعل - عمل في الفعل المنفي؛ لأن المشروط إنما هو نفي الفعل فليست الأداة طالبة للفعل الواقع بعد «لا» ؛ لأن المشروط في مثل ذلك إنما هو نفي الفعل، وإذا كان كذلك فليست الأداة طالبة للفعل الواقع بعد «لا» كما أنها ليست طالبة للفعل الواقع بعد «لم» ، وإذا لم تكن طالبة له فيقال: كيف عملت الأداة في الفعل وليست موجهة إليه مثبتا بل إنما هي متوجهة إليه منفيا؟
وقد يجاب عن ذلك بأن يقال: إن «لا» النافية لا عمل لها في الأفعال، ولما لم يكن لها عمل تعيّن عمل الأداة، وإنما
تخطت الأداة «لا» وعملت فيما بعدها؛ لأن العرب قد استعملوها زائدة بين العامل والمعمول مع أن معناها وهو النفي مراد فحكم بزيادتها من أجل أن العامل تخطاها وعمل فيما بعدها.
ومنها: أن الشيخ ناقش المصنف في شيء فقال (1): قوله: (بمصاحبة أدوات الشّرط)، لا يمكن حمله على العموم لأنه يزعم أن «لولا» من أدوات الشرط و «لولا» لا تدخل على «لم» لا يقال: لولا لم يقم زيد لم يقم عمرو، قال:
فكان ينبغي أن يخصص أدوات الشرط أو يستثني «لولا» . انتهى.
وهذا عجب من الشيخ فإن «لولا» المشار إليها لا يليها إلا اسم مبتدأ، و «لم» إنما يتصور وجودها مع الفعل و «لولا» لا تباشر الفعل، فكيف يحترز عن شيء لا يمكن وقوعه؟
ومنها: أن الشيخ أيضا قال (2) في البيت الذي أنشده المصنف وهو:
3964 -
وكنت إذ كنت إلهي وحدكا
…
لم يك شيء يا إلهي قبلكا (3)
هذا تمثيل وهم فيه إذ ليس من الانتفاء المنقطع؛ لأنه لا يمكن أن يكون تقديره: -
(1) انظر: التذييل (6/ 771) وقد نقله عنه بتصرف.
(2)
انظر: التذييل (6/ 772) وقد نقله عنه بتصرف.
(3)
سبق شرحه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يك شيء يا إلهي قبلك ثم كان شيء قبلك، وإنما يكون من هذا النوع لو كان لم يك شيء يا إلهي معك ليحسن ثم كان معك قال: فلم يمعن المصنف ولا ابنه الفكر في ذلك. انتهى.
وهو استدراك جيد.
ومنها: أنهم عللوا جواز حذف المنفي بـ «لما» في الاختيار إذا دل عليه دليل بأن «لما» لنفي «قد فعل» قالوا (1): ويجوز حذف الفعل بعد «قد» إذا دل عليه، قال الشاعر:
3965 -
أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا
…
لمّا تزل برحالنا وكأن قد (2)
أي (3): وكان قد زالت، فلذلك جاز الحذف بعد «لما» ، وأما «لم» فلا يجوز ذلك معها إلا في الضرورة وقد تقدم شاهد ذلك (4)، ومنه أيضا قول الشاعر:
3966 -
احفظ وديعتك الّتي استودعتها
…
يوم الأعازب إن وصلت وإن لم (5)
يريد: وإن لم تتصل (6).
وليعلم أن «لم» و «لما» انفردا دون «لام» الابتداء و «لا» الطلبية بدخول -
(1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 251)، والمغني (ص 171).
(2)
هذا البيت من الكامل وهو للنابغة الذبياني في ديوانه (ص 89).
الشرح: أزف يروى بدله: «أفد» وهي رواية الديوان: وهما بمعنى: قرب ودنا، والترحل: الرحيل، والركاب:
الإبل الرواحل واحدها: راحلة، ولا واحد لها من لفظها، وقيل: جمع ركوب، والرحال: من الرحيل وهو جمع رحل أيضا: مسكن الرحل ومنزله، وقوله وكأن قد أي: وكأن قد زالت وذهبت بقرينة لما تزل والاستثناء منقطع أي: قرب ارتحالنا لكن رحالنا بعد لم تزل مع عزمنا على الانتقال و «كأن» مخففة من المثقلة.
والشاهد في البيت هنا حذف الفعل الواقع بعد «قد» لدليل وهو قليل والنحاة يستشهدون بالبيت أيضا على دخول تنوين الترنم في الحرف يعني «قد» . وانظر البيت في الخصائص (2/ 361)، (3/ 131)، وابن يعيش (8/ 5، 110، 148)، (9/ 18، 52)، وشرح الكافية للرضي (2/ 251).
(3)
انظر: المغني (ص 171).
(4)
هو بيت الرجز الذي أوله: يا رب شيخ.
(5)
هذا البيت من الكامل وهو لإبراهيم بن هرمة القرشي كما في شرح شواهد المغني (ص 682).
و «يوم» الأعازب يوم معهود بينهم.
والشاهد فيه: حذف مجزوم «لم» وهو ضرورة والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 251)، والمغني (ص 281) وشرح شواهده (ص 682)، والعيني (4/ 443)، والخزانة (3/ 628).
(6)
قال العيني (4/ 444): كذا قدره أبو حيان على صيغة المعلوم، وقدره أبو الفتح اليعلي وإن لم توصل على صيغة المجهول فعلى التقدير الأول يكون قوله: إن وصلت على صيغة المعلوم أيضا وعلى التقدير الثاني يكون على صيغة المجهول والصواب مع اليعلي.